کلام ابي محمد بن موسي النوبختي و الشيخ المفيد
و قال الشيخ المفيد في کتاب الارشاد في باب ذکر القائم و تاريخ مولده و دلائل امامته «و کان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده و به دولته مستفيضا قبل غيبته و هو صاحب السيف من ائمةالهدي عليهم السلام و القائم بالحق المنتظر لدولة الايمان و له قبل قيامه غيبتان احداهما أطول من الاخري کما جاعت بذلک الاخبار.
فأما القصري منهما منذ وقت مولده الي انقطاع السفارة بينه و بين شيعته و عدم السفراء بالوفاة.
و أما الطولي فهي بعد الاولي و في آخرها يقوم بالسيف قال الله عزوجل (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين و نمکن لهم في الارض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما کانوا يحذرون) و قال جل اسمه (و لقد کتبنا في الزبور من بعد الذکر ان الارض يرثها عبادي الصالحون) و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لن تنقضي الايام و الليالي حتي يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطي ء اسمه اسمي يملاها قسطا و عدلا کما ملئت ظلما وجورا».
[ صفحه 29]
و قال قدس سره في الرسائل الخمس التي ألفها في الغيبة في الرسالة الثانية «فان قال اذا کان الامام عندکم غائبا و مکانه مجهولا فکيف يصنع المسترشد و علي ماذا يعتمدون الممتحن فيما ينزل به من حادث لايعرف له حکما و الي من يرجع المتنازعون لاسيما و الامام انما نصب لما و صفنه قيل له هذا السوال مستأنف لانسبة له بما تقدم وصلة بينه و بينه و قد مضي السوال الاول في معني الخبر و فرض المعرفة.
و جوابه علي انتظام و نحن نجب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعني التمام و بالله التوفيق فنقول انما الامام نصب لاشياء کثيرة أحدها الفضل بين المختلفين.
الثاني بيان الحکم للمسترشدين و لم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا و الدين غير أنه دنما يججب عليه القيام فيما نصب له مع التمکن من ذلک و الاختيار و ليس يجب عليه شي ء لا يستطيعه و لا يلزمه فعل الايثار مع الاضطرار و لم يوت الامام في التقية من قبل الله عزوجل و لا من جهة نفسه و اولياءه المومنين و انما أتي ذلک من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه و نفوا نسبه و أنکروا حقه و حملوا الجمهور علي عداوته و مناصبة القائلين بأمامته و کانت البلية فيما تضيع من الاحکام و تنعطل من الحدود و يفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين و امام الانام بري ء منها و جميع المومنين.
و أما الممتحن بحادث يجتاج الي علم الحکم فيه لقد وجب عليه أن يرجع ذلک الي العلماء من شيعة الامام و ليعلم ذلک من جهتهم مما استودعوه من ائمة الهدي المتقدمين و ان عدم ذلک و العيارذ بالله و لم يکن فيه حکم منصوص علي حال فيعلم أنه علي حکم العقل لانه لو أراد الله أن يتعبد فيه بحکم سمعي لفعل ذلک و لوفعله لسهل السبيل اليه.
و کذلک القول في المتنازعين يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه الي الکتاب
[ صفحه 30]
و السنة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين و يستغنوا في معرفة ذلک بعلماء الشيعة و فقهائهم و ان کان و العياذ بالله لم يوجد فيما اختلفوا فيه شيئا فعليه رده بعينه ان کانت عينه قائمة فان لم تکن عينه قائمة کان عليه تعويضه بمثله و ان لويوجد له مثل کان له أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته فان لم يستطع ذلک أو لم يفعله مختارا کان في ذمته الي يوم القيامة فان کان جان جني علي غيره جناية لايمکن تلافيها کانت في ذمته و کان المجني عليه ممتحنا بالصبر الي أن ينصفه الله تعالي يوم الحساب فان کان الحادث مما لا يعلم بالسمع اباحته من حظره فانه علي الاباحة الا أن يقوم دليل سمعي علي حظره.
و هذا الذي و صفناه انما جاز للمکلف الاعتماد عليه و الرجوع اليه عند الضرورة بفقد الامام المرشد و لو کان الامام حاضرا ما وسعه غير الرد و العمل علي قوله و هذا قول خصومنا کافة ان علي الناس في نواز لهم بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها و لا يجوز لهم الاجتهاد و استعمال الرأي بحضرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فان قال فاذا کانت عبادتکم تتم بما وصفتموه مع غيبة الامام فقد استغنيتم عن الامام قيل له ليس الامر کماظننت في ذلک لان الحاجة الي الشي ء و قد تکون قائمة مع فقد مايسدها و لولا ذلک ما کان الفقير محتاجا الي المال مع فقده و لا المريض محتاجا الي الدواء و ان بعد وجوده و الجاهل محتاجا الي العلم و ان عدم الطريق اليه و المتحير محتاجا الي الدليل و ان لم يظفر به.
و لو لزمنا ما ادعينموه و توهمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا ان الناس کانوا في غيبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم للهجرة و في الغار مستغنين عنه و کذلک حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب عليه السلام و کان قوم موسي عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه و کذلک أصحاب يونس عليه السلام أغنياء عنه کما ذهب مغضبا و التقمه
[ صفحه 31]
الحوت و هو مليم و هذا مما لا يذهب اليه مسلم و لاملي فيعلم بذلک بطلان ما ظنه الخصوم و توهموه علي الظنة و الرجوم و بالله التوفيق».
و قال طيب الله رمسه في الرسالة الرابعة في الغيبة «المهدي الذي يظهر الله به الحق و يبيد بسيفه الظلال و کان المعلوم أنه لا يقوم بالسيف لال مع وجود الانصار و اجتماع الحفدة و الاعوان و لم يکن أنصاره عليه السلام عند وجوده متهيئين الي هذا الوقت موجودين و لا علي نصرته مجمعين و لا کان في الارض من شيعته طرا من يصلح للجهاد و ان کان يصلحون لنقل الاثار و حفظ الاحکام و الدعاء له بحصول التمکن من ذلک الي الله عزولجل لزمته التقية و وجوب فرضها عليه کما فرضت علي آبائه عليهم السلام لانه لو ظهر بغير أعوان لالقي نفسه بيده الي التهلکة و لو أبدي شخصه للاعداء لم يألوا جهدا في ايقاع الضرر به و استيصال شيعته وارثة دمائهم علي الاستحلال فيکون ذلک أعظم للفساد في الدين و الدنيا».