دوره في تشخيص المهدويات الباطلة کلها
ليس من العسير علي الأمة أن تدرک زيف دعاوي المهدوية الباطلة، لا سيما اذا کان الموصوف بها من غير ولد الزهراء البتول عليهاالسلام، لعلم الأمة بأن المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان لابد و أن يکون - علي طبق ما أخبر به الرسول صلي الله عليه و آله - من ولد فاطمة عليها السلام.
و أما لو ادعيت المهدوية لواحد منهم، کالامام الصادق عليه السلام کما في قول الناوويسة، و الکاظم عليه السلام في قول الواقفية، فالأمر مختلف هنا؛ لأن من لا يؤمن بالنص قد ينخدع بتلک الدعاوي، کما رأينا انخداع فقهاء العامة بدعوي مهدوية (النفس الزکية) لانه من ولد فاطمة عليهاالسلام اذ جده لأبيه الامام الحسن السبط عليه السلام، هذا من جهة.
و من جهة أخري فان القواعد الشيعية لم تکن کلها عالمة بالمنصوص عليهم و ان کانت متيقنة من وجود النص، اذ ليس بمقدور الامام عليه السلام ايصال صوته الي تلک القواعد العريضة في ظل التطورات السياسية السريعة التي
[ صفحه 283]
کانت تجري في الخط المعاکس لتيار أهل البيت عليهم السلام، و من هنا جاء التمسک بمبدأ التقية و الکتمان کما رأينا في الرد علي مهدوية المهدي العباسي.
و انما کان النص معروفا عند ثقات أصحاب الأئمة عليهم السلام و عند من أخبروا بواسطتهم، کما يظهر ذلک بوضوح من خلال متابعة النصوص الکثيرة الواصلة الينا.
و أما من لم يصله من ذلک شيئا فلا شک أنه عرضة للتصديق بمثل هذه الأقوال، و لهذا نري جملة من الشيعة قد صادقت علي القول بمهدوية هذا الامام أو ذاک، حتي اذا ما تبين لها الصواب تراجعت بسرعة و التحقت بالحق و أهله، الأمر الذي يفسر لنا تلاشي تلک الفرق و اندثارها بسرعة بعد نشأتها. في حين نري الکثرة الکاثرة تقف - و بکل صلابة - موقف الرافض العنيد حيال تلک المهدويات، مصرحة بوجود النص بالامامة و المهدوية علي شخص مسمي بعينه.
و لا شک أن الامام الصادق عليه السلام کان يدرک هذا کله، و من هنا أراد عليه السلام تنبيه الأمة کلها علي معرفة صدق دعوي هذه المهدوية أو تلک من کذبها، و ذلک من خلال تأکيد بعض الحقائق الاسلامية التي لا صلة لها بالنص، و لکنها بذات الوقت ضوابط شرعية دقيقة لمعرفة الحقيقة المهدوية، و هذا الأسلوب کفيل بأن يجعله في مأمن من مرابة السلطة و ملاحقتها مع تحقيق الغرض المطلوب، بخلاف ما لو نادي بالنص علي کل من هب ودب.
و من تلک الحقائق الاسلامية: علائم ظهور الامام المهدي عليه السلام
[ صفحه 284]
و أوصاف دولته الکريمة، و حال الاسلام في زمان ظهوره.
و اذا کانت قيادة تلک الدعاوي و قواعدها قد نسيت أو تناست تلک الحقائق باشاعة دعاوي المهدوية الباطلة، فما علي الامام الا.ن ينبه علي مثل ذلک الغلط الفاحش؛ لأن تصدي الشريعة الي بيان تلک الأمور ليس اعتباطا، و انما عنحکمة بالغة، و اذا ما عرفها المسلمون فلا شک أنهم سکونون في مأمن من الانزلاق وراء کل مهدوية باطلة في التاريخ.
و من هنا رأي الامام الصادق عليه السلام - و هو يعيش في خضم هذه المسألة - أن يعيد للذاکرة الاسلامية ما أغفلته من علائم ظهو الامام المهدي عليه السلام؛ مضيفا اليها شيئا من صفات دولته الکريمة و حال الاسلام يومئذ، بحيث لا يمکن لأحد رؤية شي ء منها في زمان أية مهدوية باطلة لا أصل لها و لا رصيد.
و لما کانت علائم ظهور الامام المهدي عليه السلام و صفات دولته الشريفة کثيرة جدا في أحاديث الامام الصادق عليه السلام، لذا سنکتفي منها بالاشارة الي المحتم من تلک العلامات، مع الاقتصار علي أهم تلک الصفات، و ذلک في ثلاثة عناوين، کالآتي: