بازگشت

السفراء الاربعة في الغيبة الصغري


لقد تحدث الرواه عن غيبه الامام محمد بن الحسن العسکري (ع) و اسبابها و رووا عن الامام الصادق و ابي الحسن موسي بن جعفر (ع) ان الله سبحانه قد اخفي ولادته و غيبه عن الناس لئلا يکون في عنقه بيعه الي احد،‌کما رووا عن ابي جعفر الباقر (ع) انه غاب خوفا من بني العباس، و جاء في روايه عبد الله بن الفضل الهاشمي:‌ان الامام الصادق (ع) قال في جواب من ساله عن الحکمه في غيبته: ان هذا الامر لا ينکشف الا بعد ظهوره کما لم ينکشف وجه الحکمه فيما اتاه الخضر الا بعد ان افترق عن موسي، و مضي الامام يقول کما جاء في الروايه: ان هذا امر من امر الله و سر من اسراره و غيب من غيبه و متي علمنا انکه حکيم صدقنا بان افعاله کلها لحکمه تقتضيها و ان کان وجهها غير منکشف لنا، و في رايي ان الحديث عن اسباب غيبته من الغيبيات التي يعود امرها الي الله وحده کما جاء في روايه عبد الله بن الفضل عن الامام الصادق (ع) و ما علينا الا التسليم و الالتزام بما اقتضته مشيئته، و التشکيک في حياته و ظهوره عند ما ياذن الله له بذلک علي حد التشکيک بنبوه الانبياء و امامه آبائه الکرام.

و منذ ان انتقلت الامامه اليه بعد وفاه ابيه لم يکن من الميسور لاي کان من الناس ان يتصل به و يجتمع اليه خلال سبعين عاما تقريبا الا من خلال



[ صفحه 540]



سفرائه الاربعه: عثمان بن سعيد العمري، و محمد بن عثمان العمري، و الحسين بن روح النوبختي، و علي بن محمد السمري الذين کانوا حلقه الاتصال بينه و بين شيعته في مختلف الاقطار بواسطه الرسائل التي يحملونها اليه و ياخذون منه اجوبتها لاهلها، کما فوضهم بقبض الاخماس التي کانت تجبي اليه و التصرف بها حسبما تقتضيه المصلحه، و قد تولي له السفاره خلال السنين الاولي من امامته عثمان بن سعيد المعروف بالسمان، لانه کما يقول الرواه کان يتجر بالسمن و يتجول في تجارته في الاوساط الشيعيه حتي لا يظهر امره للحاکمين، فاذا دفع اليه احد الشيعه مبلغا من المال وضعه في زقاق السمن و اخفاه عن الناس، وتولي السفاره لثلاثه من الائمه (ع) الهادي و الحسن العسکري و محمد بن الحسن القائم المنتظر.

و جاء في روايه احمد بن اسحاق بن سعد القمي انه قال: دخلت علي ابي الحسن علي بن محمد (ع) في يوم من الايام وقلت له: يا سيدي انا اغيب واشهد و لا يتهيا لي الوصول اليک اذا شهدت في کل وقت فقول من نقبل و امر من نتمثل؟ فقال لي: هذا ابو عمرو الثقه الامين ما قاله لکم فعني يقوله و ما اداه لکم فعني يوديه، و مضي الراوي في حديثه يقول: فلما مضي ابو الحسن ضرت الي ابنه ابي محمد الحسن العسکري ذات يوم فقلت له مثل قولي لابيه من قبل، فقال لي: هذا ابو عمرو الثقه الامين ثقه الماضي و ثقتي في المحيا و الممات فما قال لکم فعني يقوله و ما ادي اليکم فعني يوديه.

و في روايه ثاينيه رواها الشيخ الطوسي في الغيبه عن جماعه من الشيعه منهم علي بن بلال و احمد بن هلال و محمد بن معاويه بن حکيم و الحسن بن ايوب بن نوح انهم قالوا:‌اجتمعنا الي ابي محمد الحسن بن علي (ع) نساله عن الحجه من بعده و في مجلسه اربعون رجلا فقام اليه عثمان بن سعيد و قال له: يا ابن رسول الله اريد ان اسالک عن امر انت اعلم به مني، فقال له:‌اجلس يا عثمان، فقام مغضبا ليخرج فامرنا الامام بالجلوس الي ان کان بعد ساعه صاح الامام بعثمان بن سعيد فقام علي قدميه، فقال الامام (ع):



[ صفحه 541]



اخبرکم بما جئتم له، قالوا: نعم يا ابن رسول الله، قال: جئتم تسالوني عن الحجه بعدي، قالوا: نعم، ثم خرج لنا غلام کانه قمر اشبه الناس بابي محمد فقال:‌هذا امامکم من بعدي و خليفتي عليکم اطيعوه و لا تتفرقوا فتهلکوا في اديانکم، الا و انکم لا ترونه من بعد يومکم هذا فاقبلوا من عثمان بن سعيد ما يقولوه وانتهوا لامره و اقبلوا قوله فهو خليفه امامکم و الامر اليه.

و جاء في روايه اخري انه قال: و ان ابنه محمدا وکيل ابني مهديکم و بقي ابو عمرو عثمان بن سعيد قائما باعباء سفارته للمهدي (ع) بعد وفاه ابيه مده من الزمن لم يحدد الرواه مقدارها الي ان وافاه اجله فعهد من بعده الي ولده ابي جعفر محمد بن عثمان العمري بامر من الحجه محمد بن الحسن عليه السلام.

و جاء في روايه محمد بن ابراهيم بن مهزيار الاهوازي بعد وفاه ابي عمرو العمري انه خرج توقيع جاء فيه ان ابنه لم يزل ثقتنا رضي الله عنه و ارضاه و نضر وجهه يجري عندنا مجراه و يسد مسده و عن امرنا يامر و به يعمل تولاه الله فانته الي قوله و عرف شيعتنا ذلک.

و قد عزاه الحجه بابيه حين وفاته و جاء في تعزيته له کما في روايه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: انا لله و انا اليه راجعون تسليما لامره و رضا بقضائه عاش ابوک سعيدا و مات حميدا فرحمه الله و الحقه باوليائه و مواليه (ع) فلم يزل مجتهدا في امرهم ساعيا فيما يقربه الي الله عز و جل و اليهم نضر الله وجهه اقاله عثرته و اجزل لک الثواب و احسن لک العزاء رزيت به ورزينا و اوحشک فراقه و اوحشنا فسره الله في منقلبه، لقد کان من کمال سعادته ان رزقه الله ولدا مثلک يخلفه من بعده و يقوم مقامه بامره و يترحم عليه، ان الانفس طيبه بمکانک و ما جعله الله عز و جل فيک و عندک اعانک الله و قواک و عضدک و وفقک و کان وليا و حافظا و راعيا و کافيا.



[ صفحه 542]



و کانت کتب المهدي (ع) تخرج علي يده الي الشيعه في امور دينهم و کل ما يهمهم بنفس الخط الذي کانت تخرج في حياه ابيه عثمان بن سعيد لا يعرف الشيعه واسطه بينهم و بين الامام غيره، و يجد المتتبع في ابواب الفقه هنا و هناک بعض الآراء للمهدي (ع) کان يجيب فيها علي اسئله الشيعه بواسطه سفيره ابي جعفر العمري و غيره من السفراء و لعل اکثر ما يوجد منها کان بواسطته لانه کان اطولهم مده في هذه المهمه، حيث بقي فيها الي سنه خمس و ثلاثمائه کما توکد ذلک اکثر المرويات، و لعل سفارته للامام المهدي قد استمرت اربعين عاما اي من سنه خمس و ستين بعد سفاره ابيه التي استمرت خمس سنوات لا غير.

و کان قبل وفاته قد حفر قبرا لنفسه و نقش عليه بعض الآيات من القرآن و اسماء الائمه (ع) و ينزل اليه في کل يوم يقرا فيه جزءا من القرآن،‌و قبره يعرف في بغداد بقبر الخلاني.

واوصي قبل وفاته الي ابي القاسم الحسين بن روح بامر المهدي (ع) و کان يرشد الشيعه خلال الايام الاخيره من حياته اليه، فقد حدث جعفر بن محمد المدائني عنه و کان علي ما يبدو ممن يحملون الاخماس الي الامام (ع) و يدفعها الي ابي جعفر العمري کما کان الحال بالنسبه الي غيره من الجباه، و خلال الايام الاخيره جاءه کما تنص الروايه باربعمائه دينار فامره بدفعها الي الحسين بن روح،‌و بعد حوار طويل بين الطرفين و اخذ ورد بقي مصرا علي عدم قبضها منه و قال له و هو مغضب: قم عافاک الله فقد اقمت الحسين بن روح مقامي ووليته منصبي و لما ايقن الراوي ان ذلک منه کان بامر الامام دفعها اليه.

وجاء في روايه الشيخ الطوسي انه لما اشتدت حال ابي جعفر رحمه الله اجتمع جماعه من وجوه الشيعه فدخلوا عليه و قالوا: ان حدث امر فمن يکون مکانک؟ فقال لهم:‌هذا ابوالقاسم الحسين بن روح بن ابي بحر النوبختي



[ صفحه 543]



القائم مقامي و السفير بينکم و بين الامام و الوکيل الثقه الامين فارجعوا اليه في امور دينکم و عولوا عليه في مهماتکم فبذلک امرت و قد بلغت.

و يصفه الرواه بانه کان حکيما في تصرفاته معظما عند العامه و الخاصه و بلغ من حسن تصرفه و حکمته ان العامه لم يصدقوا من کان ينسبه الي الرفض، وحدث ان تنازع اثنان فقال احدهما ان ابابکر افضل الناس بعد رسول الله و بعده عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان و ياتي علي بن ابي طالب من بعده، و قال الثاني: ان عليا افضل الخلق بعد رسول الله، و اشتد النزاع بينهما في مجلسه و فيه حشود من السنه و الشيعه فحسم النزاع بالاسلوب الحکيم الذي اعتاد عليه خوفا علي نفسه وعلي الامام (ع) من الحاکمين و قال: الذي اجمعت عليه الصحابه هو تقديم الصديق و بعده الفاروق و بعده عثمان، ثم علي الوصي و اصحاب الحديث علي ذلک و هو الصحيح عندنا، فتعجب الحاضرون من قوله و رفعه العامه علي رووسهم و طعنوا علي من يرميه بالرفض. و بلغه ان بوابا علي بابه قد لعن معاويه و شتمه فامر بطرده و صرفه من خدمته و لم يقبل شفاعه احد فيه.

و عاش الحسين بن روح قرابه عشرين عاما او تزيد بعد ان تولي السفاره بين الامام المهدي (ع) و عشرات الملايين من الشيعه الذين کانوا يراجعونه في امورهم و مشاکلهم و هو يتصل بالامام و يرجع عليهم باجوبه مسائلهم بخط الامام و توقيعه، و کانت وفاته سنه 326 في بغداد و قبره لا يزال معروفا و مقصودا للزائرين، و قبيل وفاته عهد الي علي بن محمد السمري بامر من الامام (ع) فقام بالمهمه التي کان اسلافه يقومون بها، و لم تطل مدته في السفاره اکثر من ثلاث سنوات ختمت بها الغيبه الصغري التي کان الاتصال فيها بالامام المهدي ميسورا بواسطه سفرائه الاربعه.

و يدعي الرواه ان السمري قبل وفاته بايام اخرج الي الناس توقيعا من الحجه جاء فيه:‌يا علي بن محمد اعظم اجر اخوانک فيک انک ميت ما بينک



[ صفحه 544]



و بين سته ايام فاجمع امرک و لا توص الي احد يقوم مقامک بعد وفاتک فقد وقعت الغيبه التامه فلا ظهور الا بعد ان ياذن الله تعالي، و ذلک بعد طول المده و قسوه القلوب و امتلاء الارض جورا و سياتي شيعتي من يدعي المشاهده فمن ادعاها فهو کذاب مغتر و لا حول و لا قوه الا بالله العلي العظيم.

و اضاف الي ذلک الراوي انه بعد سته ايام دخلنا عليه فوجدناه يجود بنفسه فقلنا له: من وصيک بعدک،‌فقال:‌لله امر هو بالغه، و کانت وفاته سنه 329 و للامام يوم ذاک من العمر اربع و سبعون عاما قضي منها مع ابيه اربع سنوات و نصف، و تسعه و ستين عاما و نصف العام في غيبته الاولي المساه بالصغري، و يدعي المسعودي في اثبات الوصيه ان عمره الشريف کان بنهايه الغيبه الصغري ستا و سبعين عاما و احد عشر شهرا، کانت في عهد المعتمد و المعتضد المقتدر و الراضي، و مع ان خلافه هولاء الاربعه من بني العباس يصفها المورخون بالانحلال و التفکک و لا يملک الخليفه منها الا توقيع المراسيم والشکليات، فلقد کانوا يراقبون تحرکات سفرائه و وکلائه المنتشرين في مختلف المناطق و حاولوا القبض عليه اکثر من مره کما يبدو ذلک من بعض المرويات التي تعرضت لموقف الحاکمين منه.



[ صفحه 545]