بازگشت

اضواء علي المنزلة العالية


قامت الدعوة الإلهية علي امتداد المسيرة البشرية، بمخاطبة الإنسان الذي يسلک طريقها. وإرشاده إلي ما فيه سعادته، وحذرت من التقادر الذي يتلبس بالدين، لأن مهمة النفاق في ديار الذين آمنوا. لا تنفصل عن مهمة الشيطان الذي اعتمد في برنامجه القعود علي الصراط المستقيم (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطک المستقيم)، [1] وتيار الصد عن سبيل الله اعتمد علي المنافقين في حفر الحفر العديدة علي امتداد مسيرة الذين آمنوا، ومن خلال هذا الحفر رفعت الأعلام العديدة.

التي تقوم برامجها بالتعتيم علي الفطرة، والقافلة الإسرائيلية لم تسقط في مستنقع عبادة العجول نتيجة لغزوها من الخارج، وإنما سقطت أولا من الداخل. علي أيدي الذين يجلسون تحت خيامها ويتلبسون بالدين.

والدعوة الإلهية الخاتمة. بينت أن المنافقين ينقون الناس بالإيمان الکاذبة والحلفان الآثمة. ليصدقوا فيما يقولون. فيغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم. ويقتدي بهم فيما يفعلون ويصدقهم فيما يقولون، فيحصل بهذا ضرر کبير، وبينت الدعوة أن منهم أصحاب أشکال حسنة والسنة ذو فصاحة، وإذا سمعهم السامع يصغي إلي قولهم لبلاغتهم، ولهذا قال تعالي: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفکون). [2] وقال تعالي: (إن المنافقين في الدرک الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا). [3] .

ولقد وصفهم القرآن بأوصاف منها أنهم رجس، قال تعالي:

(إنهم رجس ومأواهم جهنم بما کانوا يکسبون) [4] فهم في دائرة الخبث



[ صفحه 249]



والتنجس نتيجة لما تحتويه بواطنهم واعتقاداتهم، والذين في قلوبهم مرض ويتلبسون بالدين الخاتم ورثوا قلوب وعقول الذين سبقوهم من بني إسرائيل، فإذا کان الذين کفروا من بني إسرائيل لا يقبلون إلا ما يوافق أهواءهم. فإن المنافقين إذا سمعوا آية من کتاب الله زادتهم رجسا إلي رجسهم، قال تعالي: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيکم زادته هذه إيمانا. فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلي رجسهم وماتوا وهم کافرون). [5] قال المفسرون: زادتهم رجسا إلي رجسهم أي زادتهم شکا إلي شکهم وريبا إلي ريبهم. وهذا من جملة شقائهم. أن ما يهدي القلوب يکون سببا لضلالهم ودمارهم، کما أن سئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا.

ولأن تيار النفاق لا يزداد إلا رجسا، ولأنهم أصحاب السنة وإذا سمعهم السامع أصغي إلي قولهم لبلاغتهم، ولأن برنامج الصد عن سبيل الله إذا تلبس بالدين کان أشد خطرا علي الدعوة، فإن الدعوة الخاتمة قامت بعزل هذا التيار عن ساحتها. وأقامت حجتها بطائفة الحق. وتحت سقف الامتحان والابتلاء تسير القافلة فمن شاء اتخذ إلي ربه سبيلا.

وطائفة الحق من خصائصها أن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبهذه الصفة کانوا مع کتاب الله ولن ينفصلا حتي يردا علي حوض النبي (ص)، ومعني أنهم مع کتاب الله أنهم أعلم الناس بکتاب الله، وهم أمان للأمة من الوقوع في دائرة التأويل الخاطئ لکتاب الله.

وخاصة الآيات المتشابهة، وذلک لأن تيار الذين في قلوبهم زيغ يتخذ من المتشابه حقلا له إبتغاء الفتنة، قال تعالي: (هو الذي أنزل عليک



[ صفحه 250]



الکتاب منه آيات محکمات هن أم الکتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتناء تأويله. وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به کل من عند ربنا وما يذکر إلا أولو الألباب) [6] قال المفسرون: (فأما الذين في قلوبهم زيغ) أي ضلال وخروج عن الحق إلي الباطل فيتبعون ما تشابه منه أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمکنهم أن يحرفوه إلي مقاصدهم الفاسدة.

وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحکم فلا نصيب لهم فيه. لأنه دافع لهم وحجة عليهم، ولهذا قال تعالي: (إبتغاء الفتنة) أي الاضلال لأتباعهم إيهاما لهم أنهم يحتجون علي بدعتهم القرآن. وهو حجة عليهم لا لهم، وقوله تعالي وابتغاء تأويله أي تحريفه علي ما يريدون.

لأن تيار الذين في قلوبهم زيغ والذين في قلوبهم مرض يتلبس بالدين ويجلس في خيام القافلة، أقام الله الحجة بالکتاب وبالعترة التي لا يضرها من عاداها أو من خذلها أو من خالفها لأنها شعاع يهدي والله تعالي ينظر إلي عباده کيف يعملون، وتطهير أهل البيت والشهادة لهم بالعلم والعمل، والتحذير من مخالفتهم. وغير ذلک. وردت فيه أحاديث صحيحة، سنقدمها ونقابلها بما في منزلة هارون من موسي عليهما السلام.


پاورقي

[1] سورة الأعراف آية 16.

[2] سورة المنافقين آية 4.

[3] سورة النساء آية 145.

[4] سورة التوبة آية 95.

[5] سورة التوبة آية 125.

[6] سورة آل عمران آية 7.