بازگشت

النفوذ الروحي و اللاارادي


اننا نعلم ان للشمس سلسله من الاشعه المرئيه يترکب منها الالوان السبعه المعروفه، و اشعه غير مرئيه تسمي فوق البنفسجيه او الاشعه دون الحمراء. کذلک القائد السماوي الکبير، نبيا کان ام اماما، فبالاضافه الي التربيه التشريعيه - التي تتاتي عن طريق الحديث و التصرفات و التعليم و التربيه العاديه - له نوع من التربيه الروحيه التي تعمل عن طريق النفوذ المعنوي في القلوب و الافکار، و يمکن تسميتها باسم التربيه التکوينيه. و هنا لا اثر للالفاظ و الکلمات و الکلام و العمل، و انما الشيء الموثر هو الجاذبيه الکامنه في الباطن.

و نقرا في سير الکثير من الائمه الکبار ان بعض الاشخاص المنحرفين بمجرد اتصال بسيط معهم يغيرون مسيرتهم کليا، و ينقلبون تماما، او کما نقول ينحرفون عن حياتهم بزاويه مئه و ثمانين درجه، و ينتخبون اسلوبا جديدا و ينقلون مره واحده الي اشخاص طاهرين مومنين و ذوي ايثار، لا يحجمون عن بذل وجودهم.

ان هذه التغييرات السريعه بکافه جوانبها، و هذه التحولات الکليه و ذلک خلال لقاء واحد، طبعا بالنسبه لهولاء رغم انحرافهم لديهم استعداد ايضا، هو نتيجه جذبه لا اراديه يعبر عنها احيانا باسم نفوذ الشخصيه.

و قد جرب الکثير في حياتهم انهم اثناء لقائهم باشخاص ذوي روحيه عاليه، يقعون تحت تاثيرهم دون اختيار او اراده منهم، حتي انه يصعب



[ صفحه 99]



عليهم الکلام امامهم و يجدون انفسهم في هاله من الغموض لا توصف عظمتها.

طبعا يمکن احيانا اعتبار ذلک تلقينا و ما اشبه، و لکن بالتاکيد لا يصح ذلک علي جميع الحالات، و لا يوجد طريق سوي ان نقبل ان هذه الآثار نتيجه شعاع غامض ينبع من باطن الاشخاص العظام.

هناک سير کثيره في تاريخ الائمه الکبار لا يمکن ان نفسر هذه الحاله الا بهذا التفسير، و نورد فيما يلي بعض النماذج:

التقاء اسعد بن زراره الوثني بالنبي الاکرم صلي الله عليه و اله و سلم الي جوار الکعبه و التغيير الفکري الکلي له، او ما کان يسميه الاعداء الالداء للنبي صلي الله عليه و اله و سلم بانه سحر، و سعيهم لابعاد الناس عنه صلي الله عليه و اله و سلم من اجل ذلک. [1] .

تاثير کلام الامام الحسين عليه السلام علي افکار زهير بن القين اثناء المسير الي کربلاء، الذي وضع اللقمه من يده و التحق به عليه السلام. [2] .

الجذبه العجيبه التي شعر بها الحر بن يزيد الرياحي في نفسه و اخذ يرتجف رغم شجاعته، و هذه الجذبه هي التي سحبته الي صفوف المجاهدين في کربلاء حتي نال فخر الشهاده العظيمه. [3] .



[ صفحه 100]



قصه الشاب الذي کان يقيم الي جوار ابي بصير بثروته العظيمه، التي جمعها من خدمته لنظام بني اميه، و الذي کان يعيش حياه لاهيه لا ضابطه لها فتغير کليا برساله من الامام الصادق عليه السلام، فترک اعماله کلها، و انفق جميع امواله التي جمعها من طريق غير مشروع في سبيل الله او اعادها لاصحابها. [4] .

قصه الامه الجميله التي بعثها هارون الرشيد لجهله الي الامام الکاظم صلوات الله عليه لکي يحرفه، فانقلبت خلال مده وجيزه بحيث ان مظهرها و کلامها و منطقها ادهش هارون و اخافه. [5] .

جميع هذه القصص نماذج لهذا التاثير اللاارادي، و يمکن اعتباره فرعا من الولايه التکوينيه للمعصومين، من النبي صلي الله عليه و اله و سلم و حتي الائمه عليهم السلام، لان عامل التربيه و التکامل هنا ليست الالفاظ و الجمل و الطرق العاديه، و انما الجذبه المعنويه و النفوذ الروحاني اللذان يعتبران العامل الاساسي.

و کما قلنا: ان الانبياء و الائمه عليهم السلام علي اساس الفضائل الموهوبه، و الابرار و الشخصيات الالهيه العظيمه، علي اساس الفضائل المکتسبه، کل و منزله شخصيته له هاله من هذا النفوذ اللاارادي، طبعا لا يمکن المقارنه بين المجموعه الاولي و المجموعه الثانيه من حيث الابعاد و الاتساع.

ان الوجود المبارک للامام صاحب الزمان عليه السلام خلف سحاب الغيبه له



[ صفحه 101]



هذا الاثر ايضا، ففي طريق الشعاع القوي الواسع لنفوذ شخصيته، يوثر بجذبته الخاصه في القلوب المستعده القريبه و البعيده، و يبدا بتربيتهم و تکاملهم ليصنع منهم الانسان الاکمل.

اننا لا نري قطبي الجاذبيه المغناطيسيه للارض باعيننا و لکن اثرهما ظاهر في البوصله؛ لدي قياده السفن في البحار، و في الصحاري، و في قياده الطائرات في الفضاء، و الاجهزه الاخري، و من برکه هذه الامواج علي الکره الارضيه فان ملايين المسافرين يجدون طريقهم نحو اهدافهم، فيتخلصون - بالناقلات الصغيره و الکبيره بامر من هذه العقربه الصغيره في ظاهرها - من الضياع.

فهل من العجب ان يکون الوجود المبارک للامام صاحب الزمان صلوات الله عليه، في زمن الغيبه - بواسطه امواج جذبيه المعنويه - هاديا لافکار وارواح الکثيرين، و ينقذهم من الضياع؟؟ طبعا يجب ان لا ننسي ان الامواج المغناطيسيه في الارض لا توثر علي القطع الحديديه الرخيصه و انما توثر علي العقارب الدقيقه الحساسه تلک التي لها خاصيه الجاذبيه، و التي لها شبه مع القطب المرسل للامواج المغناطيسيه، و کذلک القلوب التي لها طريق الي الامام المهدي عليه السلام و تدخر في باطنها شبها تقع تحت تاثير تلک الجذبه الروحانيه.

فالامام المهدي عليه السلام الذي شبه رسول الله بالشمس من وراء السحاب هو الذي بوجوده يتنعم البشر، و تنتظم حياته، و هو الذي تتفجر منه الخيرات



[ صفحه 102]



و البرکات و الالطاف الخفيه و الفيوضات المعنويه الي الناس.

فهو يتصرف في الکائناب بصوره مستمره، و يملک کافه الصلاحيات التي فوضها الله اليه، و ليست حياته حياه العاجز الضعيف، الذي لا يملک حولا و لا قوه، و يکتفي بصلاته و صيامه، و يقضي اوقاته في الصحاري و البراري منعزلا عن الناس، لا يعرف شيئا عن العباد و البلاد، کلا و الف کلا.

ان الامام المهدي عليه السلام - بالرغم من غيبته التي ارادها الله له - يتمتع بقدره من الله تمکنه من کل ما يريد، و توفر له جميع الوسائل اللازمه، و مما لا شک فيه ان تصرفات الامام المهدي و انجازاته، کلها مطابقه للحکمه و المصلحه، و ليست تابعه للهوي و الميول النفسانيه، فيعطي و يمنع، و يفعل و يترک، و يدعو الله تعالي فيرشد الضال، و يشفي المريض، و يظهر نفسه لهذا و ذاک، تاره في العراق، و اخري في ايران، و مره في طريق الحج، و اخري في مکه و المدينه و مني و عرفات، کل ذلک بقدره الله تعالي.

هذا مضافا الي اننا نتتفع بتعاليمه التي قد يعطيها لمن يماشيه، و لمن يجالسه، و لمن يرافقه في الطريق، و في المسجد، و في المتجر، و في المجتمعات، دون ان يحس هذا المستفيد بان هذه التعاليم صادره عن صاحب الامر عليه السلام... فانه يظهر في مناسبات بين الناس، يعرفهم و لا يعرفونه، و ينصح لهم و للاسلام دون ان يخطر ببال احد منهم ذکر المهدي عليه السلام او کونه هو هو هذا الآمر بالمعروف او الناهي عن المنکر، نذکر نبذه صغيره و ضئيله مما يقوم به المهدي في عصر الغيبه لحفظ الاسلام و المسلمين.



[ صفحه 103]



يقول الامام علي عليه السلام:

حتي اذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس، و ماج الناس بفقده او بقتله او بموته اطلعت الفتنه و نزلت البليه و التحمت العصبيه و غلا الناس في دينهم و اجمعوا علي ان الحجه ذاهبه و الامامه باطله...

فورب علي ان حجتها عليها قائمه، ماشيه في طرقاتها، داخله في دورها و قصورها، جواله في شرق هذه الارض و غربها، تسمع الکلام و تسلم علي الجماعه تري و لا تري الي الوقت و الوعد و نداء المنادي من السماء. [6] .

و قال الصادق عليه السلام: و الله ان صاحب هذا الامر يحضر الموسم کل سنه فيري الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه. [7] .


پاورقي

[1] اعلام الوري 1: 139-136.

[2] وقعه الصف: 161.

[3] وقعه الطف:213.

[4] بحار الانوار 145:47، ب (5) معجزات و استجابه دعواته، ح 199.

[5] مناقب آل ابي طالب 415:3.

[6] الغيبه للنعماني: 146، ب (10)، ح 3.

[7] بحار الانوار 152:52، ب (23) من ادعي الرويه في الغيبه الکبري، ح 4.