بازگشت

تصريح الامام الصادق بأن للمهدي غيبتين (صغري و کبري)


روي حديث الغيبتين، عن الامام الصادق عليه السلام کل من: أبي بصير، وزرارة، و اسحاق بن عمار، و حازم بن حبيب، و عبيد بن زرارة، و المفضل ابن عمر، کما ورد حديث الغيبتين علي لسان امامنا الباقر عليه السلام في مارواه عنه ابراهيم بن عمر اليماني، و محمد بن مسلم الثقفي و کذلک ورد حديث الغيبتين علي لسان الامام زين العابدين عليه السلام، کما سيأتي مفصلا بعد قليل.

و المراد بالغيبتين: الغيبة الصغري التي حصلت بعد وفاة الامام العسکري عليه السلام مباشرة، و تمتد هذه الغيبة من زمان وفاة الامام العسکري عليه السلام في الثاني و العشرين من شهر ربيع الأول (سنة 260 ه) الي وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه، و ذلک في النصف من شعبان (سنة 329 ه)، فتکون مدة الغيبة الصغري ثمان و ستين سنة، و أربعة أشهر، و ثلاثة و عشرين يوما.

و قد کان للامم المهدي عليه السلام في تلک الغيبة أکثر من عشرين وکيلا



[ صفحه 130]



موزعين علي شتي المدن و الأمصار الاسلامية، لکن الثقل الأعظم في أيصال تعاليم الامام الي قواعده الشعبية کان علي کاهل السفراء الأربعة قدس الله أرواحهم الزکية، و هم:

أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي و بقي في السفارة بحدود حمس سنين، ثم جاء من بعد وفاته رضي الله عنه (سنة 265 ه تقريبا) ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، فقام مقام أبيه، و توفي رضي الله عنه (سنة 304 ه)، و قيل: (سنة 305 ه)، و بقي في السفارة زهاء أربعين سنة، ثم جاء بعد وفاته السفير الثالث أبو القاسم الحسين بن روح طاب ثراه، و بقي في السفارة الي حين وفاته رضي الله عنه في شهر شعبان (سنة 326 ه)، ثم تلاه علي ذلک السفير الرابع أبو الحسن علي بن محمد السمري، و بموت السمري رضي الله عنه في النصف من شهر شعبان (سنة 329 ه)، انتهت مدة الغيبة الصغري، ثم حلت بعدها الغيبة الکبري لامام العصر و الزمان أرواحنا فداه، و لا يعلم أحد بأمدها و مدتها الا الله عزو جل، و فيها انقطعت السفارة ليتولي مراجع الدين من الشيعة دور النيابة عن الامام عليه السلام وفقا للقواعد الشرعية التي وردت علي لسان أهل البيت عليهم السلام بما في ذلک امامنا المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف.

و هکذا عرف الشيعة الامامية، دسائس الکذابين و المهرجين، الذين حاولوا صرف أخبار الغيبتين الي مدعيات الواقفية و قولهم بغيبة الامام الکاظم عليه السلام، متناسين التاريخ الذي نطق بشهادة الامام الکاظم عليه السلام، کما نطق بصاحب الغيبتين عليه السلام اجمالا و تفصيلا.



[ صفحه 131]



1- عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «کان أبو جعفر عليه السلام يقول: للقائم من آل محمد عليه و عليهم السلام غيبتان: واحدة طويلة، و الأخري قصيرة. قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، احداهما أطول من الاخري...». [1] .

و هذا الحديث أخرجه النعماني عن الحسن بن محبوب، و نقله الطبري الامامي في دلائل الامامة، و الاربلي في کشف الغمة؛ کلاهما من کتاب المشيخة للحسن بن محبوب مع التصريح بهذا، و رواه الفضل بن شاذان المتوفي في حياة الامام العسکري عليه السلام و لم يشهد أيا من الغيبتين عن شيخه الحسن بن محبوب مباشرة، و الحسن بن محبوب مات سنة 224 ه.

جدير بالذکر أنه قد ثبت عن الامام الباقر عليه السلام ما قاله أبو بصير في هذا الحديث. ففي الصحيح عن ابراهيم بن عمر اليماني قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «ان لصاحب هذا الأمر غيبتين». [2] .

کما سمعه محمد بن مسلم الثقفي يقول عليه السلام: «ان للقائم غيبتين، يقال له في احداهما: هلک، و لا يدري في أي واد سلک».

و في حديث ثابت الثمالي، عن الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، قال: «.. و ان للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخري». [3] .



[ صفحه 132]



و قد صح حديث الغيبتين عن الامام الصادق عليه السلام من طرق شتي.

2- ففي الصحيح عن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان أحداهما أطول من الأخري». [4] .

3- و عنه أيضا، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان للقائم غيبتين، يرجع في أحداهما، و في الأخري لا يدري أين هو، يشهد المواسم، يري الناس و لا يرونه». [5] .

4- و عن عبيد بن زرارة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان يشهد في احداهما المواسم يري الناس و لا يرونه». [6] .

5- و في الصحيح عن اسحاق بن عمار، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «للقائم غيبتان احداهما قصيرة، و الأخري طويلة، الغيبة الأولي لا يعلم بمکانه فيها الا خاصة شيعته، و الأخري لا يعلم بمکانه فيها الا خاصة مواليه». [7] .



[ صفحه 133]



6- و في الصحيح عن حازم بن حبيب، قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا حازم ان لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية، فمن جاءک يقول انه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه».

و هذا الحديث سمعه أبو محمد علي بن أحمد العلوي من عبد الله بن جبلة، و قد نقله الشيخ الطوسي من کتاب العلوي هذا مباشرة، [8] کما نقله الفضل بن شاذان (ت 260 ه) عن عبد الله بن جبلة أيضا، [9] و سمعه عبيس بن هشام (ت 220 ه أو قبلها بسنة) من عبد الله بن جبلة، [10] و عبد الله بن جبلة هذا مات سنة 219 ه بلا خلاف، و مع هذا، فلم ينحصر الطريق الي حازم بن حبيب به، اذ أخرج النعماني حديث حازم ابن حبيب بطريق ثان ليس فيه ابن جبلة، [11] الأمر الذي يؤکد صحة ما سبق ذکره من شهادات أعلام الطائفة بوجود هذه الأحاديث في الکتب المؤلفة قبل الغيبة بعشرات السنين. و بنفس هذه الطريقة يمکن الاستدلال



[ صفحه 134]



علي اثبات وجود معظم الأحاديث السابقة کذلک بغض النظر عن الشهادات المتقدمة، و لو لا خشية الاطالة لبينا ذلک مفصلا.

7- و عن المفضل بن عمر، عن الامام الصادق عليه السلام، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لصاحب هذا الأمر غيبتان: احداهما يرجع منها الي أهله، و الأخري يقال: هلک، في أي واد سلک...». [12] .

8- و عن المفضل بن عمر أيضا، عن الصادق عليه السلام قال: «ان لصاحب هذا الأمر غيبتين: احداهما تطول حتي يقول بعضهم: مات، و بعضهم يقول: قتل، و بعضهم يقول: ذهب... الحديث». [13] .

و الذي ينبغي التنبيه عليه في هذه الأحاديث الشريفة، توضيح ما جاء فيها من أن الامام المهدي في غيبته عليه السلام يري الناس و لا يرونه، بمعني أنه يختفي جسمه الشريف عن الأنظار في الوقت الذي يکون فيه موجودا في مکان ما مع الناس - في الموسم أو غيره - و لکن الناس لا تري في ذلک المکان شيئا.

و هناک أحاديث کثيرة عن أهل البيت عليهم السلام بهذا المعني المعبر عن الأسلوب الوقائي الذي يستخدمه الامام المهدي عليه السلام في کيفية احتجابه عن الناس، و نجاته من براثن الظلم؛ لأنه في اختفائه بهذا الأسلوب يکون في



[ صفحه 135]



مأمن قطعي حقيقي من أية مطاردة، أو تنکيل، أو خوف حيثما کان علي وجه الأرض.

و ربما قد يستکثر بعضهم تزويد الامام المهدي عليه السلام بمثل هذه القدرة علي الاختفاء! و هو استکثار في غير محله؛ لأن توقف وجود و سلامة الأهداف الالهية الکبري علي المعجزة- و طول عمر الامام المهدي عليه السلام و اختفاؤه منها - يعني حتمية التدخل الالهي في ايجاد تلک المعجزة من أجل تحقيق الهدف المطلوب.

فالقدرة علي الاختفاء مع طول العمر، أمران لابد منهما في حفظ الامام المهدي عليه السلام، و الا کيف يتسني له القيام بالمسؤولية الاسلامية الکبري في آخر الزمان لو کان ظاهرا للعيان، غير مکترث بالمخاطر التي تحفه من کل مکان؟

ان أهمية ذلک اليوم الموعود الذي سيعم فيه السلام أقطار الأرض، و ينتشر العدل في ربوع المعمورة کلها، أهمية عظيمة عند الله تعالي، و عند رسوله الکريم صلي الله عليه و آله؛ اذ ستتحقق من خلاله الأغراض الأساسية من خلق البشرية، کما ستتحقق به آمال الأنبياء و المرسلين عليهم السلام، و تتکلل جهودهم بوجود ذلک المجتمع العادل، و ظهور دولة الحق.

و من ثم فان ولادة الامام المهدي ابن الامام العسکري عليهماالسلام التي ثبتت ثبوتا قطعيا لا ريب فيه، تقرب من حقيقة تلک الأحاديث و تحکم علي صحتها؛ لأنها عبرت و بکل وضوح عن تعلق الغرض الالهي بحفظ المهدي عليه السلام و صيانته عن الأعداء بالاختفاء، و عن بقاء وجوده الشريف



[ صفحه 136]



بطول العمر و ذلک عن طريق الاعجاز الالهي وفاء بالغرض الکبير.

هذا، و يعلم من أحاديث کثيرة اخري أن اسلوب الاختفاء المذکور ليس هو الاسلوب الوحيد الذي يکتنف حياة الامام المهدي عليه السلام، و انما له عليه السلام أن يخرج عن هذا النمط من الاختفاء الي الظهور المؤقت في زمان الغيبة کلما اقتضت المصلحة ذلک، و لکن بصورة لا يستشعر من خلالها کل من يراه بأنه المهدي الموعود عليه السلام.



[ صفحه 137]




پاورقي

[1] کتاب الغيبة النعماني 172- 173: 7 باب 10، و دلائل الامامة 520:535، و کشف الغمة 454-453، و اثبات الرجعة للفضل بن شاذان کما في مختصره للشيخ الحر العاملي 195، و اعلام الوري الطبرسي 2: 258- 259.

[2] کتاب الغيبة النعماني 3:171 باب 10.

[3] اکمال الدين 8:323 باب 18.

[4] دلائل الامامة 506:530.

[5] کتاب الغيبة النعماني 15:175 باب 10.

[6] أصول الکافي 12:339:1 باب في الغيبة، و نحوه في 1: 337- 338: 6 من الباب السابق، و کتاب الغيبة النعماني 175- 176: 16 باب 10، و دلائل الامامة 509:531، و 477:482 و نحوه في اصول الکافي 1: 337- 338: 6 باب في الغيبة، و اکمال الدين 33:346:2 باب 33، و 49:351:2 باب 33، و 7:440:2 باب 43 و کتاب الغيبة النعماني 13:175 و 14 باب 10، و کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 119:161.

[7] اصول الکافي 19:340:1، و کتاب الغيبة النعماني 1:170 و 2 باب 10 من طريقين.

[8] کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 46:54، و فيه «قال: و حدثني عبد الله بن جبلة...الخ»، و القائل هو العلوي المذکور؛ اذ صرح الشيخ - قبل ذلک - بالنقل من کتابه. راجع کتاب الغيبة ص 43.

[9] کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 423- 424: 407.

[10] کتاب الغيبة النعماني 6:172 باب 10.

[11] کتاب الغيبة النعماني 172 ذيل الحديث السادس باب 10.

[12] اصول الکافي 20:340:1 باب في الغيبة.

[13] کتاب الغيبة النعماني 171- 172: 5 باب 10، و کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 60:61، و 120:162، و عقد الدرر المقدسي الشافعي 179-178 باب 5، و البرهان المتقي الهندي 171- 172: 4.