بازگشت

في تاريخ البابية في ايران


فقد ادعي السيد علي محمد بن السيد رضا الشيرازي المتولد سنة 1235 ه (قده) في مدينة شيراز البابية و الوساطة بين الامام الحجة الغائب عليه السلام و الناس، ثم ترفع و أدعي انه المهدي المنتظر ثم أدعي النبوة ثم الالوهية. و هي سنة من تقدمه في دعوي البابية حيث ترفع بهم الامر الي الالوهية.

و کان قد توفي عنه والده و هو في السنة الاولي من عمره فاهتم به خاله الذي کان يدير تجارة متوسطة الحال و أرسله الي المکتب -و هو الموضع الذي يتعلم فيه القراءة و الکنابة في تلک السنين و هو بمثابة المدرسة في اليوم الحاضر- و کان الذي يشرف عليه الشيخ عابد و کان من الجماعة الشيخية التي تهتم بکثرة بالعلوم الغريبة [1] و الرياضات النفسية المتنوعة و مسائل علم العرفان -و لم يکن الباب الشيرازي يميل الي التعلم ولکن تحت وطأة خاله واصل الحضور لدي ذلک الشيخ.



[ صفحه 168]



و بعد عدة سنين اصطحبه خاله الي مدينة بوشهر و أو کل اليه بعض الاعمال التجارية.

و کان مع ذلک يزاول الرياضات النفسية الشافة حيث کان يصعد يوميا الي سطح المنزل الذي قطنه في بوشهر المعروفة بشدة الحرارة في الصيف -لکونها من المناطق الحارة و قد تصل درجة حرارتها الي مايقرب من خمسين درجة فوق الصفر في شهر تموز -عدة ساعات من الظهير يزاول الصلاة و الاذکار [2] بل قيل کان ذلک طوال النهار واقفا مکشوف الرأس.

و قد سبب ذلک الي نوع من الاختلال و فقد التوازن العصبي لديه مما حدا بخاله الي التفکير بجد في معالجة هذه الحالة فلاح له ارسال ابن اخته في سفر الي العراق لعل تغير الهواء يورثه سلامة المزاج و باصرار شديد استجاب الباب الشيرازي لذلک و سافر الي کربلاء و هناک حضر بتداوم درس السيد کاظم الرشتي الذي کان زعيم جماعة الشيخية حينذاک.

و لم يقطع الباب رياضاته الشاقة مدة اقامته هناک و يحکي الميرزا التنکابني في کتاب القصص [3] انه کان يحلق لحيته آنذاک و ربما نتفها بالمقراض (الملقط).

و مکث علي ذلک مايقرب من أربع سنين ثم رجع الي شيراز و کان يعتقد أن استاذه باب الله المقدم کما يعبر بذلک الباب في کتبه.

و ما أن توفي استاذه أخذ تلاميذه في البحث عن من يقوم مقامه و من يکون الرکن الرابع و هذا العنوان يعني لديهم الاصل الرابع في اصول الدين التي جعلوا أولها التوحيد وثانيها النبوة و ثالثها الامامة و رابعها النائب الخاص الذي يجب توليه و التبري ء من أعداته، و کان التنافس يدور بين عدة منهم مثل ميرزا



[ صفحه 169]



حسن جوهر و ميرزا محيط کرماني و حاج محمد کريم خان و ملا محمد مامقاني.

ولکن السيد الباب أخذ في التطلع الي ذلک المقام و بدء في دعوة تلاميذ استاذه الي نفسه و سارع الي الاعلان بأنه باب الحجة الغائب. و علي أثر ذلک نشب بينه و بين تلک العدة المذکورة سابقا صراع احتد شيئا فشيئا، و حاوات تلک العدة ابتداءأ أن تثني الباب عن ادعائه ولکنه قابلهم بل حاول أن يجذبهم الي بابيته الي أن آل الامر الي تبريهم منه.

و واصل الباب الشيرازي في دعوة البسطاء و السذج من الناس الي بابيته و کان يظهر اليهم جانب کبير من الزهد و النقشف و الرياضات النفسية مما يجذب قلوب الکثير من تلک النماذج نحوه. و کان اذا اطمئن بانجذاب شخص اليه يقول له: «فادخلوا البيوت من أبوابها» و غالبا ما يقرء الحديث المشهور «أنا مدينة العلم و علي بابها» و يکني بذلک مع اضافة شي ء من التلويح الي أن لکل شي ء باب و واسطة و انه هو الواسطة الکبري و هو الباب.

کما و بدء في تفسير سورة يوسف بمنهج تأويلي من الخيالات و الاوهام المرکبة اصطلح عليها بالتأويل الباطن للسورة و التي لاتنضبط مع أي ميزان من قواعده اللغة العربية أو العقلية المنطقية و لاتنفق بوجه مع مسلمات الدين الحنيف.

ثم انه نجح في الکتساب ثمانية عشرة من تلامذة استاذه و جعلهم دعاة و مبلغين لبابيته و کانت منهم امرأة تدعي زرين تاج و سموها (قرة العين) و کان لها النصيب الاوفر في نشر البابية في ايران بسبب جمالها و بيانها الرائق و انشادها للشعر المطرب و بتوسطها انتهجب الفرقة البابية في ايران اباحة المحرمات من الزنا و الخمر و الربا.

ثم انه ترفع في ادعائه من الباب الي انه المهدي الموعود و أخذ صحابه



[ صفحه 170]



في نشر ذلک و حبک مسرحية الظهور و علاماته.

فبدأوا باشاعة أن الباب الشيرازي قد سافر الي مکة و انه من هناک يعلن عن ظهوره و سافر أحدهم الي خراسان و هو ملا بشرويه الذي کان أحد الدهاة في هذه الفرقة [4] و من ورائه السکرتير في السفارة الروسية في طهران (کينيازدالکورکي) [5] الذي تظاهر بالاسلام و تزوج من امرأة مسلمة و لبس زي رجال الدين و الذي کان بتابع بدقة حالات الميرزا علي محمد الشيرازي (الباب) و يخطط لبرامجه حيث کانت الدولة الروسية تتطلع آنذاک الي حدوث الفتن و الضوضاء في ايران کي مايسهل عليها احتلال المناطق التي هي مطمع لها اذلم تتوفق في اخذ کل تلک المناطق من خلال الحرب التي خاضتها مع الدولة القاجارية في ايران حين ذاک و لذا کانت السفارة الروسية و بعض السفارات الاجنبية الاخري کالسفارة البريطانية في تمام الا شواط مساندة لتلک الفرقة البابية و محامية عليه السلام زعمائها الذي توالوا زعامة البابية کما سيأني ذکر ذلک.

و سبب سفر ملا بشرويه الي خراسان هو تطبيق احد علامات الظهور و هي خروج الخراساني و يکون (بشرويه) حينئذ هو الخراساني.

و کان بدء دعوتهم في مدينة شيراز ثم الي اصفهان و ثم باقي المدن الايرانية



[ صفحه 171]



و ممن دعوه الي فرقتهم في شيراز الشيخ ابوتراب (رض) الذي کان صدر فقهاء شيراز في ذلک الوقت.

و ما أن سمع بذلک منهم ثارت نائرته و اشتعل هيجانه لما عرف من مدي البلية و الطامة التي حلت عن قرب فدعا الشيخ ابوتراب علماء و فقهاء المدينة الي الاجتماع. ليطلعهم بالفتنة التي کشفت عن رأسها.

و تم الاجتماع و حصل الاتفاق علي رفع توصية الي والي المنطقة حسين خان نظام الدولة التبريزي الذي کان ماضي العزم ذي حنکة و تدبير و هو بدوره أيضا أقام مجلسا جمع فيه العلماء و دعاة الباب فاستنطقهم و اجابوا حينها بکل صراحة و جرءة أنهم يدعون الي الباب و أبرزوا للملاء الحاضر في المجلس کتبا للباب الشيرازي التي زعم انها و حيا سماويا فحينها ضج المجلس و ارتفعت الاصوات و أفتي العلماء علي أثر ذلک بکفرهم و وجوب قتلهم و لم يتباطا الوالي في تنفيذ الحکم عليهم. و أرسل شرحا مفصلا للقضية الي الحکومة في طهران.

و کان الباب الشيرازي حينها في بوشهر فاستدعاه الوالي الي الحضور في شيراز برفقة من الحرس. و أمهله عدة أيام بعد وصوله حتي يسکن روعه و يهدأ خوفه.

و کان الباب الشيرازي في مدة اقامته في بوشهر قد کتب عدة من المؤلفات منها کتاب (البيان) زاعما أنه المراد من قوله تعالي «الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان).

و ان کتابه البيان ناسخ للقرآن -و العياذ بالله- و ان مافيه هو الشريعة الناسخة الجديدة و تعمد فيه الي اقتباس النصوص القرآنية مع التغيير بما تشهاه من الاحکام و البدع و الضلالات التي سيأتي ذکرها و الضحک المبکي أنه مملوء بالاغلاط التحوية و الصرفية و غيرها من قواعد علوم الادب العربي.



[ صفحه 172]



و هذا الاسلوب الاقتباسي مارسه بکثرة زعماء الفرقة البابية سواء مع النصوص القرآنية أو مع الاحاديث النبوية و المروية عن الائمة عليهم السلام.

ثم ان الوالي أحضر الباب ليلا لديه و اظهر له عذره في قتل اعوانه و انه کان مخطئا في ذلک -و کل هذه المسرحية التي قام بها الوالي استدراج لاخذ الاقرار من الباب علي دعاويه- و أخبره بان هذا التحول المفاجي ء بسبب رؤية رآها في المنام و کأن الباب قد أناه و أمسک علي رجله اليمني فاستوي جالسا و أخذ الباب يخاطبه بأن نور الايمان يسطع من جبهنک و بعد ذلک انتبه من النوم.

و ما أن سمع الباب ذلک من الوالي الذي تمثل بنحو من الارتعاد الجسمي و الدموع المفتعلة -قال: هنيئالک يا أمير ان الذي رأيته لم يکن مناما بل يقظة و اني أتينک في موضع نومک و خاطبتک بذلک، و ذلک لمعرفتي بسلامة فطنتک و صفاء شعورک.

و قام الوالي بتقبيل يد الباب و التذلل امامه وقال له ان کل ما املک من عدة و عتاد هو قيد أمرک و رهن اشارتک و ما أنا الاظل يتبعک فقال له الباب: هنيئالک هنيئالک لاتباعک الحق فقد وصلت الي مقام کريم و موهبة عظيمة و اني أعدک بولاية ممالک الروم في المستقبل.

و أخذ الوالي في اظهار السرور و القشعريرة و قال: يا سيدي اني اتبعک لا لمطمع دنيوي من مال أوجاه و عزة بل للجهاد بين يديک لالتحق بالشهداء الصالحين.

ثم أن الوالي بعد ما اطمئن الي وثوق الباب الشيرازي به قرر مع العلماء و الفقهاء عقد مجلس يحضر الباب فيه ويتم المسرحية کي يستخرج من الباب بلسانه أمام الملاء دعاويه. و من جانب آخر قال للباب: يا سيدي اني قد اعددت لمجلس يحضره علماء المدينة و تحضره انت کي توعدهم الي الايمان بک و بما تدعوا اليه و من لايستجيب مهم لذلک اضرب عنقه بالسيف. فاستطار الباب



[ صفحه 173]



لذلک فرحا.

و استعد لذلک المجلس و ذهب برفقه أحد اعوانه السيد يحيي بن السيد جعفر الدارابي المعروف بالکشفي الذي کان من کبار الفرقة البابية و والده کان من اعاظم علماء عصره ذي المولفات المهمة.

فابتدأ الباب بالخطاب في المجلس الحافل:

يا علماء ألم يأن لکم أن تتحرروا من الهوي و تتبعوا الهداية و تترکوا الضلالة فاسمعوا قولي و اطيعوا امري، ان نبيکم لم يترک لکم غير القرآن و هذا کتابي (البيان) فتعالوا و اقرأوه و اتلوه لتعلموا انه افصح من القرآن و احکامه ناسخة للقرآن، فاستمعوا لي و اقبلوا نصيحتي مادام السيف في الغماد و قبل أن تقطع الرؤوس و احفظوا دماءکم و أموالکم و اطفالکم، فاطيعوا امري و وعوا کلامي فهذه نصيحتي لکم.

هذا و العلماء منصتين لايحرکون ساکنا و لاينطقون ببنت شفة کما هو متفق عليه مسبفا.

ثم قام الوالي أمام الباب و التمس منه ان يکتب دعاويه علي ورقة ليعرضها بينة و ببرهان علي أهل المجلس لتتم الحجة. فکتب الباب عدة أسطر بأسلوب الدعاء و نهج المناجاة کما هي عادته في کتاباته. فدارت الورقة علي ايدي العلماء و لاحظوا فيها اخطاء شنيعة في الاسلوب و الصياغة الادبية و الاغلاط النحوية و الصرفية.

و أخذ الباب الشيرازي في الدفاع عن نفسه و تبريز ذلک بأن ذلک ليس من تقصيري و انما هو من الالهامات الغيبة و الوحي السماوي فالجهالة ليست في فوقعت في المجلس الضوضاء.

و ارتفعت الاصوات فمن قائل يفتي بقتله و کفره و خسرانه و من قائل يحکم



[ صفحه 174]



بجنونه و اختلال عقله و انه يعزر و يؤدب و قام الوالي مخاطبا الباب:

يا جاهل يا مغرور ما هذه البدعة المشومة التي احدثتها کيف تدعي النبوة و الرسالة أو المهدوية؟ و انت لاتقدر علي التعبير عن مرادک بلفظ عربي مستقيم منتظم، و مع هذا الحال تدعي أن کلامک افصح من القرآن و أبلغ، و أني أفکر أن قتلک واجب في شريعة الاسلام، ولکن أري بقرائن حالک أنک مختل العقل و فاسد الدماغ فلا يصح قتلک ولکنک رجل سفيه أبله و لهذا يجب تعزيرک و تأديبک لعلک ترجع عن الضلالة و تعود الي الهداية».

ثم أمر باخراجه من المجلس و ضربه بالفلقة، فأخذ يستغيث و يتوسل بالناس لينقذوه ولکن الضرب المبرح تواصل حتي أظهر التوبة و الاستغفار.

ثم حمل علي حمارو طيف به الاسواق و الطرقات تشهيرا -ولکن الباب کان يتوخي و يحرص علي ذلک و يجب الشهرة أيا کانت- و أرجع مرة اخري الي المجلس المحتشد فأخذ الباب بتقبيل يد الشيخ ابي تراب و کرر التوبة و الاستغفار ولکن العلماء أصروا علي صعوده المنبر أمام الناس و اعلانه التوبة و الرجوع عن الدعاري السابقة و الضلال الذي کان يدعوا اليه.

فصعد المنبر قائلا «لست انا وکيل القائم الموعود و لست انا الواسطة بين الامام الغائب و بين الناس».

و ثم طلب منه امام الجمعة أن يحضر يوم الجمعة في مسجد وکيل و أن يعلن ذلک مرة أخري امام الناس و طلب الوالي ضامنا للباب أن لايعود الي بدعه السابقة فضمنه خاله السيد علي، و في يوم الجمعة حضر الباب مسجد وکيل و قال «لعن الله، لعن الله من يري أني وکيل الامام الغائب، لعن الله من يري اني انکر وحدانية الله تعالي، لعن الله من يري اني انکر رسالة رسول الله صلي الله عليه و آله، لعن الله من يري أني انکر امامة الائمة عليهم السلام».



[ صفحه 175]



ثم نزل عن المنبر و ذهبوا به الي السجن و مکث فيه ستة أشهر في رفاهية من العيش مع الحد من اي نشاط أو أتصال.

و في تلک السنة انتشر وباء و طاعون أتي من الهند و افغانستان جعل الاوضاع في شيراز مظطربة وفر الکثير الي القري النائية خوفا من العدوي و کذلک لجأ الوالي و معاونيه الي اطراف المدينة فساد البلد الهرج و حينها اهملت الرقابة علي السجن.

فقام والي اصفهان و يدعي منوچهرخان القرجي الارمني النصراني باستغلال الفرصة و أرسل الي السجن في شيراز بعض معاونيه مع عدد من دعاة البابية الذي کانوا علي ارتباط وثيق معه في اصفهان لنشر البابية و کان يهيألهم مختلف الطرق و الوسائل لذلک.

و هذا الوالي النصراني الارمني کان قد وقع اسيرا لدي الدولة الايرانية آنذاک مع عدد من اخوته في الحروب التي وقعت لها في ارمنييا و القفقاز و کانه هو من الامراء هناک.

و بعد وقوعه اسيرا حاول مع اخوته التسلل الي الحکومة و الوصول الي مناصب حساسة فيها کي يتم له الوصول الي مآربه الحاقدة الدفينة علي الاسلام، و أما ما ارتباطه مع الايدي الاجنبيه فعلي قدم و ساق.

و في هذا الاثناء استفحل نشر البابية في اصفهان من دعاتها، فثارت الغيرة الدينية لدي الناس و العلماء في مدينة اصفهان و التي کانت تعج آنذاک بفحول الفقهاء و العماء في مختلف الفنون من الحکمة و الاصول و الهيئة و الکلام و غيرها.

فاجتمع العلماء علي أثر تصاعد فتنة البابية للبحث عن التصدي لها. و اثناء ذلک حضر الوالي المجلس و خاطب الحضار بأن الباب قد وجه أحد العلماء اليه دعوة للحضور الي اصفهان و أني اخاف من اشتداد الفتنة من ذلک (و کان يظهر



[ صفحه 176]



حاله في منتهي الغم و الحزن و التأثر)، و اني أفترح لتقادي ذلک بأن يستعد الي استقباله علي باب المدينه عدة منکم کي يحتووه و يخمدوا بدعته و هو علي أي حال من الفقهاء الذين قدوموا من المشاهد المشرفة من العراق.

(و يقصد من ذلک انه من المرسوم عندکم الاستقبال في مثل هذه الموارد حيلة منه لاجلال مقدم الباب مع أنه ليس له هذه الصفة الذي يطلقها عليه الوالي)

و کان يکثر من لاحول و لا قوة الا بالله في کلامه، و قال و ليقوم الناس بزيارته من مختلف الطبقات کي يعلم جهله و کونه صفر اليدبن من الفضل و العلم (و هو يقصد بذلک حصول الترويج و الدعية للباب) ثم اقترح تشکيل ندوة يحضرها المقدمين منکم فضلا کي يحسموا شبهاته و تنقضوا ضلالته و تثبتوا مروقه من الدين الاسلامي و تفتوا بقتله أو حرقه أو تبعيده، وأني لن أمهله الال بضربة السيف تطبر عنقه. والوالي بهذا التمثيل و التصنع حلول اغراء أکثر الحضار مع شي ء من التهديد لمن لا يوافق فيهم بالوقوف بجانب الباب کما اتهم في بادي ء کلامه أحد العلماء بأنه الذي وجه الدعوة للحضور الي اصفهان و يکون بذلک قد خطط للدعاية والتشر ببر نامج وسيع النطاق.

و ما أن وصل الباب الي مشارف اصفهان استقبلته هيئة منتخبة تمثل العلماء و ذهبوا به الي بيت الميرزا السيد محمد الملقب بسلطان العلماء، ولکن الباب التزم الصمت عدة أيام و لم يظهر شيئا من دعاويه، ولکن العلماء دفعوا الناس الي الاصرار عليه باظهار مقالته و کتابتها کي يتم معرفة عقائده.

و قبل الباب الشيرازي فکتب رسالة طويلة تفسير سورة الکوثر و کعادته خبط و خلط في الاسلوب العربي بترکيب متدافع الاطراف معوج البيان مختل نحوا و صرفا.

و فوق ذلک استدل فيها علي انه المهداي الموعود. و سرعان ماتناقلتها الايدي



[ صفحه 177]



و انتشرت فازداد الصخب و الغيض لدي الناس و واجهوا الوالي بأن يفي بما وعد من الاجراآت بحقه و مجازاته.

ولکن الوالي احتال مرة أخري و اخذ يماطل و يوخر و سبب ذلک توقع الوالي متابعة بعض الناس للفرقة البابية أولا أقل من احداث الشک في صفوفهم.

و لکن الهيجان ازداد حماسا و خذر العلماء الوالي بأن يفي بما وعده من عقد ندوة للنفاش مع الباب حول شبهاته وادعاءه و الافلن يملک الوالي زمام الامور أمام الصخب الشعبي.

فأضطر الوالي الي عقد الندوة بعد مما طلة کثيرة لمعرفته أن عاقبتها فضيحة الباب و ضياع للمجهود الذي قام به لنشر البابية.

و حضر الندوة جمع کثير من العلماء في مقدمتهم الميرزا السيد محمد و الشيخ محمد مهدي کلباسي اللذان کانا متفوقين علي البقية في الفقه و الاصول و الميرزا حسن ابن الملا علي نوري الذي کانت له الصدارة في الحکمة و الفلسفة و أجلس الباب في صدر المجلس و أخذ العلماء بالکلام حول دعواه المهدوية و الباب ظل صامتا لايحرک ساکنا فبادره الشيخ محمد مهدي الکلباسي قائلا:

ياسيد لايخفي عليک أن المسلمين علي صنفين الاول و هو اللذين يستنبطون احکام الشريعة الاسلامية من القرآن الحکيم و السنة النبوية لخاتم النبيين و المأثورة عن الائمة المعصومين عليهم السلام، و هذا الصنف يسمون بالمجتهدين.

و الثاني هم اولئک الذين يقلدون المجتهدين في معرفة الاحکام و يسئلونهم عما يجهلونه و يحتاجون اليه کي يرشدوهم، و الان أنت من أي القسمين و بعبارة أخري انت مجتهد أم مقلد؟

فأجاب الباب: اني لم أفلد احدا بتاتا و العمل بالظن أراه حراما.

فقال له الشيخ: ياسيد ألاتعرف أن الطائفة الشيعية تعنقد أن الامام الحجة



[ صفحه 178]



عليه السلام غائب و لامحالة طريق العلم بالاحکام الشرعية مسدود.

و لا بدلنا في کل عصر من الاعصار من تقليد المجتهد الجامع لشرائط الفتوي علي طبق القواعد المقررة من الصدر الاول الي عصرنا الحاضر، حتي يظهر حجة الله قائم آل محمد المنتظر فبزبل المفاسد و يميت البدع و يعيد الشريعة المحمدية التي أني بها رسول الله صلي الله عليه و آله، فهذه وظيفتنا، فکيف أنت لاتقلد و لاتعمل بالظنون (الخاصة التي قام الدليل علي حجيتها لاستنباط الحکم الشرعي).

الان و حيث لا أراک تأتي بحجة قبال استدلالي و لا أراک قد سمعت باحکام الشريعة الاسلامية، اذا من أين تعلمت الدين و من أين حصل لک اليقين بالاحکام؟

فأشتعل الباب غيظا و قال «انک تعلمت علم المنقول و بمنزلة الطفل المبتدي ء الذي يتعلم أ ب ج د، ولکن مقامي مقام الذکر و الفواد، فلا يصح لک الدخول في هذا البحر اللامتنهاي و مناقشتي و المناظرة معي في شي ء لاتعلمه».

فانبري له الميرزا حسن النوري الحکيم المشهور قائلا: «ياسيد اثبت في مکانک و اياک و الرجوع عن ادعائک، ان الحکماء قد عينوا و قرروا للذکر و للفؤاد مقاما و منزلة اذا وصل اليها شخصا مايکون محيطا بکل الاشياء و لا يخفي عليه شي ء فالان هل قد وصلت أنت الي هذا المقام و المنزلة؟ و هل وجودک يحيط بکل الاشياء؟

فاجاب الباب بثبات و جرأه: نعم وجودي هکذا سل ما بدالک.

فقال له: ياسيد بين لنا کيفية معجزات الانبياء و حصول طي الارض للاولياء و کيفية سرعة سير الزمان في عصر السلطان الجائر و بطؤه في زمان الامام الهادي الذي وردت به الروايات، نحن و اياک نعد بني أمية و بني العباس حکاما جائر بن و ملو کاظالمين وأئمه أهل بين النبوة و معدن الرسالة ائمة هادين و في هذه الحال يلزم أن يکون للزمان سيرين سريع و بطي ء و کيف يمکن ذلک!



[ صفحه 179]



و أيضا بعض ائمة الجور و العدل کانوا في عصر واحد و لازم ذلک وقوع سيرين متضادين سريع و بطي ء في زمان واحد و کيف يمکن ذلک.

و أيضا نحن المسلمون نعتقد أن الارض تطوي لاولياء الله و حججه يعني أن المسافة الطويلة تنطوي لهم (کطي السجل) بطرفة عين مثل مانفل آصف بن برخيا وزير سليمان بطرفة العين عرش ملک بلقيس من سبا الي محل اقامة سليمان (فلسطين) کما قال تعالي «و قال الذي عنده علم من الکتاب انا آتيک به قبل أن يرتد اليک طرفک فلما رآه مستقرا عنده» الاية.

فالان يا تري کيف وقع ذلک؟ هل المدن و الصحاري بين المبدأ و المنتهي للمسير تهبط (خسفا أو ابتلاعا)؟

و حينها يتصل المبدأ و المنتهي (للسير) و في هذه الصورة يلزم انعدام عباد الله و الحيوانات و النباتات و الجمادات حيث الارض (التي طويت) قد خسفت بهم أو أن القطع الارضية تجتمع و تتداخل؟ وفي هذه الصورة لابد من اطلاع العالم علي مثل هذه الحادثة مع ان حتي هذه الساعة لم يسمع أحد بهذا و لم ينتشر خبر بذلک و في المستقبل سوف لن ينتشر، أو أن طي الارض يحصل بنحو الطيران و التحليق؟ و هذا الوجه أيضا لايطابق العقل الانساني و لا يؤيده برهان عقلي أو نقلي (شرعي).

أجب عن هذه الاسئلة؟

فتبسم الباب و أجاب: ياحکيم هل تريد أن أرفع النقاب عن وجه المشکل باللسان و البيان أو بالقلم و البنان اکشف عن هذا السر؟

فقال له: اصنع ماشئت؟

فتناول الباب القلم و الورقة و أخذ يکتب مدة من الوقت حتي أتي بالطعام فوضع الورقة علي سفره الغذاء و شرع في لاکل.



[ صفحه 180]



فلمح الميرزا حسن بطرف عينه الورقة فتناولها فقرأها علي الحضار و اذا فيها البسمله و حمد الله و الصلوة علي النبي و بعد ذلک دعاء مطول بسبک المناجات من دون أي اشارة الي موضوع المناقشة و الاسئلة.

فسکت أهل المجلس حتي يحصل الفراغ من الاکل، ثم حکم بعضهم بجنونه و فقد توازنه و من ذلک البعض الميرزا السيد محمد سلطان العلماء و حکم البعض الاخر بکفره و ارتداده عن الدين و وجوب القتل و من ذلک البعض الشيخ محمد مهدي الکلباسي و سائر الفقهاء ولکن تردد مع تمايل الي الباب مدرسان للفقه مشهور ان کانا علي ارتباط مع الوالي و اتفاق مسبق معه.

و بعد حکم الاکثر بقتله استدعوا من الوالي اجراءه، فتظاهر بأن تنفيذ هذا الحکم خارج عن صالحياته و أن القضية يجب أن يعلم بها الحکومة المرکزية في طهران و ينتظر الاوامر منها بقتله أولا ولکي يقل الضغط عليه من العلماء أمر بتقييد الباب بالسلاسل.

و ذهب به الي السجن، ولکنه أخرجة من السجن ليلا في الخفاء واحضره بيته مع المبالغة في الاحترام و التجليل، ثم بعث برسالة الي طهران صاغ عبارتها کما أراد و ذيلها بقوله «قتل الباب في هذا الوقت في اصفهان مع تمايل اکثر اهاليها اليه يستوجب خطر الثوران و الهيجان و الرأي الصائب أن يبقي في السجن حتي تنطفي نائرة الصديق و العدوله ثم تنظر هيئة الدولة في ما هو الصالح و تأمر نابه».

و قد نجحت خطته و انطوت خدعته علي هيئة الوزراء و استصوبت رأيه.

و من جانب آخر تزايد دعم الحاکم منوچهر خان القرجي لعلي محمد الشيرازي (الباب) و ظهرت نواياه الهادفة الي ضرب المذهب الشيعي و محاربة العلماء، فحمل ذلک العلماء علي الکتابة الي الصدر الاعظم (رئيس الوزراء)



[ صفحه 181]



حاجي ميرزا آغاسي و طالبوه بقمح الفتنة التي تتقنع بالاسلام و التي تدعي البابية تارة و أخري التوبة و انکار البابية و انها في توسع و انتشار.

فأجابهم برسالة بعثها «أنا في خدمة العلماء الاعلام و الفظلاء ذوي العز و الاحترام و المعذرة في تصديعکم حول هذا الشخص الشيرازي الذي سمي نفسه باب و نائب (خاص) الامام عليه السلام الذي کتبتم عنه. فلانه ضال مضل بحسب مقتضيات الدين و الدولة.

فالمورد ضروري التعقيب ليکون عبره في المستقبل طبقا للسياسة الملکية.

و هذا المجنون الجاهل الجعال (المفتعل) لم يدعي النيابة فحسب.

بل أدعي النبوة حيث أنه مع کمال الجهل و السخافة کتب کتابا جمع فيه المزخرفات و سماه قرآنا مع أن الاية الشريفة «فأتوا بسورة من مثله» دالة علي استحالة الانيان بمثل أفسر سورة و «لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأنون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا» فکيف بالقرآن!

هذا الجاهل مثلا بدل کهيعص کتب کاف ها، جيم، دال و بهذا النمط من المزخرفات و الاباطيل لفق کتابه، نعم أني أکثر اطلاعا علي حقيقة حاله لان أکثر هذه الجماعة الشيخية تداوم علي الطنطنة و الشعارات (الهتافات).

و هذا الشقي قد وقع في تلک الخيالات الباطلة و الذي قررت في شأنه أن يحبس في قلعة (ماکو) حبس الابد. و أما اللذين اتبعوه و تمايلوا اليه فهم مقصرون و أطلعوني بهم کي يعزرون و ينبهون. دام فضلکم و افاضاتکم».

و مع ذلک فلم يبعث الحاکم منوچهر خان بالباب الي قلعة (ماکو) و التي تقع في شمال ايران طيلة عدة أشهرو التي مات الحاکم بعدها و خلفه حاکم آخر يدعي جرجين خان الذي سارع بارسال الباب الي ماکو ولکن لجهات سياسية تحيط بذلک الظرف توسط دالکورکي السفير الروسي في طهران بنقله من ماکو



[ صفحه 182]



التي هي مدينه علي الحدود الروسيه الي قلعة (جهريق) و أرسل السفير الي وزير الخارجية الروسي نسلرد مکتوبا قال فيه «باب هو الذي أبعد عن ماکو الحدودية بوساطتي في العام الماضي» [6] .

و لم ينقطع الرتباط البابيه بالسيد الباب في القلعة فقد کانوا يبذلون الرشاوي الکثيرة لاقامة الاتصال و کان علي رأسهم المدبر النشط ملا بشرويه و حاج بارفروشي و يحيي الدارابي و قرةالعين، فالاول في خراسان و الثاني في مازندران (طبرستان) و الثالث في شيراز و الرابعة في قزوين فکانوا بذلک يقيمون دائرة محيطة بأکثر ارجاء ايران للنشر و الدعاية للفرقة البابية.

ثم ان الشاه محمد القاجاري طلب من ولي عهده ناصرالدين ميرزا أن يجمع العماء و الفقهاء و الفضلاء و الاعيان و الاشراف و القواد و بقية الشخصيات المهمة في تبريز المدينة المرکزية في منطقة آذربايجان و التي کانت مقرا له، و أن يعقد مجلسا يديره بنفسه لينظر ما يقوله الباب و يدعيه کي يتقرر الاجراء اللازم بحقه.

و أوصاه بعدم الاستعجال في اصدار الحکم و عليه الانتظار الي صدوره من طهران علي ضوء التقرير المرسل.

و عقد المجلس بحضور الجموع المختلفة فمن العماء الحاج محمود الملقب بنظام العلماء و الملا محمد الممقاني الملقب بحجة الاسلام و الذي کان رئيس الشيخية في تبريز و مر سابقا انه من تلامذه السيد کاظم الرشتي. و الملا باشي الحاج ميرزا عبداکريم و الميرزا علي اصغر شيخ الاسلام و الميرزا محسن قاضي و الملا باشي ميرزا حسن زنوزي و من الشخصيات السياسية للدولة محمدخان زنگنه أمير نظام، و وزير الامن ميرزا فضل الله علي آبادي نصيرالملک و وزير الخارجية ميرزا



[ صفحه 183]



جعفر خان معيرالدولة، و وزير المالية ميرزا موسي تفرشي، و وزير الداخلية ميرزا مهدي خان بيان الملک و عدة کثيرة من هذا الصنف، ثم اتي بالباب علي محمد الشيرازي و اجلس صدر المجلس.

و أول من افتتح النقاش و البحث نظام العلماء فخاطب الباب قائلا:

«ياسيد انظر الي هذا الکتاب و الاوراق التي أضعها الان بين يديک، و التي کتبت باسلوب قرآني و وحي سماوي [7] و نشرت في بلاد ايران في متناول ايدي الناس، تأمل فيها و أمعن النظر في صفحاتها ثم أخبرنا أهي من قولک أنت حقيقة؟ أو من أناس اعداء لک افتروها عليک و کذبا نسبوها اليک؟

ثم وضع الکتب و الاوراق بجانب الباب.

فأجاب علي محمد الشيرازي: نعم هذه الکتب من قبل الله.

فقال له نظام العلماء: هل سميت نفسک شجرة طوبي في هذه الکتب؟ و معني ذلک أن کل ماجري علي لسانک أو يجري فهو کلام الله و بعباره أخري أنت تعتقد أن کلامک کلام الله و قول الله؟

فأجاب: الله يرحمک، نعم، أقسم بالله هو کما تقول.

فقال نظام العلماء: هل تسميتهم لک ب (الباب) صادرة منک أو أن الناس خاطبوک بذلک من أنفسهم؟

فأجاب: لا، هي صادرة مني، و الناس لا يقولون من أنفسهم، هذا الاسم من الله، و أنا باب العلم.

فقال له: في أين، في بيت الکعبة، بيت المقدس، و البيت المعمور؟

فأجاب: في کل مکانه اله.



[ صفحه 184]



و في هذه اللحظة نهض ولي العهد ناصرالدين شاه و قال: يا سيد أعلم عاهدت الله أنک ان قدرت أن نثبت لنا أنک باب العلم فأني سأنرک لک منصبي و مقامي و نفسي سأکون مطيعا و منقادا لک.

ثم قال نظام العلماء: يا سيد أحسنت، هذا الذي تدعيه هو أسم لاميرالمؤمنين عليه السلام و الذي سماه بذلک هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث قال: «انا مدينة العلم و علي بابها» و قال علي عليه السلام «سلوني قبل أن تفقدوني لان بين جنبي علما جما»

فالان لدي بعض من المسائل المعضلة أريد حلها منک و جملة منها مرتبطة بعلم الطب [8] .

فأجاب علي محمد الشيرازي: أني لم أتعلم الطب.

فقال له: أسئلک عن العلوم الدينية، و لکن معرفأ جملتها مشروط بفهم معاني الايات و الاحاديث و ذلک الفهم متوقف علي معرفة علوم منها النحو و الصرف و المعاني و البيان و البديع (علم البلاغة) و المنطق و علوم أخري، فاذا اسئل عن هذه العلوم المقدمية و ابتدأ من علم الصرف.

فأجاب: أني قرأت علم الصرف في صغري.

فقال له: فسرلنا هذه الاية الشريفة «هو الذي يريکم البرق خوفا و طمعا»، و بين لنا أعرابها النحوي و قل لنا شأن سورة الکوثر؟ و لاي سبب سلي الله تعالي نبيه بهذه السورة؟

فأجاب: أمهلني.

فقال له: ما معني کلام الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام في مجلس المأمون جوابا لسؤاله: ما الدليل لک علي خلافة جدک علي بن ابي طالب؟ فقال عليه السلام: آية



[ صفحه 185]



أنفسنا، فقال المأمون لولا ابنائنا، فقال عليه السلام لولا نسائنا.

فأجاب: هذا ليس بحديث.

فقال له: أي ما کان هو أليس من اقوال العرب أيضا؟ فسره و بينه؟

فأجاب: الرخصة و المهلة.

فقال له: ما معني الحديث القائل «لعن ]الله[ ه العين ظلمت العين الواحدة»

فأجاب: لاأعرف.

فقال له: ماذا يعني «اذا دخل الرجل علي الخنثي و الخنثي علي الانثي وجب الغسل علي الخنثي دون الرجل و الانثي؟

سکت الباب و لم يحر بشي ء. فقال له نظام العلماء: مؤلفاتک تظن أنک قد صغتها علي وجه فصيح و بليغ، فالان قل أي نسبة من النسب الاربع بين الفصاحة و البلاغة و لماذا الشکل الاول (من الاشکال الاربعة في القياس الاقتراني المنطقي) بديهي الانتاج؟

سکت الباب أيضا و عجز عن الجواب.

فقال له: يا سيد سؤال آخر و ليس عندي بعده سؤال، لو ظننا و سلمنا أن هذه العلوم الموجودة لدي البشر کلما قيل و قال (مجرد الفاظ) و لا تنفع البشر بقدر فلس، و ها نحن صرفنا النظر عن تلک العلوم، فالعادة التي جري عليها من قديم الزمان و أتبعها عقلاء العالم نتبعها نحن... و حيث قد اتضحت هذه المقدمة، فنسئلک الان حيث يعلم من کتبک و حالاتک أنک تدعي تارة الرسالة و أخري المهدوية و ثالثة الولاية، نحن حضرنا ههنا لنسئلک هل عندک معجزة أو کرامة تکون حجة لک علي الناس؟

فأجاب: اطلب أي شي ء تريده.

فقال له: يا سيد لا يخفي عليک أن ملک ايران مصاب بمرض النقرس، و هذا



[ صفحه 186]



المرض صعب العلاج عجز عنه الاطباء و الان تريد منک أن تشافيه من هذا المرض المستعصي.

فأجاب: هذا الفعل غير ممکن.

فقال له ناصرالدين شاه: يا سيد هذا الشيخ الذي يناظرک معطمي و هو شخص أدبني بالادب الجميل و لکنه الان قد ذهبت منه حيوية الشباب و لا يقدر علي ملازمتنا في السفر و الحضر فهل تقدر علي أعادته شابا؟

فأجاب: هذا أيضا محال.

فقال نظام العلماء: أيها الناس اعلموا أن هذا الرجل (يشير الي الباب الشيرازي) و عاءه خال و محتواه فارغ من کل شي ء من معقول أو منقول هو مغرور بالباطل و سفيه و جاهل، و ليس عندأية معجزة أو کرامة و غير لائق لادني احترام.

فأجاب علي محمد الشيرازي و هو غضبان مما قال «يا نظام ما هذا الکلام التي تقوله! أنا الرجل الذي مکثتم ألف سنة تنظرونه!

فقال له نظام العلماء: هل انت المهدي و الامام القائم؟

فأجاب: نعم أنا هو.

فقال له: المهدي النوعي انت أم المهدي الشخصي؟

فأجاب: أنا عين المهدي الشخصي.

فقال له: ما اسم أبيک؟ و أمک و أين مکان ولادتک؟

فأجاب: اسمي علي محمد و اسم أبي ميرزا رضا البزاز، امي خديجة، محل ولادتي شيراز و خمسة و ثلاثون سنة مضت من عمري.

فقال له: اسم مهدينا المنتظر مهدي، و اسم ابيه حسن و اسم امه نرجس و محل ولادته سر من رأي (سامراء) فکيف تنطبق عليک تلک المشخصات؟

فأجاب: الان أريک کرامة کي يتضح أني صادق فيما أدعي.



[ صفحه 187]



فقال الحضار بأجمعهم: حباو کرامة، أظهر کرامتک.

فأجاب: أني أکتب في اليوم ألف بيت (البيت في علم الخط آنذاک خمسين حرفا).

فقال الحضار: علي فرض أن ماتقوله صحيح ولکن ذلک ليس بکرامة لان کثير من الخطاطين يشتر کون معک في ذلک.

و قال نظام العلماء: أني عند زيارتي للعتبات العاليات (المشاهد المشرفة) صادفت کاتبا يکتب في اليوم ألفين بين و انتهي امره الي العمي. البتة أنت أيضا أترک هذا العمل و الافستعمي ثم جري بين بقية العلماء و بينه أخذ ورد علي هذا المنوال.

و بعد ذلک استدعي ناصرالدين ميرزا من العلماء رأيهم في شأن الباب، فأفتي بعضهم بکفره و وجوب قتله، و بعض حکم بسفاهته و جنونه.

ثم أمر ناصرالدين ميرزا أعوانه بربط الباب و ضربه علي اقدامه ضربا ميرحا حتي يتوب و يظهر الاستغفار من تلک الدعاوي و بعد ذلک کتب علي محمد الشيرازي ورقة التوبة قال فيها «... اني موقن بتوحيد الله جل ذکره و نبوة الرسول صلي الله عليه و آله و ولايته و لساني مقر بکل مانزل من عندالله و آمل رحمته و لم أرد بتاتا مايخالف رضاه و اذا جري من قلمي کلمات خلاف رضاه فلم أتعمد العصيان و علي أي حال فاني مستغفر نائب... استغفرالله ربي و اتوب اليه من أن ينسب الي أمر و بعض المناجات و الکلمات التي جرت علي لساني ليست دليلا علي أية أمر و أعتقد أن مدعي النيابة الخاصة لحضرة حجة الله عليه السلام مدع مبطل، و هذا العبد لم يکن له ادعاء ذلک و لا ادعاء آخر...» [9] .

و أجاب رسالته علماء تبريز، و جاء فيها «... اقررت بمطالب متعددة کل منها



[ صفحه 188]



توجب و تبعث علي ارتدادک و توجب قتلک، و توبة المرتد الفطري لاتقبل، و الذي أوجب تأخير قتلک هو شبهة خبط دماغک (اختلاله) و اذا أرتفعت تلک الشبهة فلا نأمل في اجراء أحکام المرتد الفطري عليک».

ثم أنه بعد موت محمد شاه و مجي ء ناصرالدين شاه علي سدنة الملک و نصبه للميرزا محمد تقي الملقب بأميرکبير بدل ميرزا آغاسي الصدر الاعظم (رئيس الوزراء) و ازدياد حدة البابية و تشکيلهم لعصلبات تهاجم القري و المدن و ارتکابهم لجرائم فضيعة يقشعر الانسان عند قرائتها مثل الاحداث و الوقائع في مازندران (طبرستان) و الوقائع في قلعة الشيخ الطبرسي و الوقائع في زنجان مما لم يدعوا منکرا و وحشية الا أتوها بعد التزامهم الاباحات و تحليل کل المحرمات.

و جعلوا اهالي تلک المناطق تعيش حالة من الخوف و الرعب من الارهاب و السفک للدماء التي مارسوها تخيلا منهم لانشاء دويلة يوسعون نطاقها شيئا فشيئا أقدم اميرکبير -والذي کان علي درجة من الحزم و فطانة التدبير بعکس سابقه آغاسي- علي اعدام علي محمد الشيرازي بعد أن أعاد الباب أصراره علي دعاويه السابقة.

و کان الباب الشيرازي قد نصب ميرزا يحيي النوري خليفة له مع معاوية اخيه حسين علي النوري و لقب الاول عندهم بالازل و الثاني ببهاء و کانا قد اعتقلا من قبل الدولة فتوسطت السفارة الروسية و البريطانية و لاطلاق سراحهما و اخراجهما مع جماعة من البابية الي بغداد.

و مکثوا هناک عشر سنين و اخذوا شيئا فشيئا يبتدعون الاحکام کبقية الفرق المنحرفة.

ثم أن السلطات اضطرت الي ابعادهم الي جزيرة قبرص و هناک تنازع



[ صفحه 189]



الاخوان فانقسمت البابية الي الازلية و البهائية [10] .


پاورقي

[1] من قبيل علم الحروف و العزائم و التسخير للارواح و الجن.

[2] و کان يکثر من کتابة الادعية و المناجات و نحوها.

[3] ص56.

[4] بشرويه من توابع مدينة مشهد بخراسان و اليها ينسب هذا، و قد درس ثماني سنوات لدي السيد کالظم الرشتي ولکنه کان بليد الذهن فلم يترقي في الجانب النظري ولکن في الجانب العملي کان متفوقا.

[5] و قد ذکر د. همتي في کتابه البابيون و البهائيون أن کتاب (البرنس دالکورکي) تمت طباعته فيمکن قراءة تفاصيل هذه القصه و تأريخ زعماء اليهائية (و هي الفرقة التي تولدت من البابية) و أثرهم السياسي و الطريقة التي أستعملها السياسيون الروس في الاتيان بالباب و اصحابه.

[6] ذکر في کتاب تاريخ جامع بهائيت ص152 رقم السند المسلسل بتمامه لتلک الرسالة.

[7] يشير الي کتاب البيان الذي الفه الباب بتلفيق من الايات القرآنية و من الحشو الذي زخرفه فجعله بين الاقتباس و الحشو و سيأتي نماذج من کتابه.

[8] کان ديدن کثير من علمائنا رضوان الله تعالي عليهم بجانب التضلع في الفقه الالمام بل التبحر في بقية العلوم.

[9] الرسالة بخط يده کانت حتي سنة 1315 في مکتبة المجلس في طهران معلقة في قاب و بعد ذلک فقدت (عن کتاب جامع تاريخ بهائيت ص170).

[10] للاطلاع اکثر علي تاريخ البابية و البهائية نشير الي کتب منها کشف الحيل و تاريخ جامع بهائيت و ظهور الحق و فتنه باب باللغة الفارسية.