بازگشت

الظلم و الجور


الظلم هو: وضع الشئ في غير موضعه، وقال في لسان العرب.

ومن أمثال العرب في الشبه: من استرعي الذئب فقد ظلم، وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد، ومنه حديث الوضوء فمن زاد أو نقص. فقد أساء وظلم: أي أساء الأدب بترکه السنة والتأدب بأدب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب من ترداد المرات في الوضوء، وفي التنزيل (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن) [1] قال ابن عباس: أي لم يخلطوا إيمانهم بشرک، والظلم: الميل عن القصد. والعرب تقول.

إلزم هذا الصوب ولا تظلم عنه. أي لا تجر عنه، وقوله تعالي: (إن الشرک لظلم عظيم) [2] يعني أن الله تعالي هو المحي المميت. الرازق المنعم وحده لا شريک له. فإذا أشرک به غيره. فذلک أعظم الظلم.

لأنه جعل النعمة لغير ربها. [3] .



[ صفحه 346]



وبينت الدعوة الخاتمة أن الافتراء علي الله کذبا. والتکذيب بآياته أو الإعراض عنها. والصد عن سبيله سبحانه. من أعظم الظلم. لأن الظلم يعظم بعظمة من يتعلق به، وإذا اختص بجنب الله کان أشد الظلم. وأخبر سبحانه في کتابه. بأنه أهلک القرون الأولي لما ظلموا، ووعد سبحانه رسله بهلاک الظالمين. قال تعالي: (فأوحي إليهم لنهلکن الظالمين ولنسکننکم الأرض من بعدهم). [4] .

وبالنظر إلي المسيرة البشرية، تجد أن الظلم في نهاية المطاف، تدثر بأکثر من دثار من حرير وزخرف، وأصبح له عقائد وثقافات وقوانين، يشرف عليها حکومات وهيئات وجمعيات، والخارج عن هذه العقائد والقوانين هو في نظر هذه الدول والمؤسسات، خارج عن الحق، يستحق التأديب بواسطة الأساطيل أو السجون. أو بالتجويع تارة وبالتخويف تارة أخري.

وبالنظر إلي مسيرة الشعوب في عصرنا هذا. نجد للوثنية أعلاما، وهذه الوثنية استترت وراء التقدم العلمي والاختراعات الحديثة، وقد يکون التقدم مفيدا في عالم المادة، ولکن إذا کان للدنيا عمل. فلا بد أن يستقيم هذا العمل مع الزاد الفطري، ولقد ذم القرآن الکريم الذين لا يذعنون بيوم الحساب ويعملون للدنيا بسلوکهم الطريق الذي يغذي التمتع بالدنيا المادية فحسب، قال تعالي: (ألا لعنة الله علي الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم کافرون). [5] .

فالآية فسرت من هم الظالمين، وبينت أنهم الذين يصدون عن الدين الحق ولا يتبعون ملة الفطرة. وبالآخرة هم کافرون وهذه الوثنية لها جماعاتها ومؤسساتها وبنوکها التي تمول مخططاتها.



[ صفحه 347]



وبالنظر إلي مسيرة بني إسرائيل. نجد أنها أنتجت في عصرنا الحاضر عنکبوتا ضخما تختفي وراء خيوطه العديد من مؤسسات الظلم والجور، التي تعمل علي امتداد التاريخ من أجل تغذية الأمل. الذي حلم به بنو إسرائيل ليلا طويلا، وهو مملکة داوود وعاء العهد الإبراهيمي، وراء هذه الخيوط تختفي جمعيات مسيحية تعمل من أجل ذات الهدف. نظرا لأن المسيحية الحاضرة خرجت من تحت عباءة بولس. الذي ادعي أنه أوحي إليه وهو لم ير المسيح ولم يکن من تلاميذه. ولقد وضعه القرآن وأمثاله تحت سقف الظلم. في قوله تعالي: (ومن أظلم ممن افتري علي الله کذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ. ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله). [6] وهذه الجمعيات التي تعمل ظاهرة أو من وراء ستار. لها مؤسساتها وبنوکها وأساطيلها التي تمول وتحمي مخططاتها وأهدافها.

وبالنظر إلي المسيرة الخاتمة. نجد أن الظالمين فيها قد أخذوا بذيول الذين من قبلهم واتبعوهم شبرا بشبر، وذراع بذراع، ومن إتبع أحد يصل معه إلي حيث يصل، وما الله بظلام للعبيد.

وفيما يلي نلقي ضوءا علي جذور وفروع بعض الحرکات التي عليها بصمة الظلم والجور. لتظهر جذورها الفکرية والعقائدية. ومواقع انتشارها ونفوذها. ويري الحاضر کيف يتقدم الظلم إلي الخلف من أجل تنفيذ أهداف ما أنزل الله بها من سلطان.


پاورقي

[1] سورة الأنعام آية 82.

[2] سورة لقمان آية 13.

[3] لسان العرب مادة ظلم ص 2757.

[4] سورة إبراهيم آية 13.

[5] سورة هود آية 19.

[6] سورة الأنعام آية 93.