بازگشت

اسطورة السرداب


من المتفق عليه ان الغيبه الصغري قد انتهت بوفاه سفيره الرابع الشيخ السمري و بدات بوفاه سفيره المذکور الغيبه الکبري التي عبر عنها الامام الصادق (ع) بانها من سر الله و غيب الله، و ستبقي حتي ياذن الله له بالفرج‌، اما اين کان خلال الفتره الاولي من حياته و من اين انطلقت غيبته الکبري و اين هو منذ بدايتها و حتي نهايتها، فالذي نومن به و توکده النصوص الصحيحه ان مقره خلال الفتره الاولي من حياته کان بيت ابيه العسکري (ع) في الغالب، و کان يتستر عن الحاکمين و عيونهم و جلاوزتهم احيانا في مخبا في البيت يسمونه السرداب الذي کان و لايزال يستعمل في بيوت العراق للوقايه من حر الصيف اللاهب.

و عند ما کان يشتد الطلب عليه و يحاصر بيته کان يخرج منه محاطا بعنايه الله و رعايته کما حدث له اکثر من مره، کان يغيب عن بيته و يحضر المواسم الدينيه في کل عام و حتي مجالس اصحابه و تجمعاتهم لحل مشاکلهم و قضاء حوائجهم من حيث لا يعرفه الا صفوه الصفوه في بعض الاحيان کما جاء ذلک في بعض النصوص.

و من بيته انطلقت الغيبه الکبري و خرج منه بلا شک في ذلک الي بلاد الله العريضه يعيش مع الناس و يقاسي مما تعانيه البشريه من ظلم و اضطهاد



[ صفحه 560]



و تشريد و تجويع، و يحضر مواسم الحج و غيرها من المناسبات و لا يعرفه احد حسب التخطيط الالهي و المصلحه التي لا يعدو الحديث عن ابعادها و اسرارها ان يکون من نوع التکهن و الاستحسان.

و مهما کان الحال فالحديث عن هذه الناحيه و اسرارها شائک و معقد، و منکر وجوده و غيبته خارج عن التشيع، و ربما عن الاسلام اذا رجع انکاره الي تکذيب النبي فيما اخبر به اما کيف و لماذا فامر ذلک الي الله وحده و ليس هذا عليه بعزيز،‌و سلام الله علي من قال: انه سر من الله و غيبت من غيبه.

و قد استغل الحاقدون علي الشيعه ذکر السرداب في بعض المرويات التي تعرضت للمهدي و المراحل التي مر بها، و ما يصنعه عوام الشيعه خلال زيارتهم لمرقد الامامين الهادي و العسکري (ع) من الصلاه و الدعاء في المکان المعروف ببيت الامام الحسن العسکري (ع) لقد استغلوا ذلک للدس و الافتراء علي الشيعه کما هي عادتهم عند ما يجدون منفذا لذلک فقالوا في جمله ما قالوه: ان الشيعه يعتقدون بانه دخل السرداب، و امه تنظر اليه و ما زال يسکنه و لم يخرج منه خلال هذه المده الطويله، و قال بعض شعرائهم في ذلک:



ما آن للسرداب ان يلد الذي

غيبتموه بجهلکم ما آنا



فعلي عقولکم العفاء فانکم

ثلثتم العنقاء و الغيلانا



و قال الکنجي في کتابه البيان: ان بقاء ه حيا في السرداب طيله هذه المده بدون طعام و شراب تم له بقدره الله سبحانه الي غير ذلک من الهراء الذي لا يعتمد علي اساس معقول او حديث صحيح مقبول.

و قد ذکرنا ان حياته في المرحله الاولي کانت في بيت ابيه و خارجه احيانا و کان يتستر عن الناس خوفا من الحاکمين الذين کانوا يتحرون وجوده و يلاحقونه و سفراءه احيانا، و ربما کان يلجا اني السرداب الذي لا يخلو منه بيت من بيوت العراق، و في المرحله الثانيه قد خرج منه حتما الي بلاد الله



[ صفحه 561]



الواسعه ليعيش کغيره من الناس.

اما کيف والي اين و متي سيظهر لاداء مهمته التي ادخره الله لها فامر ذلک الي الله و اذا تعسر علينا ان ندرک الحکمه في غيبته و اسرارها فما علينا الا الاذعان و التسليم لقول من لا ينطق عن الهوي. لا سيما و ان العقل لا يري ذلک محالا، في حين ان نوحا النبي قد عمر قبله اکثر من الف سنه کما اخبر بذلک القرآن الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، کما اخبر ببقاء عيسي و کذب اليهود فيما ادعوه من قتله فقال: (و ما قتلوه و ما صلبوه)

(... يقينا بل رفعه الله اليه و کان الله عزيزا حکيما و ان من اهل الکتاب الا ليومنن به قبل موته و يوم القيامه يکون عليهم شهيدا).

فظاهر هذه الآيه انه لا يزال حيا،‌کما و ان الآيه السابقه تنث علي ان اليهود لم يقتلوه و لم يصلبوه بل رفعه الله اليه.

اما الآيه: (اني متوفيک و رافعک الي)، فلا ظهور فيها في وفاته کما ادعاه بعض المفسرين ذلک لجواز ان يکون المراد منها، اني موفيک اجرک و رافعک الي، و علي تقدير ان المراد من الوفاه في الآيه هو الموت، فلا ظهور فيها علي انه قد وقع فيما مضي و العطف بالواو لا يفيد الترتيب کما هو المعلوم من موارد استعماله، و لو اغمضنا عن حياه عيسي بن مريم ففيما حکاه الله في کتابه عن نوح مع قومه خير شاهد علي ان الانسان قد يعيش زمنا طويلا، و في الحديث و التاريخ عن اخبار المعمرين ما يوکد هذه الحقيقه.

فقد جاء عن لقمان بن عاد انه عاش اکثر من خمسمائه عام و ادرک سبعه انسر في حياته، و قال فيه الاعشي:



لنفسک اذ تختار سبعه انسر

اذا ما مضي نسر خلوت الي نسر



و قال لا دناهن اذ حل ريشه

هلکت و اهلکت ابن عاد و ما تدري



و ذکر الرواه ان قس بن ساعده الايادي عاش سبعمائه سنه و قيل اکثر



[ صفحه 562]



من ذلک، کما ذکروا ان عمر بن ربيعه بن کعب المعروف بالمستوغر عاش اربعمائه عام و توفي قبيل ظهور الاسلام و هو القائل کما يدعي الاخباريون:



و لقد سمئت من الحياه و طولها

و بلغت من عدد السنين مئينا



مائه اتت من قبلها مائتان لي

وازددت من عدد الشهور سنينا



هل قد بقي الا کما قد فاتنا

يوم يکر وليله تحدونا



و من المعمرين زهير بن خباب، فقد عاش و عشرين عاما کما يدعي السيد المرتضي في اماليه، و منهم ذو الاصبع العدواني فقد جاء في اخباره انه عاش ثلاثمائه سنه و قيل اقل من ذلک، کما ادعي الاخباريون ان الربيع بن ضبع الفزاري اخبر عن نفسه بانه عاش مائتي سنه في فتره عيسي و اکثر من مائه في الجاهليه، و بقي حيا حتي ادرک عبد الملک بن مروان و انشده:



اذا عاش الفتي مائتين عاما

فقد ذهب اللذاذه و الغناء



و له حوار طويل و حديث طريف مع عبد الملک يوم دخل عليه و جعل يحدثه عما شاهده في حياته الطويله و اخبار الماضين کما نص علي ذلک اکثر المورخين.

و من المعمرين عبد المسيح بن بقله الغساني، فلقد عاش کما يدعون اکثر من ثلاثمائه و خمسين عاما الي غير ذلک مما يرويه المحدثون والمورخون عن عشرات المعمرين الذين تجاوزت اعمارهم عن المالوف بين البشر منذ اقدم العصور حتي يومنا هذا، و في مجاميع الحديث السنيه و الشيعيه اخبار کثيره تنص علي ان الخضر عاش زمنا طويلا و في اکثرها انه لا يزال حيا.

و اذا صحت اخبار الرواه عن المعمرين و ليس ذلک ببعيد فهو علي خلاف المالوف من حياه البشر، و الشيعه لا يدعون بان حياته الطويله علي وفق المالوف بل يقولون بان ذلک لامر اقتضته مشيئه الله سبحانه کما اقتضت



[ صفحه 563]



مشئيته ان يعيش نوح الف عام او اکثر من ذلک، کما و ان احتجابه عن الناس لا يتنافي مع امامته بعد ان کان لمصلحه تقتضيه کما کان يحتجب بعض الانبياء عن قومهم خوفا علي حياتهم او لمصالح اخري. و المسؤوليه في ذلک تقع علي عاتق الامه التي اضطرته لان يختفي عن الناس کما اضطرت آباءه من قبله للتقيه من الظالمين و التستر في دعوتهم اکثر الاحيان. و الحديث عن هذه النواحي من سيرته شائک و طويل و قد کتب الشيعه فيها عشرات الکتب و دافعوا عن عقيدتهم بالمنطق و الدليل منذ اقدم عصورهم حتي عصرنا الحالي.

و بما اني قد اخذت علي نفسي ان اختصر حسب الامکان، فاني اکتفي بهذا المقدار من الحديث عن سيره الائمه (ع) و اعترف بعجزي عن الاحاطه بواقعهم و جميع جوانب سيرتهم الحافله بکل معاني الخير و الفضيله و هو عذري اليهم و الصلاه و السلام عليهم و علي جدهم المصطفي الذي بعث رحمه للعالمين و رحمه الله و برکاته.