فجر الضمير
قال النبي (ص) بعد أن أقام الحجة علي المسيرة وأيم الله. لقد ترکتکم علي مثل البيضاء ليلها کنهارها [1] وزاد في رواية: لا يزيغ عنها إلا هالک [2] فالطريق واضح وضوح النهار، والله تعالي ينظر إلي عباده کيف يعملون، وأخبر النبي (ص) بأن المسيرة ستشهد أنماطا بشرية يترتب علي حرکتها غربة الدين، وهذه النتيجة تري في قوله (ص) إن الإسلام بدأ غريبا. وسيعود غريبا کما بدأ فطوبي للغرباء [3] قال النووي: ظاهر الحديث، أن الإسلام بدأ في أحاد من الناس وقلة. ثم انتشر وظهر. ثم سيلحقه النقص والإخلال حتي لا يبقي إلا في آحاد وقلة أيضا کما بدأ. [4] وغربة الدين تري في قول النبي (ص) الإسلام والسلطان أخوان توأمان. لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه. فالإسلام أسس (أي: أصل البناء) والسلطان حارث، وما لا حارث له يهدم. وما لا حارث له ضائع، [5] ولذلک کان النبي (ص) يقول إن رحي الإسلام دائرة. وإن
[ صفحه 369]
الکتاب والسلطان سيفترقان. فدوروا مع الکتاب حيث دار. [6] .
والنجاة في عالم الغربة بين النبي (ص) دائرتها، عن أبي هريرة قال. قالوا: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: أنا ومن معي، قالوا: ثم من؟ قال: الذي علي الأثر، قالوا: ثم من؟، فرفضهم رسول الله. [7] .
وطائفة الحق علي امتداد المسيرة لها أعلامها، ولا يضرها من خذلها أو عاداها، لأنها حجة بمنهجها وحرکتها علي الناس، وأخبر النبي (ص). بأن هذه الطائفة تستقر أعلامها آخر الزمان. تحت قيادة المهدي المنتظر وعيسي بن مريم عليهما السلام، يقول النبي (ص) لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق، لا يضرهم من خذلهم حتي يأتي أمر الله وهم کذلک، [8] وقال لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله. لا يضرهم من خذلهم. أو خالفهم. حتي يأتي أمر الله وهم ظاهرون علي الناس [9] وقال لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون علي الحق ظاهرين علي من ناوأهم، حتي يقاتل آخرهم الدجال. [10] وقال لا تزال طائفة من أمتي تقاتل علي الحق حتي ينزل عيسي بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل علي المهدي، [11] وفي رواية لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي من ناوأهم حتي يأتي أمر الله. وينزل عيسي عليه السلام. [12] .
فمن هذه الأحاديث نري أن طائفة الحق علي امتداد المسيرة.
[ صفحه 370]
تأخذ بأسباب الهدي. وتنطلق من الماضي إلي الحاضر إلي المستقبل.
لا يضرها من عاداها أو من خذلها. حتي تستقر نهاية المطاف أمام فسطاط المهدي المنتظر.
والمهدي من أهل البيت. من أولاد علي وفاطمة رضي الله عنهما، قال النبي (ص) المهدي منا أهل البيت، [13] وقال المهدي من عترتي من ولد فاطمة [14] واسمه يواطئ اسم النبي (ص). [15] .
والمهدي يخوض معارک آخر الزمان، وسيفتح الصين [16] والهند [17] وجبل الديلم [18] وسيقصم ظهر الروم ويفتح القسطنطينية [19] ويقاتل اليهود وأميرهم الدجال حتي ينتهي أمرهم بالاستئصال، وقال النبي (ص) يظهر علي کل جبار وابن جبار ويظهر العدل. [20] .
وفي منهج المهدي يقول النبي (ص) هو رجل من عترتي يقاتل علي سنتي کما قاتلت أنا علي الوحي، [21] وقال يعمل بسنتي [22] وقال (ص)
[ صفحه 371]
يبعث علي اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، کما ملئت جورا وظلما [23] وقال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لبعث الله عز وجل. رجل منا يملأها عدلا کما ملئت جورا. [24] وعن حذيفة قال.
قال النبي (ص): ويح هذه الأمة من ملوک جبابرة، يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزا، فصم کل جبار وهو القادر علي ما يشاء. أن يصلح أمة بعد فسادها، ثم قال رسول الله (ص): يا حذيفة. لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلک اليوم، حتي يملک رجل من أهل بيتي تجري الملاحم علي يديه، ويظهر الإسلام. لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب. [25] .
وعن ابن مسعود قال. قال رسول الله (ص): إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءا وتشريدا وتطريدا، حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطا کما ملؤوها جورا، فمن أدرک ذلک منکم، فليأتهم ولو حبوا علي الثلج. [26] .
وآخر الزمان يلتقي ابن علي بن أبي طالب. مع ابن مريم أخت هارون، يلتقي آخر أهل البيت في المسيرة الإسلامية، مع المسيح عيسي بن مريم آخر نبي في المسيرة الإسرائيلية، وکلاهما ظلمته مسيرة قومه،
[ صفحه 372]
ولکن للعدل رداء علي الوجود کله، ومن حکمة الله تعالي أن لا تنهدم الدنيا قبل أن يهيمن العدل علي المسيرة البشرية، ليعلم الناس وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء. أن الحق يقف في النهاية، لأنه أصيل في الوجود، أما الباطل فطارئ لا أصالة فيه، الباطل زبد لا يمکث في الأرض، والباطل يطارده الله علي امتداد المسيرة ولا بقاء لشئ يطارده الله. قال تعالي: (والله غالب علي أمره ولکن أکثر الناس لا يعلمون) [27] (ويقولون متي هذا الفتح إن کنتم صادقين. قل يوم الفتح لا ينفع الذين کفروا إيمانهم ولا هم ينظرون. فأعرض عنهم وانتظر. إنهم منتظرون) [28] .
صدق الله العظيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام علي المرسلين
پاورقي
[1] رواه ابن ماجة (کنز العمال 370 / 11).
[2] رواه ابن أبي عاصم (کتاب السنة 27 / 1).
[3] رواه مسلم (الصحيح 177 / 2).
[4] مسلم شرح النووي 177 / 2).
[5] رواه الديلمي (کنز العمال 10 / 6).
[6] رواه الطبراني وابن عساکر (کنز العمال 216 / 1).
[7] رواه أحمد وقال في الفتح رواه مسلم (الفتح الرباني 219 / 23).
[8] رواه مسلم (الصحيح 65 / 13).
[9] رواه مسلم (الصحيح 97 / 13).
[10] رواه الحاکم وصححه (المستدرک 450 / 4).
[11] رواه أبو عمر الداني (عقد الدرر ص 220).
[12] رواه أحمد والحاکم وصححه وأبو داوود (الفتح الرباني 210 / 23).
[13] رواه أبو نعيم والحاکم وصححه (عقد الدرر ص 21) (المستدرک 557 / 4 (عون المعبود 375 / 11).
[14] رواه أبو داوود (السنن 422 / 2) والحاکم وابن ماجة (المستدرک 557 / 4) (التاج الجامع للأصول 343 / 5) (کنز العمال 264 / 14) (الحاوي للسيوطي 224 / 2).
[15] رواه أحمد والترمذي وأبو داوود والحاکم (الفتح الرباني 49 / 24) (جامع الترمذي 505 / 4).
[16] أنظر: عقد الدرر ص 224.
[17] أنظر: التاج الجامع للأصول 325 / 5، عقد الدرر 219.
[18] أنظر: عقد الدرر ص 224.
[19] أنظر: عقد الدرر ص 211.
[20] رواه الطبراني (الزوائد 315 / 7) (الحاوي 218 / 2).
[21] رواه نعيم بن حماد (الحاوي 233 / 2) (عقد الدرر ص 17).
[22] رواه أبو نعيم (عقد الدرر 156).
[23] قال الهيثمي رواه الترمذي وغيره وأحمد وأبو يعلي ورجالهما ثقات (الزوائد 314 / 7) (الفتح الرباني 50 / 24).
[24] رواه أحمد وأبو داوود (الفتح الرباني 49 / 24) (عون المعبود 373 / 11).
[25] رواه نعيم بن حماد وأبو نعيم (عقد الدرر ص 63) (الحاوي 221 / 2).
[26] رواه ابن ماجة حديث 4082، والحاکم (المستدرک 464 / 4) (کنز العمال 268 / 14).
[27] سورة يوسف آية 21.
[28] سورة السجدة آية 28.