بازگشت

ان الرؤيا ليست مصدرا للتشريع


ان الرويا ليست مصدرا للتشريع الا للانبياء و الرسل خاصة.

قال تعالي «قال يا بني اني أري في المنام دني أذبحک» [1] .

روي السيد البحراني في تفسيره عن الصدوق بسنده عن الحسن به علي بن فضال قال سألت ابا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام عن معني قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنا ابن الذبيحين قال: يعني اسماعيل بن ابراهيم عليهماالسلام و عبدالله بن عبدالمطلب أما اسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالي به ابراهيم عليه السلام فلما بلغ معه السعي قال و هو لما عمل مثله عمله «قال با بني اني أري في المنام اني أذبحک فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تومر» و لم يقل له يا أبت افعل ما رأيت الحديث» [2] .

و بهذا المضمون عدة روايات



[ صفحه 69]



و قال تعالي «بل يريد کل امري ء منهم أن يوتي صحفا منشرة» (المدثر، 53) أي يريد کل واحد من هولاء الذين لم يؤمنوا أن يکون رسولا يوحي اليه أو لعله تفسير لقوله تعالي «و قالوا لن نؤمن لک حتي..... أو ترقي في السماء و لن نومن لرقيک حتي تنزل علينا کتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل کنت الا بشرا رسولا» (الاسراء: 94).

و روي الکليني بسنده عن زرارة قال: سألت أباجعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل «و کان رسولا نبيا» ما الرسول و ما النبي؟ قال: النبي الذي يري في منامه و يسمع الصوت و لا يعاين الملک و الرسول الذي يسمع الصوت و يري في المنام و يعاين الملک قلت الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت و لايري و لايعاين الملک ثم تلا هذه الاية: و ما أرسلنا من قبلک من رسول و لا نبي و لامحدث» [3] .

و روي أيضا بسنده عن الحسن بن العباس المعروفي انه کتب الي الرضا عليه السلام جعلت فداک أخبرني ما الفرق بين الرسول و النبي و الامام؟ قال: فکتب أو قال: الفرق بين الرسول و النبي و الامام أن الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه و يسمع کلامه و ينزل عليه الوحي و ربما رأي في منامه نحو رؤيا ابراهيم عليه السلام و النبي ربما سمع الکلام و ربما رأي الشخص و لم يسمع و الامام هو



[ صفحه 70]



الذي يسمع الکلام و لايري الشخص» [4] [5] .

و بهذا المضمون عدة روايات اخري.

و روي المجلسي عن امالي الشيخ الطوسي بسنده عن اميرالمومنين عليه السلام قال: رويا الانبياء وحي» [6] .



[ صفحه 71]



و اذا لم تکن الرويا قناة شرعية للامام المعصوم فماظنک بغير المعصوم.

و روي الکليني بسنده عن ابن اذينة عن ابي عبدالله (الصادق) عليه السلام قال: قال: ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداک فيما ذا؟ فقال: في أذانهم و رکوعهم و سجودهم فقلت: انهم يقولون: ان ابي بن کعب رآه في النوم فقال: کذبوا فان دين الله عزوجل أعز من أن يري في النوم قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداک فأحدث لنا من ذلک ذکرا فقال ابوعبدالله عليه السلام: ان الله عزوجل لما عرج بنبيه صلي الله عليه و آله و سلم الي سماواته السبع الحديث [7] ثم ذکر عليه السلام تفصيل ذلک.

و قال العلامة المجلسي (قده) «قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق عليه السلام في حديث الاذان أن دين الله تبارک و تعالي أعز من أن يري في النوم» و قال: المراد انه لا يثبت أصل شرعية الاحکام بالنوم با انما بالوحي الجلي» [8] .

و قد اتضح أن المقصود من أن الرويا ليست مصدر للشريعة الا للانبياء خاصة أن الرويا المشتملة علي الامر و النهي هي أحد أقسام الوحي الالهي للانبياء و من المعلوم أنه مخصوص بمن ينبأ من الله عزوجل.

أما الرؤيا الصادقة المشتملة علي حکاية وقائع مستقبلية أي التي يکون مضمونها الاخبار -بخلاف الرؤيا الاولي التي يکون مضمونها الا نشاء التشريعي الالهي- فهذه أيضا تحصل للانبياء و الرسل و هي تکون صادقة دائما لديهم.

قال تعالي: «اذ قال يوسف لابيه يا أبت اني رأيت أحد عشر کوکبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لاتقصص روياک علي اخوتک» الاية [9] و هذه التي فيها التأويل و التعبير.



[ صفحه 72]



قال تعالي علي لسان يعقوب عليه السلام مخاطبا يوسف عليه السلام «و کذلک يجتبيک ربک و يعلمک من تأويل الاحاديث» [10] .

و قال تعالي «و ما جعلنا الرؤيا التي أريناک الا فتنة للناس» [11] .

و قال: «لقد صدق الله رسوله الرويا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين» الاية [12] .

حيث رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذلک عام الحديبية و هي سنة الست من الهجرة و صدقت العام الذي بعده.

هذا و قد بحث علماء الکلام (و هو العلم الباحث عن اصول العقائد) عن طريق معرفة النبي أنه مبعوث و اطمئنانه بذلک و عن کيفية العصمة في الوحي و تلقيه و مجمل الادلة علي ضرورتة تأييد الانبياء و حفظهم و عصمتهم و في نهج البلاغة عن اميرالمومنين انه قال: و قد قرن الله به صلي الله عليه و آله و سلم من لدن ان کان فطيما أعظم ملک من ملائکته يسلک به طريق المکارم و محاسن اخلاق العالم ليله و نهاره».

و استفاضت الروايات بانه صلي الله عليه و آله و سلم لم يزل مويدا بروح القدس يکلمه و يسمع صوته و يري الرويا الصادقة حتي بعثه الله نبيا و رسولا.

و قد سأل أصحاب الائمة عن دلک فعن زرارة بن اعين قال قلت: لابي عبدالله عليه السلام کيف لم يخف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيما يأتيه من قبل الله أن يکون مما ينزغ به الشيطان؟ فقال: ان الله اذا اتخذ عبدا رسولا انزل عليه السکينة و الوقار



[ صفحه 73]



فکان الذي يأنيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه» [13] .

و روي الکليني بسنده عن يريد انه سئل ابي جعفر (الباقر) و ابي عبدالله (الصادق) عليهماالسلام قال: قلت: فما الرسول و النبي و المحدث؟ قال: الرسول الذي يظهر له الملک نيکلمه و النبي هو الذي يري في منامه و ربما اجتمعت النبوة و الرسالة لواحد و المحدث الذي يسمع الصوت و لا يري الصورة قال: قلت أصلحک الله کيف يعلم أن الذي رأي في النوم حق و انه من الملک؟ قال: يوفق حتي يعرفه لقد ختم الله بکتابکم الکتب و ختم نبيکم الانبياء» [14] .

و هذا مايشير اليه قوله تعالي «و بالحق أنزلناه و بالحق نزل» [15] فالوحي انزال حق و معصوم و في تلقي الرسول اياه حق و معصوم و قال عز من قائل «و ما تنزلت به الشياطين و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون» [16] .

اذا تنبهت الي مجمل ماسبق يتضح لک أن غير المعصوم من سائر الناس ليس له أي حظ من الرويا من النحو الاول و هي مايکون فيها انشاء أي أوامر و نواهي للهية و نحوها من الاحکام الشرعية و ان توهم ذلک متوهم فليستيقن بأن ذلک من الشياطين و قد أشار القرآن الکريم الي عدة من افعال الشياطين.



[ صفحه 74]



(فمنها) الهمز کما في قوله تعالي «و قل رب اعوذبک من همزات الشياطين» [17] .

(و منها) النزول علي الافاک (اي الکذاب المفتري) الاثم کمافي قوله تعالي «هل انبئم علي من تنزل الشياطين تنزلت علي کل أفاک أثيم» الشعراء (221).

(و منها) الاستهواء کمافي قوله تعالي»کالذي استهوته الشياطين في الارض حيران» الانعام (71).

(و منها) النزغ کمافي قوله تعالي «و اما ينزغنک من الشيطان نزع فاستعذ بالله» الاعراف (200).

(و منها) المس کمافي قله تعالي «ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذکروا» الاعراف (201).

(و منها) الاز کمافي قوله تعالي «ألم تري انا أرسلنا الشياطين علي الکافرين نوزهم أزا» مريم (83).

(و منها) الالقاء کمافي قوله تعالي «ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض» الحج (52).

(و منها) الايحاء کمافي قوله تعالي «و ان الشياطين ليوحون الي أوليائهم ليجادلوکم ان اطعتموهم فانکم منهم» الانعام (121) و غير ذلک کثير في الايات.

و عن الباقر عليه السلام قال: لماترون من بعثه الله عزوجل للشقاء علي أهل الضلالة من أجناد الشياطين و أرواحهم أکثر مما ترون مع خليفة الله الذي بعثه للعدل و الصواب للملائکة قيل يا اباجعفر و کيف يکون شي ء أکثر من الملائکة قال: کما يشاء لله عزوجل قال السائل يا اباجعفر اني لوحدثت بعض أصحابنا الشيعة بهذا الحديث لانکروه قال: کيف ينکرونه قال يقولون ان الملائکة أکثر من الشياطين قال صدقت انهم عني ما أقول لک انه ليس من يوم و لا ليلة الا و جميع



[ صفحه 75]



الجن و الشياطين تزور ائمة الضلالة و تزور ائمة الهدي عددعم من الملائکة حتي اذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائکة الي ولي الامر قيض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافک و الکذب حتي لعله يصبح فيقول رأيت کذا و کذا فلوسئل ولي الامر عن ذلک لقال رأيت شيطانا أخبرک بکذا و کذا حتي يفسر له تفسيرا و يعلمه الضلالة التي هو عليها» [18] .

و الهمز کالعصر و النزغ الجذب للشي ء من مقره و المس کاللمس و الاز کالهز و هذه الافعال توردها الشياطين في القلوب بتوسط الخواطر و الواردات و الميول و التجاذب النفسي.

و عن کتاب مجالس الصدوق بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: ان لابليس شيطانا يقال له «هزع» يملا المشرق و المغرب في کل ليلة يأتي الناس في المنام، و لهذا يري الاضعاث» [19] .

نعم الرؤيا من القسم الثاني و هي المتضمنة للاخبار و الحکاية عن الوقائع المستقبلة فلغير المعصوم حظ يسير منها بحسب تقواه و صدق حديثه و لسانه و صفاء قلبه فعن الصدوق (علي بن بابويه) بسند عن الکاظم عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله الرؤيا ثلاثة: بشري من الله و تحزين من الشياطين و الذي يحدث به الانسان نفسه فيراه في منامه و قال صلي الله عليه و آله: الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان» [20] .

و لا تخفي دلالة الرواية علي أن الرؤيا الصادقة التي هي نصيب غير المعصوم هي ما تکون بشري أي حاکية و مخبرة اي من القسم الثاني لا الاول و هي المتضمنة للانشاء و التشريع.



[ صفحه 76]



و مثل ذلک مفاد الرواية عن الباقر عليه السلام عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: أتي رجل من أهل البادية رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله «الذين آمنوا و کانوا يتقون لهم البشري في الحياة الدنيا و في الاخرة» فهي الرؤيا الحسنة تري للمؤمن فيبشر بها في دنياه و أما قوله «و في الاخرة فانها بشارة المؤمن عند الموت أن الله غفر لک و لمن يحملک الي قبرک» [21] .

و روي الکليني بسنده عن ابي الحسن عليه السلام قال: ان الاحلام لم تکن في ما مضي في اول الخلق و انما حدثت فقلت و ما العلة في ذلک؟ فقال: ان الله عز ذکره بعث رسولا الي اهل زمانه قدعاهم الي عبادة الله و طاعته فقالوا: ان فعلنا ذلک فما لنا؟ فوالله ما أنت بأکثرنا مالا و لا بأعزنا عشيرة فقال: ان اطعتموني ادخلکم الله الجنة و ان عصيتموني أدخلکم الله النار فقالوا: و ما الجنة و ما النار؟ فوصف لهم ذلک فقالوا متي نصير الي ذلک فقال: اذا متم فقالوا لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا، فازدادوا له تکذيبا وبه استخفافا فأحدث الله عزوجل فيهم الاحلام فأتوه فأخبروه بمارأوا و ما أنکروا من ذلک فقال: ان الله عز ذکره أراد أن يحتج عليکم بهذا، هکذا تکون أرواحکم اذا متم و ان بليت أبدانکم تصير الارواح الي عقاب حتي تبعث الابدان [22] .

و اذا عرفت أن الرويا التي هي من نحو الاخبار علي ثلاثة أقسام صادقة و کاذبة و تخيلات يتضح لک عدم دوام الصدق فيها ففي کتاب التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي قال له الامام الصادق عليه السلام: فکر يا مفضل في الاحلام کيف دبر الامر فيها، فمزج صادقها بکاذبها فانها لو کانت کلها تصدق لکان الناس کلهم انبياء



[ صفحه 77]



و لو کانت تکذب لم يکن فيها منفعة، بک کانت فضلا لا معني له، فصارت تصدق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحه يهتدي لها، أو مضرة يتحذر منا، و تکذب کثيرا لئلا يعتمد عليها کل الاعتماد» [23] .

و عن کتاب بصائر الدرجات في قصة الحسن بن عبدالله الرافقي (الواقفي) الزاهد العابد حيث کان يلقاه السلطان فيستقبله بالکلام الصعب يعظه و يأمره بالمعروف و کان يحتمله لصلاحه فلم يزل حاله حتي اهتدي للمعرفة علي يد الامام الکاظم عليه السلام في لقاآت متعددة و کان يري الرؤيا الحسنة و تري له ثم انقطعت عنه الرؤيا فرأي ليلة أباعبدالله عليه السلام فيما يري النائم فشکي اليه انقطاع الرؤيا، فقال: لا تغتم فان المؤمن اذا رسخ في الايمان رفع عنه الرويا» [24] و لعل ذلک مراد ما حکاه الشيخ المفيد قال «و قد کان شيخي -رضي الله عنه- قال لي- ان کل من کثر علمه و أتسع فهمه قلت مناماته» [25] .

و عن کتاب ثواب الاعمال للصدوق (قده) بسنده عن هشام بن أحمد و عبدالله ابن مسکان و محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة من الحيوان حتي ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها، و الذي يکذب في منامه يعذب حتي يعقد بين شعيرتين و ليس بعقدهما، و المستمع من قوم و هم له کارهون يصب في اذنيه الانک و هو الاسرب (الرصاص)-» [26] .

و بعد هذا کله لعل قائل يقول: أليس قد روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لايتمثل في صورتي و لافي صورة أحد



[ صفحه 78]



من أوصيائي و لافي صورة أحد من شيعتهم» و حينئذ کانت رؤيا الرسول صلي الله عليه و آله أو أحد من اوصيائه صادقة لامحالة و هي لايفرق فيها بين ان تکون من القسم الاول و هي ما کان فيها أمرونهي أو من القسم الثاني و هي الاخبار عن ما يستقبل من الامور.

و هذه المقاله و هم فاسد لجهات عدة:

(الاولي): أن أکثر ما روي عن الرسول صلي الله عليه و آله من رآني في منامه فقد رآني فهو بطرق العامة لابطرق الخاصة الامامية و أما ما روي بطريق الخاصة فالمرحوم العلامة المجلسي علي سعة باعه و توغله في الرواية لم يذکر في کتاب البحار في باب روية النبي صلي الله عليه و آله و الاوصياء عليهم السلام الارواية واحدة بهذا المضمون ثم ذکر انه روي المخالفون (أهل السنة) ذلک بأسانيد عندهم و لذا قال السيد المرتضي رضوان الله تعالي عليه عند ما سئل عن هذا الخبر «هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الاحاد و لامعول علي مثل ذلک» [27] .

و هي ليست علي درجة من الاعتبار و بعبارة أخري أن حجية الرواية يشترط فيها أمور منها ما يتعلق باسند و الطريق و هو الاشخاص الذين ينقل کل منهم عن الاخر حتي يصل الي المعصوم عليه السلام فأنهم لابد أن يکونوا عدولا أو ثقاتا قد أطمئن الي صدق لهجتهم فلا يقبل من غير العادل و الثقة قال تعالي «اذا جاءکم فاسق بنيأفتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين» [28] و کذلک مجهول الحال فانه لايمکن الاعتماد فليه في النقل و الحاديث.

(الثانية): أن هذه المسألة و هي کون الرويا مصدرا لاستقاء أحکام الشريعة من سلک مسائل الاصول الاعتقادية فکيف يعول فيها علي خبر واحد ظني اذلا بدفيها من



[ صفحه 79]



اليقين و القطع و لذلک قال العلامة المجلسي تغمده الله برحمته «أن الظاهر أن هذا من مسائل الاصول و لابد فيه من العلم و لا يثبت بأخبار الاحاد المفيدة للظن» [29] .

(الثالثة): لو فرضنا اعتبار طريق الرواية و فرضنا امکان اثبات مثل هذه المسألة بخبر واحد ظني فان ذلک يتم لو کنا تحن و الرواية علي تقدير صحة هذه الاستفادة من معني الروية، و أما مع ما تقدم من الايات القرآنية و السنة المستفيضة المتواترة معني في أن الرويا المتضمنة للامر و النهي من خصائص الانبياء و المرسلين فلا يمکن الاعتماد علي هذه الاستفادة من الرواية و لا يرفع اليد عن الدليل القطعي بخبر واحد و لابوسوس في ذلک الا من ليس يتحرج في دينه و من لاير کن الي أوليات عقله و فطرته.

(الرابعة):

توجد روايتان معتبرتان بل أکثر تدل بالخصوص علي عدم صحة ان من رآهم في المنام مطلقا و دوما فقد رآهم عليهم السلام، فقد روي الشيخ الجليل الکشي رحمه الله في کتابه معرفة الرجال عن جبريل بن احمد انه حدثه محمد به عيسي (العبيدي اليقطيني) عن علي بن الحکم عن حماد بن عثمان عن زرارة قال قال ابوعبدالله (الصادق) عليه السلام أخبرني عن حمزة [30] ايزعم ان ابي آتيه قلت: نعم قال: کذب و الله مايأنيه الا المتکون، ان ابليس سلط شيطانا يقال له المتکون يأتي الناس في أي صورة شاء، ان شاء في صورة صغيرة و ان شاء في صورة کبيرة و لا و الله ما يستطيع أن يجي ء في صورة ابي عليه السلام» [31] .



[ صفحه 80]



و روي عن سعد بن عبدالله الاشعري قال حدثني احمد بن محمد (بن عيسي الاشعري) عن ابيه و الحسين بن سعيد (الاهوازي) عن ابن ابي عمير عن محمد بن عمر بن أذينة عن بريد به معاوية العجلي و بطريق آخر عن سعد به عبدالله قال حدثني محمد بن عيسي (العبيدي) عن يونس بن عبدالرحمن و محمدبن ابي عمير عن محمد به عمر بن أذينة عن بريد بن معاوية العجلي قال: کان حمزة بن عمارة الزبيدي (البربري) لعنه الله يقول لاصحابه أن اباجعفر (الباقر) عليه السلام بأتيني في کل ليلة و لايزال انسان بزعم أنه قد أراه اياه فقدر لي أني لقيت أبا جعفر عليه السلام فحدثته بما يقول حمزة، فقال: کذب عليه لعنة الله مايقدر الشيطان أن يتمثل في صورة نبي و لا وصي نبي» [32] .

و هاتان الروايتان و ان کان يحتمل منهما الروبة في اليقظية و لکن ذلک لايخدش في المطلوب و هو عدم دوام المطابقة بين ما يعتقده الرائي سواء في المنام أو اليقظة انه قد رأي الائمة مع الواقع و الحقيقة و ذلک لتلبيس و خداع الشيطان للرائي و تشکل الشيطان (الذي يسمي المتکون) بصور مختلفة يغري الرائي أن تلک الصورهم الائمة عليهم السلام مع أن تلک الصور ليست بصورهم عليهم السلام لانه لايستطيع التمثل و التشکل بصورهم عليهم السلام و ستأتي في الفصل اللاحق نقل عدة روايات بهدا المضمون.

(الخامسة):

لورفعنا اليد فرضا عن ما سبق فانما يتبع ما يري في الشي ء الذي علم من الشريعة المقدسة صحته أي کان المرئي موافق لظاهر الشريعة لا ما کان مخالفا لها و ذلک لکون منشا و دليل حجية الروبة هي الرواية التي هي واصلة لنا من الشريعة فکيف تعارض الشريعة و هل يمکن للفرع أن يستأصل و يبيد الاصل.



[ صفحه 81]



قال الکراجکي رحمه الله في کتابه کنز الفوائد: وجدت لشيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض کتبه.

«أن الکلام في باب رويا المنامات عزيز و تهاون أهل النظر به شديد و البلية بذلک عظيمة و صدق القول فيه أصل جليل -الي أن قال- و أما رؤية الانسان للنبي صلي الله عليه و آله أو لاحد الائمة عليهم السلام في المنام فان ذلک عندي علي ثلاثة اقسام:

قسم اقطع علي صحته و قسم اقطع علي بطلانه و قسم أجوز فيه الصحة و البطلان فلا اقطع فيه علي حال.

فأما الذي أقطع علي صحته فهو کل منام رأي فيه النبي صلي الله عليه و آله أو أحد الائمة عليهم السلام و هو الفاعل لطاعة أو آمربها، و ناه عن معصية أو مبين لقبحها و قائل لحق أو داع اليه، و زاجر عن باطل أوذام لمن هو عليه.

و أما الذي أقطع علي بطلانه فهو کل ما کان ضد ذلک، لعلمنا أن النبي صلي الله عليه و آله و الامام عليه السلام صاحبا حق، و صاحب الحق بعيد عن الباطل.

و أما الذي أجوز فيه الصحة و البطلان فهو المنام الذي يري فيه النبي و الامام عليهماالسلام و ليس هو آمرا و لاناهيا و لاعلي حال يختص بالديانات [33] مثل ان يراه راکبا أو ماشيا أو جالسا و نحو ذلک.

و أما الخبر الذي يروي عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله «من رآني فقد رآني، فان الشيطان لايتشبه بي» فانه اذا کان المراد به المنام يحمل علي التخصيص دون أن يکون في کل حال و يکون المراد به القسم الاول من الثلاثة الاقسام لان الشيطان لايتشبه بالنبي صلي الله عليه و آله في شي ء من الحق و الطاعات.

(الي ان قال) و جميع هذه الروايات أخبار آحادفان سلمت فعلي هذا المنهاج



[ صفحه 82]



و قد کان شيخي -رحمه الله- يقول:

اذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه اله کفرعون و من جري مجراه مع قلة حياة البشر و زوال اللبس في اليقظة فما المانع من أن يدعي ابليس عندالنائم بوسوسة أنه نبي؟ مع تمکن ابليس مما لايتمکن منه البشر و کثرة اللبس المعترض في المنام.

و مما يوضح لک أن من المنامات التي يتخيل للانسان انه قد رأي فيها رسول الله و الائمة منها ما هو حق و منها ما هو باطل انک تري الشيعي يقول رأيت في المنام رسول الله صلي الله عليه و آله و معه أميرالمومنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو يأمرني بالاقتداء به دون غيره، و يعلمني أنه خليفته من بعده و أن أبابکر و عمر و عثمان ظالموه و دعداوه و ينهاني عن موالاتهم و يأمرني بالبراءة منهم و نحو ذلک مما يختص بمذهب الشيعة، ثم يري الناصبي يقول: رأيت رسول الله في النوم و معه أبوبکر و عمر و عثمان و هو يأمرني بمحبتهم و ينهاني عن بغضهم و يعلمني أنهم أصحابه في الدنيا و الاخرة، و أنهم معه في الجنة و نحو ذلک ممايختص بمذهب الناصبية فنعلم لامحالة أن أحد المنامين حق و الاخر باطل فأولي الاشياء أن يکون الحق منهما ما ثبت الدليل في اليقظة علي صحة ما تضمنه، و الباطل ما أو ضحت الحجة عن فساده و بطلانه و ليس يمکن الشيعي أن يقول للناصبي انک کذبت في قولک: انک رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله لانه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه.

و قد شاهدنا ناصبيا يتشيع و أخبرنا في حال تشيعه بأنه يري منامات بالضد مما کان يراه في حال نصبه فبان بذلک أن أحد المنامين باطل و أنه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة ابليس و نحو ذلک، و ان المنام الصحيح هو لطف من الله تعالي بعبده علي المعني المتقدم وصفه.

و قولنا في المنام الصحيح ان الانسان رأي في نومه النبي صلي الله عليه و آله انما معناه



[ صفحه 83]



أنه کأن قد رآه و ليس المراد به التحقق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي صلي الله عليه و آله، و أي بصر يدرک به في حال نومه؟ و انما هي معاني تصورت و في نفسه تخيل له فيها أمر لطف الله تعالي له به قام مقام العلم و ليس هذا بمناف للخبر الذي روي من قوله (من رآني فقد رآني) لان معناه: فکأنما رآني و ليس يغلط في هذا المکان الا من ليس له من عقله اعتبار» [34] .

و لهذا بحث الکثير في علم ما اصطلح عليه «بالعرفان» عن الفارق بين الالهام الرحماني والالهام الشيطاني و بين الکشف الحقيقي و الکشف الکاذب غير الحقيقي و بين الواردان الرحمانيه و الملکية و الواردات القلبية الشيطانية و الجنية.

فقد ذکر الشارح القيصري في شرحه علي (فصوص الحکم) لان العربي في الفصل السادس و السابع من الفصول التي ذکرها في المقدمة.

قال «و کما أن النوم ينقسم بأضغاث أحلام و غيرها کذلک مايري في اليقظة ينقسم الي أمور حقيقة محضة واقعة في نفس الامر والي أمور خيالة صرفة لا حقيقة لها شيطانية و قد يخلطها الشيطان بيسير من الامور الحقيقة ليضل الرائي، لذلک يحتاج السالک الي مرشد يرشده و ينجيه من المهالک و الاول اما أن يتعلق بالحوادث أولا.

فان کان متعلقا بها فعند وقوعها کما شاهدها أو علي سبيل التعبير و عدم وقوعها يحصل التمييز بينهما و بين الخيالية الصرفة و عبور الحقيقة عن صورتها الاصلية انما هو للمناسبات التي بين الصور الظاهرة هي فيها و بين الحقيقة و لظهورها فيها أسباب کلها راجعة الي أحوال الرائي و تفصيله يودي الي التطويل.

و اما اذا لم يکن کذلک (أي الرويا غير الاخبارية بالمستقبليات) فللفرق بينها



[ صفحه 84]



و بين الخيالية الصرفة موازين يعرفها أرباب الذوق و الشهود بحسب مکاشفاتهم کما لن للحکماء ميزانا يفرق بين الصواب و الخطا و هو المنطق.

(منها) ما هو ميزان عام و هو القرآن و الحديث المنبي ء کل منهما علي الکشف التام المحمدي صلي الله عليه و آله.

(و منها) ما هو خاص و هو مايتعلق بحل کل منهم الفايض عليه من الاسم الحاکم و الصفة العالية عليه و سنومي في الفصل التالي (أي السابع) بعض مايعرف به اجمالا» [35] .

أقول: فتري أن الميزان عندهم لکون ما يرد علي القلب و ما ينکشف له -سواء بالروية في المنام أو في اليقظة أو بغير الروية من الالهام القلبي و غيره- الميزان بين الحق و الحقيقي منه و بين الباطل و الشيطاني و الخيالي الذي لاواقعية له هو القرآن الکريم و السنة المطهرة.

وقد برهن الشارح القيصري علي ذلک بحسب مصطلح علم العرفان بقوله في الفصل السابع.

و لما کان کل من الکشف الصوري و المعنوي علي حسب استعداد السالک و مناسبات روحه و توجه سره الي کل من أنواع الکشف و کانت الاستعدادات متفاوتة و المناسبات متکثرة صارت مقامات الکشف متفاوتة بحيث لايکاد ينضبط و أصح المکاشفات و أتمها انما يحصل لمن يکون مزاجه الروحاني أقرب الي الاعتدال التام کأرواح الانبياء و الکمل من الاولياء صلوات الله عليهم» [36] .

و لذا تقرر عندهم أن کل کشف فهو يعرض علي کشف الانبياء و الرسل صلي الله عليه و آله فان وافقه فيعلم صحته و الا فيعلم فساده، و أن الکشف المعصوم من الباطل هو



[ صفحه 85]



کشف الانبياء المتجلي في الکتب السماوية التي يبعثون بها و کذلک أقوالهم و أفعالهم.

و ذکر أيضا السيد حيدر بن علي الحسيني الاملي -و الذي وصفه القاضي النستري في (مجالس المؤمنين) بالعارف المحقق الاوحد من أصحابنا الامامية المتألهين- [37] (في کتابه جامع الاسرار و منبع الانوار).

«و أما الالهام فيکون بسبب و غير سبب و يکون حقيقيا و غير حقيقي فالذي يکون بالسبب و يکون حقيقيا فهو بتسوية النفس و تحليتها و تهذيبها بالاخلاق المرضية و الاوصاف الحميدة موافقا للشرع و مطابقا للاسلام لقوله تعالي «و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها» و الذي يکون بغير السبب و يکون غير حقيقي فهو يکون لخواص النفوس و اقتضاء الولادة و البلدان کما يحصل للبراهمة و الکشايش (القساوسة) و الرهبان.

و التمييز بين هذين الالهامين محتاج الي ميزان الهي و محک رباني، و هو نظر الکامل المحقق و الامام المعصوم و النبي المرسل المطلع علي بواطن الاشياء علي ما هي عليه و استعدادات الموجودات و حقايقها، و لهذا احتجنا بعد الانبياء و الرسل صلي الله عليه و آله الي الامام و المرشد لقوله تعالي «فاسألوا أهل الذکر ان کنتم لا تعلمون» لان کل واحد ليس له قوة التمييز بين الالهامين الحقيقي و غير الحقيقي و بين الخاطر الالهي و الخاطر الشيطاني و غير ذلک و الذکر هو القرآن أو النبي و أهله هم أهل بيته من الائمة المعصومين المطلعين علي أسرار القرآن و حقايقه و دقايقه و لقوله تعالي أيضا تأکيدا لهذا المعني «فان تنازعتم في شي ء فردوه الي الله و الرسول» أي الي أهل الله تعالي رسوله والايات الدالة علي متابعة



[ صفحه 86]



الکامل و المرشد الذي هو الامام المعصوم أو العلماء الورثة من خلفائهم کثيرة فارجع اليها لان هذا ليس موضعها.

فنرجع و نقول: و ان تحققت عرفت أيضا أن الخواطر التي قسموها الي أربعة أقسام: الهي و ملکي و شيطاني و نفساني کان سببه ذلک أي عدم العلم بالالهامين المذکورين أعني الحقيقي و غير الحقيقي لانها کلها من أقسام الالهام و توابعه» [38] .

و نقل المتقي الهندي صاحب کنز العمال في کتابه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) [39] عن الشيخ الحسن الشاذلي المالکي رئيس الطريقة الشاذلية (الصوفية) انه قال:

«ان الله تعالي ضمن العصمة في جانب الکتاب و السنة و لم يضمنها في جانب الکشف و الالهام».

و نقل عن أبي القاسم القشيري النيشابوري الاشعري الشافعي (الصوفي المفسر المحدث الفقيه العارف) انه قال:

لاينبغي للمريد أن يعتقد في المشايخ العصمة من الخطأ و الزلل».

هذا وقد عقد الشيخ الکليني في أصوله تحت عنوان أن للقلب اذنين ينفث فيهما الملک و الشيطان و روي عن الصادق عليه السلام:

مامن قلب الا وله اذنان علي احداهما ملک مرشد و علي الاخري شيطان مفتن هذا يأمره و هذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي و الملک يزجره عنها و هو قول الله عزوجل «عن اليمين و عن الشمال قعيد، مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد».



[ صفحه 87]



و قال عليه السلام «مامن مومن الا و لقلبه اذنان في جوفه أذن ينفث فيهما الوسواس الخناس و أذن ينفث فيهما الملک فيؤيد الله المؤمن بالملک فذلک قوله «و أيدهم بروح منه» [40] .

و (سئل) السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي -قدس الله روحه- عن مفاد هذه الرواية و أنه لو فرض أن الروية متضمنة للامر بالشي ء أو النهي عن شي ء فهل يمتثل ذلک الامر و يجتنب المنهي أم لا سيما اذا کان خلاف ظاهر الشريعة.

(فأجابه) -نور الله ضريحه-: أما مايخالف الظاهر فلا ينبغي المصير اليه و أما ما يوافق الظاهر فالاولي المتابعة من غير وجوب و رؤيته صلي الله عليه و آله لايعطي وجوب الانباع في المنام. [41] .

(الخامسة):

ما هو مفاد الرواية و دلالتها؟ فقد تعددت الاراء في ذلک:

أ- ما حکي عن الفيض الکاشاني أن معني الرواية هو من رآتي أي تحقق و تيقن من رؤية صورتي لانه قد رآه في اليقظة. فقد رآه تحقيقا و حقيقة لان الشيطان لايتمثل بصورته صلي الله عليه و آله.

و حينئذ يکون مفاد الحديث مخصوص بمن شهد زمانه صلي الله عليه و آله أو أحد الائمة في ظهورهم عليهم السلام أو من عرف أوصافهم صلوات الله عليهم و شمائلهم المنقولة في الکتب بدقة.

و هذا الالحاق و التتمة من بعض المتأخرين و يشهد له التعليل في الرواية لان الشيطان لايتمثل في صورتي و لافي صورة أحد من أوصيائي، فان ذلک يعني حصر الرؤية بصورهم المختصة بهم صلوات الله عليهم و هي التي کانوا عليها في



[ صفحه 88]



حياتهم من شمائلهم الخاصة بهم.

ب - ما أفاده السيد المرتضي رحمه الله- في کتاب الغرر و الدرر و هو: من رآني في اليقظة فقد رآني علي الحقيقة لان الشيطان لا يتمثل بي لليقظان فقد قيل: ان الشياطين ربما تمثلت بصورة البشر و هذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لانه قال من رآني فقد رآني، فأثبت غيره رائيا له و نفسه مرئية، و في النوم لا رائي له في الحقيقة و لا مرئي و انما ذلک في اليقظة و لو حملناه علي النوم لکان تقدير الکلام من اعتقد انه يراني في منامه و ان کان غير راء له علي الحقيقة فهو في الحکم کأنه قد رآني و هذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر و تبديل لصيغته» [42] انتهي.

أقول: ما أفاده السيد يفهم من الکلام المتقدم للشيخ المفيد ولکن هذا المفاد ينسجم مع بعض الروايات المنقولة بطرق العامة حيث لم يقيد فيها الروية بکونها في المنام.

ج- أن المراد هو الزيارة بالزاي المنقوطة المعجمة اذ في کتاب عيون الشيخ الصدوق و هي الرواية التي نقلها العلامة المجلسي في کتاب البحار و نقلها أيضا عن مجالس (امالي) الصدوق من زارني في منامه فقد رآني» بالزاي المعجمة نعم في (الامالي) بالراء غير المعجمة و حينئذ يکون المعني أن الزيارة في المنام تعدل الزيارة في اليقظة في الثواب و يمکن أن قرب هذه النسخة بأن في ابتدء الرواية الکلام کان حول ثواب زيارة الامام الرضا عليه السلام.

ولکن نسخة الراء غير المعجمة انسب بمجموع الرواية.

د- أن المراد هوبيان فضيلة هذه الرؤية و التشرف بهم صلوات الله عليهم و صدق ما يخبرون به في المنام اذا رآهم النائم بصورهم الخاصة بهم و يشهد لذلک



[ صفحه 89]



مورد الرواية التي بطرقنا و الروايات التي بطرق العامة فان الاستشهاد (من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لايتمثل في صورة احد من اوصيائي) في الرواية وقع للاستدلال بصدق ما أخبر به النائم في الرؤيا من قبلهم عليه السلام.

ثم ليتنبه الي أن الامر و النهي في الروية (تارة) يکون کتشريع حکم کلي و أنه لايختص بالنائم بل لسائر المکلفين فهذا ليس الا وحي يختص به الانبياء.

(و تارة) يکون أمر جزئي شخصي للنائم خاصة لمرة واحدة فقط مثل ابن مسجدا أو تصدق بکذا من مالک و نحو ذلک فهذا الذي تقدم أنه ان وافق الشريعة فلا حرج في المتابعة من دون وجوب شرعي کما افاده العلامة الحلي (قده) و جزم صحة (الرؤية) الشيخ المفيد و ان عارض و خالف الشريعة فلاينبغي المصير اليه کم عبر بذلک العلامة الحلي و قطع ببطلانه الشيخ المفيد.

و لنختم هذه الامر برواية عن الامام الصادق عليه السلام اخرجها المجلسي رحمه الله عن کتاب مصباح الشريعة قال:

ان الله عزوجل مکن انبياء من خزائن لطفه و کرمه و رحمته و علمهم من مخزون علمه و أفردهم من جميع الخلائق لنفسه فال يشبه أخلاقهم و أحوالهم أحد من الخلائق أجمعين، اذجعلهم و سائل سائر الخلق اليه، و جعل حبهم و طاعتهم سبب رضاه و خالفهم و انکارهم سبب سخطه و أمر کل قوم باتباع ملة رسولهم، ثم أبي أن يقبل طاعة أحد الا بطاعتهم و معرفة حقهم و حرمتهم و وقارهم و تعظيمهم و جاههم عند الله فعظم جميع انبياء الله، و لا تنزلهم بمنزلة أحد من دونهم، و لا تنصرف بعقلک في مقاماتهم و أحوالهم و أخلاقهم الاببيان محکم من عند الله و اجماع أهل البصائر بدلائل تتحقق بها فضائلهم و مراتبهم و أني بالوصول الي حقيقة مالهم عند الله؟ و ان قابلت اقوالهم و أفعالهم بمن دونهم من الناس أجمعين فقد أسأت صحبتهم و أنکرت معرفتهم و جعلت خصوصيتهم بالله، و سقطت عن درجة حقيقة الايمان



[ صفحه 90]



و المعرفة فاياک ثم اياک» [43] .

و ليعلم أن من خواص النبي صلي الله عليه و آله و الاوصياء أنهم تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم و وردت بذلک الروايات المستفيضة.

کما و للسيد المرتضي -رفع الله درجته- تحقيقا في المقام يکون نهاية للمطاف قال في کتاب (الغرر و الدرر).

اعلم أن النائم غير کامل العقل لان النوم ضرب من السهو و السهو بنفي العلوم و لهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة لنقصان عقله و فقد علومه، و جميع المنامات انما هي اعتقادات يبتدئها النائم في نفسه، و لا يجوز أن تکون من فعل غيره فيه، لان من عداه من المحدثين سواء کانوا بشرا أو ملائکة أو جنا أجسام و الجسم لايقدر أن يفعل في غيره اعتقادا ابتداء بل و لا شيئا من الاجناس علي هذا الوجه و انما يفعل ذلک في نفسه علي سبيل الابتداء و انما قلنا انه لايفعل في غيره جنس الاعتقادات متولدا لان الذي بعدي الفعل من محل القدرة الي غيرها من الاسباب انما هو الاعتمادات و ليس جنس الاعتمادات ما يولد الاعتقادات و لهذا لو اعتمد احدنا علي قلب غيره الدهر الطويل ما تولد فيه شي ء من الاعتقادات و قد بين ذلک و شرح في مواضع کثيره و القديم تعالي هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس الاعتقادات.

و لا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا لان أکثر اعتقادات النائم جهل، و يتأول الشي ء علي خالف ما هو به، لانه يعتقد أنه يري و يمش و انه راکب و علي صفات کثيرة و کل ذلک علي خلاف ما هو به، و هو تعالي لايفعل الجهل فلم يبق الا أن الاعتقادات کلها من جهة النائم و قد ذکر في المقالات أن المعروف بصالح کان يذهب الي أن مايراه النائم في منامه علي الحقيقة و هذا جهل منه يضاهي جهل



[ صفحه 91]



السوفسطائية لان النائم يري أن رأسه مقطوع و أنه قد مات و أنه قد صعد الي السماء و نحن نعلم ضرورة خلاف ذلک کله، و اذا جاز عنده صالح هذا ان يعتقد اليقظان في السراب انه ماء و في المردي (خشبة يدفع بها الملاح السفينة) اذا کان في الماء انه مکسور و هو علي الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة و اللبس فألاجاز ذلک في النائم و هو من الکمال أبعد و من النقص أفرب؟ [44] انتهي کلامه.

و للحکماء و الفلاسفة تحقيقات حول أقسام الرؤية بلحاظ عالم الخيال و العقل و القوة الواهمة و غير ذلک لايسع المقام لها.

و في الروايات المأثورة عن أهل بيت النبوة و معدن الرسالة مايهتدي به الي کثير من أبحاث المقام.


پاورقي

[1] الصافات: 102.

[2] تفسير البرهان ج4 ص31.

[3] الکافي ج1 ص176.

[4] ورد تحديث الملائکة أولياء الله و المعصومين في القرآن في موارد قال تعالي «اذ قالت الملائکة يا مريم ان الله يبشرک بکلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم وجيها في الدنيا و الاخرة و من المقربين، و يکلم الناس في المهد و کهلا و من الصالحين قالت رب أني يکون لي ولد و لم يمسسني بشر قال کذلک الله يخلق مايشاء اذا قضي أمرا فانما يقول له کن فيکون» (آل عمران، 47).

و قال تعالي «و اذکر في الکتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مکانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت اني اعوذ بالرحمن منک ان کنت تقيا قال انما أنا رسول ربک» (الاية مريم، 16).

و قال تعالي «و أوحينا الي أم موسي أن ارضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم و لا تخافي و لا تحزني انا رادوه اليک و جاعلوه من المرسلين» «فرددناه الي أمه کي تقر عينها و لاتحزن و لتعلم أن وعد الله حق ولکن أکثر هم لا يعلمون» (القصص، 14).

و قال تعالي «و لقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشري قالوا سلاما قال سلام فما ليث أن جاء يعجل حنيذ، فلما رأي أيديهم لا تصل اليه نکره و أوجس منهم خيفة قالوا لا تخف انا أرسلنا الي قوم لوط، و امرأته قائمة فضحکت فبشرنها باسحاق و من وراء اسحاق يعقوب، قالت يا ويلتي ءألد و أنا عجوز و هذا بعلي شيخا ان هذا لشي ء عجيب قالوا أتعجبين من أمرالله رحمت الله و برکاته عليکم أهل البيت انه حميد مجيد» (هود، 73).

فهده مريم وام موسي عليه السلام و سارة و زوجة ابراهيم عليه السلام حدئن من قبل الملائکة.

[5] نفس المصدر.

[6] البحار ج11 ص64، ج61 ص181.

[7] الکافي ج3 ص482.

[8] البحار ج61 ص237.

[9] يوسف: 8.

[10] يوسف 8.

[11] الاسراء: 60.

[12] الفتح: 27.

[13] تفسير العياشي ج2 ص201.

[14] الکافي ج1 ص177.

[15] تفسير العياشي ج2 ص201.

[16] الاسراء: 105.

[17] المومنون 97.

[18] تفسير البرهان ج4 ص458.

[19] البحار ج61 ص159.

[20] البحار ج61 ص191.

[21] نفس المصدر.

[22] روضة الکافي ص90.

[23] البحار ج61 ص183.

[24] اليحار ج61 ص189.

[25] البحار ج61 ص210.

[26] البحار ج61 ص183.

[27] البحار ج61، ص216 نقلا عن کتاب الغررو الدرر للسيد المرتضي (قده).

[28] (سورة الحجرات: 6).

[29] البحار ج61 ص238.

[30] هو حمزة بن عمارة الزبيدي البربري و سيأتي حاله في الفصل الثالث.

[31] رواهما الکشي في رجاله في ترجمة محمد بن ابي زينت ابي الخطاب (مقلاص).

[32] نفس المصدر.

[33] يريد بعبارته هذه أن الرؤيا ليس من القسم الاول و هو ما تضمن انشاء امر أو نهي أو حکما شرعيا.

[34] البحار ج61 ص211 نقلا عن کتاب کنز الفوائد.

[35] شرح الفصوص للقيصري ص32.

[36] شرح القيصري ص36 و هو يشير الي ما روي عن أميرالمومنين (ع) عندما سئله بعض اليهود عن تعلم الفلسفة راجع الکلمات المکنونة للفيض ص78.

[37] و قد اجتمع في سفره من آمل الي العراق بفخر المحققين ابن العلامة الحلي فأجاز له رواية المسائل المدينه (المهنائية) کما ذکر ذلک في أعيان الشيعة.

[38] جامع الاسرار ص455.

[39] ص66.

[40] الکافي ج2 ص266. و المراد من القلب ههنا هو المعنوي (الروح) لا الصنوبري.

[41] أجوبة المسائل المهنائية مسألة 159 ص97.

[42] البحار ج61 ص216.

[43] البحار ج11 ص37.

[44] البحار ج61 ص214.