الکشف عما في قصيدة السيد الحميري من دلالات
لا بأس بمتابعة قصيدته و الکشف - باختصار- عما في أبياتها من دلالة کالآتي:
البيت الثاني و الثالث: فيهما تصريح باعتقاد السيد الحميري بأن الامام الصادق عليه السلام هو ولي الله في زمانه و أمين الله علي وحيه و ابن أمينه.
الرابع و الخامس: فيهما تصريح بالتوبة من الاعتقاد القديم بمهدوية ابن الحنفية.
السادس: في بيان سبب اعتقاده القديم الفاسد و هو تطبيق الروايات الواردة في المهدي و غيبته عن الوصي و يعني به أميرالمؤمنين عليه السلام علي غير موردها الحقيقي و مصداقها الواقعي.
السابع: يدل علي أن المروي عن الوصي عليه السلام بشأن المهدي هو غيبته (يفقد لا يري) و أن سببها الخوف (ستيرا کفعل الخائف المترقب) و هذا هو المؤيد بروايات کثيرة عن الامام الصادق عليه السلام کما مر مفصلا في هذا البحث.
[ صفحه 186]
الثامن: يشير الي أن المروي عن الوصي عليه السلام صريح بتقسيم أموال الامام المهدي عليه السلام و هو حي «فتقسم أموال الفقيد» أي الغائب الحي الموجود، و هو ما حصل فعلا لامامنا المهدي من أزلام السلطة العباسية و أذنابها في حديث طول رواه الشيعة برمتهم وصح لديهم من عدة طرق.
التاسع و العاشر و الحادي عشر: في خصوص کون المروي عن الوصي في المهدي عليه السلام، هو أنه لابد و أن يغيب حينا من الدهر، ثم يکون ظهوره في مکة المکرمة، و أن الله تعالي سيمکنه من أعدائه جميعا، و هذا هو ما نقوله و نعتقده طبقا للمتواتر من الأخبار.
الثاني عشر الي الخامس عشر: في الکشف عن عقيدته السابقة بمهدوية ابن الحنفية رضي الله عنه، و اعلان رجوعه عنها، و اعتقاده الحق بفضل الامام الصادق عليه السلام، و يتضمن الأخير اعتقاده بأن امامة الامام الصادق عليه السلام من الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله، و أنه معصوم من الخطأ و الزلل، و الا فما معني ان يشهد الله تعالي علي أن الصادق عليه السلام حجة الله علي سائر الخلق؟ و کيف يختار الله تعالي حجته علي عباده و لا يکون معصوما؟
و ما يقال بأن الشعر عامة ليس حجة، فهو کذلک، و لکن الأمر مختلف هاهنا، فالأبيات تتلي علي مسامع الامام عليه السلام و لو کان فيها أدني زلل لنبه عليه الامام الصادق عليه السلام.
السادس عشر الي التاسع عشر: صريحة بلا بدية غيبة ولي الأمر الامام
[ صفحه 187]
القائم المهدي عليه السلام، و أنه لابد من ظهوره عليه السلام بعد انتهاء أمد غيبته، و حينئذ سيتحقق حلم الأنبياء عليهم السلام جميعا باقامة دولة الحق العظمي في جميع الأرض علي يده الشريفة، و في الأخير اعلان بتمسک السيد الحميري بهذا الدين الحق، و انه لا يخشي فيه لومة لائم.
کما أن أجواء القصيدة و أبياتها تکشف عن أن أحاديث غيبة الامام المهدي عليه السلام الواصلة الينا لم تکن قط من صنع أية حرکة أو طائفة، و لا هي من صنع متکلمي الشيعة في القرنين الثالث و الرابع الهجريين کما يفتري بذلک بعض المهرجين، و انما هي - في حدود أجواء القصيدة فقط- من أخبار أهل البيت عليهم السلام منذ عهد أميرالمؤمنين الامام علي عليه السلام وصولا الي الامام الصادق عليه السلام، فضلا عما في غيرها و هو کثير.
کما تکشف أجواء القصيدة أيضا عن دور الامام الصادق عليه السلام في التصدي الحازم لمزاعم المهدوية کالکيسانية، و بثه الوعي اللازم تجاه العقيدة المهدوية الصحيحة، مع استغلال کل فرصة سانحة لغرس مبادي ء الدين النقية التي تقوم عليها نظرية الحکم في الاسلام کما يفهم من تقرير الامام عليه السلام لمفردات تلک القصيدة الرائعة التي جاءت زاخرة بفکر الامامة و مفعمة بعقيدة النص و التعيين.
و أما عن خلو الأبيات الشعرية من التصريح بهوية الامام المهدي عليه السلام فلا يدل علي عدم تحديد الهوية للسيد الحميري من قبل الامام الصادق عليه السلام خصوصا و قد مر في کلامه المنثور ما هو صريح بهذا التحديد. و ربما قد يکون التحديد مذکورا في رائيته المتقدمة حيث اقتصر علي بعض
[ صفحه 188]
أبياتها، و لو وصلت الينا کاملة فربما وجدنا بها أسماء أهل البيت عليهم السلام جميعا.
و المهم هو أن رجوع مثل السيد الحميري عن عقيدة الکيسانية و اعتناق المذهب الامامي الاثني عشري يعبر عن دور الامام الصادق عليه السلام في معالجة دعاوي المهدوية في زمانه مما کان له أکبر الأثر في هدم تلک الدعاوي الباطلة و تلاشيها واحدة بعد أخري.