بازگشت

في الفکر القانوني


بعد ان ثبت بوضوح فشل الاطروحه العلميه لقياده العالم، و ان المهم في الامر هو وجود النظام الصالح و القانون العادل الذي ينسق شوون المجتمع و البشريه و يسهل حصولها علي آمالها و ازاله آلامها.

اذن فالقائد الرئيس للبشريه نحو الافضل هو القانون نفسه... و هو الذي سيکفل للبشر مستقبلهم السعيد.

فان البشريه کانت و لا زالت، تمر في تاريخها الطويل بتجارب و مشاکل تکون هي الکفيل الاساسي لرقي الفکر القانوني. و ذلک بعد مرور الفکر



[ صفحه 27]



القانوني بمرحلتين:

المرحله الاولي: التعرف بوضوح علي المشاکل العامه و الخاصه السائده في المجتمع، و محاوله فهمها فهما عميقا کاملا و الاطلاع بها علي اسبابها و نتائجها بکل دقه، و کلما اتسع الوعي الفکري للانسان علي واقعه بما فيه من مشاکل و آلام، ساعد ذلک علي تربيه الجانب القانوني فيه.

المرحله الثانيه: محاوله التعمق، في معرفه الحلول الممکنه لهذه المشاکل المعروضه، و الاطلاع علي اساليب عامه و فعاله في ازاله المصاعب و تذليل العقبات، و من ثم الي تحضير الرفاه و العداله في المجتمع.

فاذا استطاع المفکر القانوني، ان يمر بکلتي المرحلتين، بشکل دقيق و شامل، استطاع - لا محاله - ان يصل الي وضع القانون العادل الذي يکفل السعاده و الرفاه الدائم.

و قد کان و لا زال الفکر القانوني البشري، في طريق التربيه و التکامل باستمرار، من کلتا الجهتين، نتيجه لم تعطه التجارب الاجتماعيه من دقه و ثراء.

و بذلک يثري الفهم الفقهي القانوني، فتعطي التعاريف و التفاسير بشکل ادق شيئا فشيئا، سواء في ذلک من ناحيه القانون المدني او العسکري او الدولي، او قوانين العقوبات او الاحوال الشخصيه... او غيرها.

و قد وصل القانون في العصر الحاضر الي مراتب عليا، حتي اصبح من ادق العلوم الانسانيه. و ان کنا قد نجد فيه بعض النواقص و الاختلافات بين



[ صفحه 28]



المفکرين في جمله من حقوله... فان التکامل التدريجي للقانون، من خلال التجارب الطويله کفيل بان يزيل هذا النقص و يزيد في ادراک الفکر القانوني لتلک المرحلتين الاساسيتين، مما يفتح امام القانون فرصه الوصول التدريجي الي ادراک العدل الحقيقي، و التذليل الکامل للمشاکل البشريه.

حيث لا يکون المقصود، تعيين فتره معينه لهذا التکامل، فان من الممکن ان يصل القانون الي النتيجه الکبري، في فتره مقبله من الدهر، مهما طالت.

و اذا وصل القانون الي درجه الفهم الکامل للعدل، و امکن تطبيقه في المجتمع البشري، کان هذا هو المستقبل السعيد الموعود الذي يعم فيه الرفاه و السعاده ربوع المجتمع البشري کله.

و بهذا يتم البرهان علي الاطروحه الثانيه.

المناقشه:

غير انه يمکن المناقشه في هذه النتيجه بالرغم من اهميتها، بعده مناقشات اساسيه:

المناقشه الاولي:

و هي عجز الفکر البشري القانوني عن ادرک مصالحه الحقيقه و ادراک العدل، و بالتالي انه يعتذر عليه تغطيه مرحله التعرف علي المشاکل العامه و الخاصه و محاوله فهم اسبابها و نتائجها بدقه.

و التعرف علي الحلول الممکنه لهذه المشاکل المعروضه، و ايجاد اساليب فعاله في ازاله المصاعب لاحراز العدل الکامل.



[ صفحه 29]



بل يتحقق هذا الامر فقط عن طريق الحکمه الالهيه و الوحي من وراء الطبيعه. و اما الفهم البشري المنفصل عن الوحي - کما هو مفروض هذه الاطروحه - فيتعذر عليه ذلک حال.

المناقشه الثانيه:

انه من الصعب ان نتصور ان في مستطاع الفکر القانوني البشري ان يثري و يتکامل باستمرار، حتي يصل الي ادراک العدل المطلق.

و ذلک لان المفکر القانوني فردا کان او جماعه، فانه يحيا في المجتمع کاي انسان آخر، له مصالحه و ارتباطاته و علاقاته و موارده الاقتصاديه، و غير ذلک. و هو يود في کل ذلک طبقا لحب الخير لنفسه ان ينجح في کل الحقول، و ان يتوفق فيها احسن توفيق، و يتقدم علي غيره من الناس مهما امکن.

و اذا کان المفکر القانوني، ذا اتجاه عقائي او سياسي معين، کان - لا محاله - متحمسا لذلک الاتجاه، يود فوزه و سيطرته علي الآخرين و يري اندحاره و خيبته کابوسا مزعجا.

و علي کل حال يکون الفرد القانوني، ذا تکوين نفسي و اتجاه اجتماعي معين يستحيل عليه ان يعزله عن فکره القانوني و عن ادراکه للمصالح و المفاسد العامه. و مهما حاول الفرد اتخاذ المسلک الموضوعي و التجرد عن الانانيه و التعصب، و تصور مصالح الاخرين بمعزل عن مصالح نفسه؛ فانه فاشل و خاطيء، فان الاشعور و الضغوط و الملابسات العامه و الخاصه و التاريخ الذي عاشه، يفرض نفسه عليه من حيث يدري او لا يدري.



[ صفحه 30]



المناقشه الثالثه:

ان التکامل في الفکر القانوني، کما شهدناه في عالم الامس و اليوم اصبح ذا شعب و انشقاقات، فما هو عدل منه هولاء هو ظلم عند آخرين و ما هو مصلحه عند قوم هو مفسده لدي آخرين، و ما هو تجرد و موضوعيه عند بعضهم، هو عين الانانيه و التعصب عند البعض الآخرين... و هکذا.

يکفينا انشقاق القانون المدني، الي روماني و جرماني، و هما يختلفان في المفاهيم الاوليه لتفسيرها و تعريفها، فضلا عن التفاصيل، و کذلک انشقاق الاتجاه الاقتصادي الي راسماليه و اشتراکيه، و هما يتخلفان في وجه نظهما الي الانتاج و التوزيع اختلافا جوهريا، و کذلک اختلاف الدول - و ان اتفقت في المباديء- في قوانين الاحوال الشخصيه و قوانين العقوبات و غيرها.

فاي هذه الانشقاقات يرجي لها الکمال؟! ان النظر العقلي المجرد لا يري احد الشقين او احد الخصمين او التفسيرين اولي من الآخر، و اما الفرد المومن باحدهما فيري قانونه هو الکامل و يتعصب له، ويبقي التکتل و الانشقاق بين البشر موجودا، و مع تفشيه يستحيل الوصول الي العدل العالمي المطلوب.

و من المعتذر حقا ان نزعم ان الفکر القانوني بتکامله و مروره بالتجارب المتکثره سوف يتوحد في العالم، و يرتفع الخلاف بين القانونين.

ان هذا الافتراض مخالف لطبيعه الاشياء و طبيعه الانسان.

و اذا لم توجد الوحده في الفکر القانوني، و کان من المعتذر وجودها،



[ صفحه 31]



يستحيل علي الدوله بکل هيمنتها و هيبتها و موسساتها، ان تضمن ذلک.

و لئن ضمنته حينا، فلن تستطيع ذلک دائما، و لئن استطاعته دائما، في فرد او جماعه معينه، فلن تستطيعه في کل الشعب. کما لن تستطيع تطبيق القانون من قناعه عامه به و عن تجاوب قلبي معه، و انما سوف يطبق القانون بمقدار ما تقتضيه القوه من ناحيه، و المصالح الشخصيه للافراد من ناحيه اخري يدفعون به عن انفسهم العقاب، او ينالون به شيئا من الفوائد.

و اذا کان الناس هکذا و هم دوما لهم نفس الموقف تجاه القانون البشري اذن فلا يمکن ان نتوقع لهذا القانون في يوم من الايام، ان يضمن لنفسه التطبيق الکامل المطلوب.