المقدمة في ذکر تصرم الأيام المهدية و ذهابها و تضرم نار الفتن
قد علم ما يمن [1] الله تعالي به علي الأنام، في الأيام المکرمة المهدية من عموم البرکة و اخير، و فهم ما يدرأ به عن الأمة [2] في الدولة المقدسة الامامية من الضرر و الضير، و کل ذلک تنبيه علي شرف من بنهضته بالقيام [3] بها أقعد کل قائم، و تنويه بذکر من بيقظته و يمن حرکته سکن و اطمأن کل نائم، [4] و اشارة الي أن الله تعالي يختم به الدين کما بدأه بجده، و يشفي بشفار صوارمه صدور قوم مؤمنين و يبيد أعداهم بحده. [5] .
و من کان أبوه الوصي، و جده النبي، فلا غرو أن يملک من السياة أعلي راياتها، و من کان الله تعالي له وليا و به حفيا فلا عجب أن يدرک من السعادة أقصي غاباتها، و معلوم أن کل نعيم في دار الزوال زائل، و کل حال في فناء الفناء حائل، فلا راد لما [6] لله [127 و] تعالي فيه مراد، و لا صاد لحکمه جل ذکره في العباد و البلاد [7] .
[ صفحه 246]
فله سبحانه سر لا يشارک في علم مکنونه، و أمر نافذ لا يغالب في حکم مضمونه، فله الحمد علي السراء و الضراء، و الشدة و الرخاء.
بينما الملة الحنفية المعظمة ممدودة الرواق، شامخة الأطواد، مشتدة السواعد، و الدولة الامامية المکرمة مشدودة النطاق، راسخة الأوتاد، مشيدة القواعد، و الأمور منتظمة الأمور آمنة المهالک، و الثغور مبتسمة الثغور ساکنه المسالک، و الايمان قد کثر رجاله و اتسع لهم المجال، و الکفر قد دنت آجاله. [8] و أحاط بأهله الأوجال؛ اذ ظهر من قبل المشرق عدو الله اللعين [9] الدجال، بجحافل متلاطمة الأمواج [127 ظ] کالجبال، فتکدر [10] بظهوره المناهل و المشارب، و ينجم. [11] بنجومه الکواهل و الغوارب، [12] و تمسک السماء قطرها، و الأرض نباتها، و تعدم کل نفس صبرها و ثباتها، [13] و يشتد الجهد و الغلاء، و يمتد الضر و البلاء، فتقوي [14] الديار، و تخرب المرابع، و تقفر الآثار، و تمحل [15] المراتع، و يهلک الخف و الحافر، و يودي الصائح و الظافر، حتي لا يسمع صياح راغية، [16] و لا يطمع في رواح ثاغية، [17] و يعيش المؤمنون في ذلک الزمان بالتسبيح و التکبير و التهليل، و يجري
[ صفحه 247]
ذلک عليهم مجري الطعام الا القليل، و تخرج أهل طيبة منها و هي أطيب ما تکون بالنسبة الي غيرها و أينع، و يفارقونها فرقا [18] من الدجال و ليس له فيها مطمع، و ترجف بمن فيها رجفات فتنفي الخبث عن تلک البقاع، و تبقي مذللة لعافية الطير و السباع، و هذه فاتحة کل حادثة لنار الفتن مؤرثة، و سابقة کل کارثة للأسي [128 و] و الوهن مورثة.
ثم يسير و معه نهر من ماء و جبل من ثريد، و يوهم أنه رب معبود و هو من أخس العبيد، فيحتوي علي معظم البلاد و النوادي، [19] و يکون أکثر من يؤمن به [20] أهل البوادي، و ذلک لما [21] يخيل لهم [22] من قدرته، و يطمعون فيه من حسن عشرته.
فاذا وصل المدينة، علي ساکنها أفضل الصلاة و السلام، صد عنها و صرف وجهه الي الشام، فيرجع باياس مولد للحسرات، و هم مصعد للزفرات، و يتوجه الي الشام بأنواع من الکفرة متتابعة الأفواج، و أتباع من الفجرة متدافعة الأمواج.
و يسير الي الأرض المقدسة بخيله و رجله، و يحل بمحل هلاکه تقله رجله، [23] و هي يومئذ مقر الامام المهدي و محل
[ صفحه 248]
[128 ظ] مسيرته، و مجتمع أنصاره و أعوانه و أسرته، و هي حينئذ [24] کالأم و غيرها من البقاع کالأطفال، و کالليت و غيرها من القلاع کالأشبال، فيخرج اليه الامام بجيش مستمسکين بعروة التوحيد، و أناس [25] متنزهين عن عار التقليد، يدرعون الصدق و التقي، و يتبعون الحق و الهدي، ما منهم الا فارس لايفل سيفه و لا يخشي عثاره، و شجاع لا يثني عطفه و لا يدرک غباره، فيخوضون في غمرات الحرب، و يضرمون نار الطعن و الضرب، [26] و يلتف الساق بالساق، و تلعب السيوف بالأعناق، و تخضب الدماء الخناجر، و تبلغ القلوب الحناجر، فيمن الله تعالي علي عبده، و يؤيده بنصر من عنده، و يقتل من [27] أصحاب اللعين ثلاثين ألفا [28] أو يزيدون، و ينعکس عليهم کل ما کانوا به [29] يکيدون، فلا تري الا أشلاء طريحة، و موتي بلالحود، [129 و] و أعضاء جريحة، و أسري بلاقيود، و يحيق به مکره و يحص [30] جناحه، و يضيق [31] ذرعه و ترکد رياحه، و يفل حده و تخمد ناره، و يعفر خده و تنهتک أستاره، و يقل عدده، و يندهم [32] عرشه، و ينقطع مدده، و ينهزم جيشه.
[ صفحه 249]
و ينزل روح الله عليه السلام، فاذا رآه ذاب کما يذوب الرصاص، و يولي الشيطان حينئذ و له حصاص، [33] فيقتله نبي الله عيسي عليه السلام من غير ممانعة و لا مدافعة، و ذلک بعد ما يصلي خلف الامام المهدي و يبايعه و يتابعه، و ينقسم ما بقي من جموعه بين مولي الدبر و مقطوع الدابر، و يستوعب الذل و الصغار الا صاغر منهم و الأکابر، و ينطق الله تعالي کل ما يتوارون به بالتنبيه [34] علي قتلهم، الا العرقدة [35] فانها من شجرهم.
فهذا طرف من قصة الدجال اللعين، [36] و مدة أيامه في الأرض أربعين، و ما من نبي الا حذر أمته منها، و لا وصي الا خبر شيعته [129 ظ] عنها، و ليس بين يدي الساعة أمر أکبر من فتنتها، و لا شر أکثر من محنتها، و ان کانت مدتها قصيرة، فوطأتها أليمة ثقيلة، و ان کانت عدتها يسيرة، فخطتها و خيمة و بيلة.
و هي أدل [37] دليل علي انقضاء الأيام المهدية، سقي الله عهدها، [38] ثم لاخير في عيش الحياة. [39] بعدها، و ليس بينها و بين النفخة الأولي مدة طويلة و لا نعمة طائلة، بل تتري [40] فيما بين ذلک أمور
[ صفحه 250]
معظلات [41] و أهوال هائلة، و تضرب الفتن بکل خطة فسطاطها، و تؤجج نارها، و تنصب المحن [42] بکل بقعة سراطها، [43] و ترهج [44] غبارها.
و يخرج يأجوج و مأجوج عي عدد لايحصيه غير الذي خلقهم، [130 و] مختلفة أحوالهم و أشکالهم، و ينتشرون في السهل و الوعر، و ينشفون. [45] المياه، و يرعون الشجر، و لا تمنعهم الجبال السامية، [46] و لا تدفعهم البحار الطامية، يعدون الفراسخ و ان امتدت خطوة، و الأيام و ان طالت هفوة، [47] و يحصرون نبي الله عيسي و من معه من المسلمين، و يرمون بنشابهم الي السماء مقاتلين، فيهلکهم [48] في ليلة واحدة ذوالقوة المتين، و يستوقد المسلمون من جعابهم و قسيهم سبع سنين، و يرسل الله تعالي عليهم طيرا فتحمل رممهم الي حيث شاء، و يطهر الأرض من جيفهم مطر المساء، ثم تنزل [49] السماء برکتها، و تخرج الأرض ثمرتها، فتعم البرکة و الخير الأداني من الناس و الأقاصي، و يندفع الضر و الضير عن الأطراف منعم و النواصي.
[ صفحه 251]
ثم يبعث الله تعالي ريحا طيبة، فتقبض کل روح طيبة زکية، و يبقي شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر الانسية. [130 ظ]
و تخرج الدابة فتسم کل باد و حاضر، و تميز بين کل مؤمن و کافر، و ينقطع سبل الحاج و تخرب يثرب و يغلق باب التوبة، و تطلع الشمس من [50] المغرب، و يرتفع القرآن الکريم [51] من المصاحف و الصدور، و يمتد البلاء و تشتد الأمور، و تعبد الأصنام و الأوثان، و تقل الرجال و يکثر النسوان، و لا يشتغل أحد بسنة و لا فرض، و لا تمطر السماء و لا تنبت الأرض، و ينقطع الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، و يشتد البأس و لا يبقي علي [52] الأرض من لله فيه حاجة، و تکلم السباع الناس، و يندرس الاسلام و تنتقض عراه، و لا يبقي من يعرف صياما و لا نسکا [53] و لا صلاة، و تحل محن أفواجها کالقلل [54] تشيب [55] الوليد، و تظل فتن أمواجها کالظلل تذيب الحديد، حتي لا تري الا تکبة بعد: تکبة، و تهدم الحبشة الکعبة، [131 و] و تلک خاتمة الأمور، و قاصمة الظهور، و لا مطمع بعدها في الحياة لراغب، و لا عاصم من أمر الله تعالي لهارب.
[ صفحه 252]
فيالها من رزايا عمت مشارق الدنيا و مغاربها، و جبت کواهل العلياء و غواربها، و غادرت [56] القلوب مرضوضة ملتهبة، و الدموع مفضوضة منسکبة.
و سيأتي بيان ذلک في هذه الفصول عليم ما تقدم مفصلا، و شرح ما يجري من الفتن علي ما نقل أولا فأولا، و الي الله تعالي الرغبة من العصمة من الفتن و الخطل، و عموم التوفيق في القول و العمل.
[ صفحه 253]
پاورقي
[1] في ق: «بما من».
[2] في ق: «الأئمة».
[3] في ب: «علي القيام».
[4] في ق: «قائم».
[5] سقط من: ب.
[6] سقط من: ب.
[7] سقط من: ب.
[8] في ب، ق: «أوجاله».
[9] سقط من: ب.
[10] في ب، ق: «فتتکدر».
[11] في ب، ق: «و تحمر».
[12] في ق: «الکاهل و الغارب».
[13] في ب، ق: «و نهاءها».
[14] تقوي الديار: تخلو من سکانها.
[15] تمحل: تجدب.
[16] الراغية: الناقة.
[17] الثاغية: الشاة.
[18] سقط من: ق.
[19] في ب، ق: «والبوادي».
[20] من: ب، ق.
[21] في ب: «بما».
[22] من: ب، ق.
[23] سقط من: ب، و في ق: «بمحله هلاکه بقيله و رجله»، و في الأصل «تقله و رجله»، و لعل الصواب ما أثبته.
[24] في ق: «يومئذ».
[25] في الأصل: «وناس».
[26] سقط من: ق.
[27] سقط من، ق.
[28] في ب، ق: «ألف ألف».
[29] سقط من: ب، ق.
[30] في ب: «ويکسر». و حص الجناح: ذهاب ريشه.
[31] في ب، ق زيادة: «به».
[32] في ب: «ويهدم».
[33] الحصاص: شدة العدو في سرعة.
[34] في ق: «بالبينة».
[35] الغرقد: هو ضرب من شجر المضاه و شجر الشوک. واحدته.
النهاية 362:3.
[36] سقط من: ب، ق.
[37] في ق: «أول».
[38] في ق: «مدتها».
[39] في ب، ق زيادة: «من».
[40] في ب، ق: «تطرأ».
[41] في ق: «معطلات».
[42] في ب: «الفتن».
[43] السراط: الطريق. و في ب: «صراطها».
[44] ترهج الغبار: تثيره.
[45] في ق: «و يستقون».
[46] في ق: «الشامخة».
[47] في ب: «غفوة».
[48] في ب بعد هذا: «اتمه».
[49] في ب، ق: «ثم ينزل من».
[50] في ق زيادة: «قبل».
[51] في ب، ق: «العظيم».
[52] في ب: «في».
[53] في ب: «منسکا».
[54] في ق: «أمواجها کالفلک».
[55] في ب زيادة: «فيه».
[56] في الأصل: «و عادت».