بازگشت

تمهيد


علي الرغم من کثرة الکتب المؤلفة في غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل حصولها، و کثرة الأحاديث الواردة في بيان هوية الامام المهدي، و غيبته، و طول عمره الشريف قبل ولادته بعشرات السنين، و انتشار العقيدة المهدوية في الوسط الاسلامي - في القرون الثلاثة الأولي - انتشارا واسعا... علي الرغم من کل ذلک بقي علم الکلام الاسلامي في عصر الامام الصادق عليه السلام بکل اتجاهاته خاليا تماما من أية اثارة بخصوص الامام المهدي عليه السلام، هذا في الوقت الذي تناول فيه شتي المباحث الکلامية في التوحيد، و العدل، و النبوة، و الامامة، و المعاد، و غيرها.

و السر في ذلک... أنه لم تکن هناک ثمة شبهات کبيرة تذکر في زمان الامام الصادق عليه السلام بشأن الغيبة و الغائب، خصوصا و ان الامام المهدي عليه السلام لم يکن مولودا في ذلک الحين، و لم تبتل الأمة بغيبته الطويلة التي صارت فيما بعد مثارا للجدل. هذا اذا ما استثنينا بعض المحاولات المنحرفة التي کانت تستهدف استغلال عقيدة الأمة بمهديها فادعت المهدوية زورا و بطلانا، و تصدي لها الامام الصادق عليه السلام بکل قوة حتي قبرت و هي في مهدها.



[ صفحه 172]



و يبدو أن متکلمي المعتزلة و الزيدية و غيرهم من خصوم الامامية الذين ماتوا قبل ولادة الامام المهدي عليه السلام کانوا في حرج شديد ازاء أخبار الامام الصادق عليه السلام و أهل البيت عليهم السلام کافة بخصوص ولدهم المهدي عليه السلام، اذ شکلت بمجموعها تحديا صارخا لهم، و لم يجدوا وسيلة في رد أخبار أهل البيت عليهم السلام تلک حتي و ان لم يعتقدوا بامامتهم، اذا تکفيهم بذلک سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة و الضبط و الصدق و الحفظ و الحريجة في الدين، سيما و ان تلک الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يکون بعيدا علي أولئک المتکلمين، و بالتالي هم ليسوا من أهله، [1] و لهذا نراهم قد خففوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة، و أهملوها تماما، و لم يتصد أحد منهم قط الي تکذيب أخبارها علي الرغم من کونها بين أيديهم، و کأنهم - بهذا - قد تحفظوا علي أنفسهم فلم يرموا بها شططا في کل اتجاه.

و ما ان انقضي عصر اولئک المتکلمين الا و قد اصطدم خلفهم بالواقع، خصوصا و قد شاهدوا رجوع القواعد الشيعية برمتها - في کل صغيرة



[ صفحه 173]



و کبيرة- الي سفراء الامام المهدي عليه السلام و وکلائه المنبثين في طول بلاد الاسلام و عرضها.

و من هنا لم يشأ بعضهم ترک الحبل علي غاربه، فحاول عبثا اثارة بعض الشبهات و الاشکالات، حتي اضطر أخيرا الي تکذيب تلک الأخبار التي کانت مدونة في عهد أسلافهم الذين عجزوا من تکذيبها.

و ما ان دخلت العقيدة المهدوية في علک الکلام و أخذت حيزها الواسع فيه، و ذلک بعد تحققها علي أرض الواقع بولادة الامام المهدي عليه السلام و غيبته سنة 260 ه، الا و قد تصدي طلائع المتکلمين من الامامية في عصر الغيبة الصغري کابن قبة الرازي و النوبختيين و غيرهم الي بيان زيف تلک الشبهات و أذاقوها ألوانا من مرارة التفنيد، کما نجده في کثير من نقولات الشيخ الصدوق عن أولئک المتکلمين في رد شبهات الزيديه و المعتزلة و غيرهم في هذا الخصوص. [2] .

و الطريف في تلک الشبهات أنها کانت تعتمد علي أشياء قد سبق و ان تعرض لها الامام الصادق عليه السلام، نظير تمسکهم بدعاوي المهدوية، و طول عمر الامام المهدي عليه السلام، و الفائدة من غيبته، و نحو هذا من الأمور التي لم تزل تثار الي وقتنا هذا... بما يمکن معه القول بأن سائر الاشکالات التي يثيرها بعض الکتاب لم تکن جديدة أصلا؛ اذ مضي عليها أکثر من ألف عام، بل حتي أجوبتها ليست جديدة هي الأخري و عمر معظمها أطول



[ صفحه 174]



من عمر الامام المهدي عليه السلام، کما سنري بعد قليل.

و من هنا يتبين لنا و بکل وضوح أن دور الامام الصادق عليه السلام في صيانة الفکر المهدوي الأصيل کان دورا سابقا لزمانه بقرون عديدة، الا ما کان بصدد رد بعض دعاوي المهدوية المعاصرة له عليه السلام، اذ کان عليه السلام يتعمد الي اثارة ما يمکن أن يقال عاجلا أو آجلا ثم يتعرض - بذات الوقت - الي الاجابة الشافية المختصرة.

و کثيرا ما يکون في حديثه عليه السلام جواب لشبهة مقدرة من دون اثارة صريحة لها، و ربما قد يکون الجواب - أحيانا- ردا علي سؤال في هوية الامام المنتظر، أو ولادته، أو غيبته، و نحو ذلک من أمور أخري، صارت اجاباتها ردودا لما أثير بعد ذلک من شبهات.

و في ما يلي دراسة لأهم الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية، و موقف الامام الصادق عليه السلام منها و ذلک في فصول.



[ صفحه 175]




پاورقي

[1] بحث المتکلمون في مسائل کثيرة لم يکونوا من أهلها في ذلک الحين، و کانت تمس مستقبل الانسان و مصيره في الصميم، کما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ، و الصراط، و الميزان... و نحوها کثير.

و الأمر هنا مختلف تماما، اذ لا يقبل جدلا و لا تأويلا، فالاخبار عن شخص بذکر اسمه و نسبه و حسبه و کنيته و لقبه و سيرته و حليته و أخلاقه و أوصافه بأنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان، لا يدع مجالا للمتکلمين في تأويل ذلک أو صرفه عن مدلوله، اللهم الا أن يضطرهم اعتقادهم الفاسد الي تکذيب مثل هذا الاخبار، و هو ما لم يحصل من المتکلمين في زمان الامام الصادق عليه السلام.

[2] راجع: ما کتبه الشيخ الصدوق في مقدمة کتابه اکمال الدين و اتمام النعمة، ستجد فيها ردا واسعا علي شبهات الزيدية و المعتزلة و غيرهم في العقيدة المهدوية.