بازگشت

الاخبار بالغيب عن الله


من لطف الله تعالي بعباده. أنه تعالي أخبر علي لسان الأنبياء والرسل بالغيب، فأخبر بما ينتظر الإنسان في اليوم الآخر حيث أهوال القيامة ولهيب النار ونعيم الجنة، وأخبر ببرنامج الشيطان وإلقاءاته علي امتداد الدنيا، وأخبر بمضلات الفتن مقدماتها ونتائجها، وأخبر بالأمور العظيمة التي ما زالت في بطن النيب، والإخبار بالغيب حجة بذاته، وبه يمتحن الله تعالي عباده، قال تعالي: (ليعلم الله من يخافه بالغيب) [1] وقال: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب). [2] .

وأي حدث منذ ذرأ ذرية آدم لا بد أن تکون له مقدمة يترتب عليها نتيجة، والناس عند صنعهم لمقدمة الحدث کبيرا کان أو صغيرا.

يعلمون جانب الحلال فيه وجانب الحرام. بما أودعه الله في الفطرة.

ولأن الله تعالي وهو العليم المطلق سبحانه. يعلم مصير هذه المقدمة وما يترتب عليها من نتائج ما زالت في بطن الغيب، يخبر سبحانه علي



[ صفحه 280]



لسان الأنبياء والرسل بما يستقبل الناس من نتائج، لکي يأخذ الناس بأسباب لهدي ويتجنبوا أسباب الضلال، فإذا ظهرت الأحداث بعد أن کانت غيبا يسقط في جانب باطلها کل إنسان لم يأخذ بأسباب الهدي.

وکل إنسان لم يتدبر في حرکة الأحداث من الماضي إلي الحاضر إلي المستقبل، باختصار: من أخذ بأسباب الدجال سقط في سلته ثم سقط في نار جهنم يوم القيامة، ومن أخذ بأسباب الهدي شرب من حوض النبي (ص) يوم القيامة.

إن الله تعالي يمتحن الناس بأخذهم الأسباب، والناس تحت مظلة الامتحان والابتلاء يتمتعون بحرية الأخذ بالأسباب، وکل مسيرة علي امتداد الزمان يتخللها ماضي وحاضر ومستقبل، والماضي يحمل دائما في أحشائه الزاد. ومهمة الحاضر أن ينضب في هذا الزاد ليؤخذ منه أسباب الهدي وينطلق بها إلي المستقبل، فمن أدرکه الموت وهو علي سبب الهدي، بعثه الله علي نفس السبب، وکل إنسان مهاجر إلي ما هاجر إليه، وأحاديث إخبار الرسول بالغيب تحت أضوائها تظهر المسيرة، ويظهر ما في بطونها من زاد الماضي، وإذا وقف الحاضر أمام هذا الزاد ثم رجع القهقري بتحليل الحوادث التاريخية، يصل إلي المقدمة في الماضي البعيد، فإذا أمعن النظر فيها وجد أنها تحتوي علي أصول القضايا وأعراقها التي يراها في حاضره. فکما تکون المقدمة تکون النتيجة والدعوة الإلهية الخاتمة أمرت باتقاء الفتن وهذا لا يأتي إلا بالبحث في أصول القضايا، قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاکم لما يحييکم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منکم خاصة)، [3] والنبي (ص) بين أن الحاضر إذا رضي بانحراف في الماضي. شارک



[ صفحه 281]



بالمشاهدة وإن لم يحضر، قال (ص) إذا عملت الخطيئة في الأرض. کان من شهدها فکرهها کمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها کان کمن شهدها. [4] .

والنبي (ص) بين لأمته المقدمات والنتائج حتي قيام الساعة، حتي يکونوا علي بينة من أمرهم ويأخذوا بأسباب الأهداف التي لله فيها رضا، فعن أبي زيد قال صلي بنا رسول الله (ص) الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتي حضرت الظهر فنزل فصلي، ثم صعد المنبر فخطبنا حتي حضرت العصر، ثم نزل فصلي، ثم صعد المنبر فخطبنا حتي غربت الشمس، فأخبرنا بما کان وبما هو کائن، فأعلمنا أحفظنا، [5] وعن أنس قال قال رسول الله (ص): من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتکم به ما دمت في مقامي هذا، [6] وعن حذيفة قال والله إني لأعلم الناس بکل فتنة هي کائنة فيما بيني وبين الساعة، کان رسول الله (ص) يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال (ص) وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يکدن يذرن شيئا، ومنهن فتن کرياح الصيف منها صغار ومنها کبار، قال حذيفة: فذهب أولئک الرهط کلهم غيري، [7] وعن حذيفة أنه قال ما من ثلاثمائة تخرج إلا ولو شئت سميت سائقها وناعقها إلي يوم القيامة، [8] وقال حذيفة والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترک رسول الله (ص) من قائد فتنة إلي أن تنقضي الدنيا. يبلغ معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا قد سماه باسمه واسم



[ صفحه 282]



أبيه واسم قبيلته. [9] .

لقد أقام النبي (ص) الحجة عند المقدمة وهو يخبر بالغيب عن ربه، وعندما انطلقت المسيرة بعد وفاة النبي (ص) تحت سقف الامتحان والابتلاء، تخلو المسيرة من الفتن، بدليل أن حذيفة الذي يعرف الفتن وقادتها قال بعد وفاة النبي (ص) بأقل من ثلاثين عاما: إنما کان النفاق علي عهد النبي (ص)، فأما اليوم فإنما هو الکفر بعد الإيمان، [10] وقال إن المنافقين اليوم شر منهم علي عهد النبي (ص)، کانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون [11] وقال إن کان الرجل يتکلم بالکلمة علي عهد رسول الله (ص) فيصير منافقا، وإني لأسمعها من أحدکم في المقعد الواحد أربع مرات. [12] .

والطريق من توضيح النبي للفتن وهي في بطن الغيب إلي ظهور الفتن في عالم المشاهدة، طريق يخضع للبحث. بهدف اتقاء الفتن المهلکة وحصار وقودها في دائرة الذين ظلموا خاصة، وعدم البحث في هذا الطريق. يفتح أبوابا عديدة، منها مشارکة الذين ظلموا إذا رضي عن فعلهم، لأن الراضي بفعل قوم کالداخل فيهم، وفي الحديث يقول النبي (ص) المرء مع من أحب، [13] وکما أن عدم البحث يلقي بالحاضر علي الماضي، فکذلک يلقي به علي ما يستقبله من فتن مهلکة، عن حذيفة أنه قال تعرض الفتن علي القلوب، فأي قلب أنکرها نکتت في قلبه نکتة بيضاء، وأي قلب لم ينکرها نکتت في قلبه نکتة سوداء، حتي يصير القلب أبيض مثل الصفا. لا تضره فتنة ما



[ صفحه 283]



دامت السماوات والأرض، والآخر أسودا مربدا کالکوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينکر منکرا. إلا ما أشرب في هواه. [14] وما زالت في بطن الغيب أحداث وأحداث، لا ينجو منها العالم إلا بعلمه، وفي بطن الغيب أحداث إذا جاءت لا ينفع نفسا إيمانها يومئذ، لأنها لم تبحث علي امتداد الطريق، فأنتج ذلک عدم معرفة الحق علي امتداد الطريق، ولما کان الحق عند هذه النفس يخضع لتحديد الأهواء، تسقط النفس في سلة الدجال التي تحتوي علي جميع الأهواء، وما يستقبل الناس من آيات کبري جاء في قوله تعالي: (يوم يأتي بعض آيات ربک لا ينفع نفسا إيمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت في إيمانها خيرا. قل انتظروا إنا منتظرون). [15] فالآية الکريمة بينت أن هناک آيات لا ينفع عند ظهورها إيمان، ومن لم يکن مصلحا يومئذ وأعلن توبته لم تقبل منه توبته، کما أن الله لا يقبل عملا صالحا من صاحبه إذا لم يکن عاملا به قبل ذلک، ومن هذه الآيات: الدخان. والدابة. وخروج يأجوج ومأجوج. ونزول عيسي بن مريم. وخروج الدجال. وطلوع الشمس من مغربها. [16] .

وبالجملة: أخبر النبي (ص) بالغيب عن ربه جل وعلا، ليأخذ الناس بأسباب الهداية نحو ما يستقبلهم من أحداث ما زالت في بطن الغيب، والأخذ بالأسباب من الوسائل التي يمتحن الله تعالي بها عباده، وإخبار الرسول بالغيب هو في حقيقته دعوة للإيمان بالله، لأنه يأمر بالاستقامة، ويبين أن عدم الاستقامة يؤدي إلي کفران النعمة. ويفتح الطريق أمام الفتن، وکفران النعمة عقوبته سلب نعمة الهداية وعليها يأتي الهلاک، وطريق الفتن يلقي بأتباعه تحت أعلام الدجال، قال النبي (ص) ما صنعت



[ صفحه 284]



فتنة منذ کانت الدنيا صغيرة أو کبيرة إلا لفتنة الدجال. [17] .


پاورقي

[1] سورة المائدة آية 94.

[2] سورة الحديد آية 25.

[3] سورة الأنفال آية 24.

[4] رواه أبو داوود رقم 4345.

[5] رواه مسلم (الصحيح 16 / 18) وأحمد (الفتح الرباني 272 / 21).

[6] رواه أحمد والبخاري ومسلم (کنز العمال 421 / 11).

[7] مسلم (الصحيح 18 / 15).

[8] رواه نعيم وسنده صحيح (کنز العمال 271 / 11).

[9] رواه أبو داوود حديث رقم 4222.

[10] رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

[11] رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

[12] رواه أحمد وإسناده جيد (الفتح الرباني 173 / 19).

[13] رواه البخاري (الصحيح 77 / 4).

[14] رواه الإمام أحمد والحاکم وصححه (کنز العمال 119 / 11).

[15] سورة الأنعام آية 158.

[16] أنظر: تفسير ابن کثير 195 / 2.

[17] رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 335 / 7).