التعريف بالکتاب
وهذا الکتاب الذي بين أيدينا «فرائد فوائد الفکر في الامام المنتظر» يعالج قضية الامام المهدي في الاسلام من خلال الأحاديث المروية عند کلا الطرفين من أهل السنة و الشريعة، و هذه القضية صارت حديث العامة و الخاصة، أما الخاصة: فقد خرج منهم عن الاعتدال في هذه المسألة، فبالغت طائفة في الانکار حتي ردوا جملة من الأحاديث الصحيحة، و قابلهم آخرون، فبالغوا في الاثبات حتي قبلوا الموضوعات، و الحکايات المکذوبة.
و أما العامة: فصاروا في حيرة و تذبذب، ما بين مصدق و مکذب، و لا يکاد الخلاف ينقضي عبر شبکات «الانترنيت» و صفحات الجرائد و الکتب التي صنفت، و تحقق بها صدق القائل: «لو سکت من لا يعلم، لقل الخلاف».
و ما أحسن قول الأصفهاني: «اني رأيت أنه لا يکتب انسان کتابا في يوم الا قال في غده: لو غير هذا لکان أحسن، و لو زيد کذا لکان يستحسن، و لو قدم هذا لکان أفضل، و لو ترک هذا لکان أجمل».
و من مقتضيات الشهادة بأن الرسول صلي الله عليه و آله:طاعته فيما قال، أو فعل، أو قرر، أو أخبر واجبة. و قد أخبر صلي الله عليه و آله عن رجال من الماضين بقصص کثيرة: مثل حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فتوسلوا الي الله بصالح أعمالهم، ففرج عنهم. و حديث الرجل الذي استسلف من رجل ألف دينار. و هو في صحيح البخاري، و مسند أحمد، و کذا تنبأ بأمور کثيرة تقع في المستقبل فلا مجال للشک في وقوعها کما أخبر، قال تعالي: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول). [1] و رسول الله صلي الله عليه و آله الذي لا ينطق عن الهوي: (ان هو الا وحي
[ صفحه 13]
يوحي) [2] فبعد کل هذا، لا مسوغ لانکار مثل قضية الامام المهدي و قد ثبت بالنقل الصحيح، و لم يعارضه عقل صريح، ولو توهم عقل قاصر معارضته لقدم النقل عليه و لا شک:
فکم عائب قولا سليما
و آفته من الفهم السقيم
ان المهدي المبشر به، هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي الطالب عليه السلام، و کنيته أبو عبدالله، و أبو القاسم، و هو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم المنتظر، و هو الامام الثاني عشر لأئمة الشعيعة الامامية. و قد رويت أحاديث کثيرة رواها الشيعة، و أهل السنة عن النبي صلي الله عليه و آله تشير بعضها الي عدد الأئمة، و أنهم جميعا من قريش. و بعضها الآخر أنهم بعدد نقباء بني اسرائيل. و بعضها أن تسعة منهم من أولاد الحسين عليه السلام. وبعضها ذکرت أسماءهم واحدا بعد الاخر کما ورد «...اثنا عشر اماما تسعة من صلب الحسين...قلت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله أفلا تسميهم لي؟ قال: نعم؛ أنت الامام و الخليفة بعدي...و بعدک ابناک الحسن و الحسين، و بعد الحسين ابن علي زين العابدين، و بعد علي ابنه محمد يدعي الباقر، و بعد محمد ابنه جعفر يدعي بالصادق، وبعد جعفر موسي يدعي بالکاظم، و بعد موسي ابنه علي يدعي بالرضا، و بعد ابنه محمد يدعي بالزکي، و بعد محمد ابنه علي يدعي بالنقي، و بعده ابنه الحسن يدعي بالأمين، و القائم من ولد الحسن سميي و أشبه الناس بي، يملوها قسطا و عدلا کما ملئت جورا و ظلما». [3] .
[ صفحه 14]
و عن علي بن أبي طالب، في حديث طويل قال: «...ذاک الفقيد الطريد الشريد محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا، و وضع يده علي رأس الحسين». [4] .
و عن الأصبغ، عن أمير المومنين عليه السلام قال: «الحادي عشر من ولدي، يملوها عدلا کما ملئت جورا و ظلما». [5] .
و سئل أمير المومنين عليه السلام، عن معني قول الرسول صلي الله عليه و آله: «اني مخلف فيکم الثقلين... من العترة؟ فقال: أنا، و الحسن و الحسين، و الأئمة من ولد الحسين؛ تاسعهم مهديهم...». [6] .
و عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد الحسن بن علي: «جلالتک تمنعني من مساءلتک فتأذن لي أن أسألک؟ فقال: سل، فقلت: يا سيدي هل لک ولد؟ قال: نعم، قلت: ان حدث حادث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة». [7] .
و هناک حديث ورد عن الامام الرضا عليه السلام في مخاطبته لدعبل الخزاعي «... يا دعبل! الامام من بعدي محمد ابني، و بعد محمد ابنه علي، و بعد علي ابنه الحسن، و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره...». [8] .
[ صفحه 15]
و قال ابن الصباغ المالکي في الفصول المهمة: «واما نسبه أبا و أما فهو أبوالقاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين». [9] .
و في تاريخ ابن الخشاب ورد: «الخلف الصالح من ولدي المهدي، اسمه محمد، کنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه صيقل...
و في رواية حکيمة. وفي رواية ثالثة يقال لها: نرجس. و يقال: بل سوسن...». [10] .
و ذکر ابن حجر في الصواعق بعد ان ذکر وفاة أبي محمد الحسن العسکري قال: «و لم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة و عمره عند وفاة ابيه خمس سنين لکم آتاه الله فيها الحکمة». [11] .
وفي ينابيع المودة: عن الحافظ أبي نعيم في اربعينه، عن ابن الخشاب قال: حدثنا صدقة بن موسي قال: حدثنا أبي، عن علي الرضا ابن موسي الکاظم قال: الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسکري هو صاحب الزمان و هو المهدي». [12] .
و جاء في اسعاف الراغبين عن الشيخ عبدالوهاب الشعراني عن کتابه اليواقيت و الجواهر [13] عن الفتوحات المکية أنه قال: «اعلموا أنه لا بد من خروج المهدي
[ صفحه 16]
لکن لا يخرج حتي تمتلي ء الأرض... و هو من عترة فاطمة رضي الله عنها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، و والده الامام الحسن العسکري ابن الامام علي النقي «بالنون» ابن الامام محمد تقي «بالتاء» ابن الامام علي الرضا ابن الامام موسي الکاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين علي ابن الامام الحسين ابن الامام علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنهم...». [14] .
و في الينابيع أيضا «...و قال سيدي عبدالوهاب الشعراني في کتابه اليواقيت و الجواهر في المبحث الخامس و الستين، «المهدي من ولد الامام الحسن العسکري». [15] .
و في مطالب السوول في مناقب آل الرسول لکمال الدين بن طلحة و کتابه الدر المنظم قال: «المهدي هو ابن أخي محمد الحسن العسکري». [16] .
و في کتاب البيان في آخر أخبار صاحب الزمان قال: «ان المهدي ولد الحسن العسکري». [17] .
وفي کتاب اليواقيت و الجواهر قال: «المهدي من ولد الامام الحسن العسکري، مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مئتين؛ و هو باق الي أن يجتمع بعيسي بن مريم».
و مثله في فرائد السمطين للحمويني الشافعي قال: «ان المهدي الموعود ابن أبي محمد الحسن العسکري ابن علي النقي رضي الله عنهم». [18] .
[ صفحه 17]
و روي عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «أنا واردکم علي الحوض، و أنت يا علي الساقي، و الحسن الآمر، و علي بن الحسين الفارط، و محمد بن علي الناشر، و جعفر بن محمد السائق، و موسي بن جعفر محصي المحبين و المبغضين و قامع المنافقين، و علي بن موسي معين المومنين، و محمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم، و علي بن محمد خطيب شيعته و مزوجهم الحور العين، و الحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيوون به، و المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله الا لمن يشاء و يرضي». [19] .
و عن أبي سلمي راعي ابل رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «ليلة أسري بي الي السماء قال لي الجليل جل جلاله: (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) [20] قلت: «و المومنون» قال: صدقت يا محمد من خلفت في أمتک؟ قلت: «و المومنون» قال: صدقت يا محمد من خلفت في أمتک؟ فقلت: خيرها. قال: علي بن أبي طلالب؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد اني اطلعت علي الارض... فالتفت فاذا أنا بعلي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسي بن جعفر، و علي بن موسي، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و المهدي، في ضخضاخ من نور قياما يصلون و هو في وسطهم - يعني المهدي - کأنه کوکب دري... و قال: يا محمد هولاء الحجج، و هو الثائر من عترتک، و عزتي و جلالي انه الحجة الواجبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي». [21] .
وورد في کتاب الأئمة الاثنا عشر [22] تحت عنوان الحجة المهدي: «...و ثاني
[ صفحه 18]
عشرهم ابنه محمد بن الحسن، و هو أبوالقاسم محمد بن الحسن بن علي الهادي ابن محمد بن الجواد بن علي الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم... کانت ولادته، رضي الله عنه، يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مئتين. و لما توفي أبوه المتقدم ذکره، رضي الله عنهما کان عمره خمس سنين، و اسم أمه خمط، و قيل: نرجس...». [23] .
و قد رتب المولف تراجم هولاء الأئمة الاثني عشر في تعليقي: «المهدي الي ماورد في المهدي». [24] .
عليک بالأئمة الاثني عشر
من آل بيت المصطفي خير البشر
أبو تراب حسن حسين
و بغض زين العابدين شين
محمد الباقر کم علم دري
و الصادق ادع جعفرا بين الوري
موسي هو الکاظم و ابنه علي
لقبه بالرضا و قدره علي
محمد التقي قلبه معمور
علي التقي دره منثور
والعسکري الحسن المطهر
محمد المهدي سوف يظهر
و قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الأثري الحنبلي:«...هو أبو القاسم محمد بن الحسن العسکري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم و محمد بن الحسن العسکري هذا ثاني عشر الأئمة الاثني عشر». [25] .
[ صفحه 19]
و قال الشيخ علي أکبر أسدالله الموؤذي الذي هو من علماء أهل السنة في «الهندوستان»، في کتابه المکاشفات و هو من الحواشي علي نفحات الأنس للموالي عبدالرحمن الجامي صرح في الباب الحادي و الثلاثين بامامة الامام الحجة المهدي بن الحسن العسکري و قال:«انه غائب عن أعين العوام و الخواص». [26] .
و قال الشيخ عبدالله بن محمد المطيري شهرة، و المدني مسکنا، و الشافعي مذهبا: «الأئمة الاثني عشر... فعدهم واحدا بعد واحد الي أن وصل الي الثاني عشر فقال: اسمه محمد القائم المهدي، و قد ورد النص عليه في الأحاديث من جده رسول الله صلي الله عليه و آله، و من جده علي بن أبي طالب کرم الله وجهه... و هو صاحب السيف المنتظر... و له غيبتان...» [27] .
و مثل هذا ذکر الشيخ فريد الدين العطار «ت 627 ه». [28] .
أما الشيخ صلاح الدين الصفدي «ت 764ه» قال في شرح الدائرة: «ان المهدي الموعود هو الامام الثاني عشر من الأئمة، أولهم سيدنا علي ابن أبي طالب؛ و آخرهم المهدي رضي الله عنهم، و نفعنا الله بهم».
و أما الشيخ جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين بن علي المهنا «ت 828 ه» فقد قال: «... أما علي الهادي فيلقب بالعسکري...و الامام أبو محمد الحسن أيضا يلقب بالعسکري، و کان علي درجة من الزهد، و العلم، و هو والد الامام محمد المهدي ثاني عشر الأئمة». [29] .
[ صفحه 20]
و قد ذکر الشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بکري المالکي «ت 966 ه» الامام الثاني عشر من الأئمة: «هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، يکني أبا القاسم، و لقبه الامامية بالحجة، و القائم، و المهدي، و المنتظر، و صاحب الزمان، و امه ام ولد اسمها صيقل، و قيل نرجس، و قيل سوسن، وقيل غير ذلک. ولد في سر من رأي في الثالث و العشرين من رمضان سنة ثمان و خمسين و مئتين «258 ه». [30] .
و قد ذکر الحموي الرومي البغدادي - وهو من الخوارج - «ت 626ه»: «عسکر سامراء ينسب الي المعتصم، وفيه قوم من الأجلاء، منهم علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ فأما علي فمات في رجب سنة «254 ه»...و أما الحسن فمات بسامراء سنة «260 ه»... ولولدهما المنتظر مشاهد معروفة». [31] .
و قال الشيخ أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي، ثم المخزومي عند ترجمة الامام أبي الحسن الهادي: «... و أما الامام علي الهادي بن الامام محمد الجواد، و لقبه النقي، و العالم، و الفقيه، و الأمير، و الدليل، و العسکري، و النجيب،...أما الامام الحسن العسکري فأعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الامام المهدي». [32] .
و ترجم للامام المهدي الشيخ محمد خاوند شاه بن محمد «ت 903 ه» من ولادته الي صلاة عيسي بن مريم خلفه». [33] .
[ صفحه 21]
و قال المحقق بهلول بهجت أفندي: «ولد الامام المهدي في الخامس عشر من شعبان سنة «255 ه» و ان اسم أمه نرجس. و ذکر ان له غيبتين الأولي الصغري، و الثانية الکبري». [34] .
و صرح الشيخ حسين بن معين الدين الميبدي بولادته. [35] .
و صرح الشيخ محمد بن محمد بن محمود النجار المعروف بخواجه پارسا و هو من علماء و أعيان الحنفية و کبار مشايخ النقشبندية «ت 822 ه» حيث قال: «و أبو محمد الحسن العسکري ولده «م ح م د» معلوم عند خاصة أصحابه و ثقات أهله. ثم ذکر حديث السيدة حکيمة في ولادة الامام المهدي». [36] .
و قال اليافعي اليمني المکي الشافعي «ت 768 ه» و في سنة
«260 ه»: «توفي الشريف العسکري أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي الرضا بن جعفر الصادق أحد الأئمة الاثني عشر، و هو والد المنتظر صاحب السرداب. و يعرف بالعسکري، و أبوه أيضا يعرف بهذه النسبة، توفي في يوم الجمعة سادس ربيع الأول و قيل ثامنه، و قيل غير ذلک». [37] .
و قال شمس الدين أبو عبدالله محمد ابن أحمد الشافعي الذهبي «ت 804 ه» قال: «قالوا: بأن المهدي من أولاد الامام الحسن العسکري و هو باق الي أن يأذن الله له بالخروج فيملأ الأرض قسطا و عدلا، کما ملئت ظلما و جورا». [38] .
و قال الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي «ت 1154 ه»: «الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص و يلقب بالعسکري، ولد بالمدينة لثمان خلون من
[ صفحه 22]
ربيع الأول سنة «232 ه»، و توفي يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول سنة «260 ه» و له من العمر ثمان و عشرون سنة قال: و يکفيه شرفا أن الامام المهدي المنتظر من أولاده، فلله در هذا البيت الشريف... ولد بسر من رأي ليلة النصف من شعبان سنة «255 ه» قبل موت أبيه بخمس سنين، و کان أبوه قد أخفاه حين ولد، و ستر أمره لصعوبة الوقت، و خوفه من العباسيين». [39] .
ورويت أحاديث کثيرة من کلا الفريقين حول امامة کل واحد منهم، و قد روي کلا الطرفين أحاديث کثيرة أيضا بخصوص الامام الحجة المهدي عليه السلام، و نشير هنا الي طرف منها علي سبيل المثال لا الحصر، منها: مارواه سبط ابن الجوزي في تاريخه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه کاسمي، و کنيته ککنيتي، يملأ الأرض عدلا کما ملئت جورا فذلک هو المهدي». [40] .
و هذا حديث مشهور.
وروي الحافظ الکنجي الشافعي عن سفيان بن عيينة، عن علي الهلالي، عن أبيه قال: «دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله في شکاته -مرضه - التي قبض فيها فاذا فاطمة عليها السلام عند رأسه قال: فبکت حتي ارتفع صوتها فرفع رسول الله صلي الله عليه و آله طرفه اليها و قال: «حبيبتي فاطمه ما الذي يبکيک؟» فقالت «أخشي الضيعة من بعدک» فقال: «يا حبيبتي أما علمت أن تعالي اطلع الي الأرض اطلاعة فاختار منها أباک فبعثه برسالته... ثم اطلع اطلاعة فاختار بعلک... يا فاطمة و نحن أهل بيت أعطانا الله سبع خصال...أنا خاتم النبيين... ووصيي خير الأوصياء و أحبهم الي الله و هو بعلک... ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائکة... و منا سبطا هذه الأمة، و هما ابناک الحسن و الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة... يا فاطمة و الذي بعثني
[ صفحه 23]
بالحق ان منهما مهدي هذه الأمة...يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت به في أول الزمان، و يملأ الدنيا عدلا کما ملئت جورا...» [41] .
و عن سفيان الثوري، عن عاصم، عن زر، عن عبدالله قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «لا تذهب الدنيا حتي يملک العرب رجل من أهل بيتي يواطي ء اسمه اسمي». [42] .
و عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «لولم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلک اليوم حتي يلي رجل من أهل بيتي». [43] .
و هناک مصادر کثيرة ذکرته بهذا الاسم و المواصفات. و لسنا بصدد دراسة حياته عليه السلام و غيبته الصغري و التي امتدت من ولادته سنة «255 ه» في حياة أبيه عليه السلام الذي عايشه مدة خمس سنوات أو من وفاة أبيه سنة «260 ه» و حتي سنة «328 ه أو 329 ه»، و کان خلالها يتصل بأتباعه من خلال سفرائه الأربعة، و غيبته الکبري و التي بدأت بموت السفير الرابع علي بن محمد سنة «328 ه أو 329 ه» والتي انقطع اتصاله بأتباعه و قواعده و وکلائه، و حتي يجي ء وقت القيام بالسيف. و لا يعني هذا أنه عليه السلام لايعيش في المجتمعات البشرية، و لا يقصده الناس و يلتقي بهم، و يرونه، و يسألونه، کما هو شأن الفرد و الانسان العادي من أبناء الجنس البشري، فهذا المعني لا يوجد في ذهن أي شيعي، و الا انخرمت قاعدة اللطف الالهي، و قد شاء الله تعالي بلطفه بعباده و حکمته في خلقه و رحمته بهم أن يرعي البشرية و يوفر للناس ما يصلحهم و ما يقربهم، و يبعدهم من الشقاء، و المعصية. و هنا نطرح عددا من الاسئلة:
[ صفحه 24]
(1) ألا يشکل وجود الأنبياء مظهرا من مظاهر هذا اللطف الالهي کما قال تعالي: (و ان من أمة الا خلا فيها نذير)؟ [44] بل انه عليه السلام يختفي بجسمه عن العيون مع کونه موجودا، فهو يري الناس و لا يرونه کما أن العيون لا تري الأرواح، و لا الملائکة، ولا الجن، مع تواجدها في المجتمعات البشرية، و قد تظهر الملائکة حتي لغير الأنبياء کما ظهرت لسارة زوج ابراهيم عليه السلام، و لمريم بنت عمران عليها السلام کما ظهرت الملائکة يوم بدر للمسلمين... وهناک أحاديث تثبت ظهور الامام المهدي منها: «لا يري بجسمه ولا يسمي باسمه» و منها «الخامس من ولد السابع، يغيب عنکم شخصه، ولا يحل لکم تسمية» و منها «يفقد امامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه». [45] .
و لسنا بصدد دراسة من يومن به، و قال الکثير بحقه من المدح و الثناء کابن الصباغ المالکي، و ابن الاثير، و الشبراوي الشافعي، و القرماني، و أبو الفداء، و ابن خلکان، و الذهبي، و النبهاني، و الشبلنجي، و الأربلي، و المفيد، و الزرکلي، و الکاشفي، و أحمد دحلان، وابن شهر آشوب، و الکنجي الشافعي، و القندوزي الحنفي، و...و...
[ صفحه 25]
قال المحدث الناقد أبو العلاء السيد ادريس بن محمد بن ادريس العراقي الحسيني في تأليف له في المهدي مانصه: «أحاديث المهدي متواترة أو کادت، و جزم بالأول غير واحد من الحفاظ النقاد». انتهي و قال الشوکاني في تأليف له سماه «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر و الدجال و المسيح» مانصه: «والأحاديث الواردة في المهدي التي أمکن الوقوف عليها: منها خمسون حديثا، فيها الصحيح، و الحسن، و الضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شک و لاشبهة، بل يصدق وصف التواتر علي ما دونها علي جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول. أما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي کثيرة أيضا، لها حکم الرفع، اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلک». انتهي.
و قال المحدث أبو الطيب صديق بن حسن الحسيني البخاري القنوجي ملک «بهوبال» في کتاب «الاذاعة، لما کان و ما يکون بين يدي الساعة» مانصه: «والأحاديث الواردة في المهدي علي اختلاف رواياتها کثيرة جدا، فبلغت حد التواتر، و هي في السنن و غيرها من دواوين الاسلام من المعاجم و المسانيد».
وقال في موضع آخر: «و أحاديث المهدي، بعضها صحيح، و بعضها حسن، و بعضها ضعيف، و أمره مشهور بين الکافة من أهل الاسلام علي ممر الأعصار». انتهي.
و قال العلامة أبو عبدالله محمد جسوس في شرح رسالة ابن أبي زيد مانصه: «ورد خبر المهدي في أحاديث، ذکر السخاوي أنها وصلت الي حد التواتر». انتهي.
ولسنا بصدد رد المشککين و الحاقدين، الذين وصل بهم الجهل حتي قال ابن خلدون في مقدمته: [46] «ان السرداب الذي غاب فيه امامهم في مدينة الحلة من العراق، و الشيعة يأتون في کل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب...
[ صفحه 26]
و يصرخون و ينادون: يا مولانا اخرج الينا».
و يذهب السويدي في سبائک الذهب [47] الي هذا الرأي، و لکن يقول غاب في سامراء، و ليس في الحلة.
و يذهب الي هذا الرأي ابن تيمية في منهاج السنة، و ابن حجر في الصواعق، [48] و القصيمي و...و...، حتي وصل الأمر بالمفسر الکبير الآلوسي بأن يقول ان الشيعة تضع الأخماس و الزکوات في السرداب و...و...، و لا نريد أن نقول أکثر من أن يذهب بنفسه و يأخذ کل هذه الأموال التي تجمعت خلال السنوات الطويلة، قبل زمن الآلوسي، و يصبح من أکبر تجار العالم. ثم لماذا لا يکلف نفسه بالذهاب الي سامراء و يأخذ هذه الأموال حتي يخلص نفسه، و يخلص أهله، و محبيه، من الفقر المدقع الذي مر به هو و أصحابه،و أفراد عائلته، الذي يدعي صاحب الدکتوراه، و التي نالها تحت عنوان الآلوسي مفسرا...و يکتب کل هذا في مقدمة أطروحته؟ ثم لماذا لا يذهب صاحب هذه الأطروحة و يأخذ هذه الأموال بدلا من الآلوسي الذي رحمه الله و توصلت عبقريته الي اکتشافها و کأنه اکتشف احدي النظريات الکونية أو العلمية أو...أو...؟ و لکن العتب کل العتب علي الذي يمنح الدکتوراه، لا علي المکتشف البارع.
ثم لماذا لا يسأل الباحث نفسه کيف اعتمد علي أشخاص لا يفرقون بين الحلة ذات الآثار التاريخية و الحضارة الاسلامية و غير الاسلامية، و بين سامراء التي لم تکن مجاورة لها، و لم تکن من المناطق المجهولة، بل ان زوار العالم الاسلامي و الغربي يقصدونها، اما للزيارة، أو للسياحة، أو للاطلاع علي المعالم الحضارية الاسلامية، أو لاکتشاف الآثار التي خلفتها الدولة العباسية، و کذلک للاطلاع علي
[ صفحه 27]
هندسة و تاريخ الملوية و... و...ثم لم نجد اشارة واحدة من قبل الرحالة و أصحاب الرأي الذين يشدون الرحال الي هذه المعالم الحضارية قد أشار الي هذه المتاهات، ول م يصور لنا و لم يذکر لنا التاريخ، کيف تتجمع الشيعة في الحلة و تنادي بهذه النداءات؟ ثم کيف تسمح لهم السلطات المتعاقبة علي العراق بهذا التجمع الذي يشکل لهم تظاهرة ضد السلطة و الحکم؟ و يالله و الديمقراطية، و الحرية التي يتمتع بها الشيعة في العراق، منذ الحکم الأموي الذي يقتل و يسجن علي التهمة و الظن و...و... الي الحکم العادل و هو حکم عبدالله المومن «المجرم الکبير صدام الکافر» الذي لا مثيل له في التاريخ البشري و خاصة بعد تطور أساليب التعذيب و الأسلحة النووية، و الکيمياوية، و البايولوجية، التي يبحث عنها العالم برمته و لم يصل اليها و...و...الخ.
(2) ولسنا بصدد دراسة کيف يجتمع المهدي و عيسي بن مريم فيجي ء وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسي: تقدم، فيقول عيسي: أنت أولي بالصلاة، فيصلي عيسي وراءه مأموما.
قال سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص: [49] قلت: «فلو صلي المهدي خلف عيسي لم يجز لوجهين: أحدهما لأنه يخرج عن الامامة بصلاته مأموما فيصير تبعا، و الثاني: لأن النبي صلي الله عليه و آله قال: «لانبي بعدي» و قد نسخ جميع الشرايع، فلو صلي عيسي بالمهدي لتدنس وجه «لا نبي بعدي» بغبار الشبهة...
و لسنا بصدد دراسة طول عمره «عجل الله فرجه» أيضا فهناک جماعة طالت أعمارهم کالخضر، و الياس، و ذي القرنين الذي عاش ثلاثة آلاف سنة، و عوج بن عناق عاش ثلاثة آلاف و ستمائه سنة.
[ صفحه 28]
و أما الأنبياء فقد زاد نوح علي الأنف، [50] و شيث نحوهم، و عاش قينان تسعمئة سنة، و عاش مهلائيل ثمانمئة، و عاش نفيل بن عبدالله سبعمئة سنة، و عاش سيطع الکادهن، و اسمه ربيعة بن عمرو ستمئة سنة، و عاش عامر بن الضرب خمسمئة و کان حاکم العرب، و کذا تيم الله ابن ثعلبة، و کذا سام بن نوح، و عاش الحارث بن مضاض الجرهمي أربعمئة سنة، و هو القائل: «کأن لم يکن بين الحجون الي الصفا»، و کذا أرفخشد، و عاش قس بن ساعدة ثلاثمئة و ثمانين سنة، و عاش کعب ابن جمجمة الدوسي ثلاثمئة و تسعين سنة، و عاش سلمان الفارسي «المحمدي» مئتين و خمسين سنة و قيل: ثلاثمئة، في خلق يطول ذکرهم. [51] ولا نريد أن نقول للخصم انه يصح أن يکون هذا الاکرام و هذه المعجزة لابليس اللعين الذي هو من عهد أدم عليه السلام بل قبل ذلک و الي الآن، و أنه سيبقي الي الوقت المعلوم کما صرح به القرآن الکريم: (قال أنظرني الي يوم يبعثون قال انک من المنظرين). [52] .
و لا تصح لأولياء الله تعالي لأن السبب في اشتراک الولي و العدو في طول العمر واحد. أما اذا أنکرت بقاء ابليس فهذا خروج عن ظاهر الشريعة الاسلامية، و دفع اجمال الأمة، و ما أجمع عليه المسلمون فلا سبيل الي دفعه بحال من الأحوال.
(3) و ما نريد أن نثبته هنا من خلال کتاب مرعي بن يوسف الحنبلي هو أن امامة المهدي عليه السلام متممة للنبوة، و محققة لحکمة ختم النبوة، و هذا الهدف سيتحقق بواسطته عليه السلام و هناک تکون الحجة لحرکة البشرية الاختيارية، کما قال تعالي: (لئلا
[ صفحه 29]
يکون للناس علي الله حجة بعد الرسل) [53] لا الزام الناس و قهرهم علي اعتناق الدين الحق، و اتباع القادة الالهيين و قهرهم أيضا علي بيعة غير أهل النص، و لذا وعد الله سبحانه و تعالي البشرية باقامة الحکومة الالهية علي الأرض کلها في آخر الزمان، و نشر العدل والقسط في الشعوب المظلومة، و المضطهدة، و المقهورة، من قبل الظالمين، و التي يئست من کل الأنظمة الفاسدة، ولذا قال تعالي: (ليظهره علي الدين کله) [54] فالهدف الأساسي لبعثة الأنبياء، فالهدف النهايي هو اظهار الدين علي کل الأنظمة الفاسدة. و هذا من أنباء الغيب بأنه سبحانه و تعالي بشرنا بوعده الصادق أن هذه الدولة العالمية ستقوم علي يد الامام المهدي عليه السلام، و ها هو الوعد الالهي يصرح به القرآن الکريم: «ولقد کتبنا في الزبور من بعد الذکر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) [55] و مما لا يقبل الشک أنه يأتي ذلک اليوم الذي يتحقق فيه الوعد الالهي بدليل قوله تعالي: (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين) [56] و قوله تعالي:(وعد الله الذين أمنوا منکم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض کما استخلف الذين من قبلهم وليمکنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم) [57] و ان شاء الله سيتحقق هذا الوعد في زمان ظهور الحجة...
اذا الغيبة من خصائص الامام المهدي عليه السلام، و کذلک تحقيق الدولة العظمي و التي تحکم بالقرآن من خصائص الامام المهدي عليه السلام، و کذلک تحقيق الدولة العظمي و التي تحکم بالقرآن هي أيضا من خصائص ظهور الامام المهدي عليه السلام.
و هذه الرواية التي يرويها السيد عبدالعظيم الحسني عن الامام الجواد عليه السلام عن
[ صفحه 30]
آبائه عليهما السلام، عن أميرالمومنين عليه السلام أنه قال: «للقائم منا غيبة أمدها طويل، کأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعي فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم علي دينه و لم يقس قلبه لطول غيبة امامه فهو معي في درجتي يوم القيامة» ثم قال: «ان القائم منا اذا قام لم يکن لأحد في عنقه بيعة فلذلک تخفي ولادته و يغيب شخصه». [58] .
و روي عن عبدالله بن عمرو أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «يخرج المهدي و علي رأسه غمامة ينادي ان هذا المهدي فاتبعوه». [59] .
و عن أبي رومان عن علي عليه السلام قال: «اذا نادي مناد من السماء أن الحق في آل محمد صلي الله عليه و آله فعند ذلک يظهر المهدي عليه السلام». [60] .
و قال صلي الله عليه و آله: «يقتتل عند کنزکم هذا ثلاثة کل ابن خليفة ثم لا تصير الي واحد منهم، ثم يجي ء خليفة الله المهدي فاذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فانه خليفة الله المهدي». [61] .
و في رواية المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام:«هل للمأمور المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقت يعلمه الناس؟...فقال: يا مفضل! يسند القائم عليه السلام ظهره الي الحرم، و يمد يده فتري بيضاء من غير سوء و يقول: هذه يد الله، و عن الله، و بأمر الله، ثم يتلو هذه الآية (ان الذين يبايعونک انما يبايعون الله يدالله فوق أيديهم فمن نکث فانما ينکث علي نفسه...) [62] فيکون أول من يقبل يده
[ صفحه 31]
جبرائيل عليه السلام ثم يبايع، و تبايعه الملائکة، و نجباء الجن، ثم النقباء..الي أن قال: ثم صاح صائح بالخلائق...بلسان عربي مبين.. يامعشر الخلائق، هذا المهدي آل محمد...بايعوه تهتدوا، و لا تخالفوا أمره فتضلوا...» [63] .
وفي رواية اخري: «...قال: فيجمع الله عليه أصحابه...فيبايعونه بين الرکن و المقام، و معه عهد من رسول الله صلي الله عليه و آله قد توارثته الأبناء عن الآباء...». [64] .
وفي رواية عن بکير بن أعين، عن أبي عبدالله عليه السلام في وصف الحجر و الرکن...: «ومن ذلک الرکن يهبط الطير علي القائم فأول من يبايعه ذلک الطير و هو والله جبرئيل عليه السلام». [65] .
و في رواية عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: «ان أول من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه...». [66] .
و في رواية عن علي بن مهزيار قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «کأني بالقائم...قائما بين الرکن و المقام، بين يديه جبرئيل عليه السلام ينادي: البيعة الله فيملوها عدلا...». [67] .
و في رواية عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و ذکر المهدي فقال: «انه يبايع بين الرکن و المقام...». [68] .
وفي رواية عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «... يبايع الناس علي کتاب جديد...». [69] .
و عن حذيفة، عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: اذا کان عند
[ صفحه 32]
خروج القائم ينادي مناد من السماء... فيبايعونه بين الرکن و المقام...». [70] .
و عن أبي بصير أيضا، عن أبي جعفر في حديث طويل: «...و يبايعونه الثلاثمئة و قليل من أهل مکة». [71] و مثلها عن الکابلي بلفظ:«يبايع القائم بمکة علي کتاب الله و سنة رسوله». [72] .
وهناک روايات کثيرة توکد علي أن الامام «عجل الله فرجه» يبايعه الناس من کل الأقوام بين الرکن و المقام، ولسنا بصدد دراستها.
کيف اذا يورد بعض الناس اشکالا علي أحاديث المهدي. و يزعمون جهلا منهم و ضلالا أنها تنافي عقيدة اسلامية راسخة، ألا و هي: ختم النبوة برسول الله صلي الله عليه و آله [73] فيشبهون علي ضعفة الأفهام، و يطلقون الکلام بغير خطام و لا زمام! ألا فليتق الله هولاء الذين يهرفون بما لا يعرفون، و يتخلصوا من عذاب يوم الدين: (يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم). [74] و قال تعالي:(يوم لا يغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون الا من رحم الله انه هو العزيز الرحيم) [75] و قال تعالي: (و يوم يعض الظالم علي يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا...) [76] .
لقد تلبد الجو بغيوم الأوهام، فأنبتت لفيفا من الأقوام المتصارعة آراوهم، المتدابرة قلوبهم، و نبع منهم من زاغ عن المحجة البيضاء، وراحوا يخوضون مع الخائضين، باسم التحرر الفکري أو الاصلاح الديني، ولذا عمدوا الي انکار کثير من المغيبات التي وردت بها النصوص الصريحة المتواترة، و ما انکارها الا الجموح
[ صفحه 33]
الفکري و الغرور العقلي؛ عندما راجت في اذهانهم النزعة الفلسفية، و عمت فتنتها، حتي غرر بها بعض ممن تستهويهم زخارف القول، و تغرهم لوامع الأسماء و الألقاب و المناصب. و وصل الحد ببعضهم أن يقول: لا توجد في القرآن آية تدل أو تشير الي الامام المهدي.
و الجواب علي ذلک بشکل مختصر و لأجل الاستئناس لا الاستدلال ننقل ما قاله امام المفسرين ابن جرير الطبري: «حدثنا موسي قال: حديثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السد في قوله تعالي: (لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم). [77] أما خزيهم في الدنيا فانهم اذا قام «المهدي» و فتحت القسطنطينية، قتلهم، فذلک الخزي. و أما العذاب العظيم، فانه عذاب جهنم الذي لا يخفف عن أهله، و لا يقضي عليهم فيها فيموتوا». [78] .
وحکي القرطبي عن قتادة و السدي:«الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي، و فتح عمورية، و رومية، و قسطنطينية، و غير ذلک من مدنهم علي ما ذکرناه في کتاب التذکرة». [79] .
وحکي ابن کثير عن السدي، و عکرمة، و وائل بن داود، أنهم فسروا الخزي في الدنيا بخروج المهدي، و صحح أن الخزي في الدنيا أعم من ذلک کله». [80] .
و قال الشوکاني في تفسيره فتح القدير: «أما خزيهم في الدنيا: فانه اذا قام المهدي، و فتحت القسطنطينية قتلهم، فذلک الخزي». [81] .
و قال الشيخ الشبلنجي في نور الأبصار: «قال مقاتل بن سليمان و من تابعه من
[ صفحه 34]
المفسرين في قوله تعالي: (و انه لعلم للساعة). [82] قال: «هو المهدي يکون في آخر الزمان، و بعد خروجه تکون أمارات الساعة و قيامها». [83] .
أما دعوي خلو الصحيحين من أحاديث المهدي فهذه دعوي غير صحيحة. بل في الصحيحين ما يشير الي ذلک بدون ذکر لفظ المهدي. و قد وردت روايات صحيحة خارج نطاق الصحيحين تصرح بزيادة علي ما فيهما، کما في مسند أحمد، [84] و النسائي، [85] و ابن ماجة في الفتن، [86] و شرح النوري، [87] و فيض القدير... [88] الخ.
کما لا ينبغي لنا أن نعزل النصوص عن شرح العلماء، وقد ذکرنا من حمل أحاديث الصحيحين المشار اليها علي المهدي نفسه مثل الحافظ أبي الحسن الآبري، و حکاه عنه القرطبي، و الحافظ ابن حجر، و السخاوي، و السيوطي، والزرقاني، و غيرهم، و أقروه عليه، و ذهب أيضا الطيبي، و أبو داود، و ابن کثير، و ابن القيم، و ابن حجر الهيتمي، و الکشميري، و محمد صديق خان، و محمد بن جعفر الکتاني. هذا بالاضافة الي أنه لم يقل أحد من العلماء بعدم ايراد الحديث في غير الصحيحين يدل علي ضعفه عندهما، فقاعدة: «لا يصح الاحتجاج بحديث في غير الصحيحين الا اذا کان له أصل فيهما، أو في أحدهما» هذه قاعدة محدثة مبتدعة لم يقل بها أحد، بل صرح بعضهم بما فيهم الشيخان البخاري، و مسلم، بما ينقض دعوي الاقتصار علي الصحيحين من أساسها. و ان قول ابن خلدون:«ان أحاديث
[ صفحه 35]
المهدي جميعها ضعيفة» هذا الزعم و غيره خطأ ظاهر. [89] فقد قال الشيخ محمد صديق حسن خان في معرض رده علي ابن خلدون: «أقول: لا شک في أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر و عام لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة سلفا عن خلف الا من لا يعتد بخلافه، وليس القول بظهوره بناء علي أقوال الصوفية و مکاشفاتهم أو أهل التنجيم أو الرأي المجرد، بل انما قال به أهل العلم لورود الأحاديث الجمة في ذلک، فقول ابن خلدون: «ان صح ظهور هذا المهدي...» لا يخلو عن مسامحة و نوع انکار من خروجه، و تلک الأحاديث واردة عليه، و ليست بدون من الأحاديث التي ثبتت بها الأحکام الکثيرة المعمول بها في الاسلام، و کلما ذکر من جرح الرواة و تعديلهم يجري في رجال الأسانيد الأخري أيضا بعينه أو بنحوه، فلا معني للريب في أمر ذلک الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل انکار ذلک جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة الي حد التواتر، و أما أنه لا تتم شوکة أحد الا بالعصبية فنعم، و لکن الله تعالي قادر علي خرق العادة، ويويد دينه کيف يشاء». [90] .
و قال في عون المعبود: «و قد بالغ الامام المورخ عبدالرحمن بن خلدون في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي کلها فلم يصب، بل أخطا». [91] .
و قال الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي في کتابه «الجواب المقنع المحرر في أخبار عيسي و المهدي المنتظر»، ورددت فيه علي ابن خلدون في تضعيفه لأحاديث المهدي في مقدمة تاريخه، فمن شاء استيفاء الکلام علي ما ورد فيهما، فليراجعه». [92] .
[ صفحه 36]
وقد صحح العلامة أحمد محمد شاکر بعض الأحاديث الواردة في شأن المهدي في تحقيقه لمسند أحمد الا أنه حمل علي ابن خلدون حملة عنيفة، و قال: «أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، و اقتحم قحما لم يکن من رجالها، و غلبه ما شغله من السياسة و أمور الدولة، و خدمة من کان يخدم من الملوک و الأمراء، فأوهم أن شأن المهدي عقيدة شيعية أو أوهمته نفسه ذلک». [93] .
و قال أيضا«ان ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين: «الجرح مقدم علي التعديل»، ولو اطلع علي أقوالهم، وفقههم ما قال شيئا مما قال، و قد يکون قرأ، و عرف، ولکنه أراد تضعيف أحاديث المهدي، بما غلب عليه من الرأي السياسي في عصره». [94] .
و قال الشيخ محمد المغربي: «و يقرب في شدة القبح الطعن في الأحاديث الصحيحة الواردة في نزول سيدنا عيسي الطعن في الأحاديث الکثيرة الشهيرة الواردة في خروج المهدي آخر الزمان بأنها باطلة، و أنه «خرافة» تقليدا لابن خلدون، و ابن خلدون لم يکن فقيها في مذهبه فضلا عن کونه محدثا، و فضلا عن کونه مبرزا في علم الحديث فيه أهلية النقد و التمييز للأحاديث، و من الغلط الفاحش الداخل علي کثير من خواص الناس فضلا عن عوامهم الحکم علي الکل بحکم البعض، فابن خلدون حکم علي جميع الأحاديث الواردة في خروج المهدي بأنها من خرافات الرافضة و دسائسهم، و لا شک عند کل من له المام بالعلم أن هذا طعن بمجرد الرأي لا يمت الي تحقيق علم الرواية بشي ء، و هو فاسد من وجهين:
1 - يلزم منه رد کل رأي، أو عقيدة أخذ بها طائفة من طوائف المسلمين مخالفة لنا في المذهب، و لو کان حقا، و لو جاء فيه حديث أو أحاديث عن رسول الله صلي الله عليه و آله،
[ صفحه 37]
و هذا نظر سخيف، فليست سنته عليه الصلاة و السلام مقصورة علي طائفة مخصوصة من أمته.
2-تهجمه بغير علم علي جميع الأحاديث الواردة بأنها من الخرافات، فلو کان عنده المام بعلم الرواية و وقار العلماء المتثبتين، و حکم علي بعضها بطريق الظن بأن فيها مثلا راويا کذابا أو ضعيفا، أو اسناد هذا الحديث مقطوع أو واه، لکان قريبا من القبول عند من يفهم العلم... و ان المستمسک برأي ابن خلدون غريق مستمسک بغريق». [95] .
وقد تصدي لابن خلدون العلامة المحدث السيد أحمد في کتاب خاص سماه «ابراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون» نقض فيه کل ما أبداه ابن خلدون من المطاعن، و تتبع کلامه جملة جملة بحيث لم يترک بعده لقائل مقالا». [96] .
و قال الشيخ محمد بن جعفر الکتاني:«...و لو لا مخافة التطويل لأوردت ها هنا ما وقفت عليه من أحاديث المهدي لأني رأيت الکثير من الناس في هذا الوقت يتشککون في أمره، و يقولون: يا تري هل أحاديثه قطعية أم لا؟ و کثير منهم يقف مع کلام ابن خلدون و يعتمده مع أنه ليس من أهل هذا الميدان، و الحق الرجوع في کل فن لأربابه و العلم عندالله تبارک و تعالي». [97] .
و قال الشيخ حمود بن عبدالله التويجري:«ان منخل ابن خلدون الذي نخل به أحاديث المهدي کان واسع الخروق جدا، و لم يکن مضبوطا و محکما، فهذا نخل به کثيرا من الصحاح و الحسان الواردة في المهدي، و لم يستثن منها من النقد الا القليل،
[ صفحه 38]
أو الأقل منه». [98] .
و قال الشيخ عبدالمحسن العباد: «ان ابن خلدون مورخ، و ليس من رجال الحديث، فلا يعتد به في التصحيح و التضعيف، و انما الاعتداد بذلک بمثل البيهقي، و العقيلي،، و الخطابي، و الذهبي،...». [99] .
اذا الايمان: ب«المهدوية» لم يکن أبدا من مختصات الشيعة الامامية، و ليس من بدعهم التي ابتدعوها کما يدعي بعض الکتاب، بل ليس من مختصات المسلمين دون غيرهم من أبناء الديانات السماوية الأخري.
ان اليهود و النصاري يعتقدون بمصلح يأتي آخر الزمان هو «ايليا» عند اليهود، و «عيسي بن مريم» عند النصاري.
کما أن المسلمين علي اختلاف مذاهبهم و طوائفهم يعتقدون ب «المهدي المنتظر» علما بأنه من ضروريات المذهب عند الشيعة الامامية، و ذهب أهل السنة الي مثل ذلک علي لسان أئمة مذاهبهم و رجال حديثهم، لکنه سيظهر في آخرالزمان مهدي يقوم بالسيف، و ليس له الآن وجود، و لا يعلم متي سيولد و من أبوه، و علي هذا الأساس أمکن للسنوسي في ليبيا، و عبدالرحمن في السودان، و غيرهما، ادعاء المهدوية کذبا وزورا أو نسبت اليهم أو سولت لهم أنفسهم، و هم علي ثلاثة أقسام: «1» من ادعي المهدوية بدافع حب الرئاسة و الجاه «2» من نسبت اليه المهدوية. «3» من ادعي المهدوية بخطة استعمارية و ايعاز من المستعمرين. و لقد أخطأ من ادعاها لأناس ماتوا، و طوي بساطهم من عالم الدنيا، و لعل بعض الجهلة الأغمار، ممن لا يميز بين القاع و الدار، و لا بين النافع و الضار، يحتج لانکار ماتواتر من ظهور المهدي بحديث «لا مهدي الا عيسي بن مريم» و لسنا بصدد بيان ذلک و سنناقشه
[ صفحه 39]
فيما بعد ان شاءالله تعالي. بل بين فترة و أخري تظهر هذه الفکرة و تتجسد في هذا و ذاک حسب الآراء و الميول و النزعات، و أعجب من هولاء الدجالين هم الذين صدقوا ادعاءات هولاء و آمنوا بهم و بخرافاتهم، کما نفي الواقع الخارجي ما ذهبت اليه الکيسانية من کون المهدي «محمد بن الحنفية» و الاسماعيلية من کونه «اسماعيل بن جعفر» و ذلک لثبوت موتهما و انتفاء بقائهما.
و قد اعتمد الامامية علي روايات صحيحة السند، ظاهرة الدلالة، خالية من الريب و الشک، و قد نص عليها من قبل أئمة الحديث، و أکابر الحفاظ، و صححوها أو حسنوها و کون بعضها علي شرط الشيخين البخاري و مسلم. و قد عالجنا هذا سابقا حسب القواعد المقررة في علم الحديث و التي توجب الأخذ بها، لاعتضادها و انجبارها بأخذ المشهور بها و الاجماع علي مضمونها. و لکن بعض المسلمين مع اقرارهم بالمهدي أنکروا المهدي الذي هو محمد ابن الحسن العسکري و ذلک بحجة ان الامام العسکري لم يکن له ولد بدليل عندما حضرته الوفاة، جعل والدته «ام الحسن» وصية عنه علي کل مالديه، و لو کان له ولد لما عداه، هذا أولا.
و ثانيا: ان جعفر بن الامام علي و الذي هو عم المهدي قد أنکر وجود ولد لأخيه، و شهد علي هذا الأمر، و شهادته ذات أهمية کبري.
و ثالثا: لماذا فعل الامام العسکري هذا الأمر، من ناحية الوصية، و من کتمان أمر ولادة ابنه، مع کثرة أصحابه، في حين ان الأئمة الذين سبقوه لم يفعلوا ذلک مع شدة الحکم الأموي و العباسي.
و الجواب علي هذه التساولات بسيط جدا لأي متأمل في الأمر؛ و ذلک لأن الوصية للأم لا تصلح برهانا و دليلا علي نفي وجود الولد، بل ان حکمة الامام من هذه الوصية هو تفويت الفرصة علي أعداء أهل البيت لقتل بقية الله و الخلف الصالح، بسبب ظروف المطاردة و الکبت، والارهاب، و الظلم، و التشريد، التي فرضها النظام العباسي علي هذه العائلة الکريمة. و قد کان النظام العباسي حريصا علي تتبع
[ صفحه 40]
أخبار القادم الوليد، بعد أن يوصل الي علمه أن زوجة - امام الرافضة- الحادي عشر في الأشهر الأخيرة من حملها...و هو يعرف أن الوليد الجديد؛ هو من تواترت بشأنه أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله من أنه المعد للظهور في يوم موعود، و لو کان يوما واحدا قبل يوم القيامة، من أجل أن يملأ الأرض عدلا و قسطا، ولقد کان الناس آنذاک، حتي حاشية البلاط العباسي، يتهامسون بالحديث المروي عن جد- امام الرافضة - حيث يقول: «لو لم يبق من الدهر الا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي...» فلما ولدت زوجة الامام وليدها خافت عليه من بطش أعدائه فأخفته، بأمر زوجه، و امامها، و أبيه، عن أعين الناس، والسلطات، وأجهزة استخباراتها.
و هکذا أعاد التاريخ قصة فرعون و ام موسي مرة اخري.
فقد کان الحکم العباسي فرعون عصره، ينطبق عليه ما قاله الله في فرعون مصر: (ان فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم انه کان من المفسدين). [100] و کانت ام المهدي کأم موسي التي قال عنها الله: (و أوحينا الي ام موسي أن أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم و لا تخافي و لاتحزني انا رادوه اليک و جاعلوه من المرسلين). [101] .
و کان المهدي کموسي يرعاه الله، و يوفقه، و يحفظه، حيث يقول: (و لقد مننا عليک مرة أخري اذا أوحينا الي أمک ما يوحي أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي و عدو له و ألقيت عليک محبة مني و لتصنع علي عيني). [102] .
و هکذا کان أمر الامام المهدي «عجل الله فرجه». فقد کان و مايزال يصنع علي عين الله و تحت رعايته، و حمايته، و حفظه، لانه الرجل المذخور لليوم الموعود،
[ صفحه 41]
(ليظهره علي الدين کله و لو کره المشرکون) [103] لقد کانت ولادة الامام المهدي ايذانا بدخول البشرية عامة، و الامة الاسلامية خاصة، مرحلة خطيرة في مسيرتها الکادحة نحوالله تعالي...تلک هي مرحلة الغيبة الکبري...مرحلة توقف القيادة التاريخية لهذه المسيرة عن ممارسة أعباء القيادة، و الشهادة الربانية علي البشرية بصورة مباشرة کجزء من تخطيط الهي محکم، يستهدف اخضاع البشرية الي اختبار دقيق، هو الأخير في سلسلة الامتحانات، و الابتلاءات الالهية، لتربية البشرية و اعدادها فکريا و سلوکيا لمرحلة المستقبل. و هذا الابتلاء الجديد هو مصداق قوله تعالي: (أحسب الناس أن يترکوا أن يقولوا ءامنا و هم يفتنون) [104] بالاضافة الي هذا کله، زاد الامام عليه السلام في الايهام - متعمدا- فأشهد لفيفا من کبار رجالات الدولة يومذاک علي الوصية کما يقول الشيخ المفيد [105] و هذا التصرف ليس بغريب علي الامام و ذلک أسوة بجده الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي جعل له خمسة أوصياء بعد وفاته، و من ضمنهم الخليفة العباسي المنصور، و الربيع، و قاضي المدينة، بالاضافة الي زوجته حميدة، و ولده موسي بن جعفر. [106] و لو خص ابنه بالوصية لکان للحکم العباسي معه شأن آخر من يوم وفاة أبيه، و هذا الغرض هو الذي فوت الفرصة علي المنصور العباسي عندما کتب الي والي المدينة يأمره يتضييق الخناق علي وصي جعفر ابن محمد الصادق صلي الله عليه و آله، فکتب اليه الوالي يخبره بعد التحقيق بأن الأوصياء هم خمسة، و من أبرزهم هو الخليفة نفسه، فکان في ذلک ابعاد الأذي عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام.
أما شهادة عم الامام کان من ورائها قصد، و هو يتخيل اذا أنکر ذلک سيکون هو
[ صفحه 42]
الامام من بعد الحسن العسکري عليه السلام و ستجبي له الأموال من کل حدب وصوب، و لکن ارادة الله غالبة، اذا سرعان ما انکشف زيف أمره، ثم ندم علي ما فعل و تاب علي ما قيل و لذا سمي ب «جعفر الکذاب»، ثم «جعفر التواب». علما بأنه من الناس العاديين الذين يجوز عليم الکذب، و الخطأ و النسيان، و العصيان، و ادعاء الباطل، و الحسد، و هذا ليس بغريب في الکون؛ و قد سبقه قابيل بقتل أخيه هابيل، و اخوة يوسف عندما ألقوا يوسف في الجب، و حلفوا اليمين الکاذبة لأبيهم بأن يوسف أکله الذئب، و قد وقف أبو لهب ضد رسول الله صلي الله عليه و آله و قد نزلت فيه آي من الذکر الحکيم.
لقد اشتهر بين الامامية و أهل السنة أن البنوة تثبت بقول القابلة و النساء اللائي يحضرن الولادة، و باعتراف صاحب الفراش، و بشهادة رجلين من المسلمين علي اقرار الأب بابنه، و السيدة حکيمة هي بنت الامام الجواد هي التي حضرت و تولت أمر الولادة و شهدت بها، و الامام العسکري هو الأب؛ و قد أقر بهذه البنوة أمام خواصه. [107] .
[ صفحه 43]
پاورقي
[1] الجن: 27-26.
[2] النجم: 4.
[3] کفاية الأثر ص: 219-213، ملاحم ابن طاووس ص: 136، مناقب ابن شهر آشوب 273:2، فتن السليلي: علي ما في الملاحم لابن طاووس، مشارق البرسي ص: 166-164، اثباة الهداة 598:1 ح 568 و 442:2 ح 128، غاية المرام ص 57 ح 62، مدينة المعاجز ص: 154، البحار 354:36 ح 225 و 318:41 ح 42، بشارة الاسلام ص 57.
[4] مقتضب الأثر ص: 31، کنز الفوائد ص: 175، اثبات الهداة 463:3 ح 114، کمال الدين 303:1 ح 13، منتخب الأثر ص:240 ح 6.
[5] العدد القوية ص: 70 ح 107، الهداية الکبري ص:88، الکافي 338:1 ح 7، دلائل الامامة ص: 289، رسائل المفيد ص: 400، ملاحم ابن طاووس ص: 185.
[6] البرهان: 13:1 ح 30، اعلام الوري ص: 375، کشف الغمة 299:3، کمال الدين 240:1 ح 64، مختصر اثبات الرجعة ص: 448، مجلة تراثنا العدد 15، العيون 57:1 ح 25، غاية المرام ص 218 ح 58، منتخب الأثر ص 94 ح 31.
[7] المصدر السابق، الکافي 264:1 ح 2، الغيبة للشيخ الطوسي ص: 232 ح 199، اعلام الوري ص: 413، الارشاد 348:2.
[8] روي هذا الحديث الشيخ الصدوق في کمال الدين 373:2 ح 6، عيون اخبار الرضا 263:2 ح 35، کشف الغمة 118:3، کفاية الاثر ص: 271، فرائد السمطين 337:2 ح 591، منتخب الأنوار المضيئة ص: 38، حلية الابرار 433:2، اعلام الوري ص: 317، تاريخ ابن الخشاب ص: 197، غاية المرام ص: 701 ح 112 و ح 113، ينابيع المودة 392:3 ط اسوة.
[9] الفصول المهمة في معرفة احوال الأئمة الفصل الثاني عشر ص: 390.
[10] تاريخ مواليد الأئمة و وفياتهم «المجموعة النفيسة» ص: 300، کشف النوري ص: 69، ينابيع المودة ص 491، منتخب الأثر ص: 214 ح 1.
[11] الصواعق ص 114.
[12] ينابيع المودة ص: 491.
[13] ص: 145، ط مصر.
[14] اليواقيت و الجواهر ص: 145، ط مصر، اسعاف الراغبين ص: 157.
[15] الينابيع ص: 470.
[16] مطالب السوول الفصل الثاني عشر «مخطوط». أو ص: 263.
[17] البيان في اخبار صاحب الزمان، في آخر الأبواب.
[18] فرائد السمطين الاب الحادي و الستون من السمط الثاني.
[19] فرائد السمطين 321:2 الباب الحادي و الستون من السمط الثاني حديث رقم «572».
[20] البقرة: 285.
[21] فرائد السمطين الباب الحادي و الستون من فرائد السمط الثاني حديث رقم «571» ، و روي عن ابن شاذان في الفصل السادس من مقتل الحسين عليه السلام ص: 95 ط 1.
[22] مخطوط للمورخ الدمشقي شمس الدين محمد بن طولون «953 ه- 1546 م». و قد طبع بمصر فانظر ص: 117.
[23] المصدر السابق مخطوط ورق «26 ب».
[24] المصدر السابق مخطوط ورق «27 آ».
[25] لوامع الأنوار البهية و سواطع الأسرار الاثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية 71:2 تحت عنوان المهدي اسمه و لقبه. ترجمة محمد بن العسکري.
[26] لوامع الأنوار في طبقات الأخبار ج 2: باب شواهد النبوة لأحمد بن قوام الدين المعروف بجامي الشافعي الشاعر المعروف.
[27] الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي و عترته الطاهرة. الفصل الاخير.
[28] مظهر الصفات، آخر الکتاب.
[29] عمدة الطالب ص:199 ط النجف.
[30] تاريخ الخميس 321:2 و ص 382.
[31] معجم البلدان 175:6 ط مصر.
[32] صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار. راجع ترجمة الامام أبي الحسن الهادي.
[33] روضة الصفا 3: باب الامام الثاني عشر.
[34] المحاکمة في تاريخ آل محمد، باب الامام المهدي.
[35] شرح ديوان الميبدي، ص: 123 و ص: 371.
[36] فصل الخطاب، باب الامام المهدي.
[37] مرآة الجنان: 107:2 و ص: 172 ط حيدر آباد.
[38] تاريخ الاسلام للذهبي 113:19.
[39] الاتحاف بحب الأشراف ص: 178 ط مصر.
[40] تذکرة الخواص ص: 364 -363.
[41] کفاية الطالب: 478 و 479 و راجع حلية الأولياء ابو نعيم الأصفهاني لکتاب الموسم: ب «نعت المهدي عليه السلام -أو مناقب المهدي -جمع فيه اربعين حديثا، و مجمع الزوائد 1657:9 ذخائر العقبي ص: 135.
[42] مشکاة المصابيح ص: 122، حلية الأولياء 75:5، ينابيع الموة ص: 520، کنزالعمال 188:7، مسند أحمد 376:1، صحيح الترمذي 36:2، تاريخ بغداد 388:4.
[43] الفصول المهمة ص 278.
[44] فاطر: 24.
[45] راجع هذه الاحاديث و غيرها في اکمال الدين ص: 381 ح 5 و 648 ح 4 و 391، النجم الثاقب ص: 351 و کتاب الغيبة للطوسي ص: 221 و 222، الکافي 264:1 ح 12، علل الشرايع ص: 245 ح 5 اثبات الوصية ص: 224، و کفاية الاثر ص: 228، اعلام الوري ص: 351، عقد الدرر باب 2 ح 41 و 42، ينابيع المودة ص:448، صحيح الترمذي 46:2، مسند أحمد 376:1 صحيح ابي داود 207:2، المستدرک علي الصحيحين للامام الحافظ أبي عبدالله الحاکم، النيسابوري «ت 321 ه»، و بذيله التلخيص للحافظ الذهبي 465:4، نور الابصار ص:155، منتخب الاثر ص: 168، سنن ابن ماجة 1366:2، الجامع الکبير 377:2، الصواعق المحرقة ص:99 جواهر العقدين 268:2 فرائد السمطين 132 ،2 ح 431، کتاب الغيبة للنعماني ص: 66، العمدة لابن البطريق ص 416، کشف الغمة 283:3، الارشاد للشيخ المفيد 339:2 کل هذه المصادر لاحظها تتکلم عن الامام المهدي عليه السلام من ولادته و النص عليه الي عصر ظهوره.
[46] ص: 359.
[47] ص: 78.
[48] ص: 100.
[49] ص: 364.
[50] مروج الذهب و معادن الجوهر للمسعودي 41:1، و ذکره الطبري 87:1، قاموس الکتاب المقدس ص: 984 و جزء 109:1.
[51] المصدر السابق، المعمرون و الوصايا لأبي حاتم السجستاني المتوفي 250 ه تحقيق عبدالمنعم عامر، تاريخ الطبري 85:1، تذکرة الخواص: 365 -364.
[52] الأعراف: 15-14.
[53] النساء: 165.
[54] التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9.
[55] الانبياء: 105.
[56] القصص: 5.
[57] النور: 5.
[58] منتخب الأثر ص: 255.
[59] مستدرک الصحيحين 463:4 و 502، ينابيع المودة ص: 522 و 537 و 539، کشف الغمة 470:2، کفاية الطالب ص: 512.
[60] کفاية الطالب ص:512.
[61] مستدرک الصحيحين 463:4 و 502، و ينابيع المودة ص: 522.
[62] الفتح: 10.
[63] البحار 8:53 باب 25.
[64] البحار 239:52 ح 105 عن الکليني.
[65] المصدر السابق 279:52 ح 2 عن علل الشرائع.
[66] کمال الدين 387:2 و تفسير العياشي 254:2.
[67] الغيبة للشيخ الطوسي ص: 289.
[68] المصدر السابق و غيبة النعماني ص: 94.
[69] الکافي 324:1 و غيبة الشيخ الطوسي ص: 221 و غيبة النعماني ص:158.
[70] البحار 304:52 عن الاختصاص.
[71] المصدر السابق 307:52.
[72] المصدر السابق 308:52.
[73] ان قضية الامام المهدي عليه السلام لا تعارض ختم النبوة.
[74] الشعراء: 89 -88.
[75] الدخان: 42-41.
[76] الفرقان: 29-27.
[77] البقرة: 114.
[78] جامع البيان 525:2، تحقيق الشيخ أحمد شاکر.
[79] الجامع الأحکام القرآن: 79:2.
[80] تفسير القرآن العظيم: 226:1 ط الشعب.
[81] فتح القدير 132:1.
[82] الزخرف: 61.
[83] نور الأبصار ص: 152.
[84] 286:6.
[85] 207:5.
[86] 503:2.
[87] 5:18.
[88] 348:5.
[89] راجع التاج 341:5.
[90] الاذاعة ص: 145.
[91] عون المعبود 326:11.
[92] فتح المنعم 331:1.
[93] المسند 3570:5.
[94] راجع تحقيق هذه القاعدة في قواعد التحديث للقاسمي ص: 170.
[95] سيد البشر يتحدث عن المهدي المنتظر ص: 59-58، نقلا عن «اعتقاد أهل القرآن في نزول المسيح ابن مريم آخر الزمان» للشيخ محمد العربي المغربي.
[96] المهدي المنتظر للغماري ص: 7.
[97] نظم المتناظر في الحديث المتواتر ص: 146.
[98] الاحتجاج بالأثر ص: 202.
[99] الرد علي من کذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ص: 31 -29 بتصرف.
[100] القصص: 4.
[101] القصص: 7.
[102] طه: 39-37.
[103] التوبة: 33.
[104] العنکبوت: 2.
[105] الفصول العشرة: 14 -13.
[106] المصدر السابق.
[107] الارشاد للشيخ المفيد ص: 372.