بازگشت

ظل المنزلة الممدود


علي امتداد المسيرة الإسرائيلية کان لشجرة الأنبياء فيها علامات وبصمات، وفي التوراة الحاضرة يمکن للباحث أن يتبين نبوة هارون ومنزلته هو وبنيه من موسي عليه السلام، فالتوراة تنص علي وحي الله تعالي لهارون. وهنا تکون النبوة، ولما کان موسي عليه السلام هو رسول الله إلي بني إسرائيل وعليه أنزلت التوراة، فإن نبوة هارون. أو.

وحي الله تعالي لهارون. کان يتعلق بتفسير الشريعة التي أنزلها الله تعالي علي موسي عليه السلام، بمعني: أن التوراة أنزلها الله تعالي علي موسي، وأن تفسير الشريعة أوحي الله تعالي بها إلي هارون عليه السلام، فکان هارون مشارکا لموسي عليه السلام في تفسير الشريعة، وموسي عليه السلام منفردا علي هارون بتلقي التوراة من الله سبحانه وتعالي، وهو قول الله تعالي في القرآن حاکيا عن موسي قوله (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشرکه في أمري)، [1] فالنص القرآني يقول أن موسي عليه السلام سأل ربه أن يجعل له وزيرا من أهله، وأن يکون هذا الوزير هارون أخاه، وسأله أن يشرکه في أمره، والوزير في



[ صفحه 234]



لغة العرب: الذي يحمل ثقل الملک، وقيل: هو الذي يلتجئ إليه الملک في آرائه وأحکامه، وقيل: هو الذي يعين الملک ويقويه، [2] وفي التوراة الحاضرة. کان هارون الکاهن الأکبر الذي يفسر الشريعة، والکاهن في لسان العرب: هو من يقوم بأمر الرجل ويسعي في حاجته.

وقال: والعرب تسمي کل من يتعاطي علما دقيقا کاهنا. [3] .

وسؤال موسي عليه السلام ربه جل وعلا أن يشرک هارون في أمره، أي في أمر يخص موسي. وهو تبليغ ما بلغه من ربه، فهذا هو الأمر الذي يخصه، وسأل ربه أن لا يشارکه فيه أحد سوي هارون، وقال ابن کثير في تفسيره. في قوله تعالي: (واجعل، لي وزيرا من أهلي... الآية) وهذا أيضا سؤال من موسي عليه السلام في أمر خارجي عنه، وهو مساعدة أخيه هارون له، وقوله أشدد به أزري أي ظهري وقوله وأشرکه في أمري أي في مشاورتي. [4] .

هذا ما يتعلق بوزارة هارون ومساعدته موسي في تبليغ الدين أو شئ من أجزائه، وموسي عليه السلام سأل ربه ذلک. لأن الأمر کثير الجوانب متباعد الأطراف، فهو کان يخاف التکذيب مع ما جمعه من ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان، وکان علي علم بفرعون وقومه وما هم عليه من الشوکة والقوة، وکان علي علم بالانحطاط الفکري وجهل وضعف بني إسرائيل، لهذا سأل ربه بعض الأمور التي کان يحتاجها في رسالته لا في نبوته، ومنها طلب الوزير، أما فيما يتعلق بخلافة هارون لموسي عليه السلام في قومه. فجاء في قوله تعالي:

(وقال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل



[ صفحه 235]



المفسدين) [5] قال ابن کثير: إستخلف موسي علي بني إسرائيل أخاه هارون. ووصاه بالإصلاح وعدم الافساد، وهذا تنبيه وتذکير وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف کريم علي الله له وجاهه وجلاله صلوات الله وسلامه عليه وعلي سائر الأنبياء، [6] والاستخلاف لا يکون إلا في غيبة، وکانت غيبة موسي عن بني إسرائيل حين کان يفارقهم للميقات، وقوله لأخيه ولا تتبع سبيل المفسدين. فيه أنه کان في قومه يومئذ جمع من المفسدين يفسدون ويقلبون عليه الأمور، ويتربصون به الدوائر، فنهي موسي أخاه أن يتبع سبيلهم فيشوشوا عليه الأمر. ويکيدوا ويمکروا به. فيتفرق جمع بني إسرائيل ويتشتت شملهم. بعد تلک المحن التي کابد هارون في إحياء کلمة الاتحاد بينهم.

وبالجملة: کان هارون عليه السلام وزيرا لموسي عليه السلام.

وکان يساعده في تبليغ الدين أو شئ من أجزائه، وکان يخلف موسي عليه السلام في غيبته. ويحافظ علي سبيل موسي عليه السلام من الذين يتربصون به، ليکون السبيل حجة علي بني إسرائيل وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، ويکون شاهدا علي المفسدين علي امتداد المسيرة کي يتبين الباحث عن الحقيقة خطأهم، وسبيل الأنبياء فقد ذرأ الله ذرية آدم. لا يضره من خالفه أو من خذله أو من عاداه.

أما فيما يتعلق بأبناء هارون عليه السلام، فلقد ذکرت التوراة الحاضرة، أن الله تعالي اصطفي أبناء هارون من بعده ليفسروا الشريعة لبني إسرائيل، وعلي امتداد المسيرة الإسرائيلية بعث منهم الأنبياء والربانيين، وآخر الأنبياء الذين بعثوا من ذرية هارون. کان المسيح عيسي بن مريم عليهما السلام، ولقد بينا ذلک فيما سبق، ولقد قلب بنو



[ صفحه 236]



إسرائيل الأمر علي أنبيائهم. وقتلوا بعضهم وکذبوا البعض الآخر، عندما جاؤوهم بما لا تهوي أنفسهم.

والدعوة الإلهية الخاتمة علي نبيها الصلاة والسلام، امتد ظلها من حيث انتهت ظلال أنبياء بني إسرائيل، بمعني: في بداية الدعوة جعل الله قياس النبي صلي الله عليه وسلم إلي موسي عليه السلام، وجعل قياس أمة النبي (ص) إلي فرعون وقومه، قال تعالي: (إنا أرسلنا إليکم رسولا شاهدا عليکم کما أرسلنا إلي فرعون رسولا فعصي فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا)، [7] فبتدبر الآية. نجد أن دائرة النبي (ص) يقابلها دائرة موسي عليه السلام، ودائرة الأمة يقابلها دائرة فرعون، والقرآن عبر عن موسي بالرسول، وفي هذا إشارة إلي أن السبب الموجب لأخذ فرعون مخالفته أمر رسالة موسي لا نفس موسي بما أنه موسي، وإذا کان السبب هو مخالفة الرسالة، فيقابله تحذير الأمة من مخالفة رسالة محمد (ص)، لأن المخالفة تؤدي إلي عذاب الأخذ الوبيل. قال ابن کثير في تفسيره إحذروا أنتم أن تکذبوا هذا الرسول فيصيبکم ما أصاب فرعون حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر. [8] .

کما جعل الله تعالي قياس أذي النبي (ص) إلي أذي موسي عليه السلام، قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تکونوا کالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا)، [9] قال ابن کثير: وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي (ص). أو يوصلوا إليه أذي، وقال تعالي مخبرا عن رسوله موسي عليه السلام أنه قال لقومه (لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليکم. فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم



[ صفحه 237]



الفاسقين)، [10] ولما کانت عقوبة الذين أذوا موسي عليه السلام وعدلوا عن الحق مع علمهم به. أن الله أزاغ قلوبهم عن الهدي وأسکنها الشک والحيرة والخذلان، فإن الله تعالي توعد الذين يؤذون النبي (ص). باللعن في الدنيا والآخرة. قال تعالي: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا). [11] قال ابن کثير: والظاهر أن الآية عامة في کل من آذاه بشئ. ومن آذاه فقد آذي الله کما أن من أطاعه فقد أطاع الله.

ولما کان الناس يختبرون علي امتداد المسيرة البشرية لينظر الله إلي عباده کيف يعملون، فإننا نجد موسي عليه السلام يبين معالم هذا الاختبار لبني إسرائيل فيما أخبر الله تعالي أنه قال لقومه (عسي ربکم أن يهلک عدوکم ويستخلفکم في الأرض فينظر کيف تعملون)، [12] وهذه المعالم بينها الله تعالي لرسوله الخاتم في قوله (ولقد أهلکنا القرون من قبلکم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات. وما کانوا ليؤمنوا کذلک نجزي القوم المجرمين. ثم جعلناکم في الأرض من بعدهم لننظر کيف تعملون). [13] .

فالدعوة الإلهية ظلالها ممتدة ودوائر الهدي فيها تشبه بعضها بعضا، والعذاب الذي توعد الله به الظالمين هناک من جنس العذاب الذي ينتظر الظالمين هنا، وعلي امتداد الدعوة الإلهية. أمر الله عباده بأن لا يزکوا أنفسهم لأنه سبحانه أعلم بمن اتقي وله سبحانه أنه يزکي من يشاء، وتحت سقف التزکية يختبر العباد، قال تعالي: (وجعلنا بعضکم



[ صفحه 238]



لبعض فتنة أتصبرون وکان ربک بصيرا) [14] قال في الميزان: أي إنا جعلنا بعض الناس لبعض فتنة يمتحنون بها، فالرسل فتنة لسائر الناس يمتحنون بهم، فيتميز بهم أهل الريب من أهل الإيمان. والمتبعون للأهواء من طلاب الحق، وقوله تعالي: (وکان ربک بصيرا) أي عالما بالصواب في الأمور، فيضع کل أمر في الموضع المناسب له ويجري بذلک أتم النظام، فهدف النظام الإنساني کمال کل فرد بقطعه السعادة أو الشقاوة علي حسب ما يستعد له ويستحقه، ولازم ذلک بسط نظام الامتحان بينهم، ولازمه ارتفاع التمايز بين الرسل وغيرهم، [15] وقال ابن کثير في تفسيره في معني الآية: أي اختبرنا بعضکم ببعض وبلونا بعضکم ببعض لنعلم من يطيع ممن يعصي، ولهذا قال (أتصبرون وکان ربک بصيرا) أي بمن يستحق أن يوحي إليه. کما قال تعالي: (الله أعلم حيث يجعل رسالته). ومن يستحق أن يهديه الله لما أرسلهم به ومن لا يستحق ذلک. وقال ابن إسحاق في قوله وجعلنا بعضکم لبعض فتنة أي لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت، ولکني قد أردت أن أبتلي العباد بهم وأبتليکم بهم. [16] .

ولما کان الناس يختبرون بالأنبياء والرسل. فإنهم يختبرون أيضا بتلاميذ وحواري وأوصياء الأنبياء والرسل. ولقد تم اختبارهم بأبناء هارون وبتلاميذ المسيح عليه السلام. ويشهد بذلک کتب التراجم والتواريخ والسير والأمة الخاتمة لم تستثني من ذلک، ولقد قابلت دائرة هارون وبنوه في الشريعة الموسوية. دائرة علي بن أبي طالب وبنوه في الشريعة المحمدية، ففي الحديث الصحيح روي أن النبي (ص) قال لعلي بن أبي طالب أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي



[ صفحه 239]



بعدي. [17] وفي رواية أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا إنک لست نبيا. إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في کل مؤمن من بعدي، [18] وروي أنه قيل لسفيان الثوري: حدثني بأحسن فضيلة عندک لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فقال: حدثني سلمة بن کهيل عن حجية عن علي بن أبي طالب أن رسول الله (ص) قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسي، [19] وعن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قال رسول الله (ص) لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي. قال سعيد بن المسيب. ف أحببت أن أشافه بها سعد بن أبي وقاص. فلقيت سعدا. فحدثته بما حدثني عامر بن سعد. فقال سعد: أنا سمعته. فقلت: أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه علي أذنيه فقال: نعم وإلا فاسکتا (أي صمتا)، [20] وعن موسي الجهني قال: دخلت علي فاطمة بنت علي. فقال لها رفيقي أبو سهل: کم لک؟

قالت: ست وثمانون سنة. قال: ما سمعت من أبيک شيئا؟ قالت:

حدثتني أسماء بنت عميس أن رسول الله (ص) قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه ليس بعدي نبي. [21] .

وحديث المنزلة حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والحاکم وأحمد والطبراني وغيرهم، وقال ابن کثير: تقصي



[ صفحه 240]



الحافظ ابن عساکر هذا الحديث في ترجمة علي بن أبي طالب في تاريخه فأجاد وأفاد وبرز علي النظراء والأشباه والأنداد [22] وقال الحافظ الکتاني:

وحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسي. حديث متواتر. جاء عن نيف وعشرين صحابيا. [23] وروي الحديث کل من: أبو سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، ومالک بن الحويرث، وسعد بن أبي وقاص، وقيس بن جنادة، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس. وغيرهم. [24] .

ولما کانت الدعوة الإلهية لبني إسرائيل جعلت هارون وبنيه مع التوراة علي خط واحد. فإن الدعوة الإلهية الخاتمة جعلت أهل البيت مع القرآن علي خط واحد، فعن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله (ص) يوما فينا خطيبا بماء يدعي خما بين مکة والمدينة. فحمد الله وأثني عليه ووعظ وذکر. ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس. فإنما أنا بشر يوشک أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارک فيکم ثقلين أولهما کتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بکتاب الله واستمسکوا به، فحث علي کتاب الله ورغب فيه، ثم قال وأهل بيتي. أذکرکم الله في أهل بيتي. أذکرکم الله في أهل بيتي. أذکرکم الله في أهل بيتي. [25] .

وعن زيد بن ثابت قال. قال رسول الله (ص): إني تارک فيکم خليفتين. کتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لا يتفرقا حتي يردوا علي الحوض، [26] وعن أبي سعيد قال:



[ صفحه 241]



قال رسول الله (ص): إني تارک فيکم الثقلين أحدهما أکبر من الآخر.

کتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي. وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، [27] وعن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله (ص) إني تارک فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض. وعترتي أهل بيتي. ولن يتفرقا حتي يردا علي الحوض. فانظروا کيف تخلفوني فيهما. [28] .

والعترة کما جاء في لسان العرب هي: ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه. وعترة النبي (ص). ولد فاطمة البتول عليها السلام [29] وفي قوله إني تارک فيکم الثقلين قال النووي: سميا ثقلين لعظمهما وکبير شأنهما وقيل: لثقل العمل بهما. [30] .

وحديث الثقلين حديث صحيح. رواه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت، والطبراني وأبو نعيم عن حذيفة بن أسيد، وابن أبي عاصم وأحمد والطبراني وأبو يعلي عن أبي سعيد الخدري، والترمذي والنسائي والحاکم عن زيد بن أرقم، وابن أبي شيبة والترمذي والنسائي والخطيب عن جابر. ومسلم عن زيد بن أرقم. [31] .



[ صفحه 242]



فمنذ ذرأ الله ذرية آدم وهو سبحانه يزکي من يشاء، ويجعل سبحانه بعض الناس لبعض فتنة يمتحنون بها، وعلي امتداد المسيرة الإسرائيلية امتحن الله تعالي بني إسرائيل امتحانات شتي. ومنها امتحانهم بهارون وبنيه. ولم يکن لموسي عليه السلام ولد من صلبه.

وشاء الله أن يجعل امتداده في أخيه هارون وبنيه من بعده. وکان هارون وبنوه ذروة سبط لاوي الذي منه موسي وهارون عليهما السلام. وبهم!

امتحن الله تعالي بقية الأسباط. وعلي امتداد المسيرة سفکت الدماء الزکية عندما جاء الهداة لبني إسرائيل بما لا تهوي أنفسهم.

وعندما بعث النبي (ص). امتحن الله أمته بامتحانات شتي بعد أن أقام عليهم الحجة، ومن هذه الامتحان بعترة النبي (ص)، وشاء الله أن يجعل امتداد النبي في ابنته فاطمة وعلي بن أبي طالب، ولما کانت منزلة علي من النبي (ص) بمنزلة هارون من موسي عدا النبوة، فإن الدعوة الخاتمة أقامت الحجة في أکثر من موضع علي مکانة علي بن أبي طالب من الرسول (ص)، لتعليم القافلة دوائر التحذير فلا تقترب منها علي امتداد المسيرة.

ومن الأحاديث التي تبين مکانة علي بن أبي طالب من الرسول (ص)، أن الله تعالي جعل النبي (ص) خير الناس نفسا، وجعل علي ابن أبي طالب کنفس النبي (ص)، قال النبي (ص) إن الله خلق الخلق.

فجعلني في خيرهم فرقة. ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة.

ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة. ثم جعلهم بيوتا. فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا، [32] وعن جابر بن عبد الله قال في قوله تعالي: (فمن حاجک فيه من بعد ما جاءک من العلم. فقل تعالوا ندع



[ صفحه 243]



أبناءنا وأبناءکم ونساءنا ونساءکم وأنفسنا وأنفسکم. ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الکاذبين). [33] قال: قدم علي النبي (ص). العاقب والطيب.

فدعاهما إلي الملاعنة فواعداه علي أن يلاعناه الغداة. فغدا رسول الله (ص) فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما. فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج، فقال رسول الله (ص): والذي بعثني بالحق.

لو قالوا لا لأمطر عليهم الوادي نارا، قال جابر وفيهم نزل قوله تعالي:

(فقل تعالوا ندع أبناءنا... الآية) قال جابر: أنفسنا وأنفسکم.. رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، قال ابن کثير: رواه الحاکم وقال صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه ورواه أبو داوود الطيالسي عن شعبة عن المغيرة. [34] .

وجعل النبي (ص) علي بن أبي طالب علي ذروة العشيرة الأقربين. کما وضع موسي هارون علي ذروة الأسباط، روي عن علي ابن أبي طالب أنه قال: لما نزل قوله تعالي: (وأنذر عشيرتک الأقربين) [35] جمع النبي (ص) من أهل بيته فاجتمع ثلاثون. فأکلوا وشربوا. فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويکون معي في الجنة ويکون خليفتي في أهلي، قال رجل: يا رسول الله أنت کنت بحرا من يقوم بهذا، ثم قال الآخر، فعرض النبي (ص) هذا علي أهل بيته واحدا واحدا، فقال علي: أنا، [36] وفي رواية: قال النبي (ص) فأيکم يبايعني علي أن يکون أخي وصاحبي ووارثي، فلم يقم إليه أحد، قال علي: فقمت إليه وکنت من أصغر القوم. فقال: إجلس. ثم قال مرة



[ صفحه 244]



أخري، کل ذلک أقوم إليه. فيقول لي: إجلس. حتي کان في الثالثة ضرب بيده علي يدي)، [37] وفي رواية: قال النبي (ص): إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتکم به، إني قد جئتکم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوکم إليه، فأيکم يؤازرني علي أمري هذا، فقال علي: أنا يا نبي الله أکون وزيرک عليه. فأخذ برقبتي.

وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيکم فاسمعوا وأطيعوا. [38] .

وجعل النبي (ص) علي بن أبي طالب علي ذروة المهاجرين والأنصار، عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده. أن النبي (ص)، آخي بين الناس وترک عليا حتي بقي آخرهم لا يري له أخا، فقال: يا رسول الله آخيت بين الناس وترکتني، قال: ولم تراني ترکتک؟ ترکتک لنفسي.

أنت أخي وأنا أخوک. فإن ذکرک أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعد إلا کذاب، [39] وروي أن النبي (ص) قال لعلي أنت أخي في الدنيا والآخرة. [40] قال ابن کثير: کان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لکونه من رواية أهل الشام. [41] .

وجعل النبي (ص) بيت علي بن أبي طالب ذروة البيوت. فعن زيد بن أرقم قال: کان لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة في المسجد. فقال النبي يوما: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. فتکلم في ذلک الناس. فقام رسول الله (ص)، فحمد الله وأثني عليه. ثم قال: أما بعد. فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي، وقد قال فيه قائلکم،



[ صفحه 245]



وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته، ولکن الله أمر بشئ فاتبعته، [42] وفي رواية: قال (ص) ما أخرجتکم من قبل نفسي، ولا أنا ترکته، ولکن الله أخرجکم وترکه، وإنما أنا عبد مأمور، ما أمرت به فعلت، إن أتبع إلا ما يوحي إلي. [43] .

وهذا الحديث رواه جمع من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر بن سمرة، وأنس بن مالک، وبريدة الأسلمي، وعلي بن أبي طالب. وقال السيوطي: ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة بل المتواترة، أنه (ص) منع فتح باب شارع في المسجد ولم يأذن لأحد ولا لعمه العباس ولا لأبي بکر، إلا لعلي، وقال الحافظ الکتاني: وقد أورد ابن الجوزي في الموضوعات حديث سد الأبواب مختصرا علي بعض طرقه، وفي هذا قال الحافظ ابن حجر: وقد أخطأ ابن الجوزي في ذلک خطأ شنيعا لرده الأحاديث الصحيحة. [44] .

وجعل النبي (ص) علي بن أبي طالب علي ذروة الجنود. عن أبي هريرة قال. إن النبي (ص) قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله - وفي رواية عن مسلم: رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله - يفتح الله علي يديه. قال عمر بن الخطاب. ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فتساورت لها رجاء أن أدعي لها. فدعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب. فأعطاه إياها.. وقال: إمش ولا تلتفت حتي يفتح الله عليک. فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت وصرخ: يا رسول الله علي



[ صفحه 246]



ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا فعلوا ذلک فقد منعوا منک دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله. [45] .

ومن أحاديث الذروة أيضا ما روي عن جابر بن عبد الله قال: دعا رسول الله (ص) عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس. لقد طال نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله (ص): ما انتجيته ولکن الله انتجاه [46] وفي رواية: قال أبو بکر: يا رسول الله قد طالت مناجاتک عليا. فقال: ما أنا انتجيته ولکن الله انتجاه [47] قال في تحفة الأحوازي: أي أني بلغت عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه. فحينئذ انتجاه الله لا انتجيته. وقال الطيبي:

کان ذلک أسرار إلهية وأمور غيبية جعله من خزانها. [48] .

ومن أحاديث الذروة. ما روي عن جابر. قال. لما سأل أهل قباء النبي (ص). أن يبني لهم مسجدا قال رسول الله (ص): ليقم بعضکم فيرکب الناقة. فقام أبو بکر فرکبها فلم تنبعث فرجع فقعد، فقام عمر فرکبها فحرکها فلم تنبعث فرجع فقعد، فقام علي. فلما وضع رجله في غرز الرکاب وثبت به، فقال رسول الله (ص): يا علي ارخ زمامها. وابنوا علي مدارها فإنها مأمورة. [49] .

وعلي ضوء ما ذکرنا من الأحاديث الصحيحة. تشرق منزلة



[ صفحه 247]



علي بن أبي طالب من رسول الله داخل أحياء قريش، فهو بين العشيرة الأقربين. أخو النبي ووصيه وخليفته، وهو بين المهاجرين والأنصار.

عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعد إلا کذاب، وبابه بين الأبواب.

هو الباب المفتوح. وعلم الجميع أن الله أخرجهم وترکه. وأن النبي في هذا مأمور. ما أمر به فعله إن يتبع إلا ما يوحي إليه، وفي ميادين القتال علم الخاص والعام. أن عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وعلموا أن الله انتجاه، ويوم بناء المسجد علموا أن الناقة مأمورة.

وعلموا أن الکتاب والعترة لا يفترقا حتي يردا علي الحوض. وأن العترة في صلب علي وفاطمة عليهما السلام. لقول النبي (ص).. علي أصلي... [50] .

وبين إشراق منزلة علي من النبي (ص). وبين منزلة هارون من موسي عليهما السلام، يمتد ظلال الدعوة الإلهية، وتحت هذا الظلال تسير الأمة الخاتمة بمنهجها المهيمن علي جميع المناهج، وقد حذرهم الله تعالي من السلوک في طريق الفراعنة. بعد أن جعل قياس النبي (ص) إلي موسي. وقياس الأمة إلي فرعون وقومه. [51] وبعد أن حذرهم من أن يکونوا کالذين أذوا موسي. [52] وبعد أن علموا أن الله يزکي من يشاء.

ويجعل بعض الناس لبعض فتنة يمتحنون بها.

وعلي طريق المنزلة رويت أحاديث صحيحة. يري فيها موقع الذروة الذي يستقيم مع موقع المنزلة. وسنذکر بعض هذه الأحاديث في موضعها.



[ صفحه 248]




پاورقي

[1] سورة طه آية 29 - 32.

[2] أنظر: لسان العرب مادة وزر ص 4824.

[3] أنظر: لسان العرب مادة کهن ص 3950.

[4] تفسير ابن کثير 147 / 3.

[5] سورة الأعراف آية 142.

[6] تفسير ابن کثير 243 / 2.

[7] سورة المزمل آية 15.

[8] تفسير ابن کثير 438 / 4.

[9] سورة الأحزاب آية 69.

[10] سورة الصف آية 5.

[11] سورة الأحزاب آية 57.

[12] سورة الأعراف آية 129.

[13] سورة يونس آية 14.

[14] سورة الفرقان آية 20.

[15] الميزان 194 / 15.

[16] ابن کثير في التفسير 313 / 3.

[17] البخاري (الصحيح 300 / 2) مسلم (الصحيح 174 / 15) الترمذي (الجامع الصحيح 640 / 5).

[18] ابن أبي عاصم وتال الألباني، إسناده حسن ورجاله ثقات (کتاب السنة 565 / 2) وأحمد والحاکم (کنز العمال 606 / 11) (مستدرک الحاکم 133 / 3) (الفتح الرباني شرح مسند الإمام أحمد 204 / 21).

[19] ابن البخار (کنز العمال 151 / 13).

[20] مسلم (الصحيح 174 / 15).

[21] أخرجه الإمام أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير فاطمة بنت علي وهي ثقة (الفتح الرباني 129 / 23).

[22] البداية والنهاية / ابن کثير 342 / 7.

[23] نظم المتناثر في الحديث المتواتر / الکتاني ص 195.

[24] المصدر السابق ص 195.

[25] مسلم (الصحيح 179 / 15) وأحمد والحاکم (الفتح الرباني 104 / 22).

[26] رواه أحمد وقال الهيثمي إسناده جيد (الزوائد 9 / 193) (الفتح الرباني 105 / 22) والطبراني (کنز العمال 186 / 1).

[27] رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن والطبراني وقال المناوي رجاله موثقون (الفتح الرباني 186 / 1) (کتاب السنة 644 / 2).

[28] رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (الجامع 663 / 5) وقال في تحفة الأحوازي رواه مسلم من وجه آخر (التحفة 290 / 10).

[29] لسان العرب ص 2796.

[30] مسلم شرح النووي 179 / 15.

[31] أنظر: کنز العمال ص 172، 173، 186، 187 / 1، 435 / 4، 290 / 5 وکتاب السنة ص 351، 644 / 2 والبداية والنهاية 209 / 5.

[32] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (الجامع 584 / 5) ورواه أحمد (الفتح الرباني 266 / 21).

[33] سورة آل عمران آية 61.

[34] تفسير ابن کثير 370 / 1.

[35] سورة الشعراء آية 214.

[36] رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الفتح الرباني 122 / 23) ورواه ابن جرير وصححه والطحاوي والضياء بسند صحيح (کنز العمال 129 / 13).

[37] رواه أحمد وابن جرير والضياء بسند صحيح (کنز العمال 175 / 13).

[38] رواه ابن إسحاق وابن جرير وابن بي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي (کنز العمال 133 / 13).

[39] رواه أحمد وأبو يعلي (کنز العمال 140 / 13) (تحفة الأحوازي 222 / 10).

[40] رواه الترمذي والحاکم وصححه (کنز العمال 598 / 11).

[41] البداية والنهاية 336 / 7.

[42] رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 114 / 9) (الفتح الرباني 118 / 23) والحاکم والضياء بسند صحيح (کنز 598 / 11).

[43] رواه البزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 115 / 9) والطبراني (کنز العمال 600 / 11).

[44] نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص 195.

[45] رواه مسلم (الصحيح 176 / 15) وأحمد (الفتح الرباني 132 / 23) والبخاري عن سلمة بن الأکوع (الصحيح 166 / 2) والحاکم عن جابر (المستدرک 38 / 3).

[46] رواه الترمذي وقال حديث حسن (الجامع 639 / 5) وابن کثير (البداية والنهاية 357 / 7).

[47] رواه الطبراني عن جنوب بن ناجية (کنز العمال 139 / 13).

[48] تحفة الأحوازي 231 / 10.

[49] رواه الطبراني في الکبير (کنز العمال 139 / 13).

[50] رواه الطبراني والضياء بسند صحيح (602 / 13 کنز).

[51] سورة المزمل آية 15.

[52] سورة الأحزاب آية 69.