بازگشت

اضواء علي اقوال المسيح في تلاميذه


قال تعالي في کتابه الکريم: (وإذ أوحيت إلي الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي. قالوا آمنا وإشهد بأننا مسلمون) [1] قال المفسرون: المراد بهذا الوحي وحي إلهام. کقوله تعالي: (وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه). [2] وقوله: (وأوحي ربک إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا...) [3] فالحواريين ألهموا الإيمان فامتثلوا ما ألهموا. وقيل:

ويحتمل أن يکون المراد. وإذ أوحيت إليهم بواسطتک فدعوتهم إلي الإيمان بالله وبرسوله. واستجابوا لک وانقادوا وتابعوک فقالوا: (آمنا بالله وأشهد بأننا مسلمون).

وعلي هذا فالحواريين ألهموا الإيمان أولا واستجابوا. فوهبهم الله تعالي للمسيح ليبشروا بين يديه، والمسيح عليه السلام أخبر بهذه الهبة الإلهية له. فقال في آخر أيامه علي الأرض وهو يدعو ربه أظهرت اسمک للناس الذي وهبتهم لي من العالم. کانوا لک فوهبتهم لي، وقد عملوا بکلمتک وعرفوا الآن أن کل ما وهبته لي فهو منک، لأني نقلت



[ صفحه 162]



إليهم الوصايا التي أوصيتني بها فقبلوها.. وآمنوا أنک أرسلتني، من أجل هؤلاء أصلي إليک، لست أصلي الآن من أجل العالم. بل من أجل الذين وهبتهم لي لأنهم لک. [4] وفي آخر أيامه عليه السلام دعا ربه قائلا: أريد لهؤلاء الذين وهبتهم لي أن يکونوا معي حيث أکون أنا فليشهدوا مجدي الذي أعطيتني. [5] .

من النصوص السابقة علمنا أن القاعدة التي وقف عليها التلاميذ. هي قاعدة الإيمان بالله ورسوله. ولما کنا نبحث عن التلميذ الذي خان المسيح، فلا بد من الوقوف علي عدد التلاميذ الذين وقفوا علي قاعدة الإيمان من يومهم الأول وحتي يومهم الأخير، بمعني أنهم إذا کانوا عند البداية اثنا عشر تلميذا. فيجب أن يکونوا عند الخاتمة إحدي عشر تلميذا. علي اعتبار أن منهم خائن واحد.

جاء في إنجيل مرقس أن المسيح عين اثني عشر ليلازموه ويرسلهم ليبشروا. وتکون لهم سلطة علي طرد الشياطين [6] فعلي هذا يکون عند المقدمة اثني عشر تلميذا، فإذا نظرنا عند الخاتمة يوم القيامة. نجد أنهم لم ينقصوا تلميذا واحدا، جاء في إنجيل متي أن المسيح قال للتلاميذ الحق أقول لکم. إنکم أنتم الذين تبعتموني في التجديد. متي جلس ابن الإنسان علي کرسي مجده. تجلسون أنتم أيضا علي اثني عشر کرسيا. تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. [7] قال صاحب سيرة المسيح في تفسيره: أجاب المسيح بما يفيد أنهم ينالون



[ صفحه 163]



التفاتا خصوصيا من العناية الإلهية في هذه الدنيا، ثم في الدهر الآتي يرثون الحياة الأبدية. [8] .

فوفقا لهذه الأصول لا يوجد خائن بين التلاميذ الذين آمنوا بالله ورسوله. وأشهدوا الله ورسوله بأنهم مسلمين کما جاء في القرآن، والذين عملوا بکلمات الله. وقبلوا ما أوصي الله به المسيح کما ذکرت الأناجيل، وبشهادة الإنجيل إنهم عند البداية کانوا اثنا عشر تلميذا.

وعند الخاتمة يدين الاثني عشر تلميذا أسباط إسرائيل الاثني عشر.

ويرثون مع المسيح الحياة الأبدية. فأين الخائن الذي وضعوا علي عاتقه قصة الصلب وعلي الصلب نشأت المذاهب والفرق، هناک نص في إنجيل لوقا يقول: ودخل الشيطان في يهوذا الملقب بالإسخريوطي وهو في عداد الاثني عشر. [9] ولکن هذا يعارضه ما جاء في إنجيل مرقس أن المسيح عين اثني عشر ليلازموه ويرسلهم ليبشروا، وتکون لهم سلطة علي طرد الشياطين. [10] فکيف تکون ليهوذا الإسخريوطي سلطة علي طرد الشياطين أعطاها له المسيح، وبهذه السلطة مارس الدعوة والتبشير تحت رعاية المسيح، ثم يخترقه الشيطان بعد ذلک فيقوم بتسليم المسيح لأعدائه، فيجردوه من ثيابه ويسخرون منه ويبصقون عليه کما ذکر في الإنجيل، ورغم المقدمة التي فتحها يهوذا وما ترتب عليها من نتائج صدت عن سبيل الله. ومزقت أمة النصاري إلي فرق وأحزاب، تحدثنا نصوصا أخري بأن يهوذا (وهو ضمن الاثني عشر تلميذا) دعا له المسيح دعاء ينال به التفاتة خصوصية من العناية الإلهية في هذه الدنيا، ويرث به الحياة الأبدية بعد أن يدين التلاميذ الاثني عشر أسباط إسرائيل الاثني عشر.



[ صفحه 164]



من هذه النصوص نري أن المقدمة لا تنسجم مع النتيجة، ونري أن اختيار المسيح ليهوذا وإعطائه السلطة علي طرد الشياطين منذ البداية. ثم اختراق الشيطان ليهوذا بعد ذلک، نري أن هذا في حد ذاته يهدم قولهم بألوهية المسيح. لأن العلم ووضع الشئ في محله قد اهتز اهتزازا کبيرا في دائرة يهوذا الإسخريوطي في حياته الدنيا، وأن العدل قد اهتز اهتزازا کبيرا في دائرته في الحياة الأبدية، ولا ندري کيف يجلس يهوذا ضمن الاثني عشر تلميذا ليدين أسباط إسرائيل الاثني عشر علي اختلافهم وتفرقهم من بعد ما جاءهم العلم، في الوقت الذي فيه يهوذا عمودا فقريا لاختلاف النصاري وتفرقهم بعد أن جاءهم العلم.

وإذا نظرنا في القرآن الکريم وتدبرنا آياته الکريمة، نجد أن الله تعالي امتدح الحواريون في أکثر من موضع، واعتبر شهادتهم حجة علي المسيرة الإسرائيلية. وحاذي سبحانه بين قاعدة الحواريين وبين قاعدة الذين آمنوا في الدعوة الخاتمة علي نبيها الصلاة والسلام، وفي آيات أخري، ربط الحواريين والذين آمنوا في الدعوة الخاتمة برباط واحد هو رباط الشهادة لله.

أما المحاذاة بين الحواريين وبين الذين آمنوا. ففي قوله تعالي:

(يا أيها الذين آمنوا کونوا أنصار الله کما قال عيسي بن مريم للحواريين من أنصاري إلي الله. قال الحواريون نحن أنصار الله). [11] والمراد بنصرتهم لله. أن ينصر الذين آمنوا النبي الخاتم صلي الله عليه وآله وسلم. في سلوک السبيل الذي يسلکه إلي الله علي بصيرة، ثم جاءت محاذاة الحاضر بالماضي في الدعوة الإلهية. فقال تعالي: (کما قال عيسي بن مريم للحواريين من أنصاري إلي الله. قال الحواريون نحن أنصار الله) ومعني أن الحواريين أنصار الله. أي أنهم أنصارا لعيسي



[ صفحه 165]



عليه السلام في سلوک سبيل الله وتوجهه إلي الله، وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله.

وأما ربط الحواريين والذين آمنوا برباط واحد هو رباط الشهادة لله، ففي قوله تعالي: (قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاکتبنا مع الشاهدين) [12] ابن کثير في تفسيره: أن الشاهدين هم أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم. [13] والشاهدين ذکروا في أکثر من موضع بالأناجيل.

وأفاض سفر الرؤيا في أوصافهم، وتفسيرات علماء أهل الکتاب کلها تشير إلي أنهم الأمة الخاتمة. ومنهج هذه الأمة بينه (الأمين الصادق) کما جاء في سفر الرؤيا. بأنه يقدم الذهب النقي الذي صفته النار، ويقدم الثياب البيضاء التي تستر العري المعيب. والکحل الذي يشفي العينين فيعود إليهما البصر من جديد.

وبهذا تنسجم المقدمة مع النتيجة. تنسجم خاتمة دعوة إلهية إلي بني إسرائيل مع مقدمة دعوة إلهية للبشرية جمعاء، وعلي هذا يمکن القول أن مقدمة التلميذ الخائن الذي وهبه الله للمسيح. ثم صد عن سبيل الله بعد ذلک. لا تنسجم مع النتيجة التي جاءت في النصوص الکتابية، وعلي هذا الضوء يسقط الاتهام الذي تم توجيهه إلي قاعدة الحواريين.


پاورقي

[1] سورة المائدة آية 111.

[2] سورة القصص آية 7.

[3] سورة النحل آية 68.

[4] إنجيل يوحنا 17 / 6 - 10.

[5] يوحنا 17 / 24.

[6] مرقس 13 / 3 - 15.

[7] متي 19 / 27 - 0 3.

[8] سيرة المسيح / ط کنيسة قصر الدوبارة القاهرة ص 402.

[9] لوقا 22 / 4.

[10] مرقس 3 / 15.

[11] سورة الصف آية 14.

[12] سورة آل عمران آية 52.

[13] تفسير ابن کثير 365 / 1.