الامر النبوي في الاموال
قال النبي (ص) إن لکل أمة فتنة. وفتنة أمتي المال، [1] ولما کان فتنة الأمة في المال، بينت الشريعة الخاتمة موضع الرحاب الآمن، وشاء الله أن يکون الأمن في فعل الرسول، بمعني أن النجاة لن تکون في منع الرواية عن الرسول، لأن الله تعالي بين موضع کل مال. وقسمه بين عباده تقسيما حقا بوضع قوانين عادلة تعدل الملک تعديلا حقا يقطع منابت الفساد، وهذه القسمة وهذه القوانين نفذها النبي (ص) وهو يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وفي الوقت الذي کان النبي (ص) يقيم الحجة. کان يخبر بالغيب عن ربه ويقول إن هذا الدينار والدرهم أهلکا من قبلکم وهما مهلکاکم، [2] وأمر النبي (ص) بأوامر تدفع هذا الهلاک، ومنها التقدم بالصدقة، لأن من خاصتها أنها تنمي المال. لأنها تنشر الرحمة وتورث المحبة. وتآلف القلوب وتبسط الأمن. وتصرف القلوب عن أن تهم بالغضب والاختلاس والفساد والسرقة. وتدعو إلي الاتحاد والمساعدة والمعونة. وبذلک يفسد أغلب طرق الفساد، وحذر عليه الصلاة والسلام من التعامل بالربا، لأن الربا من خاصته أنه يمحور المال ويفنيه تدريجيا، من حيث أنه ينشر القسوة والخسارة ويورث البغض والعداوة وسوء الظن، ويفسد الأمن والحفظ. ويهيج النفوس علي الانتقام بأي وسيلة أمکنت، ويدعو إلي التفرق والاختلاف، وبذلک يفتح
[ صفحه 323]
أغلب طرق الفساد وأبواب الزوال علي المال.
ولأن المجتمع في نظر الشريعة ذو شخصية واحدة، له کل المال الذي أقام به صلبه وجعله له معاشا، فإن الشريعة الزمت المجتمع بأن يدير المال ويصلحه ويعرضه معرض النماء، ويرتزق به ارتزاقا معتدلا مقتصدا. ويحفظه من الضيعة والفساد، ومن مجملات القرآن التي تتعلق بالأموال وبينها رسول الله (ص) ليستقيم حال المجتمع، قوله تعالي: (يسألونک عن الأنفال. قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينکم وأطيعوا الله ورسوله إن کنتم مؤمنين)، [3] والمعني:
يسألک أصحابک يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها. فقل: هي لله والرسول. يحکم فيها الله بحکمه ويقسمها الرسول. وروي أن النبي (ص) قال إنما أنا قاسم وخازن. والله يعطي، [4] وقال ما أعطيکم ولا أمنعکم أنا قاسم أضع حيث أمرت، [5] وبين النبي (ص) حکم الله في الغنيمة، وقال تعالي: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساکين وابن السبيل إن کنتم آمنتم بالله...)، [6] وبين الرسول حکم الخمس وحکم الأربعة أخماس، وعلموا حق الذين حرمت عليهم الصدقة من ذي القربي، وحق الجنود.
وقال تعالي: (إنما الصدقات للفقراء والمساکين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وفي سبيل الله. فريضة من الله والله عليم حکيم)، [7] قال المفسرون: بين الله تعالي أنه هو الذي قسم الصدقات وبين حکمها وتولي أمرها بنفسه، ولم يکل قسمتها إلي أحد غيره، فقوله
[ صفحه 324]
فريضة من الله إشارة إلي أن تقسيمها إلي الأصناف الثمانية أمر مفروض منه تعالي، وإشارة إلي أن الزکاة فريضة واجبة، وقوله تعالي:
(والله عليم حکيم) إشارة إلي أن فريضة الزکاة مشرعة علي العلم والحکمة، لا تقبل تغيير المغير.
وروي أبو داوود عن زياد بن الحارث قال أتيت النبي (ص) فبايعته. فأتاه رجل. فقال: اعطني من الصدقة، فقال له النبي (ص): إن الله لم يرض بحکم نبي ولا غيره في الصدقات حتي حکم فيها. فجزأها ثمانية أجزاء، فإن کنت من تلک الأجزاء أعطيتک حقک.
وأقامت الشريعة الخاتمة الحجة علي المسيرة، فأخبر النبي الخاتم (ص). إن فتنة أمته في المال، وبين کيف تدخل الأمة في حجاب الأمن. وفي الوقت الذي بين فيه النبي (ص) حکم الغنيمة أخبر بالغيب عن ربه، بأن فتنة المال ستصيب البعض، وقال کأني براکب قد أتاکم فنزل. فقال. الأرض أرضنا والفيئ فيئنا وإنما أنتم عبيدنا. فحال بين الأرامل واليتامي وما أفاء الله عليهم، [8] أخبر النبي بهذا حتي يأخذوا بالأسباب وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء. لأن الله تعالي ينظر إلي عباده کيف يعملون.
پاورقي
[1] رواه الترمذي وصححه (الجامع 569 / 4).
[2] رواه أبو داوود عن أبي موسي (کنز 191 / 3) والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود (کنز 191 / 3).
[3] سورة الأنفال آية 1.
[4] رواه البخاري (الصحيح 190 / 2).
[5] رواه البخاري (الصحيح 192 / 2).
[6] سورة الأنفال آية 41.
[7] سورة التوبة آية 60.
[8] رواه ابن النجار (کنز 195 / 11).