بيان الامام الصادق لکيفية الانتفاع بالحجة الغائب
نطقت أحاديث أهل البيت عليهم السلام و بصورة متواترة بأن الله تعالي لا يخلي أرضه من حجة عل عباده منذ أن خلق الله آدم و الي قيام الساعة، و لا فرق في ذلک بين أن يکون الحجة ظاهرا مشهورا، أو خائفا مستورا کما مر في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل السابق.
و التسليم بهذه القاعدة يعني الاعتقاد بوجود الامام المهدي عليه السلام في أرض الله عزوجل و ان لم يره أحد، و هو بحد ذاته کاف لنمو الفضيلة، و خلق جو من التآلف و المودة بين المؤمنين الذين يعيشون في حالة انتظار دائم و ترقب شديد لظهوره عليه السلام، الأمر الذي يؤدي الي حفظ المجتمع المسلم من التشتت و الضياع، و منعه من الانحدار وراء الشهوات، و صونه من کل انحراف.
کما أن نفس وجود الامام عليه السلام فيه منافع کثيرة ترتبط بحياة الناس جميعا، من نزول برکات السماء، و عدم المؤاخذة بالعقاب العاجل و نحوها، و قد أشار القرآن الکريم الي هذه الحقيقة مبينا أهمية الحجة و هي في زمن نزوله منحصرة برسول الله صلي الله عليه و آله، فقال تعالي: (و ما کان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما کان الله معذبهم و هم يستغفرون)، [1] و أما بعده صلي الله عليه و آله فلا شک في أنها بآله الکرام عليهم السلام.
[ صفحه 103]
لقد حاول الامام الصادق عليه السلام تقريب صورة الانتفاع بالامام الحجة الغائب عليه السلام بمثال مادي محسوس، ليکون ذلک أدعي الي الاذعان و التصديق.
فعن سليمان بن مهران الأعمش، عن الامام الصادق، عن أبيه الامام الباقر، عن أبيه الامام علي بن الحسين عليهم السلام، قال: «نحن أئمة المسلمين، و حجج الله علي العالمين... و لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله و لا تخلو الي أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، و لو لا ذلک لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فکيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام: کما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب». [2] .
و کما أن السحاب لا يمنع من فوائد الشمس الکثيرة، و لولاها لانعدمت الحياة، فکذلک لا تمنع الغيبة من الفوائد العظيمة المترتبة علي وجود الامام عليه السلام، و هذا ما يفسر لنا معني قول الامام الصادق عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير امام لساخت». [3] .
جدير بالذکر أن حديث الامام الصادق عليه السلام المتقدم برواية الأعمش هو جزء من حديث عظيم لرسول الله صلي الله عليه و آله، برواية جابر بن عبد الله الأنصاري، قال رضي الله عنه: «لما أنزل الله عزوجل علي نبيه محمد صلي الله عليه و آله (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر
[ صفحه 104]
منکم) [4] قلت: يا رسول عليه السلام عرفنا الله و رسوله، فمن اولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتک؟ فقال عليه السلام: «هم خلفائي يا جابر، و أئمة المسلمين (من) بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن و الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، و ستدرکه يا جابر، فاذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسي ين جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي و کنيي حجة الله في أرضه، و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاک يفتح الله تعالي ذکره علي يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاک الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها علي القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان»، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلي الله عليه و آله: «اي و الذي بعثني بالنبوة انهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته کانتفاع الناس بالشمس و ان تجللها سحاب، يا جابر هذا من مکنون سر الله، و مخزون علمه، فاکتمه الا عن أهله». [5] .
و تشبيه فائدة الامام المهدي عليه السلام في غيبته بفوائد الشمس المجللة بالسحاب يوحي الي أمور، قد تعرق لها العلامة المجلسي في ذيل هذا الخبر، و لا بأس بنقلها کما هي لفائدتها.
قال رحمه الله: «بيان - التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يوحي الي أمور:
[ صفحه 105]
الأول: ان نور الوجود و العلم و الهداية، يصل الي الخلق بتوسطه عليه السلام؛ اذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لا يجاد الخلق، فلو لا هم لم يصل نور الوجود الي غيرهم، و ببرکتهم و الاستشفاع بهم، و التوسل اليهم يظهر العلوم و المعارف علي الخلق، و يکشف البلايا عنهم، فلو لا هم لا ستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، کما قال تعالي: (و ما کان الله ليعذبهم و أنت فيهم) [6] و لقد جربنا مرارا لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور و اعضال المسائل، و البعد عن جناب الحق تعالي، و انسداد أبواب الفيض، لما استشفعنا بهم، و توسلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلک الوقت، تنکشف تلک الأمور الصعبة، و هذا معاين لمن أکحل الله عين قلبه بنور الايمان.
الثاني: کما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها - ينتظرون في کل آن انکشاف السحاب عنها و ظهورها، ليکون انتفاعهم بها أکثر، فکذلک في أيام غيبته عليه السلام، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه و ظهوره، في کل وقت و زمان، و لا ييأسون عنه.
الثالث: ان منکر وجوده عليه السلام مع وفور ظهور آثاره کمنکر وجود الشمس اذا غيبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: ان الشمس قد تکون غيبتها في السحاب أصلح للعباد، من ظهورها لهم بغير حجاب، فکذلک غيبته عليه السلام أصلح لهم في تلک الأزمان؛ فلذا غاب عنهم.
الخامس: ان الناظر الي الشمس لا يمکنه النظر اليها بارزة عن
[ صفحه 106]
السحاب، و ربما عمي بالنظر اليها لضعف الباصرة عن الاحاطة بها، فکذلک شمس ذاته المقدسة ربما يکون ظهوره أضر لبصائرهم، و يکون سببا لعماهم عن الحق، و تحتمل بصائرهم الايمان به في غيبته، کما ينظر الانسان الي الشمس تحت السحاب و لا يتضرر بذلک.
السادس: ان الشمس قد تخرج من السحاب و ينظر اليها واحد دون واحد، فکذلک يمکن أن يظهر عليه السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: انهم عليهم السلام کالشمس في عموم النفع، و انما لا ينتفع بهم من کان أعمي کما فسر به في الأخبار قوله تعالي: (و من کان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا). [7] .
الثامن: ان الشمس کما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من الروازن و الشبابيک، و بقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فکذلک الخلق انما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسهم و مشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية، و العلائق الجسمانية، و بقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الکثيفة الهيولانية الي أن ينتهي الأمر الي حيث يکون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب». [8] .
[ صفحه 109]
پاورقي
[1] سورة الأنفال 33:8.
[2] اکمال الدين 22:207:1 باب 21، و أمالي الصدوق 156- 157: 15 مجلس 34، و فرائد السمطين الجويني الشافعي 1: 45- 46: 11.
[3] أصول الکافي 10:179:1، باب أن الأرض لا تخلو من حجة، و کتاب الغيبة النعماني 8:138 باب 8.
[4] سورة النساء 59:4.
[5] اکمال الدين 3:253:1 باب 23.
[6] سورة الأنفال 33:8.
[7] سورة الاسراء 72:17.
[8] بحارالأنوار العلامة المجلسي 52: 94-93 ذيل الحديث الثامن، باب علة الغيبة و کيفية انتفاع الناس به عليه السلام.