بازگشت

حجة الفطرة


للإنسان مهمة. ومهمته عبادة الله تعالي. قال تعالي: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [1] والمعني: أي إنما خلقتهم لأمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم. [2] وحقيقة العبادة نصب العبد نفسه في مقام الذلة والعبودية وتوجيه وجهه إلي مقام ربه. [3] ولأن العبادة هي الغرض الأقصي من الخلقة. جهز الله تعالي الإنسان بالفطرة وجعل ينبوع دينه سبحانه فطرة الإنسان نفسه، وقضي تعالي بأن تکون الفطرة ضمن النسيج الإنساني لا تتبدل ولا تتغير أبدا، لتکون حجة بذاتها علي الإنسان يوم القيامة، وينبوع الدين في الفطرة يشهد به قوله تعالي: (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربکم قالوا بلي شهدنا. أن تقولوا يوم القيامة إنا کنا عن هذا غافلين). [4] قال المفسرون: إجتمعوا هناک جميعا وهم فرادي، فأراهم الله ذواتهم المتعلقة بربهم، وأشهدهم علي أنفسهم (ألست بربکم).

وهو خطاب حقيقي لهم وتکليم إلهي لهم. وهم يفهمون مما يشاهدون أن الله سبحانه يريد منهم الاعتراف وإعطاء الموثق (قالوا بلي شهدنا).

وأعطوه الاقرار بالربوبية. فتمت له سبحانه الحجة عليهم يوم القيامة.



[ صفحه 9]



وإن کانوا في نشأة الدنيا علي غفلة إلا أنهم إذا کان يوم البعث عادوا إلي مشاهدتهم ومعاينتهم وذکروا ما جري بينهم وبين ربهم، ولو لم يفعل الله تعالي هذا ولم يشهد کل فرد علي نفسه. لأقاموا جميعا الحجة عليه يوم القيامة. بأنهم کانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيته. ولا تکليف علي غافل ولا مؤاخذة. [5] .

فعلي هذه الفطرة يولد الإنسان. قال رسول الله (ص) کل مولود يولد علي الفطرة يعني علي المعرفة بأن الله عز وجل خالقه [6] ولما کانت المعرفة قد ثبتت عند المقدمة ونسي الإنسان الموقف في الدنيا وسيذکره في الآخرة، فإن الله سبحانه قد أقام علي الإنسان الحجج في الدنيا لقوله علي ما ثبت عند المقدمة. وتکون زادا له في سلوکه نحو الآخرة. ومن هذه الحجج ما هو ضمن النسيج الإنساني. قال تعالي:

(ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين) [7] قال في الميزان: أي جهزنا الإنسان في بدنه بما يبصر به فيحصل له العلم بالمرئيات علي سعة نطاقها، وجعلنا له لسانا وشفتين يستعين بهما علي التکلم والدلالة علي ما في ضميره من العلم، وعلمناه طريق الخير وطريق الشر بإلهام منا فهو يعرف الخير ويميزه من الشر. قال تعالي:

(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها). [8] قال في الميزان: أي إنه تعالي عرف الإنسان صفة فعله من تقوي أو فجور، وميز له ما هو تقوي مما هو فجور. [9] .

ومن هذه الحجج أيضا ما هو تحت سقف الکون الواسع.



[ صفحه 10]



وجميعها تدعو الإنسان للتقوي في التفکر والتذکر والتعقل للحصول علي استقامة الفکر وإصابة العلم. قال تعالي: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه). [10] .

إن للإنسان هدف وغاية. وکليات دين الله موجودة في فطرة الإنسان. ولا تبدل الفطرة أبدا لأنها حجة بذاتها وإنما يخطئ الإنسان في استعمالها، وعدم الانتباه إلي نداءات الفطرة يؤدي إلي فساد دين الإنسان الفطري. وعندما يفسد الدين لا تتعادل القوي الحسية الداخلية للإنسان. وينتج عن هذا أنه يتبع في عقيدته ما يزينه له الشيطان في الخارج.


پاورقي

[1] سورة الذاريات آية 56.

[2] تفسير ابن کثير 238 / 4.

[3] تفسير الميزان 388 / 18.

[4] سورة الأعراف آية 172.

[5] الميزان 325 / 8.

[6] المصدر السابق 330 / 8.

[7] سورة البلد آية 7 - 10.

[8] سورة الشمس آية 6.

[9] الميزان 296 / 20.

[10] سورة لقمان آية 11.