المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم 
 و به التوفيق والاعانة
 الحمدالله الواحد العلي، الواجد الغني، الطاهر عن کل عيب، الظاهر له کل غيب، الذي صفت بدائع آلائه و راقت، و ضفت سوابغ نعمائه وفاقت، حمدا يوافي نعمه العظام التي لا تحصي کثرتها  [1]   عددا، و يکافي مننه الجسام التي لو کان البحر لها مدادا  [2]   لم تنفد ولو جي، بمثله مددا.
 والصلاة والسلام الأنمان علي نبيه المنقذ من الضلالة، المستقل بأعباء الرسالة، المبعوث من أکرم الأعراق و أحسها، المنعوت بمکارم الأخلاق و أحسنها، و علي آله الأحبار المنتخبين،  [3]   و علي أصحابه الأخيار المنتجبن  [4]   و علي أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، و علي النبيين و آلهم أجمعين، و علي کل عبد صالح الي يوم الدين، آمين آمين آمين  [5]  .
 أما بعد؛ فانه جرت مذاکرة بحفرة ببعض الاخوان،
 
  [ صفحه 4]  
 
 في أنه قد قل الموالي  [6]   من الناس و کثر الخوان، وارتفعت [2 و] الأسمار و قلت البرکات، و توالت:الأکدار و کثرت الآفات، و تقطبت وجوه الآمال و قد کانت مستنيرة مستبشرة، واکفهرت ثغور الأيام و طال ما کانت ضاحکة مسفرة و تکدرت مشارع الآلاء و قد کانت صافية، و تقلصت سوابغ النعماء بعد ما کانت ضافية، و تظاهر بالمنکرات الفاجر والبر، و ظهر الفساد في البر و البحر، و فقد من يقصد اليه في الحوائج اذا جلت، و عدم من يغول عليه في الجوائج اذا حلت، و قل من يعوذ  [7]   به کل هارب و راهب [8]  ، و عز من يلوذ به  [9]   کل طالب و راغب  [10]  ، و کثرت الشحناء بين الأقارب و الأجانب، و دارت رحي الحرب الزبون  [11]   من کل جانب، و عمت الأنام الحيرة و الذلة عموم المسطر، و أحاط بهم الرعب والخذلان احاطة الهالة بالقمر، و عم عدوان المارقين وانتشر شرهم، و عيل صبرالمتقين و عال ضرهم  [12]  ، و تقطمت السبل و انسدت المسالک.
 
  [ صفحه 5]  
 
 و ترادمت الفتن وکثرت المهالک، فجمحت  [13]  : النفوس الي [3 ظ] کشف هذه الغمة عن  [14]   الامة، و جنحت  [15]   القلوب الي شعب صدع هذه الصدمة، وقلنا: کيف السبيل الي الخلاص، ولات حين مناص.
 فزعم بعضهم أن نار الحرب لاتزداد الا تضرما واستعارا، ولا يزداد الأمر الا شدة ولا الدنيا الا ادبارا، و أصر علي عدم مفارقة هذا المغي، و تشبث بأذيال الأحاديث الواردة في هذا المعني، فقلت له: نحن نسلم صحة هذه الأحاديث  [16]   و نتلقاها بالسمع و الطاعة، لکن ليس فيها ما يدل علي استمرار هذا الأمر الي أن تقوم الساعة، و لعل زواله يکون عند خروج الامام المهدي، واضمحلاله منوط بظهور سره المخفي، فقد بشرت بظهوره أحاديث جمة، دونتها في کتبهم علماء هذه الامة، و ان الله تعالي يبعث من يمهد لولايته تمهيدا يتهدم له شوامخ الأطواد، و يجمع علي موالاته الحاضر و الباد، فيملک الأرض حزنا و سهلا، و يملاها قسطا و عدلا، و تکشف له کنوزها عن الغظا، فيوقع: فيها [3 و]
 
  [ صفحه 6]  
 
 الفناء بالعطا، ويسلط جوده علي الموجود، و يبطل الوزن و الغدد في الموزون و المعدود، الي أن يبلغ من نصر الايمان و أهله قاصية البغية، ويلوي علي أصابعه من قهر الطغيان و حزبه ناصية المنية، ويهز الدين الحنيف عطفيه طربا، و يخمد نار الشرک و يولي حزبه هربا.
 
 به لمحاسن الشرع انتظام  
 به لمفاسد الشرک انصرام 
 
 و منه لمن يحالفه احترام  
 و منه لمن يخالفه اخترام  [17]  .
 
 تحلي من أياديه النوادي  
 و يجلي من محاسنه الظلام 
 
 فما لسناء غرته انقضاء  
 ولا لبناء عزته انهدام 
 
 عليه مجددا في کل يوم  
 من الله التحية والسلام 
 
 و لعل ظهوره في هذه السنين قد يقع، فکل أمر اذا ضاق اتسع.
 فقال: ان من الناس من ينکر هذا کله بالکلية، و منهم من يزعم أن «لا مهدي الا عيسي ابن مريم»  [18]   الطاهرة الزکية.
 
  [ صفحه 7]  
 
 فقلت له  [19]  : أما من ينکر هذا: کله  [20]   بالکلية فلا التفات [3 ظ] اليه، اذ لا يعلم له في ذلک مستند يرجع اليه.
 و اما من زعم أن «لا مهدي الا عيسي ابن مريم»، وأصر علي صحه هذا الحديث و صمم، فربما أوقعه في ذلک الحمية  [21]   والالتباس، و کثرة تداول  [22]    [23]   هذا الحديث  [24]   علي ألسنة الناس.
 و کيف برتقي الي درجه الصحيح و هو حديث منکر، أم کيف يحتج بمثله من أمعن النظر في اسناده و أفکر.
 فقد صرح بکونه منکرا أبوعبدالرحمن النسائي  [25]  ، و انه لجدير بذلک اذ مداره علي محمد بن خالد الجندي.
 و في کتاب «العلل المتناهية» للامام أبي الفرج بن الجوزي ما نقله في توهين هذا الحديث من کلام الحافظ أبي بکر البيهقي  [26]   قال: فرجع الحديث الي الجندي و هو مجهول، عن أبان بن أبي عياش و هو متروک غير مقبول، عن الحسن عن النبي صلي الله عليه و سلم و هو منقطع غير موصول.
 
  [ صفحه 8]  
 
 و حکي البيهقي عن شيخه الحاکم النيسابوري، و ناهيک به معرفة بعلم الحديث و علي أحوال رواته مطلع، أنه قال: الجندي [4 و] مجهول وابن أبي عياش متروک  [27]  : و هذا الحديث بهذا الاسناد منقطع.
 و قد نقل علماء الحديث في حق الامام المهدي من الأحاديث ما لا يحصي کثرة، و کلها معرضة بذکره و مصرحة، و في ذلک أدل  [28]   دليل علي ترجيحها علي هذا الحديث المنکر عند من کان بهذا الفن خبرة و بعضها لبعض مصححة.
 و قد ذکر الامام الحافظ أبوعبدالله الحاکم في کتابه «المستدرک علي الصحيحين»  [29]   من ذلک ما فيه غنية، و نبه علي ترجيح روانه الجم الغفير من کان له في ذلک بغية.
 و لما انتهي في کتابه الي ذکر هذه الرواية، بين حالها لمن له فهم و دراية، فقال: قد ذکرت ما انتهي الي من علم هذا الحديث تعجبا لا محتجا به. و هذا غاية التوهين  [30]  .
 ثم قال: فان أولي من هذا الحديث حديث سفيان الثوري و شعبة و زائدة و غيرهم من أئمة المسلمين، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، عن النبي الصادق الأمين، أنه 
 
  [ صفحه 9]  
 
 قال: «لا تذهب الأيام و الليالي حتي يملک رجل من أهل بيتي؛ اسمه اسمي، واسم:أبيه اسم أبي».  [31]  . و هذا [4 ظ] تصريح باسمه و تعيين.
 و قد قال بعض العلماء الأمائل: ان معني قوله «يواطي ء» يشبه و يماثل.
 فقد اتضح لمن أنصف من جملة هذا الکلام، أن المهدي من ولد الزهراء فاطمة  [32]   لا ابن مريم عليه السلام.
 علي أنا نقول: و لئن سلمنا صحة هذا الحديث فانه يحمل علي تأويل، اذ لا نجد  [33]   لالغاء ما يعارضه من الاحاديث الصحيحة سبيل  [34]   و لعل تأويله کتأويل: «لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد»  [35]   اذ ألناظ  [36]   الحديثين يقرب بعضها  [37]   من بعض ولا يبعد، و في الحديث من هذا النوع کثير، و ليس ذلک 
 
  [ صفحه 10]  
 
 يمحمول  [38]   علي نفي المنفي بل علي الترجيح و التوفير  [39]  ، أو لعل له تأويلا غير ذلک، فوجوه العلم متسعة المسالک.
  [40]   قال الشيخ الامام الحافظ العلامة شهاب الدين أبومحمد عبدالرحمن بن اسماعيل بن ابراهيم الشافعي  [41]  ، رضي الله عنه: و لقوله صلي الله عليه و سلم: «لا مهدي الا عيسي ابن مريم» وجه آخر من التأويل، و هو أن يکون علي حذف مضاف، أي الا مهدي عيسي. أي الذي يجي ء في زمن عيسي عليه السلام، فهو احتراز ممن يسمي بالمهدي قبل ذلک من الملوک و غيرهم، أو يکون التقدير الا زمن عيسي. أي: الذي يجي ء في ذلک الزمن، لا في غيره والله أعلم  [42]  .
 ولما تبين للخصم ترجيح هذا الدليل، وانقطع القال و القيل، سألي حينئذ الولد الانجب ناصرالدين أبوعبدالله محمد بن الشيخ الامام العالم  [43]   مجد الدين يوسف الأکمل الامجد  [44]  ، أن أجمع
 
  [ صفحه 11]  
 
 ما بلغني من الاحاديث الواردة في هذا الباب، لتکون تذکرة لأولي الالباب، فاستمنحت منه الاعفاء: مرارا فلم يمنح، والتمحت [5 و] منه أن يجنح الي الافالة فلم يجتح، و حثني  [45]   علي جمعه و تالينه، و حرضني علي تنضيده  [46]   و تصنيفه، و شارکني في جمع  [47]   الکتب الجمعه، و ساعدتي علي  [48]   ترصيعه  [49]   و وضعه، و بذل جهده في جمع الکتب  [50]  ، و سهل علي بذلک ما صعب.
 فاستخرت الله تعالي و جمعت ما تيسر و حضر، من الأحاديث الواردة في حق الامام المهدي المنتظر، منبئة باسمه و کنيته و حليته و سيرته، مبينه أن عيسي ابن مريم عليه السلام يصلي خلقه و يتابعه و ينزل في نصرته، منصحة بما خصه الله تعالي  [51]   من أنواع الکرامة و الفضل، موضحة لما يمحو الله تعالي به من الظلم  [52]   و الجور، و يظهر به من البرکة و العدل، مما نقلت  [53]   الأمة يروايتهم  [54]   المسندة، و أودعته الأئمة في کتبهم المعتمدة، محذوفة أسانيد أحاديثه و ان کانت قد قررت و قبلت، معزية
 
  [ صفحه 12]  
 
 متونها في الغالب الي کل أصل خرجت منه و نقلت، و ذلک مع عدم العجز عن الوصول الي الروايه في هذه  [55]   الاصول، لکن طلبا للايجاز و التخفيف، و عدولا عن طريق التثقيل و التکليف.
 [5 ظ] و سميته: عقد الدرر في: أخبار المنتظر.
 وجعلته مشتملا علي اثني عشر بابا، مستعينا بمن أحاط بکل شي ء علما و أحصي کل شي ء کتابا، و اليه سبحانه الرغبة في تتميم ما سنخ، واصلاح ما فسد و تقبل ماصلح، والهداية الي سواء السبيل، فهو حسبنا  [56]   و نعم الوکيل.
 الباب الاول: في بيان أنه من ذرية رسول الله صلي الله عليه و سلم و عترته.
 الباب الثاني: في اسمه و خلقه و کنيته.
 الباب الثالث: في عدله و حليته.
 الباب الرابع: فيما يظهر من الفتن الدالة علي ولايته، و فيه أربعة فصول  [57]  .
 الباب الخامس: في أن الله تعالي يبعث من يوطي ء له قبل امارته.
 [6 و]: الباب السادس: فيما يظهر له  [58]   من الکرامات في ايام خلافته.
 الباب السبع: في شرفه و عظيم منزلته.
 
  [ صفحه 13]  
 
 الباب الثامن: في کرمه و فتوته.
 الباب التاسع: في فتوحاته و سيرته،  [59]   وفيه ثلاثة فصول  [60]  .
 الباب العاشر: في أن عيسي ابن مريم عليه السلام يصلي خلفه و يبايعه و ينزل في نصرته.
 الباب الحادي عشر: في اختلاف الروايات في مدة اقامته  [61]  .
 الباب الثاني عشر: فيما يجزي من الفتن في ايامه و بعد انقضاء مدته، و فيه مقدمة و ثمانيد فصول و خاتمه  [62]  .
 
  [ صفحه 15]  
 
پاورقي
 [1]  في الأصل: «کثرة». 
  [2]  في ب: «مددا». 
  [3]  سقط من: ب. 
  [4]  سقط من: ب. 
  [5]  سقط من الأصل، في. 
  [6]  في ب: «الموافي»، و في س، ق: «المواتي». 
  [7]  في ب: «فيه الراهب و الهارب». 
  [8]  في ب: «فيه الراهب و الحارب». 
  [9]  في ب: «الطالب و الراغب». 
  [10]  في ب: «الطالب و الراغب». 
  [11]  حرب زبون: يدفع بعضها بعضا کثرة. 
  [12]  علل ضرهم: اشتد و تفاهم. 
  [13]  في ق:«فجنحت». 
  [14]  بعد هذا في ق زيادة: «هذه». 
  [15]  في ق: «فجمحت». 
  [16]  سقط من: ق، وسقط من ب کلمة: «الواردة». 
  [17]  سقط صدرالبيت من:ب. 
  [18]  يعني بذلک ماروي عن انس بن مالک، أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: «لا يزداد الأمر الا شدة، و لا الدنيا الا ادبارا، و لا الناس الا شحا، ولا تقوم الساعة الا علي شرار الناس، ولا المهدي الا عيسي ابن مريم».
 وقد اخرجه ابن ماجه، في: باب شدة الزمان، من کتاب الفنن سنن ابن ماجه 9341-2 والحاکم، في: کتاب الفنن و الملاحم. المستدرک 441:4.
 وابونعيم، في الحليه. انظر جمع الجوامع 931:1. 
  [19]  سقط من: ب، ق. 
  [20]  بسقط من ب. 
  [21]  في ق: «الجهل». 
  [22]  في ب، ق: «تداوله». 
  [23]  سقط من: ب،ق. 
  [24]  سقط من: ب،ق. 
  [25]  انظر مانقله الذهبي و ما قاله في هذا الحديث، في ميزان الاعتدال 536،535:3، و ما نقله ابن حجر، في تهذيب 144،143:9، و ما ذکره ابن کثير في النهاية 32،31:1، و القرطبي في التذکرة 617،616. 
  [26]  کلام البيهقي أيضا في تهذيب 144:9. 
  [27]  سقط من: ب. 
  [28]  سقط من الأصل. 
  [29]  انظر کتاب الفتن و اللاحم، من المستدرک 442،441:4. 
  [30]  في ب، س، ق: «التبين» و هو خطأ. 
  [31]  تمام الحديث في المستدرک:
 «فيملأ الأرض قسطا و عدلا، کما ملئت جورا و ظلما». و به ينتهي کلام الحاکم. 
  [32]  ريادة من: ب، ق. 
  [33]  في ب، ق: «يوجد». 
  [34]  في ب، ق: «مسند»، و لميت في: الأصل، س، و فيه مراعاة السجع. 
  [35]  ذکر السبوطي أن هذا الحديث عند الدار قطني و البيهقي، عن جابر، و ذکر أن البيهقي ضعفه، کما ذکر أنه عند ابن حيان في الضعفاء عن عائشة. جمع الجوامع 912:1. 
  [36]  في ب، ق: «لفظ». 
  [37]  في ب، ق: «بعضه». 
  [38]  في النسخ: «محمول». 
  [39]  في ق: «والتوفيق»، و مافي سائر النسخ لمراعاه السجع. 
  [40]  سقط من: الآصل، س و سقط من ق في هذه الفقرة قوله: «من التأويل 2 و هو أن يکون علي حذف مضاف، أي الا مهدي عيسي». و للقرطبي وجه في الجمع بين الأحاديث يرفع لتعارض. انظر التذکرة 617. 
  [41]  هو ابوشامة المقدسي الدمشقي الشافعي، الامام، المفنن، المؤرخ.
 ولد سنة تسع و تسعين و خمسائه، وولي مشيخه دار الحديث الأشرقيه.
 وتوفي سنة خمس و سنين و سمائة.
 الذيل علي الروضتين 45 - 37، ذيل مرآه الزمان 367:2، طبقات الشافعية الکبري 8: 168-160. 
  [42]  سقط من: «الاصل، س و سقط من ق في هذه الفقرة قوله: «من التأويل، و هو أن يکون علي حذف مضاف، أي الا مهدي عيسي». وللقرطبي وجه في الجمع بين الاحاديث يرفع لتعارض. انظر التذکرة 617. 
  [43]  -قط من: س. 
  [44]  في ب، ق: «ببن العبد الفقير الي الله تعالي يوسف بن محمد». 
  [45]  في ب، ق: «ثم انه حثني». 
  [46]  في ب، ق: «ترتبه». 
  [47]  في ب، ق: «مطالعة». 
  [48]  في ب، ق: «في». 
  [49]  في ب: «ترصيفه». 
  [50]  في ب، ق: «جمعه للکتب». 
  [51]  في ق زيادة: «به». 
  [52]  في ق: «من الکفر و الظلم». 
  [53]  في ب، ق: «نفلته». 
  [54]  في ب «يرواتهم». 
  [55]  في ب، س، ق: «بهذه». 
  [56]  في ب: «و هو حسبي». 
  [57]  زيادة من: ب،ق. 
  [58]  زيادة من: ب، س. 
  [59]  زيادة من: ب. 
  [60]  زيادة من: ب. 
  [61]  في ب زيادة: «ومکثه». 
  [62]  زيادة من: ب.