اسرار العناية بالغيبة في الحديث الشريف
شغلت غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل و بعد حلولها سنة 260 ه مکانا واسعا في الفکر الشيعي، و أخذت حيزا کبيرا في تراثهم الروائي و الکلامي، و امتدت آثارها بعد وفاة آخر السفراء الأربعة محمد بن علي السمري (ت 329) (رض)، لتشمل الفقه السياسي الروائي و المستنبط معا، و لعل في ما صنفه محدثوهم و أعلامهم قبل عصر الغيبة الصغري و في أثنائها أو بعدها، خير دليل علي مدي العناية الفائقة التي أولاها سائر أهل البيت عليهم السلام بهذا الموضوع الخطير؛ لأنهم عليهم السلام أدرکوا أن معني غياب القائد هو تشتت القاعدة ما لم يتم التمهيد لغيبته عليه السلام بشکل مکثف حتي يتم استقبالها من قبل القاعدة و هضمهم لها بشکل تدريجي، و کأنها حدث طبيعي، بحيث لا ينتج عنها شرخ في المذهب قد يؤدي الي اهتزاز عقيدة أتباعه في مالو سکت عن هذا الأمر و واجهه الشيعة فجأة، و من هنا تم ترويض الشيعة علي قبول غيبة القائد کحقيقة آتية و لابد، و کان لکل امام
[ صفحه 110]
دوره الخاص في التمهيد لتلک الحقيقة الکبري في تاريخ التشيع لا سيما الامام الصادق عليه السلام الذي کان دوره مميزا في ذلک؛ تبعا لما ذکرناه في ديباجة البحث من الفرصة التي سنحت له أکثر من غيره للتحليق عاليا في سماء الفکر و العقيدة حتي اصطبغ مذهب الامامية الواسع باسمه الشريف.
و قد انعکست أحاديث أهل البيت عليهم السلام في غيبة الامام المهدي عليه السلام علي الفکر الشيعي بصورة واضحة جلية، و ذلک من جهة عناية هذا الفکر بتلک الأحاديث عناية فائقة، فأفردوا لها مؤلفات عديدة و رسائل کثيرة کونت بمجموعها رؤية واضحة لطلائع التشيع حول غيبة الامام المهدي عليه السلام قبل ولادته بعشرات السنين. و ما مزاعم الفرق الشيعية - التي نشأت في اطار التشيع فجأة و اندرست بعيد نشأتها بسرعة - بغيبة من ادعيت له الامامة زورا، کقول الکيسانية بغيبة محمد بن الحنفية في جبل رضوي، و قول الواقفية بغيبة الامام الکاظم عليه السلام، الا صورة معبرة عن انتشار مفهوم الغيبة في الوسط الشيعي انتشارا واسعا، لدرجة توفرت معها للوجود الشيعي الامامي الاثني عشري حصانة رائعة ضد کل الدعاوي المنحرفة التي برزت في اطاره، حتي استطاع بفضل فلسفة الاخبار بالغيبة و تشخيص صاحبها قبل ولادته بعشرات السنين، أن يشق طريقه بأمان رغم کل العواصف اليت اعترضت سبيله.