الخاتمة
أقام الله حجته علي بني إسرائيل بإرساله الأنبياء والرسل إليهم، وقام الأنبياء والرسل بإرشاد القافلة الإسرائيلية إلي ما فيه سعادتهم وأخبروهم بما يستقبلهم من أحداث في بطن الغيب وهم يخبرون بالغيب عن الله تعالي، وحذروهم من مقدمات يترتب عليها فتن تقودهم إلي نتيجة لعن الله أتباعها إلي يوم القيامة، وبشروهم بأبواب يفتحها الله لطف منه تعالي بعباده، وعلي الأبواب هداة عينهم الله وحدد أوصافهم، وأخبروهم أن من أخذ بالأسباب للوقوف علي هذه الأبواب واتبع الذين عينهم الله وحددهم وعمل صالحا فقد نجا.
وعلي امتداد المسيرة الإسرائيلية صار الصالح والطالح تحت سقف الامتحان والابتلاء. لينظر الله إلي عباده کيف يعملون، وانقسمت المسيرة علي نفسها، وانتهي الاختلاف والافتراق بعد العلم إلي عبادة البعل وأقامت المرتفعات لآلهة الأمم المتعددة، وعلي هذه الرقعة اقتتلوا فيما بينهم علي الملک، ونتيجة لظلمهم بعث الله عليهم البعوث، وتم سبي مملکة إسرائيل بواسطة آشور. وسبي مملکة يهوذا بواسطة بابل، وبعد السبي الأول وقع اليهود تحت حکم خمسة دول: فارس (538 - 333 ق. م) اليونان (333 - 323 ق. م) مصر (323 - 204 ق. م) سوريا (204 - 167 ق. م) فترة المکابين - وهي فترة استقل فيها اليهود من
[ صفحه 203]
الناحية العملية (167؟ 63 ق. م) روما (63 - ق. م - 633 م) وأثناء حکمها جاء الفتح الإسلامي.
وفي خاتمة الدعوة الإلهية إلي بني إسرائيل. بعث الله إليهم المسيح عيسي بن مريم عليهما السلام، وعلي امتداد دعوته قامت الفرق اليهودية التي وقعت في فتنة الميراث وملحقاتها بالصد عن سبيل الله، وصدع المسيح عليه السلام بالحق فبين لهم ما اختلفوا فيه وبشرهم بالنبي الخاتم صلي الله عليه وآله وسلم. وهو يخبرهم بأن ملکوت الله سينزع من أيديهم ويسلم إلي شعب آخر، وتکاتفت المجامع اليهودية من أجل القضاء علي المسيح ودعوته، ولکن الله کف أيديهم عنه ورفعه إليه، وبعد رفع المسيح اضطهد اليهود تلاميذه وکان قد أخبرهم بهذا الاضطهاد والقتل، وفي هذه الآونة ظهر بولس علي الساحة. وکان من أشد أعداء الدعوة، وبولس ينتمي إلي طائفة الفريسيين وهي طائفة متطرفة حذر المسيح تلاميذه من تعاليمها، وعندما بدأ بولس يمارس الدعوة باسم المسيح حاول أن ينضم إلي التلاميذ فخافوا منه. إذ لم يصدقوا أنه صار تلميذ، [1] وبدأ بولس مهمته التي غير فيها دين المسيح، وصارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعة منسوبة إليه.
وعلي امتداد المسيرة الإسرائيلية. دمر هيکل سليمان في عهد نبوخذ ناصر (586 ق. م) ثم دمر الهيکل الذي أعاده عزرا ونحميا (135 ق. م) وبعد أن أعيد بناؤه تم تدميره بواسطة الإمبراطور تيطس (70 م) وقام الإمبراطور هادريان بطرد اليهود من أورشاليم (135 م) وألغي الإمبراطور ثيودوسيوس الحاخامية اليهودية (435 م).
وأصبح الطريق مفتوحا أمام الدعوة الخاتمة علي نبيها وآله الصلاة وأذکي السلام. (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره
[ صفحه 204]
ولو کره الکافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين کله ولو کره المشرکون). [2] .
وبعد رفع المسيح عليه السلام. لم يعرف إلا النزر اليسير عن تلاميذه، وکان عليه السلام قد أخبرهم بأنهم سيضطهدون ويقتلون، وفي هذه الآونة ظهر بولس علي الساحة، وکان من أشد الناس علي الدعوة، وکان يعمل بکل ما في وسعه لاعتقال المؤمنين بها، وبولس ينتمي إلي طائفة الفريسيين. وهي طائفة تقوم ثقافتها علي التفسير الشفهي للناموس (التلمود). وقد حذر المسيح عليه السلام تلاميذه من تعاليم هذه الطائفة، ودخل بولس إلي النصرانية بحجة أنه رأي المسيح علي طريق دمشق، وأن المسيح عينه تلميذا له، وعندما ذهب بولس إلي أورشاليم اتجه نحو التلاميذ لينال منهم شرعية الدعوة أمام الجموع، وجاء في سفر أعمال الرسل أنه حاول أن ينضم إلي التلاميذ. فخافوا منه. إذ لم يصدقوا أنه صار تلميذ، [3] ولکن بولس مارس الدعوة بما له من ذکاء.
وما له من جاه. عند شيوخ اليهود وملوک وحکام الأقاليم، وبدأ بولس في تنفيذ برنامجه. فألغي الشريعة داخل الحي النصراني. وشکک في أحقية إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام في الميراث، وعلي هذا الأصل صد عن سبيل النبي الخاتم وبشاراته في التوراة والإنجيل، ثم توجه بقافلته نحو الأمم، وهو ما لم يفعله المسيح عليه السلام، ودخول بولس بدعوته إلي ساحة الأمم يعطي: کره لتعاليم المسيح أولا، وإنشاء قاعدة تکون في خدمة أهدافه القريبة وأهداف اليهود البعيدة ثانيا، والصد عن سبيل الدعوة الخاتمة ثالثا، وذلک لأن المسيح لم يتقدم إلي الساحة الأممية لأن منهجه يخاطب بني إسرائيل، وکان
[ صفحه 205]
المسيح يبشر في نفس الوقت بالنبي الأمي وأمته الأمية، وهذا يعطي أن الدعوة الخاتمة دعوة عامة. متوجهة إلي البشرية کافة، وبولس بصفته کان متفوقا في الديانة اليهودية کما قال عن نفسه، کان يعلم أن الرسالة الخاتمة ستخاطب الأمم، لهذا تقدم نحو الأمم ليضع وقوده الذي يسير القافلة نحو أهداف محددة، ويکون عائقا أمام دعوة محددة. وبعد جهد متواصل، أصبح بولس عنوانا للمسيحية، وصارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعه منسوبة إليه، ومما يذکر أن الشواهد الکتابية لهذه المسيرة هي: أناجيل:
متي، مرقص، لوقا، يوحنا، أعمال الرسل، الرؤيا.
وبالجملة: بعد سبي اليهود. حکم فلسطين خمسة دول هي:
فارس (538 - 333 ق. م) واليونان (333 - 323 ق. م) ومصر (323 - 204 ق. م) وسوريا (204 - 167 ق. م) ثم فترة المکابين [4] (167 - 63 ق. م) وروما (63 ق. م - 633 ميلادية).
وأهم الأحداث التي وقعت في الحي اليهودي: تدمير هيکل سليمان في عهد نبوخذ ناصر (586 ق. م) وتدمير الهيکل الذي أعاده عزرا ونحميا (135 ق. م) وبعد إعادة بناء الهيکل. دمره الإمبراطور تيطس (75 ميلادية) وقام الإمبراطور هادريان بطرد اليهود من أورشاليم (عام 135 ميلادية) وألغي الإمبراطور ثيودوسيوس الحاخامية اليهودية عام (435 ميلا دية).
وأصبح الطريق مفتوحا أمام الدعوة الخاتمة ليقيم الله بها حجته علي العالمين. (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو کره الکافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين کله ولو کره المشرکون) [5] .
[ صفحه 209]
پاورقي
[1] أعمال الرسل 9 / 26.
[2] سورة الصف آية 8 - 9.
[3] أعمال الرسل 9 / 26.
[4] هي فترة استقل اليهود فيها من الناحية العملية.
[5] سورة الصف آية 8 - 9.