بازگشت

اضواء علي الالقاءات الشيطانية


کان الاختلاف في الدين مقدمة لظهور الأحزاب والفرق التي أخلت بأمر الوحدة الدينية، والاختلاف في الدين سعي إليه الشيطان منذ



[ صفحه 17]



اللحظة الأولي بعد أن شملته لعنة الله عندما رفض السجود لآدم، والشيطان قام ببناء منهجه ليعارض به مهمة الإنسان التي خلق من أجلها. وهو قوله تعالي: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [1] والمنهج الشيطاني يقوم علي عرقلة طريق العبادة. وقد بينه الله تعالي في کتابه فقال: (قال رب بما أغويتني لأزين لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادک منهم المخلصين). [2] .

فالزينة التي أودعها الله في الکون لتکون مدخلا للإيمان کما في قوله تعالي: (أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم کيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من کل زوج بهيج تبصرة وذکري لکل عبد منيب) [3] وقوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [4] فهذه الزينة وغيرها. قام الشيطان بتزيينها ليکون هذا التزيين مادة للإغواء ثم للاحتناک علي طريق عبادة النجوم والکواکب وکافة الأرباب الأرضية.

والزينة والإغواء يخاطبان في الإنسان غرائزه. وعن طريقهما يتم إمداد الفرد بالطاقة العصبية المذمومة للتعبير عن هذه الغرائز، وتتوقف قوة الدفع حسب طبيعة الشئ الذي استمال الغريزة، ومع عملية الدفع تبدأ الاتجاهات. والاتجاهات هي تنظيم مستمر لعمليات الدوافع والانفعالات والإدراک والمعرفة فيما يتعلق بناحية معينة من عالم الفرد، وإذا کان الاتجاه الفطري قد غرست فيه معرفة الله عز وجل ومعرفة الخير والشر، فإن تغيير هذا الاتجاه يکون نتيجة لمعلومات



[ صفحه 18]



جديدة أفرزتها دائرة التزيين والإغواء. فعلي هذه المعلومات يتغذي الإنسان الضعيف فينقلب مزاجه، ويقصد بالمزاج مجموعة الخصائص الانفعالية. أو بعبارة أخري مجموعة الصفات التي يتسم بها سلوک الفرد وانفعالاته ودوافعه، ومع هذه الانقلابات تنشأ العواطف التي يقوم عليها صروح الحب في غير الله والعبادة لغير الله. وفوق هذه الصروح تنقسم الحياة الفعلية وفوق هذا الانقسام يکون الاحتناک الشيطاني. وهو قوله تعالي: (قال أرأيتک هذا الذي کرمت علي، لئن أخرتن إلي يوم القيامة لاحتنکن ذريته إلا قليلا، قال اذهب فمن تبعک منهم فإن جهنم جزاؤکم جزاء موفورا) [5] قال في الميزان: والاحتناک في الآية: الالجام. وهو من قولهم: حنک الدابة بحبلها أي جعل في حنکها الأسفل حبلا يقودها به. [6] فعلي طريق الاحتناک وهو طريق اللاعبادة واللادعوة واللاشعور.

تبرز القوافل التي علي عاتقها يکون تنفيذ البرنامج الشيطاني الذي يعارض به مهمة الإنسان في الأرض. وهو قوله تعالي: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطک المستقيم) [7] قال في الميزان: أي لأجلسن لأجلهم علي صراطک المستقيم وسبيلک السوي الذي يوصلهم إليک وينتهي بهم إلي سعادتهم.. فالقعود علي الصراط المستقيم کناية عن التزامه والترصد لعابريه ليخرجهم منه. [8] .

والشيطان لا يتمکن من إکراه الناس علي المعصية. وإنما يدعو الناس إلي الضلال فقط. وهو قوله تعالي: (إن عبادي ليس لک عليهم سلطان إلا من أتبعک من الغاوين) [9] والشيطان نفسه سيعترف بعدم إکراه



[ صفحه 19]



الناس علي المعصية يوم القيامة. وهو قوله تعالي: (وقال الشيطان لما قضي الأمر أن الله وعدکم وعد الحق ووعدتکم فأخلفتکم. وما کان لي عليکم من سلطان إلا أن دعوتکم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسکم) [10] وکما ذکرنا أن مجال دعوة وعمل الشيطان هو أحاسيس الناس وعواطفهم ومشاعرهم، لإيجاد الدافع الذي يغير الاتجاه بعيدا عن إتجاه الفطرة.

وجحافل الشيطان تکون أشد عنفا عند الذين آمنوا في حياة الأنبياء. قال تعالي: (وکذلک جعلنا لکل نبي عدوا من المجرمين وکفي بربک هاديا ونصيرا) [11] قال في الميزان: ومعني جعل العدو من المجرمين أن الله جزاهم علي معاصيهم بالختم علي قلوبهم. فعاندوا الحق وأبغضوا الداعي إليه وهو النبي [12] وقال تعالي: (وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبي. إلا إذا تمني ألقي الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحکم آياته والله عليم حکيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد). [13] .

قال في الميزان: ومعني الآية. وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبي إلا إذا تمني وقدر بعض ما يتمناه من توافق الأسباب علي تقدم دينه وإقبال الناس عليه وإيمانهم به، ألقي الشيطان في أمنيته ووسوس للناس وهيج الظالمين وأغري المفسدين ليفسدوا الأمر علي ذلک الرسول أو النبي ويبطلوا سعيه، ولکن الله يزيل ما يلقي الشيطان ثم



[ صفحه 20]



يحکم آياته بإنجاح سعي الرسول أو النبي وإظهار الحق. وقيل: والتمني ربما جاء بمعني القراءة والتلاوة. فيکون معني الآية علي هذا المعني:

وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبي إلا إذا تلا وقرأ آيات الله ألقي الشيطان شبها مضللة علي الناس بالوسوسة ليجادلوه بها ويفسدوا علي المؤمنين إيمانهم، فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من الشبه.


پاورقي

[1] سورة الذاريات آية 56.

[2] سورة الحجر آية 39.

[3] سورة ق آية 6.

[4] سورة الأعراف آية 32.

[5] سورة الإسراء آية 63.

[6] الميزان 144 / 13.

[7] سورة الأعراف آية 16.

[8] الميزان 31 / 8.

[9] سورة الحجر آية 42.

[10] سورة إبراهيم آية 22.

[11] سورة الفرقان آية 31.

[12] الميزان 205 / 15.

[13] سورة الحج آية 52 - 53.