بازگشت

فلسفة التمحيص و الاختبار علي نطاق الفرد


قد عرفنا ان الامتحان الالهي قانون عام للبشريه مرافق لها في عمرها الطويل.

و قد نطق به القرآن الکريم، قال تعالي: (ما کان الله ليذر المومنين علي ما انتم عليه حتي يميز الخبيث). [1] .

و لعلنا نستطيع ان نفهم من قوله تعالي: (و لما يعلم الله الذين جاهدوا منکم و يعلم الصابرين) [2] کيفيه التمحيص الفردي و اسلوبه و ذلک:

ان التمحيص ليس للکشف و الاظهار فقط امام الآخرين او امام التاريخ، و ان کان هذا هو جانبه الظاهر، المنظور. و انما يتضمن - في الحقيقه - تغييرا حقيقيا و تاثيرا جوهريا في ذات الفرد يعلمه الله منه بعد وجوده و تحقيقه.



[ صفحه 145]



و يتضح ذلک من بيان مقدمتين:

المقدمه الاولي:

ان للفرد العاقل المختار اتجاهات و وجهات نظر، و له مواقف و آراء تجاه کل حادثه مما يمر به في حياته. و هو علي الدوام يحدد مواقفه فعلا و ترکا و آراء ا، ايجابا و سلبا، صادرا صدورا تلقائيا عن اتجاهاته و وجهات نظره العقائديه و العقليه و النقافيه، فتتحدد مواقفه بتحديد اتجاهاته، تجاه کل حادثه من حوادث الحياه.

و يکون للحوادث المتغيره المتطوره الاثر الکبير في تغيير و تطوير اتجاهات الفرد فضلا عن مواقفه، و بذلک يکتسب الصغير خبره و الکبير حنکه و الجاهل علما، کما هو واضح جدا لکل فرد عاقل يعيش في هذه الحياه.

فقد تعمق الحوادث ايمان الفرد و قد تضعفه، و قد يصبح الفرد المنحرف معتدلا، بل قد يصبح الواعي منحرفا و المنحرف واعيا.

و قد يصبح الجبان شجاعا و الشجاع جبانا، و البخيل کريما و الکريم بخيلا، و الکذاب صادقا و الصادق کذابا... و هکذا.

هذا کله في الحوادث الفرديه التي يصادفها الناس في الحياه، و متي کانت الحوادث اوسع من الوجود الفردي، کان اثرها اعمق و اشمل علي الفرد و المجتمع، کالامور السياسيه و الاقتصاديه و الاجتماعيه العامه التي يتعرض لها المجتمع من التدهور الاقتصادي و الاخلاقي و الظلم و التعسف، فان کل ذلک يوثر في الافراد بل في المجتمع کله آثارا بليغه.



[ صفحه 146]



و من هنا يکتسب التمحيص اهميته، فانه قبل حدوث الحادثه ايه حادثه تکون حاله الفرد من حيث اتجاهه ورد فعله و ما سيتخذه من سلوک، مجمله ذاتا، و ليس لها اي تعين واقعي.

و الحوادث وحدها هي التي تعين واقع اتجاهه الجديد، و درجه عقيدته و ايمانه، کما تکشف لنا و لنفسه ايضا، هذا الاتجاه الجديد المتمثله في سلوکه الجديد الذي يتخذه.

فاذا کان للافراد اتجاهات علي الدوام و کانت الحوادث تحدث باستمرار، و کان لهم تجاهها ردود فعل و آراء و مواقف، اذن يکون التمحيص و الامتحان مستمرا باستمرار الحياه البشريه.

و من هنا نري ان التمحيص کلما اکتسب اهميه اکبر في الاستعداد لاقامه العدل في دوله المهدي عليه السلام، کما هو الآن من خلال عصر الغيبه الکبري.

شاء الله ان يعرض الافراد لحوادث اعقد و اصعب، حتي يکون اتخاذهم للمواقف الجديده حاسما و اکيدا، ليتضح ما اذا کانت مواقفهم منسجمه مع تعاليم الاسلام او لا.

س 1: ان الله في اي شيء يمتحن الانسان و متي؟

الجواب: ان امتحان الله ليس کامتحانان المدارس و الجامعات له زمان خاص و موضوع و کتاب خاص، و انما الانسان في کل يوم من عمره و کل ساعه و کل دقيقه في قاعه الامتحان، قد يکون الفرد الي الآن في قائمه المومنين



[ صفحه 147]



و من الغد ينحرف و يکتب اسمه في قائمه المنافقين.

س 2: و اما السوال في ماذا نمتحن؟

الجواب: نمتحن في النعم و النقم، في الرفاهيه و الشده، في العافيه و السلامه، في الغني و الفقر في الالم و اللذه.

قوله تعالي: (و نبلوکم بالشر و الخير فتنه). [3] .

و ان امتحان الله لعباده عام و شامل للجميع، حتي الانبياء عليهم السلام.

نلاحظ عندما سخروا من النبي هود و وصفوه بالسفيه و السفاهه، فانه لم يتردد او يتنازل من مهمته او يغضب.

و عند ما هددوا النبي شعيبا بالتبعيد من البلد و التشريد و الرجم فانه لم يخف و لم يتهاون عن دعوته.

النبي موسي عليه السلام و الشدائد التي واجهها من بني اسرائيل.

النبي نوح عليه السلام و معاناته في مده التبليغ (950 عاما)، و استهزاء الناس به.

النبي ابراهيم عليه السلام و امتحان الله له بالمال و الروح و الولد، فخرج من الامتحان منتصرا و وهب الله له الامامه: (اني جاعلک للناس اماما). [4] .

و النبي سليمان الذي امتحنه الله بالنعم و الملک ليري مدي شکره



[ صفحه 148]



و عبوديته فقال:

(هذا من فضل ربي ليبلوني ءاشکر ام اکفر). [5] .

و هکذا فنحن نلاحظ ان الکثير ممن يدعي حب الله و عشق صاحب الزمان و لکن في مقام العمل لا استقامه لهم و لا ثبات، و يتزلزل ايمانهم بابسط الامور و الضغوط و الفتن و التهم.

او اذا تعارضت منافعهم الشخصيه او الماليه او المقاميه للخطر تراجعوا عما ادعوه سابقا.

يذکر المرحوم آيه الله النهاوندي في کتابه العبقري الحسان: ان رجلا صالحا يعمل عطارا في البصيره، في احد الايام جاء ه رجلان يطلبان منه سدرا و کافورا علي هيئه غريبه تختلف عن اهالي المنطقه، فيقول العطار: سالتهما عن مدينتهما، لکنهما امتنعا عن الجواب، فاصررت کثيرا حتي اقسمت عليهما برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم.

مباشره اجابا عن سوالي قائلين: نحن من الاصحاب الملازمين لبقيه الله -عجل الله فرجه - و بما ان احدنا توفي امرنا من طرف مولانا بشراء سدر و کافور منک.

يقول العطار: ما ان سمعت هذا المطلب حتي توسلت اليهما و تضرعت کثيرا حتي يصحبوني معهم لکنهما ردا: الامر متعلق باذن الامام و بما انه



[ صفحه 149]



لا اذن لنا منه فنحن معذورون عن استجابه طلبک.

اجبتهما: خذاني الي حيث انتم حتي آخذ اذن الامام، فان اذن فبها و الا فانا راجع حيث کنت.

في البدايه امتنعا الرجلان لکنهما و لا صراري الشديد و الحاحي سمحا لي.

اغلقت دکاني واتبعتهما حتي وصلنا الي الساحل.

لم يحتج الرجلان الي وسيله ليعبرا البحر حيث مشيا علي الماء بکل قدره، لکن وقفت عاجزا، لا ادري ما العمل حتي قالا لي: لا تخف، و اقسم علي الله بالحجه ان يحفظک ثم سر معنا.

ففعلت ما قالا لي و مشيت علي الماء و اثناء المسير تجمعت السحب حتي شرعت بالامطار فتذکرت الصابونات التي جعلتها مکشوفه لتضر بها الشمس و تجف، و في اللحظه التي غفلت فيها و صار فکري و قلبي مشغولا بصابوناتي نزلت قدماي و صرت اسبح لا نجو من الغرق، لکن الرجلان توجها لحالي وانقذاني و قالا: تب مما اغرقک و جدد القسم.

تبت وجددت القسم، و تمکنت من السير علي الماء، عند ما وصلنا الي الساحل رايت خيمه وسط البر تنير ما حولها، قالا لي الرجلان: غايه المقصود في هذه الخيمه، تقربنا من الخيمه. و دخل احدهما لاخذ الاذن من الامام، فکنت اسمع ما يجري بينهما من حديث، فسمعت الامام يقول له.

ردوه فانه رجل صابوني ما ان سمعت کلام الامام المقدس ايقنت صحه



[ صفحه 150]



بيانه، و اني مسلوب اللياقه في لقاء حضرته، فما دمت متعلقا باوساخ الدنيا و قلبي لا ينفک عن الدنيا کيف له ان يعکس المحبوب في مرآته. [6] .

علي کل حال عصر الغيبه عصر الامتحان و التربيه، عصر التزلزل و الثبات، عصر الصبر.

و من المناسبات ان نتطرق الي بعض علامات عصر الغيبه، و نتعرف علي موارد الامتحان و الشدائد ثم نراجع انفسنا و نحاسبها.

س 3: کيف يعرف الانسان انه نجح في الامتحان الالهي؟

الجواب: و من هنا بالذات، تنبثق فکره التمحيص و الامتحان، فاننا بعد ان نعرف ان لکل واقعه في الاسلام حکما معينا، و نعرف ان لکل فرد موقفا معينا تجاه کل حادثه.

اذن لا بد ان ينظر الي مدي تطابق موقف الفرد مع حکم الاسلام. فان کان منسجما معه، فهو ناجح في التمحيص، و ان کان مختلفا معه، فهو فاشل و راسب لا محاله.

قال الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و هو يصف عصر الغيبه:

سياتي زمان علي امتي لا يبقي من القرآن الا رسمه، و لا من الاسلام الا اسمه يسمون به، و هم ابعد الناس منه، مساجدهم عامره و هي خراب من الهدي، فقهاء ذلک الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنه



[ صفحه 151]



و اليهم تعود. [7] .

و قوله صلي الله عليه و اله و سلم: سياتي من بعدي اقوام... ليست همتهم الا الدنيا عاکفون عليها، آلهتهم بطونهم... محاريبهم نسائهم، و شرفهم الدارهم و الدناير، اجسادهم لا تشبع و قلوبهم لا تخشع. [8] .

لتمحصن يا شيعه آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم تمحيص الکحل في العين، و ان صاحب العين يدري متي يقع الکحل في عينه و لا يعلم متي يخرج منها، و کذلک يصبح الرجل علي شريعه من امرنا و يمسي و قد خرج منها، و يمسي علي شريعه من امرنا و يصبح و قد خرج منها. [9] .


پاورقي

[1] آل عمران: 179.

[2] آل عمران: 142.

[3] الانبياء: 35.

[4] البقره: 124.

[5] النمل: 40.

[6] العبقري الحسان: 103.

[7] بحار الانوار 190:52 ب (25) علامات ظهوره، ح 21.

[8] بحار الانوار 74: 97-96 ب (5) وصيه النبي صلي الله عليه و اله و سلم، ح 1.

[9] الغيبه للنعماني: 214 ب (12)، ح 12.