بازگشت

الخلاصة


اکتسب غيبة الامام المهدي عليه السلام أهمية خاصة باعتبارها واحدة من أمهات المسائل الکبري في تاريخ الفکر الشيعي؛ لارتباطها العضوي بعقيدة النص و التعيين من جهة، و اتصالها الوثيق بحياتنا المعاصرة من جهة أخري، فضلا عما ترکته من مسائل تعبدية محضة تقوم علي أساس فکرة الانتظار، مما انعکس هذا بطبيعته علي سلوک المنتظر و تصرفه، و اطراد هذا علي مجمل علاقاته بالفرد و المجتمع و الدولة.

و لثراء مفهوم الغيبة بحيث طفح علي لسان الشريعة بشکل واضح، حتي کتبت مصنفات کثيرة في الغيبة قبل أوانها. صار استجلاء عمقها، و بيان أصالتها مفروضا في بحث کهذا، الأمر الذي أدي الي رصد المنهج الذي استخدمه الامام الصادق عليه السلام في موضوع الغيبة قبل حدوثها علي أرض الواقع، و ما سبق ذلک من محاولة اعادة تشکيل وعي الأمة من جديد، و تعبئة أکبر ما يمکن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمة التغيير الکبري، علي أثر ما حصل في ظل الدولتين (الأموية، و العباسية) من انحراف خطير، کان من جملته بروز دعاوي المهدوية الباطلة التي أدرکها الامام الصادق عليه السلام و عاصر بعضها.

و من هنا قام الامام الصادق عليه السلام بمسؤليته - کامام مفترض الطاعة -



[ صفحه 316]



خير قيام، فبين أولا زيف تلک الدعاوي، و قام بتمهيد المفهوم الصحيح للغيبة و الغائب؛ اذ وجد عليه السلام أن معني غياب الامام المهدي عليه السلام عن الساحة فجاة - ما لم يتم التمهيد له و بشکل مکثف - يعني تشتت القاعدة أو تشر ذمها. فکان لابد من ترويض القاعدة علي قبول الغيبة عند حدوثها. و هو ما قام به الامام الصادق عليه السلام و أوضحه بجلاء. و قد تبين هذا في البحث بنوع من التفصيل.

و من ثم، فان الاخبار عن الشي ء قبل حدوثه کان ظاهرة معروفة في عهود أهل البيت عليهم السلام کافة، و لم تکن ظاهرة جديدة في اخبارات الامام الصادق عليه السلام، الأمر الذي تطلب منا التعرض الي ابطال ما قد يدعي من أن نسبة اخبار أولياء الله عزوجل بالشي ء قبل حدوثه الي علم الغيب المنفي عن غير الله تعالي، بمخالفة تلک النسبة لما هو عند جميع المسلمين، زيادة علي ما فيها من انکار لشي ء مادي ملموس، و هو الکتب المؤلفة في الغيبة قبل حصولها بزمان کثير. فضلا عن کثرة شهادات المتقدمين من أعلام الامامية - في الغيبة الصغري أو بعدها - علي وجود تلک الأخبار في الکتب المؤلفة قبل زمان الغيبة بعشرات السنين، زيادة علي نقل بعضهم من هذه الکتب، و تسميتها، و تسمية مؤلفيها صراحة، و هو ما سجله البحث موثقا.

کما برهن البحث علي أن الامام الصادق عليه السلام لم يقتصر في التمهيد لمفهوم الغيبة بما لا يمکن معه معرفة من هو الغائب بالتحديد؛ کما قد يدعي أن أحاديث الغيبة عند الامام الصادق عليه السلام قد اتصفت بالاجمال و لم تشخص غائبا معينا!! و انما تناول عليه السلام في عرض مکونات الوحدة



[ صفحه 317]



الموضوعية للغيبة مسائل شتي، حتي صار معها الاجمال الوارد في بعض أحاديثه عليه السلام مختزنا للتفصيل، و عاد في غني عما يوضحه من الخارج؛ لوضوح عدم انطباق أي من تلک المکونات التي وصفت بالاجمال - کحديث الغيبتين و غيره - علي شخص آخر غير الامام الثاني عشر عليه السلام.

هذا فضلا عما قام به الامام الصادق عليه السلام من دفع مضنة الاختلاف في الاجمال في دلالته علي شخص معين، فثبت أولا أصل القضية المهدوية، ثم بين حکم من أنکر هذا الأصل، و أکد وقوع الغيبة بالامام الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام، و أمر بعدم انکارها، و نهي عن الانحراف في زمانها، و لزوم التصديق بها، و وجوب الثبات علي الولاية في زمن الغيبة، مع التصريح بوجود غيبتين للامام المهدي عليه السلام: قصيرة و طويلة، و الکشف عن حال الناس فيهما، و وجوب الانتظار، و تبيين من هو الغائب جملة و تفصيلا، بالانطلاق من کونه من ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله، من ولد علي و فاطمة عليهماالسلام، و أنه التاسع من ولد الامام الحسين عليهم السلام، و هو ثاني عشر الأئمة عليهم السلام، و من ولده، من ذرية ابنه موسي بن جعفر عليهماالسلام، مع تأکيد کونه الخامس من ولد السابع، و التصريح بخفاء ولادته، و شک الناس فيها، و الاشارة الي ما سيجري عليه من أقرب المقربين اليه، و تشبيه ذلک بما جري ليوسف الصديق عليه السلام عل ييد أخوته، ثم بيان هويته الکاملة بکل دقة و تفصيل بذکر اسمه الصريح، و کنيته، و اسم أبيه، و بيان حسبه الزکي، و نسبه الشريف.

و لم تفت الامام الصادق عليه السلام الاجابة المحکمة علي ما سيثار - في



[ صفحه 318]



مستقبل الأيام - حول العقيدة المهدوية من شبهات و أوهام؛ ليعبر عليه السلام بهذا عن حرصه البالغ علي وصول هذه الحقيقة المهدوية الي أجيال الأمة صافية ناصعة، لتطل عليهم کالشمس في اشراقتها، منذ أن وقف التاريخ علي أعتاب قدسها ليشها سنا نورها، و الي أن يقضي الله أمرا کان مفعولا.

و هکذا استوعبت غيبة الامام المهدي عند جده الامام الصادق عليهماالسلام الاجابة الشافية علي جميع ما يحيط بها من تساؤلات؛ اذ لم يدع عليه السلام ملحظا کليا أو جزئيا في قضية الغيبة و الغائب الا و قد تعرض لبيانه بکل دقة و تفصيل، و لم يذر عليه السلام نقطة استفهام واحدة حول هذا الموضوع بلا جواب محکم. الأمر الذي قام عليه البحث و برهن لعيه في فصوله السابقة.