في الفرق التي انحرفت عن الطائفة الامامية و کيفية انحرافها
و هي کثيرة حتي قيل أن الشيخ الجليل سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ذکر في کنابه (المقالات و الفرق) مايقرب من مائة و اربع عشرة [1] فرقة و بدعة.
و سر ذلک هو ماقاله اميرالمؤمنين عليه السلام عند ما خطب الناس فقال: أيها الناس انما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحکام تبتدع يخالف فيها کتاب الله، يتولي فيها رجال رجالا فلو أن الباطل خلص لم يخف علي ذي حجي و لو أن الحق خلص لم يکن اختلاف ولکن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضعث فيمزجان فيجيئان معا فهنالک استحوذ الشيطان علي أوليائه و نجا الذين سبقت لهم من الله الحسني» [2] .
و عن الصادق عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله کل بدعة ضلالة و کل ضلالة
[ صفحه 143]
في النار [3] .
و من هذه الفرق (هم الذين غلوا في اميرالمومنين عليه السلام) و زعموا أنه ربهم فأمر عليه السلام بقتلهم.
و قد رواه الکشي في کتاب الرجل في ترجمة (محمد بن أبي زينب) [4] باسناده عن عبدالله بن شريک عن أبيه قال: بينا علي عليه السلام عند امرأة من عنزة و هي أم عمر و اذ أتاه قنبر فقال: ان عشرة نفر بالباب بزعمون أنک ربهم، قال: ادخلهم قال: فدخلوا عليه، فقال: ما تقولون؟ فقالوا: انک ربنا و أنت الذي خلقتنا و أنت الذي ترزقنا.
فقال لهم: ويلکم لاتفعلوا انما انا مخلوق مثلکم، فأبوا أن يقلعوا، فقال لهم: ويلکم ربي وربکم الله ويلکم انما انا مخلوق مثلکم فأبوا أن يقلعوا فقال لهم: ويلکم ربي و ربکم الله توبوا و ارجعوا.
فقالوا: لانرجع عن مقالتنا أنت ربنا ترزقنا و أنت خلقتنا، فقال ياقنبر آتني بالفعلة فخرج قنبر فأتاه بعشر رجال مع الزبل و المرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الارض فلما حفروا خدأ أمرنا بالحطب و النار فطرح فيه حتي صار نارا تتوقد قال لهم: ويلکم توبوا و ارجعوا! فأبوا و قالوا: لانرجع فقذف علي عليه السلام بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار ثم قال علي عليه السلام اني اذا ابصرت شيئا منکرا، أوقدت ناري و دعوت قنبرا.
و قد قال أمير المومنين عليه السلام هلک في رجلان محب غال و مبغض قال [5] .
و منها (الخطابية) أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الاسدي
[ صفحه 144]
الاخدع [6] الزداد البزاز يکني تارة اباالخطاب و أخري اباالظبيات [7] و أبا اسماعيل لعنه الله و کانوا قد اظهروا الا باحات و تحليل المحرمات و آل أمرهم الي الدعوة الي نبوة أبي الخطاب، و کانوا يدعون الناس الي أمرهم سرا فبلغ خبرهم عيسي بن موسي و کان عاملا للمنصور العباسي علي الکوفة فبعث اليهم رجلا من اصحابه في خيل و رجالة.
فکانت بينهم حرب شديدة يالقصب و الحجارة و السکاکين کانت مع بعضهم و جعلوا القصب مکان الرماح و قد کان ابوالخطاب قال لهم قاتلوهم فان قصبکم يعمل فيهم عمل الرماح و سائر السلاح و رماحهم و سيوفهم لايضرکم و لايعمل فيکم و لايحتک في أبدانکم فجعل يقدمهم عشرة عشرة للمحاربة فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلا صاحوا اليه يا سيدنا ما تري ما يحل بنا من هولاء القوم؟ و لاتري قصبنا يعمل فيهم و لا يوثر و قد يکسر کله؟ و قد عمل فينا و قتل من تري منا.
فقال لهم: يا قوم ان کان بدالله فيکم فماذنبي، يا قوم قد بليتم و امتحنتم و اذن في قتلکم و شهادتکم فقاتلوا علي دينکم و أحسابکم ثم انهم قتلوا و قتل هو و صلب فقال بعض اصحابه ان أباالخطاب لم يقتل و لا أسرو لا قتل احد من اصحابه و انما لبس علي القوم و شبه عليهم و أنه قد صير بعد حدث هذا الامر من الملائکة. [8] و زعموا أنه لابد من رسولين في کل عصر و لا تخلو الارض منهما: واحد ناطق و آخر صامت فکان محمد صلي الله عليه و آله ناطقا و علي صامتا و تأولوا في ذلک قول الله: ثم أرسلنا تتري ثم ارتفعوا عن هذه المقالة الي أن قال بعضهم هما آلهة، و تشاهدا بالزور.
ثم انهم افترقوا لما بلغهم أن جعفر بن محمد (الصادق) عليه السلام لعنهم و لعن
[ صفحه 145]
أبا الخطاب و بري ء منه و منهم فصاروا أربع فرق و کان ابوالخطاب يدعي أن جعفر بن محمد عليه السلام قد جعله قيمه و وصيه من بعده و انه علمه اسم الله الاعظم.
ثم ترقي الي أن ادعي النبوة ثم ادعي الرسالة ثم ادعي انه من الملائکة و أنه رسول الله الي اهل الارض و الحجة عليهم و ذلک بعد دعواه أنه جعفر بن محمد و انه يتصور في أي صورة شاء.
و ذکر بعض الخطابية أن رجلا سأل جعفر بن محمد عن مسألة و هو بالمدينة فاجابه فيها ثم انصرف الي الکوفة فسأل أبا الخطاب عنها فقال له أولم تسألني عن هذه المسئلة بالمدينة فاجبتک فيها؟
و منها (الحارثية) اصحاب عبدالله بن الحارث و کان ابوه زنديقا من أهل المدائن فابرز لاصحاب عبدالله بن معاوية -الذي قتله ابومسلم و الذي هو صاحب أحدي الفرق الکيسانية وقد مال اليه شذاذ صنوف الشيعة- فأدخلهم في الغلو و القول بالتناسخ و الاظلة و الدور و أسند ذلک الي (جابر بن عبدالله الانصاري) ثم الي (جابر بن يزيد الجعفي) فخدعهم بذلک حتي ردهم عن جميع الفرائض و الشرائع و السنن و أدعي أن هذا مذهب جابر بن عبدالله و جابر بن يزيد رحمهماالله فانهما قد کانا من ذلک بريثين» [9] .
و منهم و من الکيسانية و العباسية و الخر مدينية کان بدء الغلو في القول حتي قالوا أن الائمة آلهة و أنهم انبياء و انهم رسل و انهم ملائکة و هم الذين تکلموا بالاظلة و في التناسخ في الارواح.
و هم أهل القول بالدور في هذا الدار و ابطال القيامة و البعث و الحساب و زعموا أن لادار الا الدنيا و أن القيامة انما هي خروج الروح من بدن و دخوله في بدن آخر غيره (و هو معني الدور) ان خيرا فخيرا و ان شرافشرا.
[ صفحه 146]
و أنهم مسرورون في هذه الابدان أو معذبون فيها و الابدان هي الجنات و هي النار و أنهم منقولون في الاجسام الحسنة الانسية المنعمة في حياتهم و معذبون في الاجسام الروية المشوهة من کلاب و قردة و خنازير و حيات و عقارب و خنافس و جعلان محولون من بدن الي بدن معذبون فيها هکذا أبد الابد فهي جنتهم و نارهم لاقيامة و لا بعث و لا جنة و لا نار غير هذا علي قدر أعمالهم و ذنوبهم و انکارهم لائمتهم و معصيتهم لهم فانما تسقط الابدان و تخرب اذهي مساکنهم فتتلاشي الابدان و هذا معني الرجعة عندهم» [10] .
و منها (المنصورية) أصحاب ابي منصور العجلي الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام ثلاثا -و هو الذي ادعي أن الله عزوجل عرج به اليه فأناه منه و کلمه و مسح يده علي رأسه و قال له بالسرياني أي بني و ذکر أنه نبي و رسول و أن الله اتخذه خليلا.
و کان ابومنصور من أهل الکوفة من عبدالقيس و له فيها دار و کان منشأه بالبادية و کان أميا لايقرأ فادعي بعد وفاة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام أنه فوض اليه امره و جعله وصيه من بعده ثم ترقي به الامر الي أن قال کان علي بن أبي طالب عليه السلام نبيا و رسولا و کذا الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و أنا نبي و رسول و النبوة في ستة من ولدي يکونون بعدي انبياء آخرهم القائم.
و کان يأمر اصحابه بخنق من خالفهم و قتلهم بالاغتيال و يقول من خالفکم فهو کافر مشرک فاقتلوه فان هذا جهاد خفي، و زعم أن جبرئيل عليه السلام يأتيه بالوحي من عندالله عزوجل و أن الله بعث محمدا بالتنزيل و بعثه هو (يعني نفسه) بالتأويل.
فطلبه خالد بن عبدالله القسري فأعياه ثم ظفر عمر الخناق بابنه الحسين بن
[ صفحه 147]
أبي منصور و قد تنبا و ادعي مرتبة أبيه و جبيت اليه الاموال و تابعه علي مذهبه و رأيه بشر کثير و قالوا بنبوته فبعث به للمهدي العباسي فقتله في خلافته و صلبه بعد أن أقر بذلک و أخذ منه مالا عظيما و طلب أصحابه طلب شديدا و ظفر بجماعة منهم فقتلهم و صلبهم» [11] .
و منها (أصحاب السري) قالوا أنه رسول مثل أبي الخطاب أرسله جعفر و قال أنه قوي أمين و هو موسي القوي الامين و فيه تلک الروح و جعفر هو الاسلام و الاسلام هو السلام و هو الله عزوجل و نحن بنوا الاسلام کما قالت اليهود: «نحن أبناء الله احباءه» [12] .
و منها (البيانية) أصحاب بيان بن سمعان النهدي الذي کان يبيع التبن بالکوفة ثم ادعي أن محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام أوصي اليه فاخذه خالد بن عبدلله القسري فقتله وصلبه مدة ثم احرقه و اخذ معه خمسة عشر رجلا من اصحابه فشدهم في اطبان القصب وصب عليهم النفط في مسجد الکوفة و ألهب فيهم النار فأفلت منهم رجل فخرج يشتد ثم التفت فرأي اصحابه تأخذهم فکر راجعا فألقي نفسه في النار فاحترق معهم و کان (بيان) يقول هو و أصحابه ان الله تبارک و تعالي يقول يشبه الانسان و هو يفني و يهلک جميع جوارحه الا وجهه و تأولوا في ذلک قول الله: کل شي ء هالک الا وجهه.
و زعمت البيانية أن الوصية لعبدالله بن محمد بن الحنفية بعد غيبة أبيه و انها وصية استخلاف علي الخلق کما استخلف رسول الله علي المدينة عليا و غيره عند خروجه منها في غزواته لا استخلاف بعد الموت و أنه حجة علي الخلق و علي الناس تقديمه و طاعته.
[ صفحه 148]
و زعموا أن أباهاشم (عبدالله بن محمد) لما قال أنا الوصي علي بني هاشم و سائر الناس، طاعتي فرض واجب أردنا قتله فلما رأي انکارنا ما ادعاه و انکار الناس ذلک دعا ربه أن يعطيه آية و قال اللهم أن کنت صادقا فلتقع الزهرة في کفي فسقطت في کفه و لقد نظرناها أنها في حقة توقد و ان مکانها من السماء فارغ ما فيه کوکب و لادونه و ذکرت هذه الفرقة ان أباشجاع الحارثي قال له حين دخل عليه الجوسق [13] و فيه خطاطيف کثيرة و خفافيش ان کنت صادقا فأت بآية اجعل الخفافيش کاسيا بايضا و الخطاف أصرط و لودا فدعا ربه فجعلهما کذلک.
و انه لم يزل من ذلک الخفاش و الخطاطيف بقية الي أن خرج السودان قالوا فأستغرب أبو شجاع ضحکا تعجبا و سرورا فضحک لضحکه أبوهاشم ثم بصق في وجهه فملا وجهه درا منظوما قالوا و شکا اليه الخلوف و ضعف الباه فتفل في لهاته ففاح منه کلطيمة العطار و نفخ في احليله فکان يجامع في الليل مائة امرأة» [14] و قالوا أن أباهاشم عبدالله بن محمد نبي بيانا عن الله عزوجل فبيان نبي و تأولوا في ذلک قول الله عزوجل «هذا بيان للناس و هدي» و ادعي (بيان) بعد وفاة أبي هاشم النبوة و کتب الي أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام يدعوه الي نفسه و الاقرار بنبوته و يقول له أسلم تسلم و ترتق في سلم و تنج و تغنم فانک لاتدري أين يجعل الله النبوة و الرسالة و ما علي الرسول الا البلاغ و قد أعذر من أنذر فأمر أبو جعفر (الباقر) عليه السلام رسول بيان فأکل قرطاسه الذي جاء به و قتل (بيان) علي ذلک و صلب» [15] .
و منها (أصحاب حمزة بن عمارة الزبيدي البربري) الذي کان في بدأ أمره
[ صفحه 149]
من الکيسانية (أي الذين قالوا بامامة محمد بن الحنيفة) ففارقهم و کان من أهل المدينة و ادعي أنه نبي و أن محمد بن الحنفية هو الله و أن حمزة هو الامام و النبي و أنه ينزل عليه سبع أسباب من السماء فيفتح بهن الارض و يملکها فتبعه علي ذلک أناس من أهل المدينة و أهل الکوفة و لعنة ابوجعفر محمد بن علي بن الحسين (الباقر) عليه السلام و بري ء منه و کذبه و برأت منه الشيعة و تبعه علي رأيه رجلان من نهد من أهل الکوفة يقال لاحدهما (صائد) و الاخر بيان بن سمعان (الذي تقدم ذکره). و کان حمزة بن عمارة نکح ابنته و أحل جميع المحارم و قال: من عرف الامام فليصنع ماشاء فلا اثم عليه فأصحاب أبي (ابن) کرب و اصحاب حمزة و أصحاب صايد و بيان ينتظرون رجوعهم و رجوع الماضين من اسلافهم و يزعمون أن محمد بن الحنيفة يظهر نفسه بعد الاستتار عن خلقه فينزل الي الدنيا و يکون فيها بين المومنين فهذا معني الاخرة عندهم» [16] .
و منها (المغيرية) اصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولي بجيلة الذي خرج بظاهر الکوفة في امارة خالد بن عبدالله القسري فظفر به و أحرقه و احرق اصحابه سنة 119 ه و کان يکذب علي الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام و قد لعنه الامام الصادق عليه السلام -و هم من الفرق التي انشعبت من الزيدية- و قالوا بامامة محمد بن عبدالله بن الحسن و تولوه و اثبتوا امامنه فلما قتل صاروا لا امام لهم و لا وصي و لا يثبتون لاحد امامة بعده و کان المغيرة قال بهذا القول لما توفي الامام الباقر عليه السلام و أظهر المقالة بذلک فبرئت منه الشيعة أصحاب الامام الصادق عليه السلام و رفضوه فزعم أنهم رافضة و أنه هو الذي سماهم بهذا الاسم و نصب بعض اصحاب المغيرة المغيرة اماما ثم تراقي الامر بالمغيرة الي أن زعم أنه رسول و أن جبرئيل يأتيه
[ صفحه 150]
بالوحي من عندالله و کان يدعي أنه يحيي الموتي و قال بالتناسخ» [17] .
و منها (اصحاب بزيع بن موسي الحائک) الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام قالوا أن بزيعا رسول مثل أبي الخطاب أرسله جعفر بن محمد و شهد بزيع لابي الخطاب بالرسالة و بري ء ابوالخطاب و أصحابه من بزيع [18] .
و منها (البشرية) أصحاب محمد بن بشير مولي بن اسد من أهل الکوفة و هم فرقة انشقت من الواقفة -و هي التي وقفت علي الامام الکاظم عليه السلام بعد وفاته و قالت أنه لم يمت و أنه المهدي الموعود و أنه قد غاب- و قالوا أن موسي بن جعفر عليه السلام لم يمت و لم بحبس و أنه حي غائب و أنه القائم المهدي و أنه في وقت غيبته استخلف علي الامر محمد بن بشير و جعله وصيا و أعطاه خاتمه و علمه جميع ما يحتاج اليه رعيته و فوض اليه اموره و أقامه مقام نفسه فمحمد بن بشير الامام بعده.
و أن محمد بن بشير لما توفي أوصي الي ابنه (سميع بن محمد بن بشير) فهو الامام و من أوصي اليه (سميع) فهو الامام المفترض الطاعة علي الامامة الي وقت خرج موسي و ظهوره فما يلزم الناس من حقوقه في اموالهم و غير ذلک مما يتقربون به الي الله عزوجل فالفرض عليهم اداوه الي هولاء الي قيام القائم.
و کفروا القائلين بامامة الامام الرضا عليه السلام و استحلوا دماءهم و اموالهم.
و قالوا باباحة المحارم من الفروج و الغلمان واعتلوا في ذلک بقول الله عزوجل «أو يزوجهم ذکرانا و اناثا و قالوا بالتناسخ» [19] و کان محمد بن بشير صاحب شعبذة و مخاريق معروفا بذلک و کان سبب قتله أنه يستعمل الشعبذة
[ صفحه 151]
و المخاريق للدلالة علي أنه نبي و کان يقول في موسي بالربوبية.
و کان عنده صورة قد عملها و أقامها شخصا کانه صورة أبي الحسن الکاظم عليه السلام في ثياب حرير و قد طلاها بالادولة و عالجها بحيل عملها فيها حتي صارت شبيها بصورة انسان و کان يطبها فاذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها.
و کان يقول لاصحابه أن ابا الحسن عليه السلام عندي فان أحببتم أن تروه و تعلموا أني نبي فهلموا أعرضه عليکم فکان يدخلهم البيت و الصورة مطوية معه. فيقول لهم: هل ترون في البيت مقيما أو ترون فيه غيري و غيرکم؟ فيقولون لا و ليس في البيت أحد فيقول: أخرجوا فيخرجون من البيت فيصير هو وراء الستر و يسبل بينه و بينهم.
ثم يقدم تلک الصورة ثم يرفع الستر بينه و بينهم فينظرون الي صورة قائمة و شخص کانه شخص أبي الحسن لا ينکرون منه شيئا و يقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يکلمه و يناجيه ويدنو منه کانه يساره.
ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون و يسبل الستر بينه و بينهم فلا يرون شيئا.
و کانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة مالم يروا مثلها فهلکوا بها، فکانت هذه حاله مدة حتي رفع خبره الي بعض الخلفاء العباسيين أنه زنديق فأخذه و أراد ضرب عنقه فقال: يا أمير المومنين استبقني فأني اتخذلک اشياء يرغب الملوک فيها فأطلقه.
فکان أول ما اتخذ له الدوالي فانه عمد الي الدوالي فسواها و علفها و جعل الزيبق بين تلک الالواح فکانت تعمل من غير احتياج الي انسان و نصب الماء في البستان ثم بعد مدة تعطلت الدوالي فاستراب أمره و ظهر عليه التعطيل و الاباحات و قد کان الصادق و الکاظم عليهماالسلام يدعو ان الله عليه و يسئلانه أن يذيقه حر الحديد فأذاقه الله حر الحديد بعد أن عذب أنواع العذاب» [20] .
[ صفحه 152]
و منها (أصحاب معمر بن خيثم) الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام -قالوا ان جعفر بن محمد هو الله عزوجل- و تعالي الله عن ذلک علوا کبيرا- و انما هو نور يدخل في أبدان الاوصياء فيحل فيها فکان ذلک النور في جعفر ثم خرج منه فدخل في (ابي الخطاب) فصار (جعفر) من الملائکة ثم خرج من (ابي الخطاب) فدخل في (معمر) و صار ابوالخطاب من الملائکة.
فمعمر هوالله عزوجل فخرج (ابن اللبان) يدعو الي معمر و قال انه الله عزوجل و صلي له وصام و أحل الشهوات کلها ماحل منها و ما حرم و ليس عنده شي ء محرم و قال: لم يخلق الله هذا الا لخلقه فکيف يکون محرما و أحل الزنا و السرقة و شرب الخمر و الميتة و الدم و لحم الخنزير و نکاح الامهات و البنات و الاخوات و نکاح الرجال و وضع عن أصحابه غسل الجنابة و قال کيف اغتسل من نطفة خلقت منها.
و زعم أن کل شي ء احله الله في القرآن و حرمه فانما هو أسماء الرجال [21] .
و روي عن عنبسة بن مصعب قال قال لي الصادق عليه السلام: اي شي ء سمعت من إبي الخطاب؟ قال سمعته يقول: انک وضعت يدک علي صدره و قلت له عه و لاتنس! و انک قلت له: هو عيبة (مخزن) علمنا و موضع سرنا امين علي احيائنا و أمواتنا قال: لا و الله مامس شي ء من جسدي جسده الايده و أما قوله: اني قلت له هو عيبة
[ صفحه 153]
علمنا و موضع سرنا أمين علي احيائنا و امواتنا فلا آجرني الله في امواتي و لا بارک لي في احيائي ان کنت قلت له شيئا من هذا قط.
و روي عن علي بن عقبة عن أبيه قال دخلت علي ابي عبدالله عليه السلام قال: فسلمت و جلست فقال لي: کان في مجلست هذا ابوالخطاب و معه سبعون رجلا کلهم اليه ينالهم منهم شي ء رحمتهم فقلت لهم: ألا أخبرکم بفضائل المسلم فلا احسب أصغرهم الا قال: بلي جعلت فداک. قلت: من فضائل المسلم أن يقال: فلان قاري لکتاب الله عزوجل و فلان ذو حظ من ورع و فلان يجتهد في عبادته لربه فهذه فضائل المسلم، مالکم و للرياسات؟ انما المسلمون رأس واحد، اياکم و الرجال فان الرجال للرجال مهلکة.
فاني سمعت ابي يقول: ان شيطانا يقال له المذهب يأتي في کل صورة الا انه لايأني في صورة نبي و لا وصي نبي و لا أحبسه الا و قد تراءي لصاحبکم فاحذروه فبلغني انهم قتلوا معه فأبعدهم الله و أسحقهم انه لايهلک علي الله الا هالک».
و روي عن عبدالله بن بکير الرجاني قال: ذکرت أباالخطاب و مقتله عند أبي عبدالله عليه السلام قال: فرققت عند ذلک فبکيت، فقال: اتأسي عليهم؟ فقلت: لا و قد سمعتک تذکر أن عليا عليه السلام قتل أصحاب النهر فأصبح أصحاب علي عليه السلام يبکون عليهم فقال علي عليه السلام لهم: اتأسون عليهم؟ قالوا: لا الا انا ذکرنا الالفة التي کنا عليها و البلية التي أوقعتهم فلذلک رققنا عليهم قال: لا بأس.
و روي عن الکاظم عليه السلام انه قال: ان أبا الخطاب أفسد أهل الکوفة فصاروا لايصلون المغرب حتي يغيب الشفق و لم يکن ذلک انما ذاک للمسافر و صاحب العلة.
و روي عن الصادق عليه السلام انه قال «أما ابوالخطاب فکذب علي و قال اني أمرته أن لايصلي هو و أصحابه المغرب حتي يروا کوکب کذا يقال له: القنداني و الله ان
[ صفحه 154]
ذلک الکوکب ما أعرفه» [22] .
و روي عن المفضل قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: اتق السفلة و أحذرا السفلة فاني نهيت أبا الخطاب قلم يقبل مني».
و روي عيسي عنه عليه السلام «اياک و مخالطة السفلة فان السفلة لاتول الي خير» و روي عمران بن علي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لعن الله أباالخطاب و لعن من قتل معه و لعن من بقي منهم و لعن الله من دخل قلبه رحمة لهم.
و روي عن الکاظم عليه السلام انه قال عند ما سئل عن ابي الخطاب: ان الله خلق الانبياء علي النبوة فلا يکونون الا انبياء و خلق المؤمنين علي الايمان فلا يکونون الا مؤمنين و استودع قوما أيمانا فان شاء أتمه لهم و ان شاء سلبهم اياه و ان أباالخطاب کان ممن أعاره الله الايمان: فلما کذب علي أبي سلبه الله الايمان.
و روي عن الصادق عليه السلام انه قال للمفضل بن مزيد عند ما ذکر أصحاب أبي الخطاب و الغلاة قال له: يا مفضل لا تقاعدوهم و لانوا کلوهم و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا تواثروهم.
و قال عند ذکرة الغلاة: [23] ان فيهم من يکذب حتي أن الشيطان ليحتاج الي کذبه».
و قال للغالية: توبوا الي الله فانکم فساق کفار مشرکون.
و عن أبي بصير قال: قال لي الصادق عليه السلام: يا أبا محمد (کنية ابي بصير)
[ صفحه 155]
ابرأ ممن يزعم أنا أرباب قلت: بري ء الله منه قال: ابرء ممن يزعم انا انبياء قلت: بري ء الله منه.
و قال عليه السلام: ان ممن ينتحل هذا الامر لمن هو شر من اليهود و النصاري و المجوس الذين أشرکوا» و المعني أن بعض من يدعي التشيع لهو شر من اولئک و ذلک بسبب الانحراف و الضلال الذي ببتدعه من تلقاء نفسه، و يقال انتحل الشي ء و تنحله ادعاه لنفسه و هو لغيره و يقال فلان ينتحل مذهب کذا اذا انتسب اليه.
و روي عن عنبسة قال قال ابوعبدالله الصادق عليه السلام: لقد أمسينا و ما أحد أعدي لنا ممن ينتحل مودتنا».
و روي الکشي أيضا عن المفضل بن عمر قال سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: لو قام قائمنا بدأ بکذابي الشيعة فقتلهم.
و قال الکاظم عليه السلام قال ابو عبدالله الصادق عليه السلام: ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين الاوهي فيمن ينتحل التشيع».
و روي عن الصادق عليه السلام قال: جاء رجل الي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: السلام عليک يا ربي! فقال: مالک لعنک الله، ربي و ربک الله أما و الله لکنت ما علمت لجبانا في الحرب لئيما في السلم.
و روي عن مصادف قال لما أتي القوم الذين أتوا بالکوفة (أي الخطابية و الغلاة): دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فأخبرته بذلک: فخر ساجدا و ألزق جؤجؤه (الصدر أو مجتمع روس عظام الصدر) بالارض، و بکي، و أقبل يلوذ بأصبعه و يقول: بل عبدا لله قن داخر مرارا کثيرة ثم رفع رأسه و دموعه تسيل علي لحيته فندمت علي اخباري اياه فقلت: جعلت فداک و ما عليک أنت من ذا (أي ما يقوله الغلاة)؟ فقال: يامصدف ان عيسي عليه السلام لوسکت عما قالت النصاري فيه لکان حقا علي الله أن يصم سمعه و يعمي بصره، و لو سکت عما قال في ابوالخطاب
[ صفحه 156]
لکان حقا علي الله أن يصم سمعي و يعمي بصري».
و لذا قال عليه السلام عند ما ذکر أباالخطاب «اللهم العن أبا الخطاب فانه خوفني قائما و قاعدا و علي فراشي اللهم أذقه حر الحديد».
و قال عليه السلام تراءي و الله ابليس لابي الخطاب علي سور المدينة أو المسجد فکاني انظر اليه و هو يقول له ايها تظفر الان ايها تظفر الان [24] .
و روي عن حفص بن عمرو النخعي قال کنت جالسا عند ابي عبدالله عليه السلام فقال له رجل: جعلت فداک ان أبامنصور حدثني أنه رفع الي ربه و تمسح علي رأسه و قال له بالفارسية «يا پسر» (اي يابني). فقال له أبو عبدالله الصادق عليه السلام: حدثني ابي عن جدي أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: ان ابليس اتخذ عرشا فيما بين السماء و الارض و اتخذ زبانية کعدد الملائکة فاذا دعا رجلا فأجابه و وطي ء عقبه و تخطت اليه الاقدام (کناية عن الرئاسة للرجال)، تراءي له ابليس و رفع اليه و ان أبامنصور کان رسول ابليس لعن الله أبامنصور لعن الله أبامنصور ثلاثا.
و روي عن هشام بن الحکم عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال: ان بنانا و السري و بزيعا لعنهم الله تراءي لهم الشيطان في أحسن مايکون صورة آدمي من قرنه الي سرته. قال فقلت ان بنانا يتأول هذه الاية «و هو الذي في السماء اله و في الارض اله» ان الذي في الارض غير اله السماء و اله السماء غير اله الارض و ان اله السماء أعظم من اله الارض و أن اهل الارض يعرفون فضل اله السماء و يعظمونه فقال: و الله ما هو الا الله ما هو الا الله وحده لاشريک له اله من في السموات و اله من في الارضين.
]قال هو الامام فقال ابوعبدالله عليه السلام لا و الله لا يأويني و اياه سقف بيت ابداهم شر من اليهود و النصاري و المجوس و الذين اشرکوا و الله ما صغر عظمة الله تصغيرهم
[ صفحه 157]
شي ء قط ان عزيرا جال في صدره ما قالت فيه اليهود فمحي الله اسمه من النبوة و الله لو أن عيسي اقر بما قالت النصاري لاورثه الله صمما الي يوم القيامة و الله لو أقررت بما يقول في اهل الکوفة لا خذتني الارض و ما انا الا عبد مملوک لا أقدر علي شي ء ضر و لا نفع[ [25] کذب بنان عليه لعنة الله، لقد صغرالله جل و عزوجل و صغر عظمته.
و روي الکشي عن ابن سنان قال: قال: ابوعبدالله عليه السلام: انا أهل بين صادقون لانخلو من کذاب يکذب علينا فيسقط صدقنا بکذبه علينا عند الناس.
کان رسول الله صلي الله عليه و آله أصدق البرية لهجة و کان مسيلمة يکذب عليه.
و کان اميرالمومنين عليه السلام أصدق من برأ الله من بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و کان الذي يکذب عليه و يعمل في تکذيب صدقه بما يفتري عليه من الکذب عبدالله بن سبأ لعنةالله.
و کان ابو عبدالله الحسين بن علي عليه السلام قد ابتلي بالمختار. ثم ذکر ابوعبدالله الحارث الشامي و بنان فقال کانا يکذبان علي علي بن الحسين عليه السلام ثم ذکر المغيرة بن سعيد و بزيعا و السري و أباالخطاب و معمرا و بشارا الاشعري و حمزة الزبيدي و صائد النهدي فقال: لعنهم الله انا لانخلو من کذاب يکذب علينا أو عاجز الرأي کفانا الله مؤنة کل کذاب و أذاقهم الله حر الحديد».
و عن زرارة عن الباقر عليه السلام قال: سمعته يقول لعن الله بنان البيان و ان بنانا لعنه الله يکذب علي أبي أشهد أن ابي علي بن الحسين کان عبدأ صالحا.
و عن الصادق عليه السلام قال: لعن الله المغيرة بن سعيد انه کان يکذب علي أبي
[ صفحه 158]
فأذاقه الله حر الحديد لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في انفسنا و لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا و اليه مآبنا و معادنا و بيده نواصينا.
و عن ابي يحيي الواسطي قال قال ابي الحسن الرضا عليه السلام: کان بنان يکذب علي علي بن الحسن عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و کان المغيرة بن سعيد يکذب علي أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و کان محمد بن بشير يکذب علي ابي الحسن موسي عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و کان ابوالخطاب يکذب علي ابي عبدالله عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد و الذي يکذب علي محمد بن فرات.
و قال أبويحيي: و کان محمد بن فرات من الکتاب (أي الذين يعملون في ديوان العباسيين) فقتله ابراهيم بن شکله.
و روي عن ابن ابي يعفور قال دخلت علي ابي عبدالله عليه السلام فقال: ما فعل بزيع؟ فقلت له: فتل فقال: الحمدلله أما انه ليس لهولاء المغيرية شي ء خبرا من القتل لانهم لايتوبون أبدا.
و عن سدير الصيرفي قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: ان قوما يزعمون أنکم آلهة يتلون علينا بذالک قرآنا يا أيها الرسل کلوا من الطيبات و اعملوا صالحا اني بما تعملون عليم، قال: يا سدير سمعي و بصري و شعري و لحمي و دمي من هولاء براء برء الله منهم و رسوله ما هولاء علي ديني و دين آبائي و الله لا يجمعني و اياهم يوم القيامة الا و هو عليهم ساخط. قال: قلت: فما أنتم جعلت فداک؟
قال: خزان علم الله و تراجمة وحي الله و نحن قوم معصومون أمرالله بطاعتنا و نهي عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة علي من دون السماء و فوق الارض.
و عن المفضل بن عمر قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: اياک و السفلة انما شيعة جعفر من عف بطنه و فرجه و الشتد جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه.
[ صفحه 159]
و عن ابن المغيرة قال: کنت أبي الحسن الکاظم عليه السلام أنا و يحبي بن عبدالله بن الحسن فقال يحيي: جعلت فداک انهم يزعمون انک تعلم الغيب؟ فقال سبحان الله سبحان الله ضع يدک علي رأسي فوالله ما بقيت في جسدي شعرة و لا في رأسي الاقامت. قال ثم قال: لا والله ما هي الاوراثة عن رسول الله صلي الله عليه و آله.
و عن الصادق عليه السلام سئل عن التناسخ؟ قال: فمن نسخ الاول» اقول: شرح الحديث المحقق الفيلسوف المير داماد قدس الله روحه قال:
«قوله عليه السلام فمن نسخ الاول اشار الي برهان ابطال التناسخ علي القوانين الحکمية و الاصول البرهانية تقريره: ان القول بالتناسخ انما يستتب لو قيل بأزلية النفس المدبرة للاجساد المختلفة المتعاقبة علي التناسخ و بلاتناهي تلک الاجساد المتناسخة بالعدد في جهة الازل، کما هو المشهور من مذهب الذاهيين اليه.
و البراهين الناهضة علي استحالة اللانهاية العددية بالفعل مع تحقق الترتب و الاجماع في الوجود (اي البراهين القائمة علي ابطال التسلسل و امتداد الاشياء المعدودة التي بينها رابطة العلية و المعلولية) قائمة هناک بالقسط (أي قائمة بعينها) بحسب التعاقبي بحسب متن الواقع المعبر عنه بوعاء الزمان، أعني الدهر و ان لم يتصحح الا الحصول التعاقبي بحسب ظرف السيلان و التدريج و الفوت و اللحوق اعني الزمان.
فاذن لامحيص لسلسلة الاجساد المترتبة من مبدء متعين هو الجسد الاول في جهة الازل يستحق باستعداده المزاجي أن يتعلق به نفس مجردة تعلق التدبير و التصرف فيکون ذلک مناط حدوث فيضانها عن جود المفيض الفياض الحق جل سلطانه و اذا انکشف ذلک فقد انصرح أن کل جسد هيولاني بخصوصية مزاجه الجسماني و استحقاقه الاستعدادي يکون مستحقا لجوهر مجرد بخصوصه يد بره و يتعلق به و يتصرف فيه و يتسلطن عليه فليتثبت».
[ صفحه 160]
اقول حاصل کلامه أن بعد قيام الادلة البرهانية علي ابطال امتداد الامور المتسلسلة التي بينها علية و سببية و معلولية و مسببية فلا محالة هناک بداية و جسد أول کانت له قابلية و خصوصية يتأهل بها لافاضة الروح و النفس و خلقها متعلقة به من الله جل و جلا، و اذا کان هذا حال الجسد الاول فهذه القابلية هي بعينها موجودة في الاجساد کلها فتکون کل منها متأهلة لافاضة و خلق نفس بعدد تلک الاجساد.
و بذلک [26] تبطل نظرية التناسخ القائلة بأن ارواح الاموات تحل في الاجساد الحية الموجودة من الاطفال أو الکبار أور الحيوانات علي تفاصيل کثيرة للقائلين بهذه النظرية الباطلة فقوله عليه السلام نقض لتلک النظرية و برهان أيضا علي ابطالها.
و عن الصادق عليه السلام انه قيل له: روي عنکم أن الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجال؟ فقال: ما کان الله عزوجل ليخاطب خلقه بما لا يعلمون» و المعني أن رواية ذلک عن الائمة عليهم السلام انما هي من وضع الکذابين عليهم.
و من الغلات في وقت ابي محمد العسکري عليه السلام علي بن مسعود حسکة الحوار و تلميذه القاسم بن يقطبن الشعراني القميان و قد روي الکشي عن سهل بن زياد الادمي قال: کتب بعض اصحابنا الي أبي الحسن العسکري عليه السلام:
[ صفحه 161]
جعلت فداک يا سيدي ان علي بن حسکة يدعي انه من أوليائک و أنک انت الاول القديم و أنه بابک و نبيک أمرته أن يدعو الي ذلک و يزعم أن الصلاة الزکاة و الحج و الصوم کل ذلک معرفتک و معرفة من کان في مثل حال ابن حسکة فيما يدعي من البابية و النبوة فهو مؤمن کامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة و الصوم و الحج و ذکر جميع شرائع الدين أن معني ذلک کله ما ثبت لک و مال الناس اليه کثيرا فان رأيت أن تمن علي مواليک بجواب في ذلک تنجيهم من الهلکة.
قال فکتب عليه السلام: کذب ابن حسکة عليه لعنة الله و بحسبک اني لا أعرفه في موالي ماله لعنه الله، فوالله ما بعث محمدا و الانبياء قبله الا بالحنيفية و الصلاة و الزکاة و الصيام و الحج و الولاية، و مادعي محمد صلي الله عليه و آله الا الي الله وحده لاشريک له و کذلک نحن الاوصياء من ولده عبيدالله لا نشرک به شيئا، ان أطعناه رحمنا و ان عصيناه عذبنا مالنا علي الله من حجة بل الحجة لله عزوجل علينا و علي جميع خلقه أبرء الي الله ممن يقول ذلک و انتفي الي الله من هذا القول، فأهجروهم لعنهم الله و ألجووهم الي ضيق الطريق فان وجدت من أحد مهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر» [27] .
و من هذا القبيل الفهري و الحسن بن محمد بن بابا [28] و فارس بن حاتم القزويني و قد لعنهما أبي الحسن الهادي عليه السلام.
فروي الکشي عن سعد بن عبدالله قال: حدثني العبيدي (محمد بن عيسي) قال: کتب الي العسکري ابتداءا منه: أبرء الي الله من الفهري و الحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرء منهما فاني محذرک و جميع موالي و أني ألعنهما عليهما
[ صفحه 162]
لعنة الله، مستأکلين يأکلان بنا الناس، فتانين مؤذيبن آذاهما الله و أرکسهما في الفتنة رکسا. يزعم ابن بابا اني بعثته نبيا و أنه باب عليه لعنة الله، سخرمنه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه ذلک، يا محمد ان قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فأفعل فانه قد آذاني آذاه الله في الدنيا و الاخرة.
و روي عن محمد بن عيسي قال: قرأنا في کتاب الدهقان و خط الرجل في (القزويني) و کان کنب اليه الدهقان يخبره باضطراب الناس في هذا الامر و أن الموادعين قد أمسکوا عن بعض ما کانوا فيه لهذه العلة من الاختلاف فکتب عليه السلام کذبوه و هتکوه أبعده الله و أخزاه فهو کاذب في جميع ما يدعي و يصف، ولکن صونوا أنفسکم عن الخوض و الکلام في ذلک و توقوا مشاورته و لاتجعلوا له السبيل الي طلب الشر کفي الله مونته و مونة من کان مثله».
و روي عن أبي محمد الرازي أنه ورد منه عليه السلام کتاب فيه «و أن تجتنبوا القزويني أن تدخلوه في شي ء من أمورکم فانه قد بلغني مايموه به عند الناس فلا تلتفتوا اليه انشاء الله.
و من هذا القبيل أبوالسمهري و ابن أبي الزرقاء فقد روي الکشي عن اسحاق الانباري قال: قال لي أبو جعفر الثاني عليه السلام: مافعل أبوالسمهري لعنه الله يکذب علينا، و يزعم أنه و ابن أبي الزرقاء دعاة الينا، اشهدکم اني أتبرء الي الله عزوجل منهما انهما فتانان ملعونان الحديث».
و أما المغيرة بن سعيد العجلي الذي کان يکذب علي الباقر عليه السلام و قد تقدم شطر من حاله فقد روي الکشي في ترجمته عن الصادق عليه السلام انه قال يوما لاصحابه لعن الله المغيرة ابن سعيد و لعن يهودية کان يختلف اليها (أي يتردد بالمجي ء و الذهاب اليها) يتعلم منها السحر و الشعبذة و المخاريق.
ان المغيرة کذب علي أبي عليه السلام فسلبه الله الايمان و أن قوما کذبوا علي
[ صفحه 163]
مالهم أذاقهم الله حر الحديد فوالله ما نحن الا عبيد الذي خلقنا و اصطفانا، ما نقدر علي ضر و لا نعف و ان رحمنا فبرحمته و ان عذبنا فبذنوبنا و الله مالنا علي الله من حجة و لا معنا من الله برائة و انا اميتون و مقبورون و منشرون و مبعوثون و موقوفون و مسئولون.
ويلهم مالهم لعنهم الله فلقد آذوا الله و آذوا رسوله صلي الله عليه و آله في قبره و أميرالمومنين و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي صلوات الله عليهم و ها إناذا بين أظهرکم لحم رسول الله و جلد رسول الله، أبيت علي فراشي خائفا و جلا مرعوبا، يأمنون و أفزع و ينامون علي فرشهم و أنا خائف ساهر و جل أتقلقل بين الجبال و البراري أبرأ الي الله مما قال في الاجدع البراد عبد بني أسد أبوالخطاب لعنه الله.
و الله لوابتلو بنا و أمرناهم بذلک لکان الواجب ألا يقبلوه فکيف و هم يروني خائفا و جلا، استعدي الله عليهم و أتبرأ الي الله منهم. أشهدکم اني امرؤ ولدني رسول الله صلي الله عليه و آله و ما معي برائة من الله، و ان أطعته رحمني و ان عصيته عذبني عذابا شديدا أوأشد عذابه».
و روي عن سليمان الکناني قال قال لي أبو جعفر عليه السلام هل تدري ما مثل المغيرة؟ قال: قلت لا قال: مثله مثل بلعم قلت: و من بلعم؟ قال: الذي قال الله عزوجل «الذي آتيناه فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فکان من الغاوين».
و روي الکشي عن محد بن قولويه القمي (الشيخ الجليل و والد استاذ المفيد) قال: حدثني سعد بن عبدالله (أحد أعلام و شيوخ الطائفة مر ذکره) قال: حدثني محمد بن عيسي (العبيدي اليقطيني الثقة الجليل) عن يونس (بن عبدالرحمن من أصحاب الرضا و ثقاته) قال: سمعت رجلا من الطيارة (الغلاة) يحدث أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يونس بن ظبيان أنه قال: کنت في بعض الليالي و أنا في
[ صفحه 164]
الطواف فاذا نداء من فوق رأسي: يايونس اني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذکري فرفعت رأسي فاذا ج (کناية عن جبرئيل عليه السلام).
فغضب أبوالحسن الرضا عليه السلام غضبا لم يملک نفسه ثم قال للرجل: أخرج عني لعنک الله و لعن من حدثک و لعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة کل لعنة منها تبلغک قعر جهنم، أشهد ما ناداه الاشيطان أما أن يونس مع أبي الخطاب في أشد العذاب مقرونان، و أصحابهما الي ذلک الشيطان مع فرعون و آل فرعون في أشد العذاب، سمعت ذلک من أبي عليه السلام.
قال يونس (بن عبدالرحمن): فقام الرجل من عنده فما بلغ الباب الا عشر خطا حتي صرع مغشيا عليه و قد قاء رجيعه و حمل مينا. فقال أبوالحسن عليه السلام: أتاه ملک بيده عمود فضرب علي هامته ضربة قلب فيها مثانته حتي قاء رجيعه و عجل الله بروحه الي الهوابة و ألحقه بصاحبه الذي حدثه بيونس بن ظبيان و رأي الشيطان الذي کان يترائي له».
و في ختام هذا الفصل نذکر مارواه الکليني في باب البدع و المقائيس [29] باسناده عن الصادق عليه السلام انه قال: ان من أبغض الخلق الي الله عزوجل لرجلين:
رجل و کله الله الي نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بکلام بدعة قد لهج بالصوم و الصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من کان قبله مضل لمن اقتدي به في حياته و بعد موته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته.
و رجل قمش جهلا في جهال الناس، عان بأغباش الفتنة قدسماه أشباه الناس عالما و لم يغن فيه يوما سالما، بکر فاستکثر ما قل منه خبر مما کثر حتي اذا ارتوي من آجن و اکتنز من غير طائل.
[ صفحه 165]
جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس علي غيره و ان خالف قاضيا سبقه، لم يأمن أن ينقض حکمه من يأني بعده کفعله بمن کان قبله و ان نزلت به احدي المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنکبوت لايدري دصاب أم أخطا لايحسب العلم في شي ء مما أنکره و لا يري أن وراء مابلغ فيه مذهبا ان قاس شيئا بشي ء لم يکذب نظره و ان أظلم عليه أمر اکتتم به لما يعلم من جهل نفسه لکيلا يقال له: لا يعلم.
ثم جسر فقضي فهو مفتاح عشوات رکاب شبهات خباط جهالات لايعتذر مما لا يعلم فيسلم و لا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم تبکي منه المواريث و تصرخ منه الدماء يستحل بقضائه الفرج الحرام و يحرم بقضائه الفرج الحلال لاملي ء باصدار ما عليه ورد و لا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق».
و لنعم ما قال بعض الاجلة «ان تلک الفرق کانت تتراوح بين شکوک و أوهام عرت بعض البسطاء و انقرضت بموتهم و مطامع و شهوات صبت اليها آحاد استهوتهم النهمة و الشرة لاختلاس مال أو حيازة جاه و هولاء بين من ثوب الي الحق بعد الحصول علي غايته أو يأسه منها أو توفقه للتوبة، و من قطع معرته حمامه.
و أناس ديف اليهم السم في العسل من قبل السياسات الوقتية روما لتشتيت کلمة الامامية و محق روعتهم فاستخفهم الجهل بالغاليات مع ماجبل به الانسان من حب الفخفخة فقاموا بدعايات باطلة و استحوذوا علي نفوس خائرة القوي لکن سرعان ما قلب عليهم الدهر ظهر المجن لما تمکنت الساسة من الحصول علي ضالتهم المنشودة و لم يبق لهم في القوم مطمع فأخذوا و قتلوا تقتيلا و کانت هناک مجزرة بدعهم و اهوائهم.
[ صفحه 166]
الي غير هذه من غايات و اغراض وقتية أسفت بالنفوس الضئيلة الي هوة المذلة و اللعنة و لم يعد في الاکثر أن يکون المعتنقون لها أفرادا من ساقة الناس أو عشرات الذنابي أولمة ممن لم يقم المجتمع الديني و البشري لهم و زنا وعم الجميع أن طوتهم مع عيثهم الايام و طحنهم بکلکله الجديدان فعادوا کحديث أمس الدابر».
[ صفحه 167]
پاورقي
[1] انظرا مقدمة الکتاب المزبور ص: (د).
[2] الکافي ج1 ص54.
[3] المصدر السابق ج1 ص57.
[4] الروايات التي ننقلها في هذه الفرق جلها ذکرها الکشي في تلک الترجمة.
[5] نهج البلاغة (قصار الحکم، 117).
[6] و قيل الاجدع باجيم (2).
[7] و قيل أبا الظبيان بالنون.
[8] المقالات و الفرق ص81.
[9] الفرق للنوبختي ص34.
[10] الفرق للنوبختي ص36.
[11] المصدر السابق ص38.
[12] المصدر السابق ص43.
[13] الجوسق القصر أو الحصن.
[14] المقالات و الفرق ص34، 33 و أيضا کتاب الفرق للنوبختي.
[15] فرق الشيعة ص34.
[16] المقالات و الفرق ص32، 34: أيضا و کتاب الفرق للنوبختي.
[17] الفرق للنوبختي ص59 و 62.
[18] المصدر السابق ص43.
[19] الفرق للنوبختي ص83.
[20] الکشي في ترجمه محمد بن بشير.
[21] الفرق للنوبختي ص44.
[22] خصوص هذه الرواية ذکرها الکشي في ترجمة المغيرة بن سعيد.
[23] غلا في الامر غلوا جاوز حده قال تعالي «يا أهل الکتاب لاتغلوا في دينکم و لا تقولوا علي الله الا الحق» و منه غلاء الاسعار. و الغلاة فرق کثيرة تذهب غالبا الي وصف الائمه (ع) بصفات الالوهية و العياذ بالله و قد شدد الائمة علي شيعتهم التبري من الغلاة و تکفيرهم و البعد عنهم.
[24] قيل «و الظاهر أن ابليس قال له ذلک عندما أتي العسکري لقتله اي لاتتکلم بکلمة توبة» أو لعل ذلک في اوائل ضلاله فوعده بالظفر و الرياسة کي يدفعه في غيه بسرعة.
[25] ادراج ما بين القوسين هنا و ان کان من رواية أخري ولکنها تضمنت نفس السوال عن ذلک حيث قالت به الخطابية جماعة منهم جعفر بن واقد و نفر من اصحاب ابي الخطاب فقال عليه السلام لا و الله لا يأويني....
[26] اقول يمکن تقرير معني الحديث بنحو لا تتأتي شبهة التناسخ أيضا في المعاد الجسماني بالجسم العنصري، اذلو کان الاستعداد و القابلية موجبة لاستحقاق نفس جديدة فکيف الحال في المعاد، و التقرير بنحو يدفع تلک الشبهة أيضا هو أن الباري تعالي لما کان ذاقدرة غير محدودة و هي متعلقة بما هو ممکن اذا الجسد الاول لايمکن للخصم فرض التناسخ فيه فحينئذ الباري تعالي أيضا قادر علي خلق نفوس جديدة لبقية الاجساد هذا في الدار الاولي کما انه قادر الاخرة هذا و يمکن تتميم التقرير الاول بنحو يدفع تلک الشبهة بأن کل استعداد يستحق نفسا خاصة به و عند الاعادة لذلک البدن يحصل مسانخ الاستعداد السابق المستحق لعين تلک النفس.
[27] رجال الکشي في ترجمة ابن حسکة، و وجه هدر دم أصحاب ابن حسکة ارتدادهم عن الاسلام کما لا يخفي.
[28] و هذا کان من تلامذة ابن حسکة کما في رجال الکشي.
[29] الکافي ج1 ص54.