بازگشت

اسلوب التمثيل و التشبيه لتقريب الهوية


و خير ما يدل علي هذا الأسلوب أحاديث الامام الصادق عليه السلام التي بينت أوجه الشبه بين الامام المهدي عليه السلام و بين بعض الأنبياء عليهم السلام، و من



[ صفحه 84]



مراجعة ما حکاه القرآن الکريم في قصصهم عليهم السلام، و ما بينته الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال؛ يعلم بأن هدف الامام الصادق عليه السلام في تبيان أوجه الشبه تلک انما هو بهدف التوعية المطلوبة و ذلک علي مستويين:

المستوي الأول:

مستوي من لم يعاصر الامام المهدي عليه السلام و يضم هذا المستوي جميع من ماتوا قبل ولادته عليه السلام من أصحاب الامام الصادق و أصحاب ولده عليهم السلام وصولا الي الامام العسکري عليه السلام؛ اذ بامکان هذه الطبقة أن تستحضر هذا الأسلوب لکي تعرف قيمة ما يظهر بزمانها من دعاوي المهدوية، و يتأکد لها - حينئذ - بطلان تلک الدعاوي لعدم انطباق التشبيه و التمثيل الواردين في الامام المهدي عليه السلام عليها.

و ما قد يقال بأن هذه الطبقة من الأصحاب لا تحتاج في الواقع الي کل ذلک؛ اذ يکفيها معرفة امام زمانها فحسب، و علي أبعد تقدير معرفة من سيليه علي أمر الامامة، و أما معرفة هوية من سيأتي بعد ذلک من الأئمة عليهم السلام فهي غير مسؤولة عنها و لا ملزمة بها، و أما عن دعاوي المهدوية التي عاصرتها، فبامکانها السؤال من امام زمانها نفسه عن مدي مصداقيتها، و حينئذ ستنتفي حاجتها الي هذا الاسلوب، خصوصا و ان في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما يدل علي ذلک. و يکفي في هذا ما ذکره ثقة الاسلام الکليني في باب (انه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر)، حيث ضم سبعة أحاديث بهذا المعني، و هذا نموذج منها:

1- عن زرارة، قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: اعرف امامک، فانک اذا



[ صفحه 85]



عرفت لم يضرک، تقدم هذا الأمر أو تأخر». [1] .

2- و عن اسماعيل بن محمد الخزاعي، قال: «سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام و أنا أسمع، فقال: تراني أدرک القائم عليه السلام؟ فقال: يا أبا بصير ألست تعرف امامک؟ فقال: اي و الله و أنت هو، و تناول يده. فقال: و الله ما تبالي يا أبا بصير ألا تکون محتبيا بسيفک في ظلال رواق القائم صلوات الله عليه». [2] .

3- و عن فضيل بن يسار، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية، و من مات و هو عارف لامامه لم يضره، تقدم هذا الأمر أو تأخر، و من مات و هو عارف لامامه کان کمن هو مع القائم في فسطاطه». [3] .

و کل هذا يدل علي انتفاء حاجة الأصحاب الي التوعية المطلوبة علي المستوي الأول في تبيان أوجه الشبه بين المهدي الموعود عليه السلام و بين الأنبياء السابقين عليهم السلام.

فکيف تکون تلک التوعية اذن هدفا من أهداف الامام الصادق عليه السلام مع انتفاء حاجة الأصحاب اليها؟

و الجواب باختصار.. هو أن أحاديث الاکتفاء بمعرفة امام الزمان انما



[ صفحه 86]



جاء التأکيد عليها في مقابل استعجال بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام في مسألة ظهور الفرج علي يد الامام المهدي عليه السلام، اذ سبق الي أذهانهم دوره الشريف في انشاء دولة آل محمد صلي الله عليه و آله، دولة الحق الشامل و ذلک من خلال ما بشر به النبي صلي الله عليه و آله و آله الأطهار عليهم السلام، و المعروف أن انتظار الفرج في ظل الاستبداد و العنف السياسي المقيت المتواصل، عادة ما يکون مدعاة للسأم و الضجر، و قد ينتج عنه اليأس من الظهور، و الشک في أصل القضية، و لهذا حاول الامام الصادق عليه السلام تنبيه هذه الشريحة علي القاعدة القرآنية القائلة: (يوم ندعو کل أناس بامامهم) [4] و ذلک من خلال أحاديثه الشريفة المصرحة بوجوب معرفة امام الزمان الحق، و اذا ما أضيف هذا الي تنبيهه عليه السلام علي مسألة عدم التوقيت، مع ضرورة البقاء في حالة تأهب و انتظار مع بيان فضل الانتظار بأنه من أنواع العبادة، علم أن الهدف من وراء ذلک انما هو لأجل تثبيت القلوب و القضاء علي عوامل اليأس التي قد تنشأ نتيجة الانتظار الطويل، و هذا لا يعارض أية خطوة من خطوات کشف الطريق، کبيان مستقبل الأمة علي يد الامام المهدي، و تشخيص هويته عليه السلام بالتلميح تارة و بالتصريح تارة أخري.

و أما عن حاجتهم الي هذا علي الرغم من معرفتهم امام زمانهم، فهي حاجة کل انسان الي معرفة ما في المستقبل، اذ المطلوب أن لا يعيش الانسان يومه فحسب، بل لابد و أن تکون عنده نبوءات عن مستقبله، و الا کان فاشلا، و لهذا نجد في عالمنا المعاصر مؤسسات علمية و ثقافية



[ صفحه 87]



کثيرة تعني بشؤون المستقبل، فضلا عن وجود مجلات علمية متخصصة بالدراسات المستقبلية.

و من هنا صار التنبؤ بالشي ء قبل وقوعه من الأمور الاحترازية المهمة لکل مجتمع، و علي هذا جري أسلوب الامام الصادق عليه السلام في خصوص مسألة الامام المهدي عليه السلام، فأخبر عنه و فصل هويته الشريفة قبل ولادته بعشرات السنين.

کما لا يمکن اغفال دور هذا المستوي من التوعية في حمل الأمانة و نقلها الي الأجيال اللاحقة، خصوصا أجيال الغيبة الکبري لامام العصر و الزمان عليه السلام التي لم تشاهد الامام و لم تره، و لکنها آمنت به و استيقنت ولادته عليه السلام، نظرا لما أحاطها من سرية و تکتم کانا مقصودين من أبيه الامام العسکري عليه السلام مباشرة الا لخاصة فالخاصة کوکلاء الامام، و أعمدة التشيع يوم ذاک من الثقات الأجلاء المعروفين، و من لابد من اطلاعه کالخدم و الجواري و نحوهم.

المستوي الثاني:

مستوي من عاش حدث الولادة المبارکة للامام المهدي عليه السلام ورآه في زمان أبيه أو في زمان غيبته الصغري أو سمع بذلک ممن علم بالحدث أو شاهد الامام مباشرة، و هم جل الشيعة في ذلک الوقت.

و بامکان هذه الطبقة أن تلاحظ قوة انطباق تلک الأخبار علي الواقع التاريخي بعد وفاة الامام العسکري عليه السلام و حينئذ تزداد يقينا علي يقين و لن



[ صفحه 88]



تضعف من بصيرتها کثرة المهرجين و المشعوذين.

و يدل علي هذا الأسلوب الشريف:

1- عن أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: ان في صاحب هذا الأمر سننا من الأنبياء عليهم السلام: سنة من موسي بن عمران، و سنة من عيسي، و سنة من يوسف، و سنة من محمد صلوات الله عليهم. فأما سنة من موسي بن عمران، فخائف يترقب، و أما سنة من عيسي، فيقال فيه ما قيل في عيسي، و أما سنة من يوسف، فالستر، يجعل الله بينه و بين الخلق حجابا، يرونه و لا يعرفونه، و أما سنة من محمد صلي الله عليه و آله، فيهتدي بهداه، و يسير بسيرته». [5] .

2- و عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «في القائم عليه السلام سنة من موسي بن عمران عليه السلام، فقلت: و ما سنته من موسي بن عمران؟ قال عليه السلام: خفاء مولده، و غيبته عن قومه...». [6] .

3- و في حديث آخر عنه عليه السلام، ان في المهدي الغائب عليه السلام: «سنة من أربعة أنبياء: سنة من موسي خائف يترقب، و سنة من يوسف يعرفهم و هم له منکرون، و سنة من عيسي و ما قتلوه و ما صلبوه، و سنة من محمد صلي الله عليه و آله يقوم بالسيف». [7] .

4- و في حديث آخر عنه عليه السلام، ان فيه: «سنة من نوح و هو طول



[ صفحه 89]



عمره، و ظهور دولته، و بسط يده في هلاک أعدائه، يخرج بالسيف کما خرج رسول الله صلي الله عليه و آله، و سنة من داود و هو حکمه بالالهام». [8] .

5- و عن زيد الشحام، عن الامام الصادق عليه السلام في حديث طويل جاء فيه: «ان صالحا عليه السلام غاب عن قومه زمانا - الي أن قال عليه السلام - و انما مثل القائم عليه السلام مثل صالح». [9] .

6- و في الصحيح عن سدير الصيرفي قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف عليه السلام قال: فقلت له: کأنک تذکر حياته أو غيبته؟ قال: فقال لي عليه السلام: و ما ينکر من ذلک هذه الأمة أشباه الخنازير؟ ان اخوة يوسف عليه السلام کانوا أسباطا أولاد الأنبياء، تاجروا بيوسف و بايعوه و خاطبوه، و هم اخوته و هو أخوهم، فلم يعرفوه حتي قال: أنا يوسف و هذا أخي. فما تنکر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عزوجل بحجته في وقت من الأوقات کما فعل بيوسف؟ ان يوسف عليه السلام کان اليه ملک مصر، و کان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه لقدر علي ذلک، لقد سار يعقوب عليه السلام و ولده - عند البشارة - تسعة أيام من بدوهم الي مصر. فما تنکر هذه الأمة أن يفعل الله جل و عز بحجته کما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم و يطأ بسطهم حتي يأذن الله في ذلک له کما أذن ليوسف؟ قال: «أئنک لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف». [10] .



[ صفحه 90]



و فيه اشارة واضحة الي غيبة الامام عليه السلام، و ما فعله جعفر الکذاب - و هو عم الامام المهدي عليه السلام - شبيه بما فعله أولاد يعقوب عليه السلام بأخيهم يوسف!

و في حديث سدير هذا ما يدل علي شيوع مفهوم غيبة الامام المهدي بين أصحاب الامام الصادق عليه السلام بفضل ما وصل اليهم من أحاديث آبائه الأطهار عليهم السلام، فضلا عما قام به الامام الصادق عليه السلام من ايضاح کل ما يحيط بالامام المهدي عليه السلام تفصيلا، و خير ما يدل علي سبق مفهوم الغيبة الي علم الأصحاب، هو استفسار سدير الصيرفي - في هذا الحديث - من الامام الصادق عليه السلام بقوله: کأنک تذکر حياته أو غيبته!

و يدل عليه أيضا ما رواه المفضل بن عمر، قال: کنت عند أبي عبد الله عليه السلام و عنده في البيت أناس، فظننت أنه انما أراد بذلک غيري، فقال: «أما و الله! ليغيبن عنکم صاحب هذا الأمر... الحديث». [11] .

فقول المفضل: (فظننت أنه انما أراد بذلک غيري) يدل بوضوح علي علم المفضل بالغيبة، لسماعه أخبارها قبل زمان صدور هذا الحديث.

7- و عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الامام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، عن الامام الحسين عليه السلام قال: «في التاسع من ولدي سنة من يوسف، و سنة من موسي بن عمران عليهماالسلام، و هو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارک و تعالي أمره في ليلة واحدة». [12] .



[ صفحه 91]



8- و عن أبي بصير، قال:«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان سنن الأنبياء عليهم السلام بما وقع بهم في الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة».

قال أبو بصير، فقلت: يا ابن رسول الله! و من القائم منکم أهل البيت؟ فقال: «يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسي، ذلک ابن سيدة الاماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله عزوجل، فيفتح الله علي يده مشارق الأرض و مغاربها، و ينزل روح الله عيسي بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه، و تشرق الأرض بنور ربها، و لا تبقي في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عزوجل الا عبد الله فيها، و يکون الدين کله لله و لو کره المشرکون». [13] .


پاورقي

[1] اصول الکافي 1:371:1 باب انه من عرف امامه لم يضره، تقدم هذا الأمر أو تأخر.

[2] اصول الکافي 4:371:1، من الباب السابق.

[3] اصول الکافي 1: 371- 372: 5، من الباب السابق.

[4] سورة الاسراء 71:17.

[5] اکمال الدين 2: 350- 351: 46 باب 33.

[6] اکمال الدين 14:152:1 باب 6.

[7] دلائل الامامة 251.

[8] الخرائج و الجرائح 936:2 باب 17.

[9] اکمال الدين 1: 136- 137: 6 باب 3.

[10] اصول الکافي 1: 336- 337: 4 باب في الغيبة، و اکمال الدين 21:341:2 باب 33.

[11] اصول الکافي 11:338:1، باب في الغيبة.

[12] اکمال الدين 1: 316- 317: 1 باب 30.

[13] اکمال الدين 2: 345- 346: 31 باب 33.