بازگشت

نظرات علي المسيرة


لقد انطلقت المسيرة تحت سقف الامتحان والابتلاء، تحيط بهم حجة موسي عليه السلام في عهد خيمة الاجتماع وحجة داوود وسليمان في عهد الهيکل، ولقد أخبر الله تعالي في کتابه أن موسي عليه السلام قد أحاطهم علما. بأن استخلافهم في الأرض من أنواع الامتحان بالملک، قال تعالي: (قال موسي لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا. قال عسي ربکم أن يهلک عدوکم ويستخلفکم في الأرض فينظر کيف تعملون) [1] وشهد العهد القديم بأن



[ صفحه 78]



مسيرة الشعب لم تسير علي هدي الأنبياء. ولم تفتح للفطرة الإنسانية بابا وصدت عن سبيل الله. وانطلقت بزاد ووقود مرابط العجول والتيوس التي انتشرت عبادتها في مصر علي امتداد العصور الفرعونية، ولقد ذکر القرآن الکريم أنهم بعد خروجهم من مصر عبدوا العجل في زمن موسي عليه السلام، وتوعد الله تعالي الذين أشربوا في قلوبهم حب العجل بغضب الله والذلة في الدنيا، ومن لطفه تعالي بالمسيرة وهي في مهدها أمرهم سبحانه بأن يذبحوا بقرة. ليعلموا أن الله هو الذي يحيي ويميت، فذبحوها وما کادوا يفعلون، وظل فقه کهنة البقر يدفع مسيرة الانحراف حتي صارت عبادة البقر والتيوس عبادة رسمية. الخارج عنها خارج عن الشرعية في مملکة إسرائيل ومملکة يهوذا، وتحت هذا الفقه جري القتال علي الملک. وذکر العهد القديم: أن ملک إسرائيل قتل من يهوذا مائة وعشرين ألفا في يوم واحد، وسبي بنو إسرائيل من إخوتهم مئتي ألف من نساء وبنين وبنات، ونهبوا أيضا من غنيمة وافرة وأتوا بالغنيمة إلي السامرة. [2] وذکر القرآن الکريم أن الله تعالي أخذ عليهم الميثاق بأن لا يفعلوا ذلک. قال تعالي: (وإذ أخذنا ميثاقکم لا تسفکون دماءکم ولا تخرجون أنفسکم من ديارکم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسکم وتخرجون فريقا منکم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان. وإن يأتوکم أساري تفادوهم وهو محرم عليکم إخراجهم..). [3] .

وذکر العهد القديم أن فقه کهنة البعل والقتال علي الملک. أنتج في نهاية المطاف أنماطا بشرية لا يمکن بحال أن تقود مسيرة في إتجاه الفطرة، وفي هذا يقول أشعيا ألان أيديکم تنجست بالدم، وأصابعکم



[ صفحه 79]



بالإثم، وشفاهکم تکلمت بالکذب، ولسانکم يلهج بالشر، ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاکم بالحق [4] وقال رؤساؤک متمردون ولقضاء اللصوص، کل واحد منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا، لا يقضون لليتيم. ودعوي الأرملة لا تصل إليهم [5] وقال تکلمنا بالظلم والمعصية، حبلنا ولهجنا من القلب بکلام الکذب، وقد ارتد الحق إلي الوراء والعدل يقف بعيدا. لأن الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول [6] وقال قد حبلوا بتعب وولدوا أثما، فقسوا بيض أفعي ونسجوا خيوط العنکبوت الأکل من بيضهم يموت. والتي تکسر تخرج أفعي، خيوطهم لا تصير ثوبا، ولا يکتسبون بأعمالهم، أعمالهم أعمال إثم، وفعل الظلم في أيديهم، أرجلهم إلي الشر تجري وتسرع إلي سفک الدم الزکي، أفکارهم أفکار إثم، في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه، وليس في مسالکهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة وکل من يسير فيها لا يعرف سلاما. [7] .

لقد قال أشعيا أن رؤساء الشعب فيهم لصوص يحبون الرشوة ويتبعون العطايا. وقال تعالي في کتابه (إن کثيرا من الأحبار والرهبان ليأکلون أموال الناس بالباطل) [8] وقال أشعيا أن الشعب تکلم بالظلم والمعصية والکذب. وبأن أيديهم تنجست بالدماء وأصابعهم بالإثم.

وقال الله تعالي في کتابه: (وتري کثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان) [9] وقال أشعيا أن بيضهم بيض أفعي الأکل منه يموت والتي



[ صفحه 80]



تکسر تخرج أفعي. وقال تعالي في کتابه: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشرکوا) [10] وقال أشعيا إن أرجلهم إلي الشر تجري وتسرع إلي سفک الدم الزکي. وقال تعالي في کتابه: (يسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين) [11] وقال أشعيا أن في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه. وقال تعالي في کتابه:

(ولتسمعن من الذين أوتوا الکتاب من قبلکم ومن الذين أشرکوا أذي کثيرا) [12] وقال أشعيا إنهم جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة وکل من يسير فيها لا يعرف سلاما. وذکر تعالي في کتابه حرکة الذين کفروا من أهل الکتاب. فقال: (ما يود الذين کفروا من أهل الکتاب ولا المشرکين أن ينزل عليکم من خير من ربکم) [13] وقال (ود کثير من أهل الکتاب لو يردونکم من بعد إيمانکم کفارا) [14] وقال (ودت طائفة من أهل الکتاب لو يضلونکم) [15] إلي آخر هذه الآيات التي تکشف مناهج سبلهم في الصد عن سبيل الله.

فالمسيرة لم تنتج هدي وإنما ظلاما. ولم تنتج خبزا وإنما دما.

لهذا قال أشعيا نلتمس الحائط کعمي. وکالذي بلا أعين نتجسس. قد عثرنا في الظهر کما في العتمة [16] وقال کيف صارت القرية الآمنة زانية.. کان العدل يبيت فيها. وأما الآن فالقاتلون [17] لهذا وقعوا تحت العقاب الإلهي، بما قدمت أيديهم. قال تعالي: (إن الذين کفروا



[ صفحه 81]



وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا، إن الذين کفروا وظلموا لم يکن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وکان ذلک علي الله يسيرا) [18] فالعقاب کان نتيجة لمقدمة. سلکوا فيها سبل الضلال بعد أن بين لهم الأنبياء والرسل والهدف الذي من أجله خلقهم الله. وبينوا الإمکانيات الإنسانية والإمکانيات التي في الکون التي تسمح لتحقيق هذا الهدف، ودعم الأنبياء والرسل أقوالهم بالحجة والمعجزة ليکون لکلامهم مشروعية القبول من أقوامهم ومن العصر، ثم بينوا لهم أصلح وأنضج العناصر التي ينبغي أن تکون في ذروة المسيرة لقيادة الناس نحو الهدف، ولکن المسيرة الإسرائيلية ضلت الطريق. لأن سلوکها کان استجابة لحاجة معينة صرخت بها بعض الغرائز التي تصنمت أمام لافتات التزيين والإغواء والإلقاءات الشيطانية، وتحت إلحاح هذه الحاجة نظمت المسيرة عمليات الدوافع والانفعالات والإدراک والمعرفة، فکان تغيير الاتجاه من النور إلي الظلام، وتغيير الاتجاه يبدأ حين يبدأ إما بالانقلاب علي معالم اتجاه النور وإما بإضافة معلومات تحط من شأنه وتجعل الناس ينفضون من حوله، ولقد ترتب علي تغيير الاتجاه الفطري أن المسيرة لم تنتج إلا ظلاما ودما کما ذکر أشعيا، ولهذا ضربها عذاب الذلة والمسکنة والاستدراج لترکيب طريق جهنم کما ذکر القرآن، ويخطئ من يظن أن المسيرة من بعد الأنبياء قد قدمت زادا فطريا، أو قاتلت وفقا لتعاليم الأنبياء، ولقد تبينا من خلال سردنا لحرکة المملکتين إسرائيل ويهوذا أن القتال لم يکن إلا علي الملک، وأن ما تاجر به الخلف فيما بعد بأن القتال کان من أجل أرض الميعاد أو لإقامة مملکة داوود، أو للمحافظة علي نقاء الدم اليهودي.

فکل هذا وغيره. لا وجود له إلا علي موائد التبرير والترقيع والتماس



[ صفحه 82]



الأعذار وتغليب الأهواء.

فالمسيرة خرجت علي تعاليم داوود ومزقت دولة سليمان، وقدمت کنوز الهيکل إما هدية وإما جزية للحفاظ علي الملک، وأقامت داخل الهيکل أصنام الأمم. وفي نهاية المطاف أغلقوه، يقول العهد القديم وجمع أحاز آنية بيت الله، وقطع آنية بيت الله، وأغلق أبواب بيت الله، وعمل لنفسه مذابح في کل زاوية في أورشاليم وفي کل مدينة من يهوذا. وعمل مرتفعات للايقاد للآلهة الأخري. [19] .

وبتدبر انطلاقة المسيرة تحت سقف الامتحان والابتلاء، وبالوقوف أمام انحرافهم في اتجاه العجول، وما ترتب عليه من دق أوتاد الضلال في طريق التقدم البشري لتتعثر القافلة في طريق الاختيار، نجد أن الشباک التي صنعها الذين کفروا من بني إسرائيل ليقع فيها الناس، قد وقع فيها الذين کفروا وهم لا يشعرون قبل أن يقع الناس، فالقوم صنعوا الفتن أولا فقادتهم الفتن إلي فتنة الدجال، والطريق إلي الدجال لا يحمل إلا معالم الذلة والمسکنة وغضب الله، فتحت هذا السقف يسير الذين صنعوا الفتن وصدوا عن سبيل الله. بعد أن ضلوا ضلالا بعيدا وکفروا وظلموا، لأن الله تعالي أوجب علي نفسه أن لا يهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها.

وطريق الذلة والمسکنة له معالم في العهد القديم وبينة القرآن الکريم، وما کانت آشور وبابل أول الزمان إلا بداية لهذا الطريق، بعد أن تعمقت المسيرة في الضلال ولم يکن تقدمها إلا إلي الخلف، يقول العهد القديم بعد سقوط مملکة إسرائيل في يد آشور لم يبق إلا سبط يهوذا وحده. ويهوذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم. بل سلکوا في فرائض إسرائيل التي عملوها. فرذل الله کل نسل إسرائيل



[ صفحه 83]



وأذلهم [20] فالمسيرة تحت سقف الذلة، وبداية هذا السقف تبدأ من عند الذين عبدوا العجل أيام موسي وهارون عليهما السلام، وقال فيهم تعالي: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وکذلک نجزي المفترين). [21] فالجزاء يقف تحت سقفه الذين اتخذوا العجل عند المقدمة، ثم المفترين الذين ساروا علي طريقهم، ويقف تحته قتلة الأنبياء. وقال تعالي في الذين کفروا من بني إسرائيل (وضربت عليهم الذلة والمسکنة وباؤا بغضب من الله ذلک بأنهم کانوا يکفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ذلک بما عصوا وکانوا يعتدون). [22] .

قال في الميزان: الذلة مضروبة عليهم کضرب السکة علي الفلز، أو کضرب الخيمة علي الإنسان، فهم مکتوب عليهم أو مسلط عليهم الذلة، قال تعالي في آية أخري (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله وضربت عليهم المسکنة) [23] وقد کرر الله تعالي لفظ الحبل بالإضافة إلي الله وإلي الناس لاختلاف المعني بالإضافة، فإنه من الله القضاء والحکم تکوينا أو تشريعا، ومن الناس البناء والعمل. والمراد بضرب الذلة عليهم القضاء التشريعي بذلتهم، والدليل علي ذلک فوله تعالي: (أينما ثقفوا).

وظاهر المعني: أينما وجدهم الناس تسلطوا عليهم، والذلة التشريعية من آثارها الجزية إذا تسلط عليهم المؤمنون، ومعني قوله تعالي: (وباؤا بغضب من الله وضربت عليهم المسکنة) باؤا: أي اتخذوا مباة ومکانا والمسکنة: أشد الفقر. والظاهر أن المسکنة: أن لا يجد الإنسان سبيلا. [24] .



[ صفحه 84]



إلي النجاة والخلاص مما يهدده من فقر وغيره. [25] ومن معالم الذلة بعث البعوث عليهم ويشهد بذلک قوله تعالي: (وإذ تأذن ربک ليبعثن عليهم إلي يوم القيامة من يومهم سوء العذاب. إن ربک لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم). [26] قال في الميزان: والمعني: ليبعثن علي هؤلاء الظالمين بعثا يدوم عليهم ما دامت الدنيا من يذيقهم ويوليهم سوء العذاب، وهو تعالي غفور رحيم بعباده، لکنه إذا قضي لبعض عباده بالعقاب لاستيجابهم ذلک بطغيان وعتو ونحو ذلک، فسرعان ما يتبعهم إذ لا مانع يمنع عنه ولا عائق يعوقه. وآشور وبابل أول الزمان صورة تحمل معالم هذا العقاب وهذا الغضب.

لقد وقعوا تحت العقاب نتيجة لمقدمات قدموها وسار عليها الذين من خلفهم، وهذا العقاب له محطة في آخر الزمان يرفع أعلامها المسيح الدجال. وهو الفتنة الکبري التي من أجلها صنعت جميع الفتن صغيرة أو کبيرة منذ کانت الدنيا، فالذين سقطوا أول الزمان يحمل بصماتهم الذين سيسقطون آخر الزمان، والله تعالي أعز وأمنع من أنه يظلم أو أن ينسب إلي نفسه الظلم.



[ صفحه 85]




پاورقي

[1] سورة الأعراف آية 129.

[2] أخبار الأيام الثاني 28 / 6 - 9.

[3] سورة البقرة آية 84.

[4] أشعيا 59 / 3 - 4.

[5] المصدر السابق 1 / 22.

[6] المصدر السابق 59 / 14.

[7] المصدر السابق 59 / 5 - 8.

[8] سورة التوبة آية 34.

[9] سورة المائدة آية 62.

[10] سورة المائدة آية 82.

[11] سورة المائدة آية 64.

[12] سورة آل عمران آية 186.

[13] سورة البقرة آية 105.

[14] سورة البقرة آية 109.

[15] سورة آل عمران آية 69.

[16] أشعيا 1 / 21.

[17] المصدر السابق 59 / 10.

[18] سورة النساء 167 - 168.

[19] أخبار الأيام الثاني 28 / 6 - 9.

[20] الملوک الثاني 17 / 19.

[21] سورة الأعراف آية 152.

[22] 4 سورة البقرة آية 61.

[23] سورة آل عمران آية 112.

[24] الميزان 384 / 3.

[25] الميزان 384 / 3.

[26] سورة الأعراف آية 167.