بازگشت

الامر برواية الحديث


أمرت الدعوة الإلهية الخاتمة بتدوين ما بين الناس حفظا للحقوق، قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاکتبوه)، إلي قوله تعالي: (ذلکم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدني ألا ترتابوا)، [1] قال الخطيب البغدادي: أدب الله تعالي عباده. بقيد ما بينهم من معاملات في بداية التعامل حفظا للدين وإشفاقا من دخول الريب فيه، فلما أمر الله تعالي بکتابة الدين حفظا له، کان العلم الذي



[ صفحه 308]



حفظه أصعب من حفظ الدين. أحري أن تباح کتابته خوفا من دخول الريب والشک فيه، [2] والکتابة أوکد الحجج، ببطلان ما يدعيه أهل الريب والضلال، فالمشرکين لما ادعوا بهتانا اتخاذ الله سبحانه بنات من الملائکة، أمر الله تعالي رسوله أن يقول لهم (فأتوا بکتابکم إن کنتم صادقين). [3] .

والنبي (ص) أمر بکتابة العلم وقال قيدوا العلم بالکتاب [4] وعن رافع قال خرج علينا رسول الله (ص) فقال: تحدثوا. وليتبوأ من کذب علي مقعده من النار، قلت: يا رسول الله إنا لنسمع منک أشياء فنکتبها؟

قال: إکتبوا ولا حرج، [5] وعن أبي هريرة قال: ليس أحد من أصحاب النبي (ص) أکثر مني حديثا عن رسول الله إلا ابن عمرو، فإنه کان يکتب ولا أکتب. [6] .

وروي أن النبي (ص) قال ألا إني أوتيت الکتاب ومثله معه، [7] وکان يقول نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتي يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلي من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، [8] وقال تسمعون ويسمع منکم ويسمع ممن سمع منکم. [9] .



[ صفحه 309]



ولقد وقف البعض من قريش في طريق الرواية والکتابة، ومن المحفوظ أن الله تعالي لعن علي لسان رسوله (ص) بعض الأفراد والقبائل، وأن الرسول ذکر أسماء رؤوس الفتن وهو يخبر بالغيب عن ربه، حتي أن حذيفة قال والله ما ترک رسول (ص) من قائد فتنة. إلي أن تنقضي الدنيا بلغ معه ثلثمائة فصاعدا، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته [10] ويشهد بصد قريش عن الرواية، ما روي عن عبد الله بن عمرو قال: قلت يا رسول الله أقيد العلم؟ قال: نعم، قلت؟ وما تقييده؟ قال:

الکتابة، [11] وروي عنه أنه قال: کنت أکتب کل شئ أسمعه من رسول الله (ص) أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنک تکتب کل شئ تسمعه من رسول الله (ص)، ورسول الله بشر يتکلم في الغضب والرضا، فأمسکت عن الکتابة، فذکرت ذلک لرسول الله (ص)، فقال: أکتب والذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق - وأشار إلي فيه، [12] وما حدث مع عبد الله، حدث مع ابن شعيب، فعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله - أکتب کل ما أسمع منک؟ قال: نعم قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم فإني لا أقول في ذلک کله إلا حقا. [13] .

وبينما کان النبي (ص) يحث علي الرواية والکتابة علي امتداد عهد البعثة، کان يخبر بالغيب عن ربه بأنه يوشک أن يکذبه أحدهم، وأن الرواية سيتم تعطيلها إلي أن يشاء الله، فعن معد يکرب قال قال رسول الله (ص)، يوشک أحدکم أن يکذبني وهو متکئ علي أريکته.

يحدث بحديث من حديثي فيقول. بيننا وبينکم کتاب الله، فما وجدنا فيه



[ صفحه 310]



من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله. [14] وقال (ص) لأصحابه لألفين أحدهم متکئا علي أريکته، يأتيه الأمر من أمري بما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدناه في کتاب الله اتبعناه، [15] وقوله يوشک إشارة إلي أن الأمر قريب، وقوله متکئ علي أريکته، المتکئ. کل من استوي قاعدا علي وطاء متمکنا.


پاورقي

[1] سورة البقرة آية 282.

[2] تقييد العلم / الخطيب البغدادي ص 34.

[3] سورة الصافات آية 157.

[4] رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 152 / 1) وابن عبد البر (جامع العلم 86 / 11).

[5] رواه الطبراني (الزوائد 151 / 1) والخطيب وسمويه (کنز العمال 232 / 10).

[6] رواه الترمذي وصححه (الجامع 40 / 5).

[7] رواه أحمد (الفتح الرباني 191 / 1) والحاکم (المستدرک 109 / 1).

[8] رواه أحمد (کنز العمال 220 / 10) والترمذي وابن حبان في صحيحه (کنز 221 / 10).

[9] رواه أحمد وأبو داوود والحاکم (کنز 223 / 10).

[10] رواه أبو داوود حديث رقم 4243.

[11] رواه الطبراني (الزوائد 152 / 1).

[12] رواه أحمد (الفتح الرباني 173 / 1) والحاکم وأقره الذهبي (المستدرک 106 / 1) وأبو داوود (حديث رقم 3646) والدرامي في سننه 125 / 1.

[13] رواه ابن عبد البر (جامع العلم 85 / 1) والخطيب (تقييد العلم ص 74).

[14] رواه أحمد (الفتح الرباني 191 / 1) والحاکم وصححه (المستدرک 109 / 1) والترمذي وصححه (الجامع 38 / 5).

[15] رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجة والحاکم وصححه (کنز 174 / 1) والترمذي وصححه (الجامع 37 / 5).