بازگشت

اسباب ظاهرة ادعاء المهدوية في التاريخ


تمثل ظاهرة ادعاء المهدوية في التاريخ الاسلامي عنصر الفساد و الانحراف الذي يقف دائما- و باسم الدين - في الصف المناوي ء للأهداف الکبري في الشريعة، و ذلک باستغلال ايمان الأمة بالامام المهدي عليه السلام الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله بشکل تخطي مضمونه سائر الحدود المطلوبة فيت حقق التواتر و علي جميع الأصول المحررة في معرفته.

و قد يسأل بعضهم فيقول: کيف استطاعت اذن أن تشق تلک الظواهر طريقها في المجتمع الاسلامي و بهذا الوقت المبکر من تاريخه؟

و الجواب منوط بمعرفة الأسباب المؤدية الي استغلال الدين باسمه و علي أکثر من صعيد، و يأتي في طليعتها:

1- عدم تحصن الأمة بالثقلين «کتاب الله و العترة الطاهرة عليهم السلام» کما ينبغي.

2- ضعف الوازع الديني عند أدعياء المهدوية علي مر التاريخ، مما



[ صفحه 176]



هون عليهم ذلک ارتکاب مثل هذا الأمر الخطير.

3- تشر ذم الأمة الي فئات متناحرة و محاولة کل منها کسب الأنصار و المؤيدين بشتي الطرق الملتوية، من بذل المال، أو الالتفاف علي الدين.

4- قلة الثقافة المهدوية في نفوس بعض القواعد الشعبية التي روجت لمهدوية هذا الشخص أو ذاک، کما نجده عند الکيسانية في اشاعتهم مهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه.

5- الافتتان ببعض الشخصيات، و محاولة رفعها فوق قدرها و اعطائها من الألقاب و الصفات ما لا تستحق، کما هو الحال في وصف عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني ب (المهدي) مثلا.

و مما زاد الطين بلة: ثقافة الاستبداد السياسي التي ورثتها الأمة و تربت عليها بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله مباشرة، فهي في الوقت الذي تجاهلت فيه مبدأ النص و التعيين، لم تراع حرية الاختيار و اختفت الشوري تماما بحيث لم تتحقق و لو مرة واحدة - سهوا أو اشتباها - في حياتها، ثم تطور الأمر سوءا حتي ابيح للسلطان أن يتخذ الدين مطية لتحقيق مآربه و أهدافه السياسية، و لو بعبور الخطوط الحمراء في الشريعة و استغلالها لصالحه کما هو الحال في الدولتين الأموية و العباسية، و خير مثال علي ما نحن فيه محاولة التفاف أبي جعفر الدوانيقي عبد الله المنصور (الخليفة) العباسي (158-136 ه) علي العقيدة المهدوية، و انتزاعها من محمد بن عبد الله بن الحسن المثني (المهدي الحسني) الذي ادعاها بدوره! طمعا بالسلطة، فأطاح المنصور العباسي بثورته و قتله و أخاه ابراهيم (سنة 145 ه)، ثم أقدم (سنة 147 ه) علي تعيين ابنه محمد (169-159 ه)



[ صفحه 177]



وليا للعهد و لقبه بالمهدي! [1] ، و غيرها من الأسباب الأخري التي أفضت بطبيعتها الي ولادة خط الانحراف العقائدي و تمکين ظواهره السلبية في المجتمع، في حين صمد الخط الملتزم بمبادئه الاسلامية الثابتة، و تصدت قيادته الواعية الي کل انحراف؛ لتصون العقيدة المهدوية من العابثين و الطامعين، کما نجد ذلک واضحا في موقف الامام الصادق عليه السلام من أولي تلک الدعاوي المزعومة و الشبهات الفاسدة التي ظهرت في مقولة الکيسانية فنقول:


پاورقي

[1] راجع: تاريخ الخلفاء السيوطي 210.