بازگشت

من نتائج توعية الامام الصادق


لعل من أبرز نتائج الثقافة المهدوية التي بثها الامام الصادق عليه السلام في ذلک الحين، تنصل قادة المعارضة الحسنية للسلطة العباسية من دعوي المهدوية جملة و تفصيلا، بما في ذلک عبد الله بن الحسن الذي رجاها في ابنه محمد، و کذلک محمد نفسه الذي ادعاها کما مر.

فقد روي يحيي بن مساور، عن يحيي بن عبد الله بن الحسن قال: «لما حبس أبي - عبد الله بن الحسن - و أهل بيته، جاء محمد بن عبد الله الي أمي، فقال: يا أم يحيي، أدخلي علي أبي السجن، و قولي له: يقول لک محمد: بأنه يقتل رجل من آل محمد - يعني بذلک نفسه - خير من أن يقتل بضعة عشر رجلا. قالت: فاتبعته، فدخلت عليه السجن، فاذا هو متکي ء علي برذعة، في رجله سلسلة، قالت: فجزعت من ذلک، فقال: مهلا يا أم يحيي فلا تجزعي فما بت ليلة مثلها! قالت: فابلغته قول محمد، قالت: فاستوي جالسا ثم قال: حفظ الله محمدا، لا و لکن قولي له فليأخذ في الأرض مذهبا، فو الله ما يحتج عند الله غدا، الا أنا خلقنا و فينا من



[ صفحه 245]



يطلب هذا الأمر». [1] .

و روي ابن الأثير ما خلاصته: ان المنصور العباسي لما حبس بني الحسن في المدينة و صيرهم بعد رجوعه من الحج الي الربذة کانا محمد و ابراهيم يأتيانه کهيئة الأعراب فيتشاوران مع أبيهما، و انه قال لهما: «ان منعکما أبو جعفر - يعني المنصور - أن تعيشا کريمين، فلا يمنعکما أن تموتا کريمين». [2] .

و هذه الکلمات تکاد تنطق بتحول عقيدة الأب في ابنه، و تنازل الابن نفسه عن دعوي المهدوية و تنصله منها.

أما قول محمد لأبيه في رواية أخيه يحيي، فيکشف دوران أمره بين تسليم نفسه للقتل مقابل الافراج عن أبيه و باقي الحسنيين، او التضحية بها و بأهل بيته المسجونين، و کلاهما يعبر عن تبخر ذلک الوهم الکبير في أن يملأ الارض عدلا و قسطا بعدما ملئت ظلما و جورا.

و أما أبوه عبد الله فقد آثر لهما - برواية ابن الأثير - مصارع الکرام علي العيش بذل الاستسلام، و لو کان يعتقد مهدوية ابنه محمد کما کان قبل دخوله السجن، لأخذ بروع محمد ابنه، و طمأنه علي حياته و مستقبل مهدويته، بأنها أعظم من أن تزول علي يد الدوانيقي المخذول، و لقال له: يا بني عجل بالظهور، فان روح الله عيسي بن مريم عليه السلام سينزل لنصرتک،



[ صفحه 246]



و سيصلي خلفک، حتي تکون مشارق الأرض و مغاربها من ملکک.

و بفضل هذه التوعية أيضا أنکر آخرون أن يکون محمد بن عبد الله هو المهدي.

منهم: جد محمد بن عبد الله لأمه مروان بن محمد، الذي أثر فيه حديث الامام الصادق عليه السلام في بيان هوية الامام عليه السلام، و الذي لابد و أن يکون قد وصل الي أسماعه.

و يدل عليه ما قاله أبو العباس الفلسطي، قال: «قلت لمروان جد محمد بن عبد الله؛ فانه - يعني: ابن عبد الله - يدعي هذا الأمر و يتسمي بالمهدي! فقال: ما لي و له، ما هو به، و لا من أبيه، و انه لابن أم ولد» [3] يعني ابن سبية.

و منهم: خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين عليهماالسلام، حيث کانت تسخر من القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن. [4] .

و منهم: الکلبي النسابة، حيث أخذ معرفة هذا الأمر و حقيقته من الامام الصادق عليه السلام مباشرة، و لم يطع عبد الله بن الحسن في شي ء مما قاله. [5] .



[ صفحه 247]



و منهم: موسي بن عبد الله بن الحسن أخي محمد بن عبد الله بن الحسن، الذي اعترف بصحة وقوع کل ما أخبر به الامام الصادق عليه السلام، و قد مر حديثه.

و منهم: اسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و هو شيخ کبير، قتله الحسنيون بعدما أبي عن بيعة محمد هذا، لحديث رواه عن الامام الباقر عليه السلام في مصرعه، و قد أيده الامام الصادق عليه السلام، و قد قتله أنصار محمد في مساء ذلک اليوم الذي امتنع فيه عن البيعة لهم. [6] .

و منهم: علماء آل أبي طالب کما مر في کلام أبي الفرج، و يأتي الامام الصادق عليه السلام في طليعتهم، و قد يکون عليه السلام هو المعني أولا و آخرا بکلامه.

و منهم: بعض الحسنيين کما مر في قول ابن أخي الزهري لعبد الله ابن الحسن لما أصر علي أن المهدي هو ابنه محمد، فقال له: «يأبي ذلک أهل بيتک»، و فيه اشارة الي وجود جملة من بني الحسن لا يرون صحة القول بمهدويته؛ نظرا لما وصل اليهم من أخبار المهدي الموعود عليه السلام، فضلا عما کان يقوله امامنا الصادق عليه السلام للحسنيين و يخلص لهم النصيحة في ذلک.

و منهم: عمرو بن عبيد، الذي «کان ينکر أن يکون محمد بن عبد



[ صفحه 248]



الله هو المهدي، و يقول: کيف و هو يقتل؟». [7] .

و منهم: أبو جعفر المنصور العباسي کما سيأتي في دعوي مهدوية ابنه محمد الملقب زورا ب: (المهدي العباسي).



[ صفحه 249]




پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين 193.

[2] الکامل في التاريخ 144:5 في حوادث سنة 144 ه.

[3] مقاتل الطالبيين 219 و 228.

[4] اصول الکافي 17:358:1 باب ما يفصل به بين دعوي المحق و المبطل في أمر الامامة، من کتاب الحجة.

[5] اصول الکافي 1: 348- 351: 6 من الباب السابق.

[6] اصول الکافي 1: 363- 364: 17 من الباب السابق.

[7] مقاتل الطالبيين 218.