تفسير ما وقع من ورود کتاب من الناحية المقدسة
لعل قائل يقول: ما تفسير ما وقع من خروج کتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها علي الشيخ المفيد ابي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه و نور ضريحه.
و ما تفسير ما شاع نقله و استفاض من تشرف عدة من أساطين الفقهاء و العلماء بلقاءه عجل الله تعالي و فرجه الشريف حتي أن ثلة منهم نقل عنه عليه السلام بعض الادعية المسطورة في کتب الشيعة؟
و کيف يتفق مع ما تسالمت عليه الطائفة من انقطاع السفارة و أن «من ادعي المشاهدة قبل خرج السفياني و الصيحة فهو کاذب مفتر» کما ورد في التوقيع الذي خرج علي يد النائب الرابع.
فتفسير ذلک أنه التبس علي القائل معني السفارة و النيابة الخاصة و الوکالة
[ صفحه 127]
و البابية مع ما ذکره من الموارد و لنوضح الفرق بمثال موجود في يومنا هذا.
و هو الفرق بين سفير دولة ما و بين مواطن کاحد المواطنين لنلک الدولة قد أبلغ من قبلها بايصال رسالة ما الي جهة معينة، فالسفير للدولة له منصب دائم من قبلها بايصال و رسالة ما الي جحة معينة، فالسفير للدولة له منصب دائم من قبلها لا يصال والقيام بنيابة الدولة و تمثيلها بخلاف ذلک المواطن الذي اتفق أن أمر بايصال رسالة ما فانه لم ينصب لمقام معين و لم يجعل ممثلا دائميا.
و من ثم نقول الفرق بين الباب و السفير و بين مثل المکاتبة التي تشرف بها المفيد رضوان الله تعالي عليه:
هو أن السفير کالنواب الاربعة في الغيبة الصغري هو الذي ينصب بنحو دائم کحلقة وصل بين الشيعة و الامام و يکون علي اتصال دائم و هو بحيث يوصل من والي الحجة عليه السلام و هو يأتمر في کل صغيرة و کبيرة من أعماله و اجراءاته و تنفيذه في المهام الدينية من قبل الحجة عليه السلام و تظهر علي يديه دلائل و براهين علي النيابة الخاصة من قبل الحجة عليه السلام مع اظهار السفير سفارته لاجلاء الطائفة الامامية. و اين هذا من مثل المکاتبة المذکورة؟
و قد تقدم ذکر عدة ممن کانوا يکنبون الاسئلة و ببعثوا بها الي الحجة عليه السلام عبر النواب الاربعة في الغيبة الصغري کابي جعفر محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري المعروف بمکاتبته للحجة عبر النواب الاربعة و مع ذلک فلم يکن سفيرا و لا نائبا خاصا و لا وکيلا بالمباشرة و لا بالواسطة بل کسائر الفقهاء.
و کذلک عدة کثيرة من الفقهاء کاتبوا في الغيبة الصغري عبر النواب الاربعة أو کتب اليهم.
منهم محمد بن صالح الهمداني [1] و اسحاق بن يعقوب [2] و محمد بن
[ صفحه 128]
الصالح [3] و الحسن بن الفضل اليماني [4] و علي بن محمد الشمشاطي [5] و ابو رجاء المصري [6] و محمد بن هارون [7] و ابوالقاسم ابن ابي حليس [8] و هارون بن موسي بن الفرات و محمد بن محمد البصري و محمد بن يزداذ و محمد بن کشمرد [9] و علي بن محمد بن اسحاق الاشعري و ابراهيم بن محمد بن الفرج و غيرهم کثير جدا و مع ذلک لم يکونوا و کلاء بالمباشرة و لا بالواسطة.
هذا مع أن الشيخ المفيد کتب اليه من الحجة عليه السلام لا أنه أرسل کتابا ثم أتاه الجواب و کيف يتوهم أن الشيخ المفيد يدعي انه سفيرا مع أنه نفسه رحمه الله ذکر في (الرسائل الخمسة في الغيبة) [10] انقطاع السفارة و النواب بموت النائب الرابع في الغيبة الصغري و ذکر ذلک في کتاب الارشاد في الفصل الذي عقده للامام الثاني عشر عليه السلام و في بقية کتبه و مع أن الشيخ المفيد نفسه ذکر عن شيخه ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه «أن عندنا أن کل من أدعي الامر بعد السمري فهو کافر منمس ضال مضل» [11] .
نعم للشيخ المفيد کبقية الفقهاء العدول النيابة العامة و هي المرجعية و التي يستقي الفقيه علمه بالاحکام الشرعية من الکتاب و الاخبار المأثورة عن الرسول صلي الله عليه و آله
[ صفحه 129]
و الائمة عليهم السلام کما تقدم شرح ذلک في الامر الثالث من هذا الفصل.
هذا مع أنه يصعب الجزم بصدور هذا الکتاب من الناحية المقدسة و وروده للشيخ المفيد و ذلک لان الشيخ الطبرسي رحمه الله تفرد بذکر ذلک في کتابه (الاحتجاج) و لم يذکر طريقه و سنده الي الشيخ المفيد.
أما تفرده فلان الشيخ الطوسي و هو تلميذ الشيخ المفيد و من خواصه المقربين اليه لم يذکر ذلک في کتابه الرجال و الفهرست عند ترجمة شيخه المفيد مع انه اثني عليه بأبلغ الثناء و المدح و لو کان مثل هذا الکتاب من الناحية المقدسة لناسب ذکره في الترجمة لانه أبلغ شي ء في التعريف بمکانة شيخه، کما لم يذکر الشيخ الطوسي هذه الواقعة في بقية کتبه.
و کذلک الشيخ الجليل ابوالعباس احمد بن علي النجاشي تلميذ الشيخ المفيد لم يذکر ذلک في ترجمة شيخه في رجاله مع أن أطري عليه بأحسن الثناء.
و کذلک لم يعثر في کتب السيد المرتضي علي بن الحسين الموسوي علي ذکر لهذه الواقعة مع أن السيد يأني بشي ء من الاطراء و المدح لاستاذه الشيخ المفيد عند تصادف ذکر شيخه في کتبه.
و کذلک لم يذکر ذلک ابن ادريس الحلي في سرائره في المستطرفات في ما استطرفه من کتاب العيون و المحاسن تصنيف المفيد حيث أتي بترجمة للمفيد في البدء فيها من المدح و الثناء الجميل.
و کذلک لم يذکر ذلک العلامة الحلي في کتاب الرجال عند ترجمة الشيخ المفيد مع انه اطري عليه بالمدح الجزيل، مع أن العلامة الحلي (قده) من أعلام الطائفة في القرن السابع فهو متأخر عن الشيخ الطبرسي الذي هو من أعلام القرن السادس.
و کذلک لم يذکر ذلک تقي الدين بن داود الحلي في کتاب الرجال المعاصر
[ صفحه 130]
للعلامة الحلي و کذلک لم يذکر ذلک الشيخ أبوالفتح الکراجکي تلميذ المفيد مع أنه کرر ذکره کتابه کنز الفوائد.
نعم ذکر ابن شهر آشوب السروي رحمه الله في معالم العلماء «و لقبه بالشيخ المفيد صاحب الزمان صلوات الله عليه، و قد ذکرت سبب ذلک في مناقب آل ابي طالب». و لکن لم بعثر علي ذلک في کتابه المناقب و قد ذکر المصحح الذي أشرف علي طبع کتاب المناقب [12] «و ليعلم أن الموجود من المناقب في احوال الائمة عليهم السلام الي العسکري و لم نعثر علي احوال الحجة عليه السلام منه و لانقله من تقدمنا من سدنة الاخبار کالمجلسي (قده) و الشيخ الحر و امثالهما و ربما يتوهم انه لم يوفق لذکر احواله عليه السلام الا أنه قال في معالم العلماء في ترجمة المفيد (قده) انه لقبه بالشيخ و الظاهر انه کتبه في جملة احواله عليه السلام في هذا الباب سقط من هذا الکتاب».
و علي أية حال فابن شهر آشوب تلميذ الشيخ الطبرسي کما ذکر هو ذلک [13] فالمظنون قويا انه نقله عن الطبرسي رحمه الله، و کذلک مايحکي عن رسالة نهج العلوم ليحيي بن بطريق الحلي صاحب کتاب (العمدة في عيون صحاح الاخبار في مناقب امام الابرار) المتوفي سنة ستمائة هجرية أنه ذکر التوقيعات المذکورة الي الشيخ المفيد (قده)، فالمظنون قويا أنه نقله عن ابن شهر آشوب لانه الراوي عنه [14] أو نقله عن الشيخ الطبرسي قدس سره.
هذا مع أن ابن ادريس ذکر في کتاب السرائر في ما استطرفه من کتاب العيون و المحاسن تصنيف الشيخ المفيد أن الذي سماه بهذا اللقب علي بن عيسي الرماني عند ما أفحمه المفيد و کان في بداية نشوه العلمي لا أن هذا اللقب اشتهر به في
[ صفحه 131]
آخر عمره کما هو مقتضي تاريخ التوقيع الا أن يريد ابن شهر آشوب جري هذا اللقب علي لسانه الشريف عليه السلام و ما في ذلک من المدح للمفيد رضوان الله تعالي عليه.
و أما عدم ذکر الطريق فلان الشيخ الطبرسي لا يروي مباشرة عن المفيد بل لابد من الواسطة و لم تذکر في کلامه رفع الله مقامه.
و هو و ان ذکر في أول کتاب الاحتجاج حيث يقول «و لا نأتي في اکثر مانورده من الاخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه أو موافقه لما دلت العقول اليه أو لاشتهاره في السير و الکتب بين المخالف و المؤالف».
لکن شي ء من الاقسام الثلاثة غير متحقق لدينا.
أما الاجماع و الاتفاق فقد عرفت خلو کتب التراجم و الرجال المصنفة ممن هو أقرب زمنا من الشيخ الطبرسي من ذلک و من ذلک لايتحقق لدينا وجود الشهرة أيضا في تلک الاعصار [15] .
و أما الموافقة للدليل العقلي فلا دليل عقلي في البين علي وقوع ذلک.
نعم الشيخ الطبرسي لامحاله قد تحقق لديه أحدها و لکن لم يتحقق لدينا کما عرفت و هنا اشکال آخر ذکره السيد المحقق الخوئي (دام بقاه) في المعجم [16] بقوله «هب أن الشيخ المفيد جزم بقرائن أن التوقيع صدر من الناحية المقدسة و لکن کيف يمکننا الجزم بصدوره من تلک الناحية».
و وجه هذا الاشکال أن المفيد قدس سره ليس سفيرا خاصا و بابا للحجة عليه السلام کي يجزم بما قد جزم به المفيد انه من الناحية اذ قد لايحصل الجزم من تلک القرائن فيما لو علمنا بها.
[ صفحه 132]
و هذا بخلاف الحال في السفير و الباب الخاص باحجة عليه السلام فانه مقتضي سفارته حجية قوله فيما يؤديه عن الحجة من دون احتمال الخطأ و الغفلة کما ورد في قول الامام العسکري عليه السلام عند تنصيصه علي نيابة العمري و ابنه «العمري و ابنه ثقتان فما أديا اليک عني فعني يؤديان ما قالا لک فعني يقولان» «فأقبلوا من عثمان (النائب الاول العمري) ما يقوله و انتهوا الي أمره و اقبلوا قوله فهو خليفة امامکم و الامر اليه» [17] .
و من ذلک کله يظهر لک تفسير تشرف عدة من أکابر العلماء و الفقهاء و الاتقياء بلقاء الحجة (عج) و سعادتهم بجمال محضره الشريف، فان ذلک ليس يعني سفارتهم و بابيتهم و أنهم منصوبين لذلک.
بل ان ذلک نتيجة الطهارة من الذنوب و من النزعات الشيطانية و الحبوانية اذ قد ورد في بعض الروايات [18] أن الحاجب بيننا و بين نور مطلعه الباهر عليه افضل صلوات الملک القادر هي ذنوبنا و سيئات أعمالنا، و قد ذکر الصدوق في اکمال الدين عدة کثيرة ممن تشرف بلقاءه عليه السلام في الغيبة الصغري فترة النواب الاربعة و لم تکن تلک العدة التي تشرفت بلغاءه عليه السلام سفراء و نواب.
و أما توافق ذلک مع ما خرج من التوقيع علي يد علي بن محمد السمري النائب الرابع و الاخير «من أدعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو کاذب مفتر».
فلان معني التوقيع المبارک کما هو الراجح لدي العلماء هو ادعاء النيابة الخاصة و السفارة بقرينة أن التوقيع صدر قرب وفاة السمري حيث أن في أوله تعزية
[ صفحه 133]
الامام عليه السلام المؤمنين بموت السمري ما بينه و بين ستة أيام ثم أمره عليه السلام السمري بعدم الوصاية الي أحد يقوم مقامه بعد وفاته اذ قد وقعت الغيبة التامة و انه لاظهور حتي يأذن الله تعالي ذکره و هذه کلها قرائن أن سياق الکلام دال علي تکذيب ادعاء النيابة و السفارة بعد السمري رضوان الله تعالي عليه.
و نص التوقيع کما ذکره الشيخ في الغيبة [19] قال و اخبرنا جماعة (و هم مشايخه) عن ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (الصدوق) قال حدثني ابو محمد الحسين بن احمد المکتب (الذي ترحم عليه الصدوق في اکمال الدين) قال کنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ ابوالحسن علي بن محمد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج الي الناس توقيعا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم: ياعلي بن محمد السمري أعظم الله أجر اخوانک فيک فانک ميت ما بينک و بين شتة أيام فاحمع أمرک و لاتوص الي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بعد اذن الله -تعالي ذکره- و ذلک بعد طول الامد و قسوة القلوب و امتلاء الارض جورا و سيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة الا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو کاذب مفتر و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم».
و قد أنبا عليه السلام شيعته بمجيي ء المدعين الکذابين المفترين و قد حصل مجيئهم کرات و مرات و لازال في يومنا هذا، و هذا الانباء بالمستقبل من معجزاته عليه السلام.
و واضح أن من يدعي المشاهدة للحجة عليه السلام ليس غرضه الا اظهار نفسه کوسيط و سفير للحجة عليه السلام و هذه قرينة أخري علي أن المعني المراد في التوقيع المبارک هو ادعاء النيابة و السفارة.
[ صفحه 134]
پاورقي
[1] اکمال الدين ص483.
[2] المصدر السابق.
[3] المصدر السابق ص489.
[4] المصدر السابق 490.
[5] المصدر السابق ص491.
[6] المصدر السابق ص491.
[7] المصدر السابق ص492.
[8] المصدر السابق ص493.
[9] المصدر السابق ص494.
[10] و قد تقدم نقل کلامه.
[11] راجع کتاب الغيبة للشيخ الطوسي تليمذ الشيخ المفيد ص255.
[12] المناقب ج4 ص446، و الي ذلک اشار الميرزا النوري (قده) في خاتمة المستدرک في ترجمة المفيد (رض).
[13] معالم العلماء ص25.
[14] الذريعة الي تصانيف الشيعة ج15 ص334.
[15] نعم حکي صاحب لؤلؤة البحرين (قده) ص367 عن ابن بطريق الحلي قده في رسالة نهج العلوم أن التواقيع ترويها کافة الشيعة و تتلقاها بالقبول فلاحظ.
[16] ج17 ص209.
[17] الغيبة للشيخ الطوسي ص216.
[18] مثل الرواية التي اخرجها الطبري في (دلائل الامامة) من مشاهدة ابن مهزيار له (ع) ص297 عند قوله (ع): فما الذي أبطأبک علينا؟.
[19] ص242.