بازگشت

ابوجعفر المنصور


يعد المنصور الدوانيقي (الخليفة) العباسي (158-136 ه) الرجل الأول وراء القول بمهدوية ابنه (محمد)، بعدما کان في طليعة من أشاع القول بمهدوية محمد النفس الزکية، مع أنه لم يکن معتقدا بها و لا بمهدوية ابنه قط، و انما رامها لأسباب سياسية بحتة کما سيوافيک.

و قد کان المنصور - قبل وصول أخيه السفاح الي السلطة (سنة 132 ه)- متملقا للحسنيين، مداهنا معهم، يحسب لمستقبله السياسي ألف حساب؛ اذ سبق له و أن أمسک برکاب محمد النفس الزکية، طالبا منه أن يذکر له هذا الموقف فيما لو أثمرت مهدويته، و صار خليفة للمسلمين!! و لکنه سرعان ما نکث بيعته، و غدر به بعد تولي السلطة بموت السفاح (سنة 136 ه)، فکفر بمهدويته، و أطاح بحرکته، و أقدم علي قتله و أخيه ابراهيم (سنة 145 ه). و بعد مرور سنتين - أي: في



[ صفحه 250]



(سنة 147 ه)- احتال علي عمه عيسي بن موسي الذي کان السفاح قد عهد اليه بالخلافة بعد المنصور؛ فخلعه منها، و عهد بها الي ولده (محمد) و لقبه المهدي!. [1] .

و ترجع محاولات المنصور في استغلال العقيدة المهدوية لصالحه الي أواخر السلطة الأموية، يوم کان ابنه (محمد) طفلا صغيرا لا يتجاوز الخامسة من عمره؛ اذ ولد (سنة 127 و قيل: 126 ه)، أي: قبل تسلم العباسيين السلطة بخمس أو ست سنين. و منذ ذلک التاريخ ظل حلم المهدوية يراود مخيلة المنصور الي أن تمکن من اعلانه رسميا علي المأ (سنة 147 ه)، قبل شهادة الامام الصادق عليه السلام (سنة 148) بسنة واحدة.

و يدل علي ما ذکرناه ما قاله أبو سلمة المصبحي، قال: حدثني مولي لأبي جعفر، قال: أرسلني أبو جعفر - يعني المنصور - فقال: اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد بن عبد الله، قال: فذهبت و جلست عند المنبر فسمعت محمد بن عبد الله بن الحسن يخاطب الناس و يقول: «انکم لا تشکون اني أنا المهدي، و أنا هو. قال: فأخبرت أبا جعفر بذلک، فقال: کذب عدو الله، بل هو ابني». [2] .

أقول: ليت أحدا قال له في ذلک الحين: و أنت يا عدو الله ألم تکذب و قتول في محمد بن عبد الله بن الحسن نفسه: هذا مهدينا أهل البيت؟



[ صفحه 251]



و من الواضح ان هذا التراجع من المنصور لم يکن في زمان سلطته و لا في زمان أخيه السفاح؛ اذ کان المهدي الحسني في تلک الفترة متواريا عن أنظار ولاة المدينة لبني العباس، و بقي هکذا الي أن فاجأ المنصور بالثورة عليه سنة 145 ه، و عليه فلا بد و أن يکون هذا لاتحول بعيد مبايعته لمحمد بن عبد الله الحسني و وصفه بالمهدي، اذ علم من الامام الصادق عليه السلام مصير تلک المهدوية و السلطة معا، فما يمنعه اذن من استخدام سلاح الحسنيين أنفسهم في الدعوة الي ابنه، لا سيما و أن اسمه (محمد)، و اسم أبيه المنصور (عبد الله)، و الحديث الموضوع: (و اسم أبيه اسم أبي) لم يزل ساري المفعول في زمانه.

و قد مر عنه قوله - بعدما سمع من الامام الصادق عليه السلام ما سمع - بأنه ما خرج من المجلس الا ودبر أمره!! فانظر کيف نظر و فکر فدبر؟!

و روي أبو الحجاج الجمال ما هو صريح بتراجع المنصور عن القول بمهدوية محمد النفس الزکية قبل قتله، قال أبو الحجاج: «اني لقائم علي رأس أبي جعفر المنصور، و هو يسألني عن مخرج محمد بن عبد الله بن الحسن، فبلغه أن عيسي بن موسي هزم، و کان أرسله الي قتال محمد. قال: و کان المنصور متکئا، فجلس، فضرب بقضيب معه مصلاه، و قال: کلا فأين لعب صبياننا بها علي المنابر، و مشاورة النساء»أ [3] .

و السؤال هنا: أنه لو کان معتقدا بمهدوية الحسني، فلماذا هذا التحول



[ صفحه 252]



السريع؟ ثم من أين لأبي جعفر الدوانيقي أن يعلم بکل هذا لو لم يأخذه من عين صافية؟

نعم، أخذه من الامام الباقر عليه السلام في زمان الدولة الاموية [4] کما أخذه من الامام الصادق عليه السلام يوم خاطب عبد الله بن الحسن بمحضر منه و من أخيه السفاح قائلا: «ان هذا الأمر و الله ليس اليک و لا الي ابنيک، و انما هو لهذا - يعني السفاح - ثم لهذا- يعني المنصور - ثم لولده من بعده، لا يزال فيهم حتي يأمروا الصبيان، و يشاوروا النساء». [5] .

و هکذا کان للمنصور العباسي الدور الأول في خداع الأمة و التحايل علي عقيدتها في الامام المهدي الموعود عليه السلام تارة بادعائها للحسني، و أخري لولده، هذا في الوقت الذي کان يعتقد فيه اعتقادا راسخا بأن المهدي الموعود غيرهما. و الدليل عليه ما قاله يوسف بن قتيبة بن مسلم، قال: «أخبرني أخي مسلم بن قتيبة، قال: أرسل الي أبو جعفر - المنصور-، فدخلت عليه، فقال: قد خرج محمد بن عبد الله و تسمي بالمهدي، و و الله ما هو به. و اخري أقولها لک لم أقلها لأحد قبلک، و لا أقولها لأحد بعدک: و ابني هذا و الله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية، و لکنني تيمنت به، و تف ءلت به». [6] .

و يدل عليه أيضا ما أخرجه الشيخ المفيد عن سيف بن عميرة، قال:



[ صفحه 253]



«کنت عند أبي جعفر المنصور، فقال ابتداء: يا سيف بن عميرة، لابد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.

فقلت: جعلت فداک! أتروي هذا؟ قال: أي والذي نفسي بيده، لسماع أذني له، ثم قال: يا سيف انه لحق، و اذا کان فنحن أول من يجيبه، أما ان النداء الي رجل من بني عمنا.

فقلت: رجل من ولد فاطمة؟

فقال: نعم يا سيف، لو لا اني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي يحدثني به، و حدثني به أهل الأرض کلهم ما قبلته منهم! و لکنه محمد بن علي». [7] .

أقول: و مع کل هذا فلم يرتدع حتي أعلن مهدوية ابنه رسميا علي الملأ، و لم يفصح لأحد بما أفصح به من قبل لمسلم بن قتيبة کما مر، و بق يمعاندا للحق فأشاع تلک البدعة الشنعاء، و قد وقف الي جانبه الوضاعون و الشعراء المتملقون کما سنري.


پاورقي

[1] راجع: تاريخ الخلفاء السيوطي 210.

[2] مقاتل الطالبيين 212.

[3] مقاتل الطالبيين 241 و تاريخ الطبري 598:7 و البداية و النهاية 90:10 في حوادث سنة 145 ه.

[4] کما في روضة الکافي 256:178:8.

[5] مقاتل الطالبيين 226.

[6] مقاتل الطالبيين أبو الفرج الأصبهاني 307.

[7] الارشاد الشيخ المفيد 2: 370- 371.