بازگشت

التحذير من ذهاب العلم


إن کل موجود يحظي بالعلم بقدر ما يحظي بالوجود. والله تعالي



[ صفحه 292]



يرفع الذين آمنوا علي غيرهم في العلم، ويرفع الذين أوتوا العلم منهم درجات، بمعني أن العلم له مکان في دائرة الذين آمنوا، وهذه الدائرة مراتب ولها ذروة، قال تعالي: (يرفع الله الذين آمنوا منکم والذين أوتوا العلم درجات)، [1] وذروة الذين أوتوا العلم. مع الذين ارتبطوا بکتاب الله ولا ينفصلوا حتي يردوا علي الحوض، ومن دائرة الذروة تخرج المعارف الحقة والعلوم المفيدة، لأن الذين في الذروة هم العامل الذي يحفظ الأخلاق ويحرسها في ثباتها ودوامها، ولأن من عندهم تتدفق العلوم التي تصلح أخلاق الناس، ليکونوا أهلا لتلقي المزيد من المعارف الحقة. التي لا تکون في متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.

وکما أن النبي (ص) أمر أمته بأن يمسکوا بحبل الله ليردوا علي الحوض، أخبر کذلک بالغيب عن ربه بأن العلم سيرفع، ورفعه هو نتيجة لذهاب أوعيته، عن أبي الدرداء قال: کنا مع النبي (ص). فشخص ببصره إلي السماء ثم قال: هذا أو أن يختلس العلم من الناس حتي لا يقدروا منه علي شئ، فقال زياد بن لبيد: کيف يختلس منا. وقد قرأنا القرآن. فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، قال: ثکلتک أمک يا زياد إن کنت لأعدک من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصاري. فماذا تغني عنهم، [2] وفي رواية عن شداد بن أوس قال وهل تدري ما رفع العلم؟ ذهاب أوعيته [3] وفي رواية عن أبي إمامة قال وهذه اليهود والنصاري بين أظهرهم المصاحف، لم يصبحوا



[ صفحه 293]



يتعلقوا بحرف واحد مما جاءتهم به أنبياؤهم، وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته، وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته، وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته، [4] وقال في تحفة الأحوازي: ومعني هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصاري. أي أن القراءة دون علم وتدبر محل نظر. وقال القارئ: أي فکما لم تفدهم قراءتهما مع عدم العمل بما فيهما فکذلک أنتم. [5] .

وعلي امتداد المسيرة ظهر ما کان في بطن الغيب، ظهر الذين يقرؤون القرآن لا يعدوا تراقيهم. يمرقون من الإسلام کما يمرق السهم من الرمية، وظهر الذين قرؤا ثم نقروا ثم اختلفوا ثم ضرب بعضهم رقاب بعض، وظهر الذين قرؤا ثم اعتزلوا ثم خرجوا علي جيرانهم بالسيوف ورموهم بالشرک. بينما کانوا هم إلي الشرک أقرب، وظهر الذين لا يقرؤن القرآن إلا في حفلات النفاق التي يشرف عليها اليهود والنصاري في کل مکان، وعلي أکتاف هؤلاء وهؤلاء. انطلق البعض في طريق التقدم إلي الخلف. وارتبط مصيرهم بمصير الذين سبقوهم، قال النبي (ص) إن بني إسرائيل إنما هلکت حين کثرت قراؤهم [6] وأخبر النبي (ص) بأن الذين يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، کلما نجم منهم قرن قطع حتي يکون آخرهم لصوصا سلابين، وقال لا يزالوا يخرجون، حتي يخرج آخرهم مع الدجال، [7] وفي رواية کلما قطع قرن نشأ قرن، حتي يکون مع بيضتهم الدجال. [8] .



[ صفحه 294]



وبالجملة: أقام النبي (ص) الحجة في أول الطريق وانطلقت الحجة مع المسيرة حتي نهاية الطريق، وأمر النبي (ص) أمته أن تأخذ بحبل الله حتي لا يضلوا، وقال: ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة قبلي إلا له من أمته حواريون وأصحاب. يأخذون بسنته ويقتدون بأمره.

ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف. يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن. ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلک من الإيمان حبة خردل، [9] وقال في الفتح الرباني: الحواريون هم خلصان الأنبياء وأصفيائهم. والخلصان هم الذين نقوا من کل عيب. وقيل: الخلصان هم الذين يصلحون للخلافة بعد الأنبياء. [10] .

لقد دافع الإسلام عن العلم، ولم يقاتل يوما من أجل الکرسي، وأمر الإسلام بالجهاد للإبقاء علي الذروة التي تفيض بالعلم الإلهي ذروة کل العلوم وأشرف العلوم، لأن هؤلاء وحدهم هم الذين يحملون النور المحمدي، ذلک النور الذي يعتبر برزخا بين الناس وبين النور الإلهي.

الذي تندک له الجبال.


پاورقي

[1] سورة المجادلة آية 11.

[2] رواه الترمذي وقال حديث صحيح (تحفة الأحوازي 412 / 7).

[3] رواه أحمد والترمذي وحسنه والحاکم وصححه (النتح الرباني 183 / 1).

[4] رواه أحمد والطبراني بسند صحيح (الزوائد 200 / 1).

[5] تحفة الأحوازي 413 / 7.

[6] رواه الطبراني (کنز العمال 268 / 10) (الزوائد 189 / 1).

[7] رواه أحمد ورجاله ثقات (الزوائد 299 / 6).

[8] رواه الطبراني. وإسناده، حسن (الزوائد 230 / 6).

[9] رواه مسلم وأحمد (الفتح الرباني 190 / 1) وابن عساکر (کنز العمال 73 / 6).

[10] الفتح الرباني 190 / 1.