التحذيرات
تذکر التوراة أن موسي عليه السلام بعد أن أقام حجته أشهد الله تعالي علي بني إسرائيل، وأخبر بالغيب عن ربه أن المسيرة من بعده ستختلف وستفترق وسترتکب جرائم تستحق عليها لعنة الله، تقول التوراة أمر موسي اللاويين حاملي عهد الرب قائلا: خذوا کتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب هناک شاهد عليکم، لأني أنا عارف تمردکم ورقابکم الصلبة. هوذا وأنا معکم اليوم قد صرتم تقاومون الرب. فکم بالحري بعد موتي. اجمعوا إلي کل شيوخ أسباطکم وعرفاءکم. لأنطق في مسامعهم بهذه الکلمات وأشهد عليهم السماء والأرض. لأني عارف إنکم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتکم به. ويصيبکم الشر في آخر الأيام لأنکم تعملون الشر أمام الرب. [1] .
وفي هذا البيان إشارة إلي انقلاب القوم علي الخط الرسالي الذي يقوده أبناء هارون، فبعد موت موسي عليه السلام يبدأ الفساد ويزيغون عن الطريق الذي أوصاهم به، وهذا يستوجب أن يصيبهم الشر في آخر الأيام، لأن الوتد الذي تم دقه عند البداية لم يبليه الزمان وأصبح له جذور عند النهاية..
وتذکر التوراة أن موسي عليه السلام ذکرهم في هذا اليوم بالله الذي خلقهم واستخلفهم. وذکرهم بأيام الله وکيف يأخذ الله الأمم
[ صفحه 52]
الظالمة. [2] وتذکر التوراة تحذيرات نطق بها موسي عليه السلام علي مسامع القوم. منها لا تصنعوا لکم أوثانا ولا تقيموا لکم تمثالا منحوتا أو نصبا ولا تجعلوا في أرضکم مصورا لتسجدوا له. [3] إن لم تسمع لصوت الرب إلهک لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه التي أنا أوصيک بها اليوم، تأتي عليک جميع هذه اللعنات وتدرکک، ملعونا تکون في المدينة. ملعونا تکون في الحقل.. ملعونا تکون في دخولک ملعونا تکون في خروجک، ويرسل الرب عليک اللعنة والاضطراب والزجر في کل ها تمتد إليه يدک لتعمله.. يضربک الرب بجنون وعمي وحيرة قلب فتتلمس في الظهر کما يتلمس الأعمي في الظلام.. تأتي عليک جميع هذه اللعنات وتتبعک وتدرکک حتي تهلک.. فتکون فيک آية وأعجوبة وفي نسلک إلي الأبد. [4] إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا کل هذه الوصايا وإن رفضتم فرائضي. وکرهت أنفسکم أحکامي فما عملتم کل وصاياي بل نکثتم ميثاقي. فإني أعمل هذه بکم: أسلط عليکم رعيا وسلا وحمي تفني العين وتتلف النفس وتزرعون باطلا زرعکم فيأکله أعداؤکم واجعل وجهي ضدکم فتنهزمون أمام أعدائکم ويتسلط عليکم مبغضوکم وتهربون وليس من يطردکم. [5] .
وبالجملة: انطلقت المسيرة الإسرائيلية تحت مظلة الامتحان لينظر الله إليهم کيف يعملون، بعد أن أخذ عليهم سبحانه العهود بأن يسمعوا ويطيعوا. وحذرهم من عواقب الکفر والانحراف، ومما ذکرته التوراة قوله لهم أنظر. أنا واضع أمامکم اليوم برکة ولعنة. البرکة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهکم التي أنا أوصيکم بها اليوم، واللعنة إذا لم تسمعوا
[ صفحه 53]
لوصايا إلهکم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيکم بها اليوم لتذهبوا وراء آلهة أخري لم تعرفوها. [6] .
والقرآن الکريم أشار إلي الحکمة التي من وراء استخلاف بني إسرائيل في الأرض. فقال له (عسي ربکم أن يهلک عدوکم ويستخلفکم في الأرض فينظر کيف تعملون) [7] وأشار إلي العهود التي أخذها الله عليهم ومنها أن لا يقولوا علي الله إلا الحق [8] وأن يذکروا ما في الکتاب لعلهم يتقون [9] وأن يوفوا بعهده [10] وأن يذکروا نعمته عليهم وتفضيله لهم في قيادة المسيرة [11] وحذرهم من الکفر بآيات الله ومن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقال تعالي: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذوي القربي واليتامي والمساکين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وأتوا الزکاة)، [12] وقد بدأت الآية بقوله (لا تعبدون إلا الله) وختمت بقوله (وقولوا للناس حسنا) الآية.
وبين البداية والخاتمة کان للمسيرة وجوه، فعبدوا غير الله وأضاعوا حقوق القربي وعلي رأسهم قربي موسي عليه السلام، وأضاعوا حقوق اليتامي والمساکين وأفسدوا في الأرض، وأضاعوا الصلاة والزکاة واتبعوا الشهوات، وکل هذا شهد به الکتاب المقدس والقرآن الکريم وحرکة التاريخ.
[ صفحه 54]
پاورقي
[1] التثنية 31 / 24 - 28.
[2] المصدر السابق إصحاح 32.
[3] اللاويين 26 / 1.
[4] التثنية 28 / 15، 28، 46.
[5] اللاويين 26 / 17.
[6] التثنية 11 / 26 - 29.
[7] سورة الأعراف آية 129.
[8] سورة الأعراف آية 169.
[9] سورة البقرة آية 63.
[10] سورة البقرة آية 40.
[11] سورة البقر ة آية 47.
[12] سورة البقرة آية 83.