بازگشت

شبهات حول الغيبة


و خلاصة هذه الشبهات تدور حول ثلاثة أسئلة، و هي:

1- لماذا الغيبة؟

2- و ما هو وجه الحکمة فيها؟

3- و کيف يتحقق انتفاع الأمة من الامام المهدي الغائب و هي لا يمکنها أن تصل اليه؟

و تدور هذه الأسئلة الثلاثة علي محور واحد، و هو منافاة الغيبة - کما يزعم - للغاية من نصب الامام، و علي هذا يکون وجود الامام و عدمه سواء!

و أصل کل هذا مبني علي أن الغاية من نصب الامام لا تتحقق الا بمشاهدته لأخذ معالم الدين عنه!

و قد خفي علي هؤلاء بأن الثمرة من وجود الامام لا حصر لها بأخذ المسائل عنه، و انما هناک ثمرات أخر تترتب علي وجوده الشريف.



[ صفحه 309]



و يمکن ادراکها من خلال علمنا بأن هناک جملة من الأمور المطلوبة منا شرعا لذاتها ازاء الامام المهدي عليه السلام، بغض النظر عن امکانية الوصول اليه أو عدمه، و منها علي سبيل المثال:

السعي الدؤوب وراء معرفة هويته الشخصية، و الا فلن يتحقق رکن الايمان بالاعتقاد بأنه امام الزمان الذي من لا يعرفه سوف لن يغادر الدنيا الا بميتة جاهلية، کما نطقت بذلک أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله عند الفريقين، و أکدها الامام الصادق عليه السلام بأحاديث شتي کما مر.

و علي هذا يکون نفس التصديق بوجود الامام المهدي عليه السلام أمرا مطلوبا لذاته بغض النظر عن مشاهدته أو لا. لا فرق بين هذا و بين وجوب التصديق بوجود النبي صلي الله عليه و آله بالنسبة للمسلمين الذين عاشوا في عصره صلي الله عليه و آله و لم يلتقوا به و لم يشاهدوه.

و نحن ملزمون بالتعبد بما جاء عن النبي صلي الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السلام. و الأحاديث السابقة و کثير مثلها؛ کلها صريحة بوجوب هذا الاعتقاد.

و من ثم فقد ورد عن النبي صلي الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السلام ما يشير الي عدم انحصار الفائدة من وجود الامام بالتصرف في الأمور، و فيما يأتي جملة من الأحاديث الشريفة الدالة علي ذلک:

1- عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: «سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: انما مثل أهل بيتي فيکم کمثل سفينة نوح من رکبها نجا، و من تخلف عنها غرق، و مثل باب حطة يحط الله بها الخطايا». [1] .



[ صفحه 310]



و هذا صريح بأن الدخول بولاية أهل البيت عليهم السلام، و التمسک بحبلهم قد جعله الله طريقا لرضوانه و مغفرته، و هذا أمر عظيم أعم من نفع مشاهدتهم و السؤال مباشرة منهم عليهم السلام.

2- و عن جابر بن عبد الله، و أبي موسي الأشعري، وابن عباس، قالوا: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: النجوم أمان لأهل السماء، و أهل بيتي أمان لأمتي، فاذا ذهبت النجوم ذهبت أهل السماء، و اذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض». [2] .

3- و عن أياس بن سلمة، عن أبيه، قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله: النجوم أمان لأهل السماء، و أهل بيتي أمان لأمتي». [3] .

4- و عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الامام الصادق، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، قال: «نحن أئمة المسلمين و حجج الله علي العالمين، و سادة المؤمنين، و فادة الغر المحجلين، و موالي المؤمنين، و نحن أمان أهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماء، و نحن الذين بنا يمسک الله السماء أن تقع علي الأرض الا باذنه، و بنا يمسک الأرض أن تميد بأهلها، و بنا ينزل الغيث، و بنا ينشر الرحمة، و يخرج برکات الأرض، و لو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، و لم تخل الأرض منذ خلق الله أدم من حجة لله فيها، ظاه مشهورأو غائب مستور، و لا تخلو الي أن تقوم الساعة من حجة لله



[ صفحه 311]



فيها، و لو لا ذلک لم يعبد الله.

قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فکيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟

قال عليه السلام: کما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب». [4] .

5- و عن الامام الباقر عليه السلام قال: «... و نحن الذين بنا تنزل الرحمة، و بنا تسقون الغيث، و نحن الذين بنا يصرف الله عزوجل عنکم العذاب، فمن أبصرنا، و عرف حقنا، و أخذ بأمرنا فهو منا و الينا». [5] .

6- و قال الامام الصادق عليه السلام: «.. کان أميرالمؤمنين عليه السلام صلوات الله عليه باب الله الذي لا يؤتي الا منه، و سبيله الذي من سلک بغيره هلک، و بذلک جرت الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد، جعلهم الله أرکان الأرض أن تميد بهم، و الحجة البالغة علي من فوق الأرض و من تحت الثري». [6] .

و کل هذا يدل بما لا يقبل الشک علي أن نفس وجودهم عليهم السلام تترتب عليه فوائد أعظم من فائدة مشاهدتهم و الوصول اليهم؛ لأن في هذا



[ صفحه 312]



الوجود ضمان لبقاء العالم «فاذا ذهب أهل بيتي، ذهب أهل الأرض».

و يؤکد هذا المعني قول الامام الصادق عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير امام لساخت»، [7] و غيره من الأحاديث الأخري التي تقدمت في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل الأول من الباب الأول.

و لهذا قرب الامام الصادق عليه السلام صورة الانتفاع بالامام الغائب عليه السلام بمثال الشمس و هو مثال محسوس لا ينکر صحته أحد، و قد مر في حديث الأعمش، عنه عليه السلام.

هذا زيادة علي وجود منافع أخر مترتبة علي وجود الامام عليه السلام لها ارتباط مباشر بحياة الناس جميعا، کعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل، و قد أشار القرآن الکريم الي هذه الحقيقة مبينا أهمية الحجة و هي في زمان نزول القرآن منحصرة برسول الله صلي الله عليه و آله، و بعده بأهل بيته عليهم السلام، قال تعالي: (و ما کان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما کان الله معذبهم و هم يستغفرون)، [8] فجعل سبحانه وجود النبي صلي الله عليه و آله سببا في تأجيل عقاب المستحقين للعقوبة، فکذلک الحال في وجود الامام المهدي عليه السلام.

و ثمة شي ء آخر و هو ما يثار بين فترة و أخري و خلاصته: ان الامامية تقول بعدم الفرق بين الرسول صلي الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام الا من جهة الوحي؛ لأن الغرض من وجود النبي صلي الله عليه و آله هو نفسه في وجود الامام، و ان النبي قد تعرض لأجل تبليغ الأحکام الي ما تعرض بخلاف الامام المهدي عند



[ صفحه 313]



الشيعة الذي لم يتصد لکل ذلک، و انما غاب منذ نعومة أظفاره و لم يزل! و الجواب نقضا و حلا:

أما النقض: فأن النبي صلي الله عليه و آله قد أخفي دعوته عن عامة الناس الا الأقرب فالأقرب، و لم يجاهر بها لمدة ثلاث سنين، [9] و هذا لا ينکره الا مکابر، و هو في کلتا الحالتين نبي مرسل.

و أما الحل: فأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الرسول صلي الله عليه و آله مؤسس للدين فيجب عليه التبليغ و الدعوة الي نفسه ابتداء بخلاف الامام؛ اذ لا يجب عليه تبليغ الأحکام و لا الدعوة لنفسه، لأن الحجة تمت علي الناس بدعوة الرسول صلي الله عليه و آله اليه، فالواجب علي الناس اذن أن يذهبوا الي الامام و يتفحصوا عن معرفته و أخذ الأحکام منه.

ففي الصحيح، عن هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالي: (فاسألوا أهل الذکر ان کنتم لا



[ صفحه 314]



تعلمون)، [10] من هم؟ قال عليه السلام: نحن، قال، قلت: علينا أن نسألکم؟ قال: نعم، قال، قلت: عليکم أن تجيبونا؟ قال: ذلک الينا». [11] .

و في الصحيح، عن زارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، مثله. [12] .

و أما لو تخلت الناس عن هذا الواجب، و بقي الامام وحده، يخاف عدوه، و يخشي فتکه، فما المانع من تدخل الله عزوجل في غيبته، باعتبارها السبب الأصلح الذي يحفظ الهدف الأسمي من وجوده؟

و بهذا نکون قد فرغنا من الاجابة - علي آخر الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية الحقة، و بها تم البحث، و قد وافق الفراغ منه يوم السبت الخامس و العشرين من شهر شوال 1424 ه، ذکري شهادة الامام الصادق عليه السلام.

و الحمد لله أولا و آخرا و صلي الله علي نبينا محمد أشرف الأنبياء و المرسلين و علي آله الغر الهداة الأطهار الميامين



[ صفحه 315]




پاورقي

[1] أمالي الشيخ الطوسي 1532:733 (2) مجلس رقم 45.

[2] أمالي الشيخ الطوسي 812:379 (63) مجلس رقم 13.

[3] أمالي الشيخ الطوسي 470:259 (8) مجلس رقم 10 و المعجم الکبير الطبراني 6220:22:7.

[4] أمالي الشيخ الصدوق 252- 253: 277 (15) مجلس رقم 34 و اکمال الدين 22:207:1 باب 21، و راجع ما تقدم في بيان الامام الصادق عليه السلام لکيفية الانتفاع بالحجة الغائب ص 102 من هذا البحث.

[5] أمالي الشيخ الطوسي 1354:654 (4) مجلس رقم 34.

[6] أصول الکافي 2:197:1 باب ان الأئمة هم أرکان الأرض، من کتاب الحجة، و أمالي الشيخ الطوسي 205- 206: 352 (2) مجلس رقم 8 و اکمال الدين 1: 205- 206: 20 باب 21 و بصائر الدرجات 82- 83: 10 باب 3، و فرائد السمطين الجويني الشافعي 2: 253- 254: 523 باب 48.

[7] کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 182:220.

[8] سورة الأنفال 33:8.

[9] راجع: السيرة النبوية ابن هشام 280:1 و السيرة النبوية ابن کثير 427:1 و السيرة الحلبية ابن برهان الحلبي 283:1 و السيرة النبوية دحلان 282:1 (مطبوع بهامش السيرة الحلبية)، و تاريخ الطبري 541:1، و الکامل في التاريخ ابن الأثير 60:2 و البداية و النهاية ابن کثير 37:3 و تاريخ الخميس الدياربکري 287:1 تحت عنوان: (ذکر ما وقع في السنة الثانية و الثالثة من اخفاء الدعوة).

و راجع أيضا: سائر کتب التفسير في تفسيرها لسورة الحجر الآية 94 من قوله تعالي: (فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشرکين)، و کذلک الآية 214 من سورة الشعراء، من قوله تعالي: (و أنذر عشيرتک الأقربين).

[10] سورة النحل 43:16، و سورة الأنبياء 7:21.

[11] بصائر الدرجات 4:59 باب 19.

[12] بصائر الدرجات 7:59 باب 19.