بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخاتم النبيين، وعلي آله الطيبين الطاهرين، الذين اصطفاهم وميزهم علي علم من عباده المسلمين أما بعد:

فبعد أن طبعت کتابي الحادي عشر (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) صممت علي الشروع بتأليف کتاب خاص عن (القضاء والافتاء عند أهل بيت النبوة) وجمعت وهيأت المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع ورتبتها علي طاولتي، ولم يبق علي سوي المباشرة فعلا بالکتابة، بعد ذلک اجتمعت مع أخ کريم، وصديق بارز، فسألني عن مشاريعي الجديدة بعد طباعة کتابي الأخير، فأخبرته بما عزمت عليه، فقال أبو علي: لقد أثبت بالدليل القاطع في کتابيک (المواجهة) و (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) أن عدد الأئمة الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر إماما، فما رأيکم لو کان کتابک الثاني عشر عن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو الإمام المهدي المنتظر؟ ثم إنک قد غطيت بالبحث والدراسة الفکر السياسي لأهل بيت النبوة خاصة، والنظام السياسي الإسلامي عامة من خلال مؤلفاتک فلماذا تترک هذه الثغرة، لأن نظرية الإمام المهدي المنتظر مقطع بارز بالفکر والنظام السياسي الإسلامي، وأن الإمام المهدي هو المؤسس الفعلي لدولة آل محمد التي ستکون آخر الدول، وبالتالي فلا يمکنک تجاهل هذه الحقائق، أو القفز عنها، والاهم أن تناول الإمام المهدي بالبحث والدراسة يشکل إغلاقا مناسبا لدائرة بحوثک عن الفکر السياسي العالمي عامة، ولفکر أهل بيت النبوة خاصة، وبعد ذلک فلا تثريب عليک لو طرقت أي موضوع شئت. فاقتنعت.



[ صفحه 6]



بصواب الاقتراح، وتفاءلت خيرا، ولکني أوجست في نفسي خيفة وتهيبت کثيرا، لأن: کافة المعلومات المتعلقة بالإمام المهدي من أنباء الغيب التي لم تقع بعد، ولا مجال فيها للاجتهاد ولا للتحليل، بل آلت إلي الأمة من الأحاديث النبوية الشريفة، ثم إن الحديث النبوي نفسه قد تعرض لمحنة قاسية حيث منعت دولة الخلافة التاريخية کتابة ورواية الأحاديث النبوية منعا باتا قرابة مائة عام تحت شعار (حسبنا کتاب الله) وزاد المشکلة تعقيدا أن دولة الخلافة قد عزلت أئمة أهل بيت النبوة، وهم ورثة علمي النبوة والکتاب، وفرضت عليهم نوعا من الإقامة الجبرية، وهکذا حوصرت أنباء الغيب محاصرة تامة، وبعد المائة عام حدث الانفراج عن مصادر تلک الأنباء، وبدأ المسلمون يروون ويکتبون الأحاديث النبوية علنا!! هذه الظروف تجعل الوصول إلي الحقائق الشرعية الصادرة بالفعل عن رسول الله أمرا ليس سهلا.

ويکمن الخوف والتهيب في منهجية عرض وتقديم نظرية الإمام المهدي المنتظر، فالعشرات من العلماء الأجلاء قد بحثوا هذه النظرية، وعرضوها بأشکال متشابهة، وما ينبغي أن يکتب يجب أن يکون مختلفا تماما.

ثم إن شعور النخبة المستنيرة من المسلمين ولا شعور الخاصة والعامة من أبناء الجنس البشري قد انفض تماما من حول العقائد والأنظمة الوضعية، ويئس من قدرتها علي إنقاذ البشرية، وقد حمت عندهم وتواترت بينهم، واقتنعوا بأن العالم الإنساني لن ينقذه، ولن يخلصه من مستنقعات واقعه إلا المهدي المنتظر!!

فعشقوه عشقا، وعشقوا حکومته العالمية التي سيخضع لسلطانها کافة سکان الکرة الأرضية، والملتزمة بتطهير الأرض من الظلمة، ونشر العدالة المطلقة في أرجائها، وتحقيق الکفاية التامة والرخاء المطلق لکل بني البشر، وإتمام المصالحة التامة بينهم بعد أن تقتلع جذور الخلاف والاختلاف فيسود الانسجام التام، هؤلاء بحاجة إلي دعم معنوي من الباحث، وتنسيق خاص لأنباء الغيب المتعلق بمثل هذه الأمور، والاهم کيف يرتقي الواقع العالمي إلي مستوي فهم الإمام المهدي وأهدافه وغاياته المعلنة؟ وبتعبير أدق کيف تتسلسل الحادثات وحلقات الوقائع تسلسلا منطقيا بحيث تؤدي أو تفضي مباشرة إلي دولة آل محمد، أو إلي عهد الإمام.



[ صفحه 7]



المهدي المنتظر؟ وکيف نخلص هذا الکم من الآمال من بين مخالب واقع عالمي يبعث علي اليأس والقنوط؟ کل هذا يحتاج إلي قدرة هائلة علي الاستقراء والاستنباط والمقارنة وتحليل الثوابت من النصوص تحليلا يبقيک دائما ضمن دائرتها.

واجتزت حواجز التهيب والخوف، وصممت علي الکتابة، وجمعت مجموعة کبيرة من المراجع أهمها وأعظمها علي الإطلاق (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف سماحة الأخ والصديق الشيخ علي الکوراني، وهو يقع علي خمسة مجلدات اشتملت علي کافة الأحاديث النبوية وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة، وشرعت بالکتابة، ولم أجد بحمد الله ومنته عسرا، ولا حرجا، لأن مولانا الإمام المهدي يسر وفرج.

وبعد أن أتممت الکتاب أيقنت أن قوانيننا، ومناهجنا وأساليبنا بالتغيير، تعکس حجم قدراتنا وقوانا المحدودة، وأن لله نواميس وأساليب بالتغيير تعکس حجم قدرته التي استطال بها علي کل شئ، لا إله إلا هو شديد المحال، الکبير المتعال.

وقد اشتمل فهرس الموضوعات علي الأبواب والفصول ويمکنني القول وبغير ادعاء أن الکتاب مختلف تماما عن الکتب التي سبقته والتي عالجت نفس الموضوع، لقد قدمت نظرية الإمام المهدي المنتظر، بروح العصر ولغته بعد أن أصلتها وجذرتها دينيا وتاريخيا.

اللهم اجعل عملي خالصا لوجهک الکريم، وتقبل منا إنک أنت السميع العليم وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

المحامي أحمد حسين يعقوب



[ صفحه 13]