بازگشت

رحيل النبي الخاتم


لقد جاء النبي (ص) بالأدلة المقبولة. والمعجزات التي هي بلسان التواتر منقولة، وقد قال المسيح عليه السلام: من قبل ثمارهم تعرفونهم، وقد علم المخالف والموالف. أن محمدا رسول الله لم تثمر شجرته عبادة غير الله ولم يشرک مع الله غيره، ولا جعل له ندا من خلقه ولا ولدا، ولا قال لأمته اعبدوا إلهين اثنين ولا ثالث ثلاثة، ولا عبد رجلا ولا عجلا ولا کوکبا، بل دعا إلي ملة إبراهيم. إله واحد لا إله إلا هو، وأخلص لله وحده، ونزهة عن النقائض والآفات، وجاء بکتاب من عند الله أمر فيه بطاعة الله، ونهي عن معصيته، وزهد في الدنيا ورغب في الآخرة. وأمر بالمعروف ونهي عن المنکر، وأمر ببر الوالدين وصلة الرحم وحفظ الجار، وفرض الصدقات، وأمر بالصوم والصلاة، وحث علي مکارم الأخلاق ومحاسن العادات، ثم کسر الأصنام وعطل الأوثان. وأخمد النيران وأعلن الآذان. فهذه هي ثمار النبي (ص). الذي بعثه الله والناس في ظلمة الجهل والانحراف. فأنار الطريق وأقام الحجة. وبين منهجه للبشرية الطريق الذي يحقق السعادة في الدنيا بما يوافق الکمال الأخروي، لأنه يمد الإنسان بالوقود الذي يميز به بين



[ صفحه 271]



الحلال وبين الحرام، وينطلق بالإنسان نحو الأهداف التي من أجلها خلقه الله، بالوسائل التي لله فيها رضا، ومن خلال المنهج الإسلامي يحفظ الإنسان صلته بالله ورسوله، لأن المنهج يقوم علي أوامر الله، فهو سبحانه مصدر جميع السلطات وإليه تنتهي جميع القرارات، لأنه تعالي مصدر الخلق والتکوين. وواهب الحياة ومقوماتها، فکما أن له سبحانه الخلق والإبداع. کذلک له الأمر والنهي.

وبعد أن أقام النبي (ص) الحجة. حانت الساعة التي يدعي فيها فيجيب، وعلي فراش المرض أخذ النبي (ص) بالأسباب حتي لا تختلف الأمة من بعده. وهو يعلم أن الاختلاف واقع لا محالة، ونظام العالم هو نظام الأسباب والمسببات، والإنسان مطالب بأن يکون اعتماده علي الله عند أخذه بالأسباب وفي کل حال، وعلي هذا سار الأنبياء والرسل عليهم السلام، کانوا يخبرون بالغيب عن الله بما يستقبل الناس من فتن وأهوال، ثم يأخذون بالأسباب فيحذرون الناس من مخاطر الطريق.

عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله (ص)، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (ص): هلم أکتب لکم کتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي (ص) قد غلبه الوجع وعندکم القرآن.

حسبنا کتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول: قربوا يکتب لکم النبي (ص) کتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قاله عمر، فلما أکثروا اللغو والاختلاف عند النبي (ص)، قال النبي (ص): قوموا! فکان ابن عباس يقول: إن الرزية کل الرزية، ما حال بين النبي (ص) وبين أن يکتب لهم ذلک الکتاب. من اختلافهم ولغطهم!. [1] وفي رواية:



[ صفحه 272]



قال النبي (ص) قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع، [2] وروي عن جابر بن عبد الله أن النبي (ص) دعا عند موته بصحيفة ليکتب فيها کتابا لا يضلون بعده، فخالف عليها عمر بن الخطاب حتي رفضها، [3] وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس إنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه، حتي رأيت علي خديه کأنها نظام اللؤلؤ، قال:

قال رسول الله (ص) أئتوني بالکتف والدواة - أو اللوح والدواة - أکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا؟ إن رسول الله (ص) يهجر. [4] .

قال ابن الأثير: القائل هو عمر بن الخطاب. [5] ومعني هجر.

قال في لسان العرب: يهجر هجرا. إذا کثر الکلام فيما لا ينبغي. وهجر يهجر هجرا. بالفتح: إذا خلط في کلامه وإذا هذي [6] وقال في المختار الهجر: الهذيان [7] وقال في المعجم. هجر المريض: هذي. [8] .

لقد اختلفوا وأکثروا اللغط ولا ينبغي عند رسول الله التنازع، قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتکم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول کجهر بعضکم لبعض أن تحبط أعمالکم وأنتم لا تشعرون). [9] وقال جل شأنه (فليحذر الذين يخالفون من أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). [10] وقال (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاکم لما يحييکم واعلموا أن الله يحول بين



[ صفحه 273]



المرء وقلبه وإنه إليه تحشرون. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منکم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب). [11] .

ومن يتدبر في أحداث يوم الصحيفة ويمسک بأطرافها، تجد أن الرسول (ص) أراد أن يکتب لهم کتاب يکون سببا في الأمن من الضلال، وهذا السبب کان کافيا لتنفيذ الأمر، ولکن بعض الذين حضروا قالوا هجر، فکانت هذه الکلمة کافية ليمسک الرسول عن کتابة الصحيفة، لأنها ربما تکون مدخلا لتشکيک البعض في کل ما کتب من وصايا وعهود ويترتب علي ذلک فتن عديدة، ويشهد بذلک ما روي عن ابن عباس أنه قال قالوا: إن نبي الله ليهجر، فقيل له: ألا نأتيک بما طلبت؟

قال: أو بعد ماذا!، [12] وأمر الرسول إليهم بأن يأتوه بصحيفة لتکتب لهم الکتاب، هذا الأمر في حد ذاته کافيا لإقامة الحجة عليهم وإن لم يأتوا إليه بالصحيفة، ومن المعلوم أن النبي (ص) قد أقام الحجة علي الأمة بالبلاغ في حجة الوداع وقبلها وبعدها في غدير خم.

وقد احتج البعض أن قولهم حسبنا کتاب الله يستند إلي أن الکتاب جامع لکل شئ، وقولهم هذا ينتج إشکالا، لأن الکتاب الجامع لکل شئ أمر بطاعة الرسول، وعلي الرغم من أن الکتاب جامع إلا أنه ليس في استطاعة کل واحد أن يستخرج منه ما يريده علي وجه الصواب، لهذا فوض الله رسوله في أن يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، ولأن الناس في حاجة إلي السنة مع کون الکتاب جامعا، جعل النبي (ص) عترته مع الکتاب في حبل واحد ولن يفترقا حتي يردا عليه الحوض، وبالجملة: لما کان الکتاب به آيات متشابهات. وهذه الآيات يتتبعها الذين في قلوبهم زيغ لإثارة الفتن ولتأويل الکتاب، حتي ينتهي



[ صفحه 274]



تأويلهم إلي تعطيل الحکم بالکتاب، ولما کان الکتاب مع کونه جامعا لکل شئ لا يحقق دوام الهداية وعدم الاختلاف. بدليل أن الضلال وقع والتفريق وقع فعلا، فإن الأمن من الضلال لا يکون إلا بالکتاب. ومعه الطاهر الذي يتأوله، ويمکن للباحث أن يستنتج ذلک، إذا ربط بين أمر الرسول وهو علي فراش المرض. وبين البلاغ الذي أقام به الحجة قبل ذلک، فيوم الصحيفة قال (ص) آتوني بصحيفة ودواة أکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده أبدا [13] وفي بلاغه. قال (ص) إني تارک فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا بعدي. أحدهما أعظم من الآخر. کتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض. فانظروا کيف تخلفوني فيهما. [14] .



[ صفحه 277]




پاورقي

[1] رواه البخاري ب قول المريض قوموا (الصحيح 7 / 4) ومسلم ب ترک الوصية (الصحيح 76 / 5) وأحمد (الفتح الرباني 191 / 22.

[2] رواه البخاري ک العلم (الصحيح 31 / 1).

[3] رواه أحمد (الفتح الرباني 225 / 22) وابن سعد (الطبقات 243 / 2).

[4] رواه مسلم ب ترک الوصية (الصحيح 76 / 5).

[5] لسان العرب ص 4618.

[6] المصدر السابق 4618.

[7] مختار الصحاح ص 690.

[8] المعجم الوسيط 972 / 2.

[9] سورة الحجرات آية 2.

[10] سورة النور آية 63.

[11] سورة الأنفال آية 25.

[12] ابن سعد (الطبقات الکبري 242 / 2).

[13] ابن سعد (الطبقات الکبري 242 / 2).

[14] رواه الترمذي وقال حديث حسن (الجامع 663 / 5).