بازگشت

بين يدي الکتاب


والکتاب الذي بين يديک أخي القارئ هو محاولة - و ان کان مقتضبة



[ صفحه 5]



موجزة - في بيان تلک العلامات، فقد تعرض ابن حجر - مؤلف الکتاب - اليها علي ضوء الأحاديث و الأخبار الواردة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم عن الصحابة، ثم عن التابعين و تابعيهم کما قال.

و أسفا اذ لم يوفق ابن حجر في کتابه هذا في عرض تلک العلامات و مناقشتها و بيانها و توضيحها کما ينبغي، و بما يمکن القارئ من استيعابها و الرکون اليها و الاطمئنان بها.

فموضوع الکتاب أهم و أکبر من أن يشبع و يعطي حقه في و ريقات کتبت في نحو اليوم و اليلة کما يذکر ابن حجر، و هذا عجيب منه و هو العارف بعظم هذا الأمر کما يستنبط من عباراته في هذا الکتاب، و أيضا لما له من باع طويل في رواية الحديث تستفاد من کثرة مصنفاته و مؤلفاته:

وسيلمس القارئ عند ملاحظته لديباجة الکتاب أن ردة عقائدية و أفکارا فاسدة قد اجتاحت المجتمع انذاک، و شوهت جوهر العقيدة المهدوية، تمثلت في ادعاء البعض ممن عاصر المؤلف أنهم هم المهديون، في وقت عصفت فيه رياح التسيب و الانحلال جوانب المجتمع، و أطبق الجهل علي العقول:

و وسط ذلک الظلام الفکري الرهيب، انبري ابن حجر للرد عليهم، فشحن هذه الوريقات بأحاديث جردها من أساتيدها و رواتها، تفوح منها رائحة العجالة -ناهيک عن تصريحه بذلک- وزاد من عنده و من بناة فکره، علي بعض الأخبار، ما اعتقده صحيحا. [1] .

والأنکي من ذلک أن تناقضا و اضطرابا يکتنف عقيدته في هذا الأمر، و يبدو هذا الأمر جليا واضحا عند مقارنتها مع بعض أفکاره التي طرحها في کتابه «الصواعق المحرقة» و قد أشرنا الي بعضها في الهامش؛

فبربک قل لي أيها القارئ المنصف، هل سيوفق ابن حجر بفکره المشوش



[ صفحه 6]



المضطرب، و بهذه العجالة أن يقنع و يهدي ذلک المجتمع المتهرئ؟!

ولو بحثنا معا أخي القارئ في سبب ذلک الاضطراب العقائدي الذي يطفح به کلام ابن حجر، و اشتباهه عند بعض الامور، و تردده في بعضها الآخر، و استقصينا الاصول التي نهل منها، عرفنا حقيقةالأمر، فهو لم يرجع الي أهل العلم الذين أمرالله بسؤالهم في قوله تعالي: و أسألوا أهل الذکر ان کنتم لا تعلمون. [2] .

و انما رجع الي خبر الآحاد، و أخذ من المجهولين و المجروحين و الکذابين الذين تشهد کتب الرجال و السيرة بانحرافهم، فاختلط الأمر عليه، و آل حاله و فکره الي ما تجده مترجما علي هذه الأوراق.

فابن حجر عندما يقرر قائلا: «الذي في الأحاديث الثابتة التصريح بأنه -أي المهدي عليه السلام- من عترته صلي الله عليه و آله و سلم من ولد فاطمة عليهاالسلام».

و هو الصحيح علي ما اشتهر في روايات الفريقين، يتراجع و يسرد بعض الأخبار القائلة بأن المهدي هو من ولد العباس، ثم يصرح علانية لتغطية تهافته بأنه لا منافاة بينها، و أنه يمکن الجمع بأنه من ذريته صلي الله عليه و آله و سلم و للعباس فيه ولادة من جهة أن امهاته عباسية (کذا) و هو قول عجيب أثبتنا بطلانه کما ستري.

و أما بالنسبة الي مسألة اسمه و اسم أبيه و کنيته، و کذا أمر بيعته و کيفيتها، و ماذا سيکون بعده، فان ابن حجر يلقي نفسه في اتون من الأحاديث متقد، و يخوض في عاصفة عاتية من التناقضات و الأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، معتمدا في ذلک علي أقوال المشبوهين التي تربک القارئ و السامع، و تموه عليه الحقائق، في کلام ضعيف مهزوز حتي ليظن بأن کاتبها لا اطلاع له بأحاديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لا علم له بأحاديث أهل بيت عليهم السلام، و أنه غير ذلک الموصوف علي لسان ابن العماد الحنبلي «خاتمة العلماء الأعلام»!!



[ صفحه 7]



و الا فکيف سمحت نفسه بايراد کلام کهذا، و أحاديث السنة الغراء الحقة تقضي بخلافها، بل و نفيها و بطلانها، ولو لا خوف الاطالة و التکرار لأتينا علي ذکرها الا أننا نترک ذلک للقارئ الفطن لمراجعتها في مظانها في مطاوي هذا الکتاب، و قد علقنا عليها ببيانات متعددة وافية ان شاءالله.

و لا بأس أيضا أخي القارئ بمراجعة کلمتنا في کتاب الملاحم لابن المنادي [3] عند تعليقنا علي موضوع الخلفاء الکائنين بعد الحسني، ففيه ما يفيد الموضوع و يغني البحث.

وسيلا حظ قارئ هذا الکتاب أن ابن حجر لا يذکر من قريب و لا من بعيد أن المهدي الذي بشر به رسول الله صلي الله عليه و آله و الأئمة الطاهرون من أهل بيته عليهم السلام بعده، کما تذکره الروايات بأسانيد صحيحة،هو ابن الامام الحسن العسکري عليه السلام و لا يتطرق الي مسألة غيبته، و أنه موجود، و لولاه لساخت الأرض بأهلها، و ان کان يقر في کلامه ضمنا بهذه الحقيقة و لا يدري، حيث يقول:

يبقي بعده شرار الناس ثم تقوم الساعة، أو لا خير في العيش بعده، لما يصيب الناس من أهوال، و يستبدل کل ذلک متکلفا لشخصية اخري يتوهمها في خياله، تلتقي في جل حالاتها - لو أمعن النظر و دقق قليلا - مع الشخصية الحقة التي بشر بها خاتم الأنبياء و سيد المرسلين؛

لا بل انه يصرح في ذلک في کتابه الصواعق المحرقة [4] عند ايراده للآيات الواردة فيهم عليهم السلام حيث يقول:

الآية السابعة قوله تعالي: (و ما کان الله ليعذبهم و أنت فيهم) [5] .

أشار صلي الله عليه و آله و سلم الي وجود ذلک المعني في أهل بيته، و انهم أمان لأهل الأرض



[ صفحه 8]



کما کان هو صلي الله عليه و آله و سلم أمانا لهم... - الي أن قال بعد ايراده قولا لبعضهم - المراد بهم سائر أهل البيت عليهم السلام فان الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي صلي الله عليه و آله و سلم جعل دوامها بدوامه و دوام أهل بيته، لأنه يساوونه في أشياء، مر عن الرازي بعضها، و لأنه قال في حقهم:

«اللهم انهم مني و أنا منهم» و لأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة امهم بضعته، فاقيموا مقامه في الأمان... الخبر.

و أخيرا و ليس آخرا، أقول - و الحق يقال -:

ان ابن حجر هذا، و من نحا نحوه، يحار العقل في تقييمهم، فهو في الوقت الذي يدون فيه عشرات المصنفات و في شتي المجالات، يعجز عن ادراک و تحسس التماسک الفکري الوثيق، و الترابط المنسجم بين أفکار و اتجاهات الأحاديث الکثيرة المروية عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و آل بيته المعصومين عليهم السلام في أمر عقائدي مهم و خطير في حياة کل مسلم، ألا و هو مسألة الامام المهدي عليه السلام؛

فلو مضي بعقل متفتح في الآفاق الرحيبة لتلک الأحاديث، ناشدا للحقيقة، لوجدها ساطعة أوضح من شمس، و من يدري فلعله فعل ذلک، و نفذت الحقيقة الي قلبه الا أنه أسدل دونها حجابا من التعصب و التقليد الأعمي، ذلک أنه يند من قلمه، و يرشح من يراعه بين الحين و الحين في هذا الکتاب، و أيضا في کتابه الصواعق المحرقة، عبارات تؤيد ما ذهبنا اليه، رغم تعارض أفکاره فيهما في امور کثيرة کما تقدم.

و نحن بين هذه و تلک، نتضرع للباري عزوجل و نسأله المغفرة، و الهداية و التوفيق و السداد انه تعالي غفور، رحيم، رؤوف بالعباد.


پاورقي

[1] أشرنا الي تلک الزيادات في الهامش کما سيري القارئ.

[2] النحل: 43، الأنبياء:7، و أهل الذکر کما في کتب التفاسير هم الأئمة المعصومون، أهل بيت النبي صلوات الله عليهم.

[3] ص 261.

[4] ص 152.

[5] الأنفال:33.