بازگشت

الطريق إلي الهيکل


بعد أن تمزقت الوحدة الدينية واختلف الذين أوتوا الکتاب بعد أن جاءهم العلم، وبعد أن جرت الروح العسکرية حاملة للعدوان في جسد المسيرة، لم تجف الساحة من الأنبياء والمصلحين الذين حملوا مشاعل الفطرة علي امتداد الطريق، ومن هؤلاء (طالوت) ويسميه العهد القديم (شاول). اصطفي الله طالوت وزاده بسطة في العلم والجسم، فکان علمه منارا في ساحة ليس فيها علم يري، وکانت قوته معجزة في ساحة يختار أهلها الزعيم وفقا لصفاته الجسمية ومقدرته العسکرية، ويضاف إلي هذا وذاک أن طالوتا جاء إليهم بما ضيعوه علي طريق الاختلاف والافتراق، لقد جاء ومعه تابوت موسي فيه سکينة من الله وبقية مما ترک آل موسي وآل هارون، لعل المسيرة إن تتذکر وتتدبر وتؤمن.

قال تعالي: (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لکم طالوت ملکا قالوا



[ صفحه 57]



أني يکون له الملک علينا ونحن أحق بالملک منه ولم يؤت سعة من المال. قال إن الله اصطفاه عليکم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملکه من يشاء والله واسع عليم. وقال لهم نبيهم إن آية ملکة أن يأتيکم التابوت فيه سکينة من ربکم وبقية مما ترک آل موسي وآل هارون تحمله الملائکة إن في ذلک لآية لکم إن کنتم مؤمنين). [1] .

فعندما أخبرهم نبيهم بملک طالوت حکموا الحس في الأمر، واعترضوا بأنهم أحق بالملک منه وأنه لم يؤت سعة من المال، فحمل الرد إليهم: أن الملک وهو استقرار السلطة علي مجتمع من الناس، الغرض منه أن يدبر صاحبه المجتمع تدبيرا يوصل کل فرد من أفراده إلي کماله اللائق به، ويجمع الناس تحت إرادة واحدة فلا يزاحم فرد فردا.

ولا يتقدم فرد من غير حق ولا يتأخر فرد من غير حق، والذي يحقق هذا المطلب أمران: (أحدهما): العلم بجميع مصالح الناس ومفاسدها (وثانيهما) القدرة الجسمية علي إجراء ما يراه من مصالح المملکة، وهما اللذان يشير إليهما قوله تعالي: (وزاده بسطة في العلم والجسم).

ثم حاصرهم الرد بحجة دافعة وهي قوله تعالي: (والله يؤتي ملکه من يشاء) أي له تعالي التصرف في ملکه کيف شاء وأراد. وليس لأحد أن يقول: لماذا أو بماذا. أي ليس لأحد أن يسأل عن علة التصرف لأن الله هو السبب المطلق.

ويذکر أبو الفتح السامري في تاريخه. أن طالوتا قاتل بني إسرائيل. وجعل ساحات البعل خالية وأبطل طرقها وإنه داهم بني إسرائيل في مرج البهاء وقتل کل من وجده في ساحة البعل. وحفظ الشريعة اثنين وعشرين عاما [2] ولم يقف طالوت أمام الشذوذ الداخلي



[ صفحه 58]



في المسيرة فقط وإنما جهز جيشا لقتال عدوه الخارجي المتمثل في (جالوت) ويسميه العهد القديم (جليات) [3] وأثناء تقدم الجيش في إتجاه المعرکة. أجري طالوت علي الجنود اختبارا علي قاعدته يميز الصادق من المنافق، لتتعري المسيرة العسکرية التي تاجر بها بني إسرائيل من بعد موسي عليه السلام، قال تعالي: (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليکم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده. فشربوا إلا قليلا منهم. فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه. قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله کم من فئة قليلة غلبت فئة کثيرة بإذن الله والله مع الصابرين). [4] .

ذکر في الميزان أن الجنود کانوا في الظاهر مع طالوت، ولکن لم يتميز بعد الطيب من الخبيث، ولم يتحقق بعد من هم الذين مع طالوت، فکان النهر الذي ابتلاهم به الله. ليتعين به من ليس منه وهو من شرب من النهر، ويتعين به من هو منه وهو من لم يطعمه، وبعد جواز النهر تمت المفاصلة وبقي معه الذين هم منه. والذين لم يخرجهم من المغترفين، والتدبر في الآيات يعطي أن يکون القائلون: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. هم المغترفون، والذين قالوا کم من فئة قليلة هم الذين لم يطعموا الماء أصلا. [5] .

وبدأت المعرکة لتظهر اسم داوود من خلالها، قال تعالي: (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الکافرين. فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله



[ صفحه 59]



الملک والحکمة وعلمه مما يشاء). [6] وعلي هذا تکون مملکة طالوت مهدت الطريق لمملکة داوود. وبالجملة: لقد سجلت مملکة طالوت علي المسيرة الإسرائيلية. أنها مسيرة ليس فيها علم يري لاتجاهها نحو البعل والأصنام، وسجلت عليهم تولي أکثرهم عند إنجاز القتال قبل مجئ طالوت. وهو قوله تعالي: (فلما کتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين. وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لکم طالوت ملکا) الآية، وسجل عليهم الاعتراض علي ملکه، والشرب من النهر، وقولهم: لا طاقة لنا بجالوت وجنوده.

ونظرا لأن طالوتا بعث عليهم بالحجة والقبضة الحديدية، فإن سيرته لم تجد لها حظا وافرا ضمن أمجاد بني إسرائيل، والذي يقرأ سفر صموئيل يجد أن کاتب السفر قد وقع في تناقضات عديدة، وهدم قيادة طالوت لحساب قيادة داوود، وأکد معني يقول أن خلاص الشعب من طالوت کان علي أيدي داوود، ويستلزم ذلک أن مملکة داوود هي المتنفس الذي ينبغي أن تتوجه إليه المسيرة وهي تجتر ذکرياتها، ولم ينسي کاتب السفر أن يجعل طالوت عدوا لدودا لداوود، فذکر أن طالوتا (شاول) قال لابنه ما دام ابن عيسي (داوود) حيا علي الأرض. لا تثبت أنت ومملکتک. والآن أرسل وأت به إلي لأنه ابن الموت هو [7] وذکر أن طالوت أمر عبيده وجنوده بقتل داوود. [8] وإن داوود هرب خوفا منه. [9] وقال أن طالوت قتل کهنة الرب. [10] وکانت نهايته نهاية



[ صفحه 60]



المهزوم المکسور نتيجة لغضب الله عليه. [11] لأنه حول الحرب اليهودية من حرب قومية مع الجيران. إلي حرب جانبية لتصفية الصراعات الشخصية.

وذکر کاتب السفر أن الله زاد (شاول) بسطة في الجسم، ولم يشر الکاتب إلي بسطة العلم، وأدي ذلک إلي الخلط بين الحقيقة وبين الأوهام التي دثرها الخيال علي امتداد طريق تداول الذکريات.

وجاء داوود عليه السلام علي أرضية فيها التابوت فيه سکينة من ربکم وبقية مما ترک آل موسي وآل هارون. وشد الله تعالي ملکه بالهيبة وحسن التدبير والمعارف الحقة. وکانت مملکة داوود عليه السلام دعوة من أجل العودة إلي الينبوع الفطري. وکان تسبيح داوود عين معجزته. فالجبال في تسبيحها توافق تسبيحه والطير يسبح معه وتقرع تسبيحها أسماع الناس. قال تعالي: (واذکر عبدنا داوود ذا الأيدي إنه أواب. إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق. والطير محشورة کل له أواب. وشددنا ملکه وآتيناه الحکمة وفصل الخطاب) [12] لقد کان التسبيح حجة علي أصحاب القلوب التي قدت من حديد. وکان حجة من شأنها إنها ترفع الصدأ الذي علي القلوب لمن أراد أن يتخذ إلي ربه سبيلا. ولم تفطن المسيرة إلي حکمة التسبيح في مملکة داوود.

وتصفحت أمام الأرض والطين وحدود مملکة داوود.

ومن بعد داوود جاء سليمان عليهما السلام، وأعطاه الله المعجزات التي يخضع لها أصحاب العقول والأفهام والذين أفنوا حياتهم في غيبوبة بناء المقابر والأهرامات ومعابد العجول، جاء سليمان عليه السلام بالمعجزة التي تذيب النحاس، وأسال الله له النحاس فکان



[ صفحه 61]



کالعين الجارية. وسخر له الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وصحائف الطعام وما يجمع فيه الماء. والقدور الراسيات التي يطبخ فيها الطعام وغير ذلک، ولم يکن هذا من أجل الأبهة، وإنما کان من أجل إقامة الحجة علي مسيرة بشرية. تسير تحت سقف الامتحان لينظر الله إليهم کيف يعملون.

وذکر العهد القديم أن داوود لم يأمر ببناء المحراب في أورشاليم. وإنما أمر ببناء مذبحا في (بيدر أرونة) اليبوسي. وعندما أراد صاحب الأرض أن يتبرع مکان المذبح. رفض داوود عليه السلام أن يکون المکان مجانا واستشراه. وأقام عليه المذبح [13] وأتي بالتابوت وأمر آل هارون واللاويين فحملوا التابوت کما أمر موسي حسب کلام الرب بالعصي علي أکتافهم [14] وعندما بعث سليمان عليه السلام. أمر الله تعالي ببناء البيت في أورشاليم. يقول العهد القديم أن الله قال لداوود إنک أنت لا تبني البيت. بل ابنک الخارج من حلبک هو الذي يبني البيت الأسمي [15] وذکر العهد القديم أن سليمان قال وهان ذا قائل علي بناء بيت لاسم الرب إلهي. کما کلم الرب داوود أبي. [16] .


پاورقي

[1] سورة البقرة آية 248.

[2] نقد التوراة / حجازي لا السقا ص 92.

[3] صموئيل أول 17 / 23.

[4] سورة البقرة آية 249.

[5] الميزان 285 / 2.

[6] سورة البقرة آية 251.

[7] صموئيل أول 20 / 30.

[8] المصدر السابق 19 / 1.

[9] المصدر السابق 27 / 1.

[10] المصدر السابق 23 / 17.

[11] المصدر السابق 28 / 15.

[12] سورة ص آية 18 - 19.

[13] صمونيل الثاني 24 / 23 - 25.

[14] أخبار الأيام الأول 15 / 15.

[15] الملوک الأول 18 / 18 - 20.

[16] المصدر السابق 8 / 60.