بازگشت

منهج الامام الصادق في تشخيص هوية الامام الغائب


يرجع الفضل في معرفتنا بذلک المنهج المحکم الي محدثي الامامية الذين عاشوا في الغيبة الصغري (329-260 ه) أو بعدها، کالبرقي (ت 274 وقيل سنة 280 ه)، و الصفار (ت 290 ه)، و ثقة الاسلام الکليني (ت 329 ه)، و الصدوق الأول (ت 329 ه)، و النعماني (ت بعد سنة 342 ه)، و الشيخ الصدوق (ت 381 ه)، و الشيخ المفيد (ت 413 ه)، و الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، و غيرهم من أعلام الامامية المتقدمين الذين استفرغوا الوسع في جمع الحديث الشريف و تحقيقه و تدوينه، باعتمادهم علي مصنفات الشيعة في القرون الثلاثة الأولي، لا سيما الکتب المعروفة بالأصول الأربعمائة، و غيرها من المصنفات المعتمدة المؤلفة في عصور الأئمة التي شاع اعتمادها، حتي صار مرجعهم اليها و معولهم عليها، و أودعوا ما جمعوا منها في مؤلفاتهم المعروفة، مع حسن تبويبها



[ صفحه 82]



و تصنيفها، الأمر الذي ساعد علي استخراج المادة المطلوبة منها بيسر و سهولة، هذا فضلا عن الکتب الأخري المصنفة في خصوص الامام المهدي عليه السلام و غيبته. و لا شک بأن الرجوع الي تلک الکتب - بصنفيها - سوف يکشف بالتأکيد عن غيبة الامام المهدي عند جده الامام الصادق عليهماالسلام بکل وضوح، و لا يضر وجود الاجمال في بعضها مع وجود التفصيل، کما لا يقدح الابهام في دلالاتها مع توفر البسط و التوضيح؛ اذ لم يقتصر امامنا الصادق عليه السلام علي اخبار شيعته بمجرد غيبة امام من أهل البيت عليهم السلام حتي يمکن القول بعدم دلالة ما أخبر به علي غياب شخص معين. و انما أخبرهم کذلک بشخص من سيغيب، و حدد رقمه من بين الأئمة الاثني عشر، و ذکر اسمه و کنيته، و سلط الضوء علي کامل هويته، و ما يقوله المبطلون في ولادته، و طول أمد غيبته، و ما يجب علي المؤمنين من انتظار فرجه، مع تبيين واسع لعلامات ظهوره، و مکان الظهور، و عدد أنصاره، و مدة حکمه بعد ظهوره، و قوة دولته، وسعة العدل فيها، و الرخاء العميم في جنباتها، و سيطرة دين الاسلام في ظلالها علي سائر الأديان کلها في مشارق الأرض و مغاربها، بما لا يبقي مع تلک الأخبار أدني مجال للقول بمهدي مجهول يخلقه الله تعالي في آخر الزمان.

و هکذا حکم الامام الصادق عليه السلام من خلال ما وصلنا من أحاديثه الشريفة بزيف دعاوي المهدوية السابقة علي عصره، و المعاصرة له، و اللاحقه به، و بين کذبها جميعا؛ کمهدوية محمد بن الحنفية (ت 73 ه، و قيل غيرها) و مهدوية عمر بن عبدالعزيز الأموي (ت 101 ه)، و مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن الذي قتله المنصور الدوانيقي سنة



[ صفحه 83]



145 ه، و مهدوية الملقب زورا بالمهدي العباسي (ت 169 ه).

و لم يکتف الامام الصادق عليه السلام بهذا کله، و انما حاول تنبيه الشيعة الي ما سيحصل بعده من قول الناووسية بمهدويته عليه السلام، و قول الواقفية بمهدوية ابنه الامام الکاظم بعد وفاته عليه السلام.

و من هنا نفي الامام الصادق عليه السلام المهدوية عن نفسه، و عن ولده الامام الکاظم عليه السلام بوضوح و صراحة تامين؛ لکي لا يغتر أحد بمقولة الناووسية، و لا يعبأ بمقولة الواقفية، و لا يصغي لغيرهما کالفطحية و أمثالها، مما نتج عن ذلک التنبيه الواعي المدورس أن تبخرت تلک المزاعم الباطلة و ذهبت أدراج الرياح، و اضمحلت فرقها الفاسدة بعد ظهورها علي مسرح الأحداث، و زالت بأسرها عن صفحة الوجود کلمح في البصر، و عاد مثلها کمثل الفقاعات التي تظهر علي سطح الماء الساخن فجأة ثم سرعان ما تنفجر و تتلاشي، بحيث لا تري لها رسما و لا طللا، و هکذا کانت تلک الفرق! محا الله تعالي آثارها و دثر أخبارها، حتي صارت أثرا بعد عين، و ذهبت جفاء کالزبد الذي لا يمکث في الأرض الا قليلا.

و في مقام بيان منهج الامام الصادق عليه السلام في تشخيص هوية المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان عليه السلام، نقف علي اسلوبين في هذا المنهج الشريف و هما: