بازگشت

الاحاديث الموضوعة في ترويج مهدوية المهدي العباسي


لا بأس هنا بالاشارة السريعة الي تلک الأحاديث الموضوعة و الملفقة المقلوبة في مهدوية محمد بن المنصور الذي عرف بشربا لخمور:

منها: حديث رجل مجهول رفعه الي کعب الأحبار و فيه: «المهدي من ولد العباس»، رواه ابن حماد، عن الوليد، عن شيخ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي، عن کعب. [1] .

و لم يعرف أحد اسم هذا الشيخ، و الاسناد منقطع لاشتماله علي أحد الرواة بلفظ مبهم، و يسمي مجهولا أيضا، زيادة علي ارساله؛ اذ لم يرفعه کعب، هذا فضلا عما في کعب الأحبار من کلام.

و منها: ما أسنده بعضهم الي ابن عباس مرفوعا: «هذا عمي أبو الخلفاء الأربعين أجود قريش کفا و أجملها، من ولده: السفاح، و المنصور، و المهدي، بي يا عم فتح الله هذا الأمر و يختمه برجل من ولدک».



[ صفحه 256]



أورده ابن الجوزي في الموضوعات [2] و ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة، [3] و السيوطي في اللآلي ء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، و قال: «موضوع، المتهم به الغلابي». [4] .

و هذا خطأ فظيع؛ لأن الغلابي ثقة جليل مشهور، و هو محمد بن زکريا البصري (ت 298 ه)، [5] و المتهم به غيره، و يؤيده أن الاسناد المذکور لهذا الحديث ضعيف و منقطع. [6] و لله در من قال في السيطوي بأنه کحاطب ليل.

و من أمارات وضعه، أنه مخالف لعدد سلاطين بني العباس، لأنک لو أعددتهم ابتداء من السفاح و انتهاء بالمستعصهم قتيل التتار لوجدتهم في العراق سبعة و ثلاثين رجلا، و في مصر ابتداء من المستنصر بالله و الي نشوء الدولة الفاطمية ستة عشر رجلا، [7] و بهذا يکون مجموع خلفاء بني العباس ثلاثة و ستين، و به يستبين کذب واضعه و دجله، هذا فضلا عن وضوح کذبه بمعارضة حديثه للصحيح من کون الخلفاء اثني عشر لا غير.

هذا، و قد أخرج الحاکم نحوه من طريق اسماعيل بن ابراهيم بن



[ صفحه 257]



المهاجر، عن أبيه. [8] .

و حديث اسماعيل هذا واه جدا، قال الذهبي: «و اسماعيل مجمع علي ضعفه، و أبوه ليس بذاک». [9] .

و أخرج الحديث المذکور الخطيب البغدادي في تاريخه من رواية محمد ابن مخلد بن حفص. [10] .

و حديثه ليس بشي ء، فقد ذکره الذهبي في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت، قائلا: «رواه عنه محمد بن مخلد، فهو آفته، و العجب أن الخطيب ذکره في تاريخه و لم يضعفه، و کأنه سکت عنه لانتهاک حاله». [11] .

و منها: حديث محمد بن الوليد المقري ء مولي العباسيين، رفعه الي عثمان بن عفان، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: المهدي من ولد العباس عمي».

و هذا الحديث أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية [12] و الألباني الوهابي في سلسلة الأحاديث الضعيفة، [13] و السيطوي في الجامع الصغير، و قال: «حديث ضعيف»، [14] و هذا اشتباه منه؛ اذ الصحيح أنه مکذوب



[ صفحه 258]



لا أصل له کما صرح بهذا غير واحد.

قال المناوي في شرح الجامع الصغير بخصوص هذا الحديث: «قال ابن الجوزي: فيه محمد بن الوليد المقري ء، قال ابن عدي: يضع الحديث، و يصله، و يسرق، و يقلب الأسانيد و المتون. و قال ابن أبي معشر: کذاب». [15] .

و أورده صاحب الصواعق، ثم نقل عن الذهبي قوله: «تفرد به محمد ابن الوليد مولي بني هاشم - يعني: العباسيين - و کان يضع الحديث». [16] .

و قد ترجم الذهبي لهذا الکذاب قائلا: «قال ابن عدي: کان يضع الحديث، و قال أبو عروبة: کذاب، فمن أباطيله...» ثم ساق له ثلاثة أخبار کلها کذب علي الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله، و أشدها خرافة ثالثها. ثم قال: «ال أبو حاتم: ليس بصدوق، و قال الدارقطني: ضعيف». [17] .

و منها: حديث أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خثيم، رفعه الي أم الفضل، عن النبي صلي الله عليه و آله: «يا عباس اذا کانت سنة خمس و ثلاثين و مائة، فهي لک و لولدک، منهم: السفاح، و منهم المنصور، و منهم المهدي». [18] .

و يبدو أن هذا الهلالي کان غبيا جاهلا بالتاريخ، و لهذا فقد خالف



[ صفحه 259]



بخبره هذا واضحات التاريخ، حيث لم يبدأ حکم بني العباس بما قاله هذا الکذاب، و انما ابتدأ حکمهم في (سنة 132 ه) بلا خلاف، و لهذا قال الذهبي في ترجمته: «أحمد بن راشدالهلالي، عن سعيد بن خثيم بخبر باطل في ذکر بني العباس - ثم أورد خبره و قال - فهو الذي اختلقه بجهل». [19] .

و نکتفي بهذا القدر من التوضيح مع الاشارة السريعة الي بقية ما وقفنا عليه من أحاديث المهملين و الکذابين الذين وضعوا الأحاديث في مهدوية المهدي العباسي:

کمحمد بن زياد أبوبکر، و سالم الأعشي، و هما مهملان، و حديثهما عن ابن عباس موضوع. [20] .

و محمد بن جابر بن سيار المحنفي (ضعيف)، و الحسن بن أحمد العطاردي (مجهول)، و قد وقعا في سند حديث واحد مکذوب علي أبي سعيد الخدري. [21] .

و أبي ربيعة زيد بن عوف القطعي و حديثه موضوع. [22] .

و الضحاک، عن ابن عباس، و حديثه موضوع، لأنه لم يسمع من ابن



[ صفحه 260]



عباس شيئا، و لعل الآفة من المجهول الذي سمعه الضحاک منه، کما في قول ابن حبان. [23] .

جدير بالذکر، أنه وردت عن أهل البيت عليهم السلام جملة من الأخبار الصريحة بأن المراد بالمنصور في الروايات هو الامام الحسين عليه السلام و بالسفاح هو أميرالمؤمنين علي عليه السلام، و ذلک بعد الرجعة. [24] .

و مهما يکن، فان بني العباس حاولوا خداع الأمة علي أکثر من صعيد من أجل تمرير أهدافهم السياسية في القضاء علي خصومهم من العلويين و غيرهم، و من ثم تحسين صورتهم في أعين الناس الذين کانوا يرونهم عصابة اغتصبت ثمار جهود متواصلة من النضال العلوي ضد الحکم الأموي الجائر، و من هنا کانوا بحاجة الي تحسين تلک الصورة التي أرادوا جلي سحنتها بکل ثمن، و أخيرا وجدوا بغيتهم عند حفنة من الوضاعين و المتروکين فوضعوا لهم: «أريت بني مروان يتعاورون منبري فساءني ذلک، و رأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلک». [25] .

و المقطع الأول من الحديث المذکور صحيح بلا اشکال، و قد تقدم في أکذوبة مهدوية عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني. و لکن المقطع الثاني منه: «و رأيت بني العباسي...» موضوع بلا شبهة، و الذي وضعه يزيد بن



[ صفحه 261]



ربيعة، المتروک. [26] .

هذا... و قد رأينا کيف سخر العباسيون جملة من الرعاع لنصرتهم بالالتفاف علي أحاديث الرايات السود التي صح الحديث بخروجها من المشرق في آخر الزمان لنصرة الامام المهدي عليه السلام و توطيد سلطانه الشريف، و هي أحاديث صحيحة رواها الفريقان، و صحح الحاکم بعض طرقها علي شرط البخاري و مسلم معا، [27] و لهذا حاولوا صرف الأنظار الي ما يوحي للأمة بأن تلک الرايات السود، هي الرايات السود التي أقبل بها داعيتهم أبو مسلم الخراساني من خراسان لانشاء دولتهم، و لم يصعب عليهم ايجاد من يضع لهم الحديث في ذلک. الأمر الذي يکشف لنا عن أن اختيار العباسيين لبس السواد - کشعار لهم - لم يکن جزافا، و بلا هدف، و انما جاء منسجما مع وسائلهم في الوصول الي السلطة و سبل تثبيتها، بالغدر و القتل تارة، و بالکذب علي الله و رسوله صلي الله عليه و آله تارة أخري.

و قد تنبه ابن کثير الي کذبهم هذا، فقال معقبا حديث الرايات في سنن الترمذي: [28] «و هذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني... بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي». [29] .


پاورقي

[1] الفتن ابن حماد 103؛ و عنه الخطيب في تاريخ بغداد 85:1 باب من أخبار أبي جعفر المنصور.

[2] الموضوعات ابن الجوزي 345:1.

[3] تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة ابن عراق 22:11:2.

[4] اللآلي ء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1: 434- 435.

[5] رجال النجاشي 346- 347: 936.

[6] کما في البداية و النهاية ابن کثير 246:6.

[7] کما في تاريخ الخلفاء للسيوطي.

[8] مستدرک الحاکم 8568:599:4 و الطبعة القديمة 514:4.

[9] تلخيص المستدرک الذهبي (مطبوع بهامش مستدرک الحاکم -الطبعة القديمة) 514:4.

[10] تاريخ بغداد 1742:93:4 في ترجمة محمد بن نوح بن سعيد المؤذن.

[11] ميزان الاعتدال 328:89:1.

[12] العلل المتناهية 1438:858:2.

[13] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1: 180- 181: 80.

[14] الجامع الصغير السيوطي 9242:672:2.

[15] فيض القدير في شرح الجامع الصغير عبد الرؤوف المناوي الشافعي 9242:278:6.

[16] الصواعق المحرقة ابن حجر الهيثمي 166.

[17] ميزان الاعتدال 4: 59- 60: 8293.

[18] تاريخ بغداد 1: 84- 85، باب من أخبار أبي جعفر المنصور.

[19] ميزان الاعتدال 375:97:1.

[20] الموضوعات ابن الجوزي 447:2، ترتيب الموضوعات الذهبي 1172:322، و اللآلي ء المصنوعة 398:1.

[21] تاريخ بغداد 5007:399:9.

[22] العلل المتناهية 469:290:1.

[23] لسان الميزان 6: 451- 452: 7976 في ترجمة محمد بن الفرج الأزرق.

[24] راجع: تفسير العياشي 24:326:2، و کتاب الغيبة النعماني 331- 332: 3 باب 26، و مختصر بصائر الدرجات 38 و 39 و 49 و 213 و 214 و الاختصاص الشيخ المفيد 258-257 و کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 286.

[25] المعجم الکبير الطبراني 1425:96:2.

[26] مجمع الزوائد 244:5 قال: «و فيه يزيد بن ربيعة، و هو متروک».

[27] مستدرک الحاکم 8532:547:4، و الطبعة القديمة 502:4.

[28] سنن الترمذي 2269:531:4.

[29] النهاية في الفتن و الملاحم ابن کثير 55:1.