بازگشت

السقوط في الفتنة


حذر الأنبياء والرسل علي امتداد المسيرة البشرية من إلقاءات الشيطان. وبينوا أن ما يلقيه الشيطان ما هو إلا فتنة تصيب الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. ليکونوا علامة سوء علي امتداد الطريق کي يحذر الناس برامجهم وأطروحاتهم، والقرآن الکريم بشر الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ولم يتوبوا بعذاب جهنم، وفي عالم الفتن انطلقت المسيرة الإسرائيلية بعد عهد السبي تبشر بالمسيح المنتظر الذي يعيد مجد المملکة الداوودية، وتولي التلمود عملية التبشير، ولليهود تلمودان، الأول: التلمود الاورشاليمي. وقد وضعه أحبار اليهود في أورشاليم، والثاني: التلمود البابلي وقد وضعه أحبار اليهود في بابل، ويزعم کثير من اليهود أن موسي تسلم القانون المکتوب علي ألواح الحجر، کما تسلم من الله تفسيرات وشروحا لهذا القانون. وهو ما يدعي بالقانون الشفهي، [1] وذکرت مصادر أخري أن فرقة الفريسيين



[ صفحه 102]



اليهودية التي ظهرت قبل ميلاد المسيح ابن مريم عليه السلام بمائتي عام، هم الذين ابتدعوا القانون الشفهي. وهم الذين وضعوا التلمود. [2] .

ونظرا لما أنتجه التحريف من تناقض وما أنتجه التلمود من اختلافات. ارتقي الأحبار منزلة کبيرة بين الشعب، وکانت مهمتهم النزول علي الشعب بتفسيراتهم للتلمود، وهي تفسيرات لا ينبغي أن يناقشها غيرهم، ومن أجل هذه المهمة رفعهم التفسير التلمودي إلي مکانة عالية، قال إن تعاليم الحاخامات لا يمکن نقضها ولا تغييرها، [3] وقال من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت. وليس کذلک من احتقر أقوال التوراة. ولا خلاص لمن ترک تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، [4] وقال الحاخام روسکي: التفت يا بني إلي أقوال الحاخامات أکثر من التفاتک إلي شريعة موسي، [5] وجاء في کتاب کرافت المطبوع سنة 1590: إعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء، [6] وقال الحاخام في أقوال الحاخامات المناقض بعضها بعضا إنها کلام الله مهما وجد فيها من تناقض، فمن لم يؤمن بها أو قال إنها ليست أقوال الله. فقد أخطأ في حق الله. [7] .

ومن أقوال الحاخامات في شعب الله المختار: تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله کما أن الابن جزء من



[ صفحه 103]



والده، [8] ولهذا اختار الله الجنس العبري ليکون منه شعب الله المختار، وأعطي الله ميثاقه لهذا العنصر، وهو ليس عقدا بل عهدا لأنه جاء من جانب واحد، وهو عهد أزلي لا ينقض، وأنه تنفيذا لهذا الميثاق أخرج الله العنصر العبري من مصر وأنقذه من فرعون، وأهلک أهل فلسطين من أجله وأسکنهم أرضهم وملکها لهم، وإذا کان هذا الملک قد أفلت في عصر من العصور وآل للأمم، إلا أن هذا الملک لله أولا وأخيرا، ولقد قضي الله منذ الأزل أنه من نصيب شعبه، ومن ثم فلا خوف من ضياعه، وهذا العنصر العبري المختار سيظل لذلک يتطلع إلي أن يعيد الله هذا الملک لهذا الشعب کما قضي في کتابه، وسيکون تطلع هذا الشعب لإعادة هذا الملک بکل عقله وقلبه، وإنه لا يشک للحظة إنه سيستعيده.

وهو لا بد مسترجعه. [9] .

واختلفوا في المسيح المنتظر الذي سيستعيد مملکة داوود وعاء عهد الله لإبراهيم، فزعم يهود السامرة أن المسيح سيکون من سبط يوسف عليه السلام، وزعم يهود أورشاليم أنه سيکون من سبط يهوذا من نسل داوود. [10] واتفقوا في أحداث مجئ المسيح. وقالوا تطرح الأرض فطيرا وملابس من الصوف. وقمحا حبه بقدر کلاوي الثيران الکبيرة، وفي ذلک الزمان ترجع السلطة لليهود. وکل الأمم تخدم ذلک المسيح وتخضع له، وفي ذلک الوقت يکون لکل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه. وثلثمائة وعشرة أکوان تحت سلطته، ولکن لا يأتي المسيح إلا بعد القضاء علي حکم الأشرار. ولذلک يجب علي کل يهودي أن يبذل جهده لمنع امتلاک باقي الأمم في الأرض، کي تظل السلطة لليهود وحدهم، لأنه من الضروري أن تکون لهم السلطة أينما



[ صفحه 104]



حلوا، فإن لم يتيسر لهم ذلک اعتبروا منفيين وأساري، وإذا تسلط غير اليهود علي وطن اليهود. حق لهؤلاء أن يندبوا عليه ويقولون: يا للعار ويا للخراب ويستمر ضرب الذل والمسکنة علي بني إسرائيل حتي ينتهي حکم الأجانب، وقبل أن يحکم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب علي قدم وساق، ويهلک ثلثا العالم ويبقي اليهود سبع سنوات متواليات يحرقون الأسلحة التي کسبوها بعد النصر... ويعيش اليهود في حرب طاحنة مع باقي الشعوب في انتظار ذلک اليوم، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر المنتظر ويقبل المسيح إذ ذاک هدايا جميع الشعوب... وتکون الأمة اليهودية يومئذ في غاية الثراء.. وإن هذه الکنوز ستملأ بيوتا کثيرة لا يمکن حمل مفاتيحها وأقفالها إلا علي ثلاثمائة حمار، وتري الناس کلهم حينئذ يدخلون في دين اليهود أفواجا.. ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجئ المسيح. وتکون هي الأمة المتسلطة علي باقي الأمم عند مجئ المسيح. [11] .

وعلي امتداد المسيرة الإسرائيلية، اکتسب التلمود في نفوس الجماعات الإسرائيلية قداسة وأهمية تفوقان کل مقدس وکل تصور. يقول د. طعيمة: والتلمود من بين جملة المصادر الدينية الإسرائيلية قد أصبح التوراة المهمة في عواطف القوم ومعتقداتهم، وهو جملة من القواعد والوصايا والشرائع والتعاليم الدينية والأدبية. والشروح والتفاسير والروايات المتعلقة بدين وتاريخ وجنس إسرائيل علي مدي التاريخ، وکانت هذه التعاليم والقواعد والشرائع تتناقل وتدرس مشافهة من حين إلي آخر، ولما تعاظم شأن هذه التعاليم في نفوس الجماعات الإسرائيلية. وکثرة هذه التعاليم. قرر کبار الحاخامات أن يسجلوا هذه التعاليم حتي تضاف إلي ما لديهم من نصوص أو مستندات، وبدأت عملية التسجيل والتدوين



[ صفحه 105]



علي مراحل متعددة. وفي مواقع مختلفة. [12] .

والخلاصة: لقد رکبت المسيرة طريق الانحراف الذي سلکته الأمم الوثنية، ومن هذا الطريق اکتسبت المسيرة مجموعة من النصائح الانفعالية. طرحتها ثقافات لا تصيب أصحابها إلا بصدمات نفسية، أو تجعلهم دائما وأبدا في صراع نفسي غير محسوم، وکان بين يدي المسيرة دوائر تبشير ودوائر تحذير. بينها الأنبياء والرسل وهم يخبرون بالغيب عن ربهم، ومن دائرة التبشير بشروا بمسيح تلده عذراء الزهد علامة من علاماته، ومن دائرة التحذير حذروا من مسيح يخرج آخر الزمان فتنة للناس. معه ماء وطعام. وذهب وأهواء، ولکن دوائر التحذير اختلطت بدوائر التبشير. عندما بدأ القوم يحرفون النصوص. وعندما أنستهم مناهج المادة والحس حظا مما ذکروا به، فالتقطوا من بين الخليط ما يتفق مع القاسية قلوبهم. وعندما بعث النبي الخاتم صلي الله عليه وآله وسلم، أقام الحجة علي المسيرة البشرية، وأخبر أهل الکتاب بما کانوا يختلفون فيه، ولکن الذين کفروا منهم تکبروا وجادلوا في آيات الله، قال تعالي:

(إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا کبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير). [13] قال ابن کثير:

نزلت الآية في اليهود، وذلک أنهم ادعوا أن المسيح منهم وأنهم يملکون به الأرض، فأمر الله نبيه. أن يستعذ من فتنة الدجال [14] وقال في الميزان:

أخبر سبحانه أن هؤلاء المجادلين لا ينالوا بغيتهم ولن ينالوا، وقال لرسوله. فلا يحزنک جدالهم، وحصر سبحانه السبب الموجب لمجادلتهم في الکبر، يريدون به إدحاض الحق الصريح، وأمره الله أن يستعذ منهم بما لهم من کبر. کما استعاذ موسي من کل متکبر مجادل.



[ صفحه 109]




پاورقي

[1] الکنز المرصود في فضائح التلمود / د. محمد الشرقاوي ط مکتبة الوعي مصر ص 32.

[2] المصدر السابق ص 32.

[3] التراث الإسرائيلي / صابر طعيمة ص 401.

[4] الکنز المرصود ص 14.

[5] المصدر السابق 169.

[6] المصدر السابق ص 170.

[7] المصدر السابق 171.

[8] الکنز المرصود ص 190.

[9] المصدر السابق ص 84.

[10] نقد التوراة / حجازي السقا ص 168.

[11] الکنز المرصود ص 197.

[12] التراث الإسرائيلي ص 395.

[13] سورة غافر آية 56.

[14] تفسير ابن کثير 84 / 4.