في العلم التکنيکي الحديث
ان العلم الصناعي الحديث هو الکفيل بايصال المجتمع البشري الي السعاده و الرفاه و بخاصه في المستقبل، حيث يتطور العلم اکثر مما هو عليه الآن، کيف لا؟! و نحن نعاصر النتائج الکبري التي تمخض عنها العلم في هذا العصر، فاننا لو تجاوزنا قمم العلم العليا التي تتمثل في عده امور، کتفجير الذره و الصعود الي الکواکب و استخدام العقل الالکتروني، اذا تجاوزناها و حاولنا النزول الي الفوائد الاجتماعيه التي يمکن للعلم ان يحققها، فيضمن للبشريه مستوي عال من السعاده و الرفاه.
اذن، لراينا الشيء الکثير... فهناک الاجهزه التي اخترعت، و لا زالت تخترع لتذليل مصاعب الحياه المنزليه، و لعل اهمها الي الآن ذلک الانسان الآلي الذي يقوم بالخدمات بکل رحابه صدر و بدون تعب، و يوفر للعائله اکبر الجهود. و هو ايضا يرد علي الهاتف و يخبر صاحبه عن الاتصالات الهاتفيه الحاصله حال غيابه.
و هناک الآلات الزاخره العظيمه المستعمله کوسائل للاعلام؛ من السينما الي الراديو، الي التلفزيون، و اما الهاتف الصوتي و التلفزيون و المتنقل فحدث عنه و لا حرج، في تقصير المسافات، و اختصار الجهد الي حد بعيد.
[ صفحه 23]
و هناک الآلات الزراعيه، التي تقلل الجهد و تزيد في الانتاج و توسع رقعه الارض المزوعه الي اکبر مدي.
و قل نفسي الشيء في تحسين الانتاج الحيواني، و تطويره و توسيعه.
و لا يخفي ما للعلم من جهود مشکوره في دفع الآفات و الامراض الزراعيه و الحيوانيه، و اعطاء اعمق الاساليب و انجحها لاتخاذ احسن شکل للانتاج.
و اما الطلب فحدث - عن انتصاراته علي المرض - و لا حرج... و قد تکللت الجهود الطبيه بزرع الاعضاء الجديده في جسم الانسان بدل الاعضاء التالفه فيه، و لعل عمليه زرع القلب هي اهم ما انجز في هذا المجال، بل قد تودع في الجسم الانساني آله صماء تقوم مقام العضو التالف لتودي نفس وظيفته.
و تربيه الجيل الناشيء قد استندت الي العلم ايضا... فهناک النظريات التربويه التي تطبقها احدث المعاهد في العالم، و لا زال العلم يتقدم بهذه النظريات نحو الافضل.
و تعال بنا الي الهندسه العمرانيه، لنري انها الي اي ارتفاع ودقه وصلت في ميادين هندسه البيوت و المدارس و المستشفيات و الاسواق و المتنزهات و غيرها... مما يوفر احسن الرفاه و اکبر الجهود للناس.
و اذا تجاوزنا الجانب الاجتماعي للعلم، الي الجانب الفکري او الثقافي ککل، وجدنا تفوقا لا يوصف في علوم الذره و الفلک و الفيزياء و الکيمياء
[ صفحه 24]
و المنطق و الفلسفه و علم النفس. لم تکن البشريه قد بلغته في اي وقت مضي من حياتها الطويله، کل ذلک يبشر بالخير، و المستقبل الزاهر السعيد الذي يقوم علي اکتاف العلم و العلماء.
و اذا کان العلم قد وصل الي مثل هذه المراتب العظيمه في العصر الحاضر، فاحري به ان يصل الي درجات اهم و اوسع في المستقبل، تکون کافيه - و بکل جداره - لضمان الرفاه و سياده السعاده و العدل في ربوع البشريه.
المناقشه:
الا انه من الموسف ان هذا الکلام بالرغم من اهميته و جمال شکله لا يمکن ان يکون صحيحا في نتيجته، باي حال من الاحوال.
فکل هذه التطورات العلميه صادقه، و لعل فيما اهملناه اهميه مماثله او اکبر مما ذکرناه، فاننا اعطينا نماذج من ذلک فقط.
و لعمري ان للعلم مساعده فعاله في جلب الراحه الي الانسان و المجتمع. لکن ذلک لا يعني بحال ان العلم وحده من دون ملاحظه شيء آخر، يمکنه ان يضمن السعاده و العدل بين الناس، و لا ينبغي لنا ان نبالغ في اهميه العلم مهما کان له في العالم من هيبه و اهميه.
فان العلم انما يضمن الجانب المدني و التکنيکي من حياه الانسان و لا يتضمن العلم - بمجرده- اي جانب قانوني او اخلاقي، کما هو واضح.
فان لهذه الامور حقولا اخري في المعرفه الانسانيه لا تمت الي العلم بصله، علي الاطلاق.
[ صفحه 25]
فاذا استطعنا ان نضم النتائج الرائعه للعلم الي نظام عادل و قانون سليم، استطعنا ان نکفل الرفاه الحقيقي و السعاده الکبريه، اذ تکون النتائج العلميه موزعه يومئذ بين البشر بشکل متساو و متکافيء بدون احجاف او ظلم.
و اما اذا نظرنا الي العلم وحده، و توقعنا منه ان يکون صانعا لسعاده المستقبل مع اسقاط النظام عن نظر الاعتبار... فهذا يعني الوصول الي نتائج و خيمه مروعه في غايه السوء و الاجحاف.
منها: انه يمکن للعلم ان يکرس طاقاته الهائله في فناء البشريه و اضرارها الي حد کبير... في وضع الاسلحه الفتاکه و السموم القاتله، و وسائل التعذيب اللاانساني للآخرين. و هذا ما هو حاصل في العصر الحاضر، و هو يتقدم و يتزايد بتقديم العلم و تزايده، و تبذل الدول في سبيله الملامين.
و منها: ان هذا الرفاه يکون خاصا بالمتمولين، الذين يستطيعون استغلال النتائج العلميه في مصلحتهم، اما الاعم الاغلب من الناس في العالم، و هم متوسطو الحال و ذوو الدخل المحدود و الفقراء فلن يستطيعوا الحصول علي شيء مهم من نتائج العلم.
فان قال قائل: انه يمکن توفير الرفاه العلمي لاکبر کميه من الناس و بأرخص ثمن ممکن... و بذلک تتسع رقعه المستفيدين من نتائج العلم الکبري.
[ صفحه 26]
قلنا: ان هذا لا يکون الا تحت نظام خاص و في ظل نظام معين يکفل ذلک، و لا يمکن للعلم وحده ان يکفل هذه الجهه.
و منها: ان العلم اذا لم ينضم الي القانون الصالح، لا يمکن ان يضمن زوال الاعتداء بين البشر باي شکل من الاشکال. و من الواضح ان التطور العلمي لا يعني تطور الجانب الانساني من الانسان بل يمکن ان ينسجم مع اشکال الانتاج مع اقسي اشکال الانانيه و العدوان.
و مع کل ذلک، و غيره، کيف يمکن للفرد ان يتفوه بهذا الکلام علي انه حقيقه نهائيه، و هو انه يمکن للعلم وحده ان يضمن المستقبل السعيد للعالم.
و هکذا فان هذه المقوله قد فشلت في قياده البشريه نحو المستقبل السعيد.