ما يؤيد تلک الفتاوي من أحاديث الامام الصادق
و مما يؤيد صحة تلک الفتاوي علي لسان امامنا الصادق عليه السلام الأحاديث الآتية:
1- عن صفوان بن مهران الجمال، عن الامام الصادق عليه السلام قال: «من أقر بجميع الأئمة و جحد المهدي کان کمن أقر بجميع الأنبياء و جحد محمد صلي الله عليه و آله نبوته...». [1] .
و قد مر عن الامام الصادق عليه السلام في الاشارة الي حديث الثقلين ما يوضح المراد بالأئمة عليهم السلام، و سيأتي ذلک أيضا.
2- و عن غياث بن ابراهيم، عن الامام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «من أنکر القائم من ولدي فقد أنکرني». [2] .
[ صفحه 28]
جدير بالذکر أن لفظ «القائم» و ان کان وصفا لجميع الأئمة عليهم السلام، الا أنه ينصرف عند الاطلاق الي الامام المهدي عليه السلام کما هو صريح جميع الروايات.
و مما يؤيد ذلک و علي لسان الامام الصادق عليه السلام:
- حديث عبد الله بن سنان، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (يوم ندعوا کل أناس بامامهم)؟ [3] قال: امامهم الذي بين أظهرهم، و هو قائم أهل زمانه». [4] .
- و حديث أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، و قد سئل عن القائم عليه السلام، فقال: «کلنا قائم بأمر عليه السلام، واحد بعد واحد حتي يجي ء صاحب السيف، فاذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي کان». [5] .
- و حديث محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «اذا قام القائم عليه السلام دعا الناس الي الاسلام جديدا، و هداهم الي أمر قد دثر، فضل عنه الجمهور، و انما سمي القائم مهديا؛ لأنه يهدي الي أمر قد ضلوا عنه، و سمي بالقائم؛ لقيامه بالحق». [6] .
[ صفحه 29]
- هذا، وفي حديث الحکم بن أبي نعيم، عن الامام الباقر عليه السلام ما يشير بکل وضوح الي اشتهار وصف الامام المهدي عليه السلام بالقائم بين صفوف أصحاب الأئمة عليهم السلام. [7] .
3- و في الصحيح عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قول الله عزوجل: (يوم يأتي بعض آيات ربک لا ينفع نفسا ايمانها لم تکن آمنت من قبل)، [8] قال عليه السلام: «الآيات: هم الأئمة، و الآية المنتظرة: هو القائم عليه السلام، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها لم تکن آمنت من قبل قيامه بالسيف، و ان آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام. [9] .
و هذا الحديث الصحيح صريح بهلاک منکري الامام المهدي عليه السلام في غيبته، ما لم يتدارکوا أنفسهم و يتوبوا الي الله عزوجل قبل انسداد باب التوبة بظهور الامام المنتظر عليه السلام. و منه يعلم و هن اعتذار بعض من اتبعوا أهواءهم بأنهم لو أدرکوا ظهور الامام المهدي عليه السلام لآمنوا به و أسرعوا الي مبايعته و تصديقه. الأمر الذي يشير الي ضرورة التصدي الي تلک الأعذار الواهية و الذرائع الخاوية، و اجتثاث جذورها من الأعماق (و لئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءک من العلم انک اذا لمن الظالمين). [10] .
[ صفحه 30]
4- و عن غياث أيضا، عن الامام الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله: قال: «من أنکر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية». [11] .
و يلحظ هنا ذکر الغيبة في تثبيت أصل القضية و في حکم من أنکرها معا، و منه يکشتف عمق مفهوم الغيبة المواکب لأصل القضية.
و من هنا کان الخطر الذي يکمن وراء انکار الامام المهدي عليه السلام عظيما، و النتيجة التي تضمنتها الأحاديث الثلاثة تتماشي مع روح القرآن الکريم تماما، قال تعالي: (أفتؤمنون ببعض الکتاب و تکفرون ببعض) [12] فما دام الکل من الله عزوجل فلا معني للتبعيض فيه أصلا، و لهذا فمن آمن بالقرآن الکريم، و أنکر سورة واحدة من سوره القصار فقد کفر و خرج عن ملة الاسلام، فکذلک الحال هنا.
و قد يقال: بأن هذا قياس مع الفارق؛ اذ ليس في القرآن الکريم صحيح و ضعيف، بل هو کله من کلام الله عز و جل المنقول الينا بالتواتر، و الحديث ليس کذلک اذ فيه الصحيح و الضعيف، و الموضوع الذي لا أصل له، و من ثم فان الوعيد الشديد المذکور واقع علي من أنکر أصل القضية
[ صفحه 31]
المهدوية، کمن يقول مثلا: (لا مهدي في آخر الزمان)! و حينئذ لا يضر الوعيد المذکور بمن آمن بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان؛ لأنه ايمان بالأصل المتفق عليه بين جميع فئات المسلمين و طوائفهم و مذاهبهم.
و الجواب: ان معرفة مقام أهل البيت عليهم السلام بأنهم الامتداد الطبيعي لرسول الله صلي الله عليه و آله و أنهم خلفاؤه، و أوصياؤه، و طاعتهم طاعته، و معصيتهم معصيته، و حديثهم حديثه، و قول أي منهم حجة، و أن من مات و لم يعرف امام زمانه منهم مات ميتة جاهلية، کميتة أبي سفيان علي الکفر و النفاق، کل ذلک يدل علي أنهم عليهم السلام کالقرآن الکريم لا يجوز تبعيض الايمان بهم مطلقا، و يؤيد هذا، أن نجاة المسلمين من الضلالة مرهونة باتباع القرآن و العترة معا؛ لأنهما صنوان لا يفترقان عمر الدنيا کما في حديث الثقلين الشريف، و هو حديث متواتر بلا أدني شبهة، هذا فضلا عن الأحاديث الکثيرة المتواترة في وجوب التمسک بهم و الرد اليهم، و الکون معهم، فان ظاهرها ان من لم يأخذ منهم أو عمن أخذ منهم، لا يعد في العرف طائعا لهم، و لا رادا اليهم، و لا متمسکا بهم، و لا کائنا معهم، و اذا لم يصدق عليه ذلک، لم تصدق عليه صفة الايمان و ان نطق بالشهادتين و صام و صلي و أدي فرائض الله کلها، بل في اسلامه خدش عظيم.
و أما عن دعوي التحقيق في تلک الأحاديث لاحتمال أن تکون موضوعة أو ضعيفة، و بالتالي فلا يلزم منها الوعيد المذکور. فهي دعوي غير صحيحة أصلا؛ اذ لا تحتاج المسألة الي تحقيق ما ورد فيها من أحاديث، بل لو لم يوجد أي حديث عن النبي صلي الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام في مثل
[ صفحه 32]
هذا الموضوع أصلا، لکان الاعتقاد بهلاک منکر الامام المهدي عليه السلام هو المتعين، لثبوت کونه خاتم الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ثبوتا متواترا.
علما أن في هذا الکتاب وحده من الأحاديث المروية عن الامام الصادق عليه السلام وحده، ما يکفي لاثبات هذه الحقيقة، فکيف الحال اذن لو أضيف لها ما روي عن أهل البيت عليهم السلام کافة، لا شک أنها ستفوق الحد المطلوب في تحقق التواتر بدرجات.
و من شاء فليرجع الي أمهات الکتب المعتمدة المعدة في هذا الغرض کاکمال الدين اللشيخ الصدوق، و کتاب الغيبة للشيخ النعماني، و کتاب الغيبة للشيخ الطوسي، و غيرها من الکتب المعتبرة الأخري، التي اشتملت علي مئات الأحاديث الواردة في هذا الموضوع.
[ صفحه 33]
پاورقي
[1] اکمال الدين الصدوق 1:333:2 باب 33.
[2] اکمال الدين 8:412:2 باب 39.
[3] سورة الاسراء: 71:17.
[4] أصول الکافي1: 536- 537: 3 باب ان الأئمة عليهم السلام کلهم قائمون بأمر الله تعالي هادون اليه.
[5] أصول الکافي 2:536:1، و الارشاد 384:2.
[6] الارشاد 383:2، و کشف الغمة 3: 255-254.
[7] أنظر الحديث في أصول الکافي 1:536:1 من الباب السابق.
[8] سورة الأنعام 158:6.
[9] اکمال الدين 18، من المقدمة. و أخرجه الشيخ الصدوق من طريق صحيح آخر، عن علي بن رئاب، عن الامام الصادق عليه السلام في اکمال الدين: 30، من المقدمة أيضا.
[10] سورة البقرة: 145:2.
[11] اکمال الدين 2: 412- 413: 12 باب 39.
[12] سورة البقرة: 85:2.