بازگشت

فلسفة التمحيص و الاختبار


ان التمحيص و الاختبار عاملان لتربيه الفرد و الامه کان و لا يزال علي الامه البعيد. قال تعالي: (و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الکافرين. ام حسبتم ان تدخلوا الجنه و لما يعلم الله الذين جاهدوا منکم و يعلم الصابرين). [1] .

فلسفه التمحيص علي نطاق المجتمع

بعث نبي الاسلام صلي الله عليه و اله و سلم بالاطروحه التشريعيه العادله الکامله، بعد ان اصبحت البشريه في مستواها العقلي و الثقافي العام قابله لفهمها و استيعاب احکامها، و ذلک بفضل تربيه الانبياء السابقين و من خلال الاديان السابقه و التعاليم التدريجيه التي ساعدت علي تکامل العقل و الوعي البشري.

و الاسلام کان آخر الاديان و اکملها، فلهذا تکون هي الاطروحه الماموله في اليوم الموعود، و ذلک اليوم الذي يطبق فيه العداله الالهيه المطلقه عند ظهور الامام المهدي عليه السلام.

و لکن تطبيق هذه الاطروحه العالميه و هو الاسلام لا يتحقق الا بشرطين

الشرط الاول:

ايجاد المستوي اللائق في البشريه من الناحيه العقليه و الثقافيه لفهم العدل الکامل و ان هذا العدل لا يتحقق الا بطاعه الله و الانصياع لاوامره و نواهيه، باعتباره مستحقا للعباده.



[ صفحه 141]



الشرط الثاني:

الوصول بالبشريه الي المستوي العالي من الاخلاص و التضحيه في سبيل تحقيق و ايجاد هذه العداله الکامله، و تبقي في نتيجه التمحيص الطويل عصابه لا تضرها الفتنه شيئا، لانهم يمثلون الحق صرفا، و ينهون الي فسطاط الحق الذي لا کفر فيه و لکن - مع شديد الاسف - لم يکن في الامکان ان يتکفل الاسلام بتکوين و تحقيق تلک العداله الکامله في الماضي و الآن؛ و ذلک لعدم توفر الشرط الثاني من الشرطين الاساسيين لوجود هذا التطبيق

و لا زال هذا الشرط غير متوفر الي حد الآن.

فبينما کان المانع بالنسبه الي الانبياء السابقين عن هذا التطبيق، هو عدم توفر کلا الشرطين... نجد ان المانع بالنسبه لنبي الاسلام هو عدم توفر شرط واحد منهما، بعد ان تمت تربيه البشريه علي الشرط الاول علي ايدي الانبياء السابقين.

س: لماذا تمت تربيه البشريه علي احد الشرطين و لم تتم تربيتها علي الشرط الثاني؟ بالرغم من جهود الانبياء علي مر التاريخ الطويل؟

الجواب: ان توفير الشرط الاول، هو ايجاد المستوي اللائق في البشريه - من الناحيه العقليه و الثقافيه لفهم العادل الکامل - اسهل بکثير من توفير الشرط الثاني و هو الوصول بالبشريه الي المستوي العالي من الاخلاص و التضحيه. فان تربيه الفکر و الثقافه لا تواجه عاده من الموانع و العقبات ما تواجهه التربيه الوجدانيه من ذلک، متمثله في الشهوات و المصالح الخاصه،



[ صفحه 142]



و ظروف الظلم و الاغراء، فمن الطبيعي ان تحتاج التربيه علي الشرط الاول علي زمن اقصر بکثير من الزمن الذي تحتاجه التربيه علي الشرط الثاني، و من الطبيعي ان يکون البشر لدي اول نضجهم الفکري في التربيه علي الشرط الاول غير ناضجين وجدانيا في التربيه علي الشرط الثاني لانها تحتاج الي توفير زمان طويل.

و من هنا امکن وصول البشر الي الحد الثقافي المطلوب، فاستحقت ان يعرض عليها الدين الاسلامي، علي حين لم تکن قد وصلت الي الحد المطلوب من الناحيه الوجدانيه، لتستطيع تحمل القياده العالميه بين يدي النبي صلي الله عليه و اله و سلم فکان لا بد لاجل ضمان نجاح التطبيق في تحقيق العداله العالميه في ظل الاسلام ان تمر البشريه بظروف معينه، تکفل لها التربيه علي الاخلاص.

فيتعين علي الامه الاسلاميه و الفرد المسلم ان يعيش الظروف التي تربيها و تمحصها، و تمر الامه بغربله حقيقيه، حتي ينکشف کل فرد علي حقيقته، فيفشل في هذا التمحيص کل شخص قابل للانحراف، لاجل اي نقص في ايمانه او عقيدته او اخلاصه.

و کان هذا التمحيص الضخم متمثلا بظرفين مهمين تمر بهما الامه الاسلاميه، بل البشريه کلها الي العصر الحاضر:

الظرف الاول:

غيبه الامام المهدي عليه السلام، تلک الغيبه التي توجب للغافل عن البرهان الصحيح الشک بل الانکار.



[ صفحه 143]



الظرف الثاني:

تيار الرده عن الاسلام و اقصد به التيارات المعاديه للاسلام، و التي تحمل بين طياتها معاني الخروج عنه، بما فيها تيار التبشير المسيحي الاستعاري، و تيار الحضاره الغربيه المبني علي التحلل الخلقي و انکار المثل العليا، و التيارات الماديه و غيرها، تلک التيارات التي استطاعات ان تصطاد من امتنا الاسلاميه و من العالم کله، ملايين الافراد.

و ضعف المستوي الاخلاقي لدي الناس بشکل عام، و تقديمهم مصالحهم الشخصيه علي اتباع دينهم سواء علي الصعيد الفردي او الاجتماعي.

و تحت هذين الظرفين، کان التمسک بالاخلاص العالي، عملا جهاديا في غايه الصعوبه و التعقيد، و يحتاج الي مضاعفه الجهود في سبيل المحافظه علي مستواه فکان القابض علي دينه کالقابض علي جمره من النار.

و کان المخلصون علي المستوي العالمي، في غايه القله و الندره بالنسبه الي مجموع سکان العالم.

و لا زالت البلايا و المحن تتضاعف، و ظروف التمحيص و الاختبار الالهي تتعقد و تزداد، حتي اصبح الفرد يقهر علي ترک دينه و التمرد علي تعاليم ربه، بمختلف اساليب الخوف و الترغيب و لعل المستقبل - ان لم ياذن الله تعالي بالفرج و الظهور - کفيل بان نواجه اشکالا من الخطر و البلاء علي ديننا و دنيانا هي اهم و اصعب مما حصل الي حد الآن فليفهم کل مسلم موقفه، و ليلتمس اعلي درجات الايمان و يشخص مقدار قابليه علي الصمود، قبل ان



[ صفحه 144]



يسقط في هاويه الانحراف.

لکي يوطن نفسه علي الصبر و الجهاد علي کل حال ليکون له فخر المشارکه في بناء العدل العالمي في اليوم الموعود. [2] .


پاورقي

[1] آل عمران: 142-141.

[2] الغيبه الکبري: 233-229.