نزول عيسي بن مريم من السماء
يعتبر نزول النبي عيسي بن مريم عليه السلام من السماء - عند قيام الامام المهدي عليه السلام - من الحقائق الثابتة عند جميع المسلمين - علي اختلاف مذاهبهم - و من الأمور التي لا تقبل الشک و الجدل.
و لعل الحکمة الوحيدة في نزوله عند قيام الامام المهدي عليه السلام هي تقوية جانب الامام المهدي، و الاعتراف و التصديق بأنه حق لا ريب فيه، و خاصة بعد اقتدائه بالامام المهدي في الصلاة - کما ستعرف ذلک -.
و يعتبر نزول عيسي الي الأرض من أعجب الأعاجيب و أهم الحوادث، و أعظم الآيات و أکبر الدلالات.
أليس من العجيب أن انسانا کان يعيش علي الأرض، ثم عرج به الي السماء، و عاش هناک أکثر من ألفي سنة ثم يهبط الي الأرض؟!
مع الانتباه الي أن هذا الانسان يمتاز عن غيره بانه:
أولا: نبي من أنبياء الله تعالي، و من أولي العزم.
ثانيا: أنه صاحب شريعة و کتاب سماوي - و ان امتدت يد التحريف و التشويه الي شريعته من بعده -.
ثالثا: أنه خلق من غير أب.
رابعا: أن أمته - اليوم - حوالي الف مليون نسمة، بما فيهم الملوک و الأمراء و روساء الجمهوريات، و غيرهم من کافة الطبقات.
[ صفحه 319]
خامسا: أن ملايين من تماثيله منصوبة علي الکنائس و المدارس، و معلقة علي صدور أتباعه، و موجودة في البيوت و المحلات.
أضف الي ذلک: العقائد الشاذة الموجودة عند المسيحيين تجاه عيسي بن مريم، فمنهم من يعتقد أنه ابن الله، أو أنه الله، تعالي عما يقول الکافرون و المشرکون.
و علي کل حال، فالنبي عيسي أقدس موجود عند المسيحيين، و من الطبيعي أن بقية الملل و الأديان لا تتجاهل هذه الشخصية.
و کذلک المسلمون يضعون المسيح في المکان اللائق به، اتباعا للقرآن الکريم الذي ذکر المسيح بالنزاهة و التبجيل، في مواضع عديدة منه.
و نظرا لأهمية هذه الحقيقة - و هي نزول عيسي من السماء - تجد أحاديث کثيرة متواترة، تصرح بهذا المعني.
و عندما نراجع موسوعات الحديث نجد الکثير من علماء السنة و حفاظهم و أئمة الحديث يذکرون نزول عيسي بن مريم من السماء عند قيام الامام المهدي عليه السلام:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: منا الذي يصلي ابن مريم خلفه. [1] و عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: يلتفت
[ صفحه 320]
المهدي و قد نزل عيسي بن مريم کأنما يقطر من شعره الماء [2] فيقول المهدي: تقدم وصل بالناس!.
فيقول عيسي بن مريم: انما أقيمت الصلاة لک.
فيصلي عيسي خلف رجل من ولدي، فاذا صلي قام عيسي حتي يجلس في المقام فيبايعه. [3] .
و عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم:... و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلک اليوم حتي يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل عيسي بن مريم فيصلي خلفه... [4] .
و قال أمير المومنين علي بن أبي طالب عليه السلام - في قصة الدجال -:... و يدخل المهدي عليه السلام بيت المقدس و يصلي بالناس اماما، فاذا کان يوم الجمعة و قد أقيمت الصلاة، نزل عيسي بن مريم عليه السلام بثوبين مشرقين، أحمر، کأنما يقطر من رأسه الدهن، رجل الشعر [5] صبيح الوجه، أشبه خلق الله بأبيکم
[ صفحه 321]
ابراهيم خليل الرحمان، فيري المهدي عيسي، فيقول لعيسي: يابن البتول صل بالناس. [6] .
فيقول: لک أقيمت الصلاة. فيتقدم المهدي عليه السلام فيصلي بالناس، و يصلي عيسي خلفه و يبايعه. [7] .
أما الأحاديث الواردة في کتب الشيعة المروية عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و الأئمة الطاهرين عليهم السلام فکلها تصرح باقتداء عيسي بن مريم عليهما السلام بالامام المهدي عليه السلام و لا نبالغ اذا قلنا: ان نزول عيسي من السماء و اقتداء ه بالامام المهدي يعتبر - عند الشيعة - من الأمور القطعية، بل من أشهر القضايا، حتي جاء في کتاب عيون المعجزات: [8] ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أخبر الأئمة بخروج المهدي خاتم الأئمة، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا، و أن عيسي ينزل عليه وقت خروجه و ظهوره و يصلي خلفه.
ثم قال: و هذا خبر قد اتفقت عليه الشيعة، و العلماء و غير العلماء و السنة، و الخاص و العام، و الشيوخ و الأطفال، لشهرة هذا الخبر.
[ صفحه 325]
پاورقي
[1] بحار الأنوار 84:51، ب (1) ما ورد من الاخبار بالقائم، ح 37، و معجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام 335:1، و الجامع الصغير للسيوطي 546:2، ح 8262، و کنز العمال 266:14، ح 38673، و ينابيع المودة للقندوزي 81:2، ح 109.
[2] أي: ان شعر رأسه يلمع کمن دهن شعره، أو غسله بالماء.
[3] عقد الدرر: 230 -229، طبع مصر 1399 ه- و قال بعد ذکر الحديث: أخرجه الحافظ أبو نعيم في مناقب المهدي و الطبراني في معجمه.
[4] فرائد السمطين للجويني الشافعي 312:2.
[5] أي: مسرح الشعر، کالذي استعمل المشط.
[6] البتول: هي المرأة التي لا تري دم الحيض و النفاس، و قد کانت السيدة مريم - والدة عيسي - طاهرة لا تري دما، کما ورد ذلک في الأحاديث.
[7] عقد الدرر: 274.
[8] للحسين بن عبد الوهاب، و هو من علماء القرن الخامس الهجري.